المصحات الخاصة

المصحات الخاصة
الجمعة 25 أبريل 2014 - 08:13

المصحات الخاصة، المصحات الخاصة، المصحات الخاصة…

الحكومة تتكون من العديد من الوزارات، منها الضرورية ومن بينها التافهة التي لا تستحق لقب وزارة، ولكن الديمقراطية، خاصة تلك التي تعتمد الاقتراع بالأغلبية النسبية مما يجعلها ديمقراطية نسبية في البلدان النامية…، تقتضي خلق وزارات دون الحاجة إليها لإرضاء أكبر عدد من الأحزاب مما يجعل المعارضة ضعيفة هزيلة.

لأول مرة في التاريخ السياسي حصل ما لم يكن في الحسبان ألا و هو صعود حزب متكون من وجوه غير مستهلكة، و لكنه حزب اضطر للتحالف مع الآخرين ليتمكن من تكوين حكومة. فتم استوزار أشخاص لا قيمة مضافة لأدائهم، بل منهم من اختص في سرقة الشوكولاتة و عدم أداء ثمن الخرفان المشوية التي تنتهي في البطون، و منهم من يسبب القشعريرة و التقزز للشعب كلما ظهر و أينما حل و ارتحل لأن رائحة فساده المالي و خراب ذمته و استحواذه على العلاوات ظلما و عدوانا تزكي الأنوف، و منهم من أعطى 350 مليونا لأمين حزبه ليتربع على رأس وزارة تعنى بالإصلاح الإداري…، -و الشاهد الصحافة-، و لا عجب، فلقد سبق و أن تسلّم حزب تقليدي بركة 400 مليون نقدا في موقف سيارات مستشفى كبير من طرف أحدهم لضمان ربما نجاح صفقة من الصفقات أو لسن قانون من القوانين…إلى آخره. طيب.

الديمقراطية تقتضي أن تجرى الانتخابات أولا ثم تعقد التوافقات السياسية بين الحزب الفائز و بقية الأحزاب لتشكيل حكومة. عموما، لما يستدعي زعيم الحزب الفائز في الانتخابات زعيم حزب آخر طلبا في دعمه بالأصوات التي حصل عليها لبلوغ عتبة الخمسين في المائة، يقوم هذا الأخير أولا بفرض نفسه كوزير في إحدى الوزارات ثم يرشح بعض المنتمين لحزبه من أجل الإستوزار مقابل الملايين كرشوة مغلفة بغلاف الدعم الحزبي. أمور عادية في زمن علامات الساعة الديمقراطية. -و الشاهد الصحافة-. طيب.

ولكن هناك وزير يحضى برضا الشعب لأنه غيّر من الأسوأ إلى الأفضل. فتحية إجلال و تقدير لوزير الصحة. قبل قدومه على رأس وزارة الصحة كانت جميع المصحات الخاصة تتلقى مبالغ مالية نقدا و هي مبالغ كانت لا تظهر على الفاتورات، و لكن بفضل استماتة الوزير الجديد أصبحت جل المصحات تتعامل بشفافية بحيث لم تعد تجرأ على المطالبة بمبالغ مالية من تحت الطاولة.

يحكي أحدهم أن مفاجأته كانت سارة لما أخذ فردا من عائلته ألم به المرض إلى مصحة أمم متحدة في عاصمة البلاد حيث أجريت له عملية جراحية، و لم يطلب منه أي مبلغ من تحت الطاولة كما جرت العادة من قبل في المصحات الخاصة، و أدى فقط المبلغ المحدد في الفاتورة التي سلمت له.

أحسنت أيها الوزير. أحسنت يا وزير الصحة. وتحية لمصحة الأمم المتحدة.

ولكن مازالت هناك مصحة خاصة في عاصمة البلاد تطالب بالمال من تحت الطاولة و بشكل فجّ و قح فظيع، في حيّ يسمى “السويس مع جر السّين”، -هكذا-، مثلا…، حيث انتزعت تلك المصحة مؤخرا مبلغ 10.000 دينار نقدا، و من تحت الطاولة، متحدية الدولة و الحكومة و وزارة الصحة و القانون و الدستور و القرآن و السنة و المالكية و الأشعرية و العروبة و الثقافة الأمازيغية و الوطنية و القومية و العلمانية، من عائلة سيدة مريضة في حاجة لعملية جراحية مستعجلة… فالمرجو القيام بالمتعين خاصة و أن مرضى كثر يستنكرون و لكنهم خائفون خائفون خائفون…

فإيقاف هؤلاء في تلك المصحة الخاصة عند حدهم لن يكون سوى تجارة مع الله، و هي تجارة رابحة مائة بالمائة، رغم أن الأمر يتعلق بأضعف الإيمان ليس إلا… الإيقاع بالعصابة التي تعمل خارج القانون في تلك المصحة و التي تبتز المرضى و تجعلهم يخرقون القانون رغما عنهم مسألة سهلة للغاية… فعلى الحكومة، أو الدولة، أن تحمي المرضى الذين يستغلون شر استغلال، في حالة ضعفهم، من طرف تلك المصحة الخاصة… و لعل هذا المحضر غاية في الوضوح..

“…السيد وزير الصحة،

إنها مصحة خطيرة مستبدة متعالية متعجرفة ديكتاتورية تبتز المرضى و عائلاتهم و تجبرهم على سرقة الدولة و ذلك بقبول فاتورة عليها مبلغ أقل بكثير من المبلغ المؤدى للمصحة تلك…فهذا من عمل العصابات الإجرامية و ليس من شيم المؤسسات المحترمة… السيد الوزير، في انتظار تحرك مصالحكم في اتجاه رفع هذا الظلم الشنيع على مرضى الناس، الفقراء منهم و المستضعفين الذين يعرضون أمتعتهم و أراضيهم و قطعانهم للبيع من أجل الاستشفاء في المصحات الخاصة، و متوسطي الدخل أيضا الذين يقعون في شباك تلك المصحة…، تقبلوا عبارات التقدير و الاحترام.”

ولكن، من كان يحلم بخفض ثمن الدواء إلى النصف؟ لا أحد، أكيد. من لا يشكر الناس لا يشكر الله. فشكرا للسيد الوزير. و بطبيعة الحال الشكر أو التنويه هنا موجه لشخص الوزير الذي أبان على قدر معتبر من النزاهة و الوفاء و الإخلاص لله و للوطن رغم كل العراقيل و المعيقات التي يعلمها الجميع. و الشكر موجه خاصة للدولة التي تساند السيد وزير الصحة… فالفرق بين السيد الوزير الحالي و من سبقه، أو التي سبقته…، على رأس وزارة الصحة كالفرق بين السماء و الأرض، هكذا يقول الناس هنا و هناك، و في الطرقات، و داخل بعض المصحات الخاصة أيضا، نعم، هكذا يقول الناس آملين أن يتحرك السيد الوزير من أجل إنقاذ مرضى الناس من ديكتاتورية و استبداد مصحة حي “السويس بجر السين”،- هكذا-، التي تجبر المستضعفين على دفع الرشوة من أجل الاستشفاء إضافة إلى كل المبالغ الأخرى المستحقة أو القانونية…

أيها الوزير، إنما إجبار ذوي سيدة مسنة طاهرة عابدة ربّانية طيبة مربّية متسامحة، ابتلاها الله بمرض يستوجب عملية جراحية مستعجلة، على دفع عشرة ألف دينار نقدا كرشوة مقابل البقاء على قيد الحياة، لعار سيضل مكتوبا على جبين البلد و الوطن إن لم تتدخل مصالحكم لوقف هذا العبث بالأخلاق و القانون و الدستور، و بكل الأعراف و المواثيق التي أقرتها الإنسانية جمعاء بكل فئاتها، التقدمية منها و الاشتراكية، و المحافظة و السلفية، و الطلائعية و الشيوعية، و الليبرالية و الرأسمالية.

الإنسانية جميعها تصطف ضد مصحة حي “السويس بجر السين”، -هكذا-، التي تفرض 10.000 دينار، أو درهم أو ريال، كرشوة مقابل الحياة، إضافة إلى المبالغ المستحقة أو القانونية. لا يمكن أن يستمر هذا العبث و هذا الاستبداد و هذه الديكتاتورية العمياء من طرف مصحة حي “السويس بجر السين”، -هكذا-، في عقر دار الحضارة و التقدم و الحداثة و الاشتراكية و الإسلام و المعاصرة و العدالة و الأصالة و التنمية و الطليعة، يعني في العاصمة، عاصمة البلد الشريف.

ولكن هل يجب أن ننوه بالحزب الذي ينتمي إليه السيد الوزير؟ يقول الناس عموما: لا. فالحزب ما هو سوى مطية لممارسة السياسة بحث يمكن أيضا للنزهاء ذوي النيات الحسنة الذين يتصفون بنكران الذات أن يستعملوه بحذر من أجل الخير. هكذا يقول الناس. و ها هو ذا السيد الوزير يشق طريقه نحو النجاح و الفلاح في سبيل الوطن بعد أن استعمل حزبا و مارس من خلاله السياسة، فترأس وزارة الصحة من أجل إصلاح أحوالها و ليس من أجل ممارسة فنون الأعمال المشبوهة و مراكمة الثروة و تهريب الأموال لشراء الشقق في باريس أو غيرها من المدن العالمية… و إذا كان من تنويه يوجه للحزب الذي ينتمي إليه السيد الوزير فلأنه لم يعزله و لم يطرده و لم يهمشه رغم نزاهته في ما سبق، و لم يحل بينه و بين الوزارة في ما بعد.

خلاصة: إذا كانت الديمقراطية قد هرمت بحيث أضحى يصعب عليها إنتاج وزير من طراز وزير الصحة الحالي، فيمكن للبلد الحبيب أن ينعشها و ينقذها من الضياع و الاندثار و ذلك بتقديم نموذج ديمقراطي جديد للعالم، و ذلك بجعل الشعب ينتخب وزراءه في مجلات الصحة و التعليم و السكن، مثلا، مباشرة، بناء على برنامج واضح يتقدم به كل من يرشحه حزبه مسبقا لتسير وزارة من الوزارات بالتحديد. فلا يعقل أن ينتخب الشعب 600 شخص دون أن يعرف من منهم سيتقلد الحقائب الوزارية المهمة و المصيرية على وجه التحديد. لا يعقل أن يفوز حزب بالانتخابات و تترك قضية توزيع الحقائب الوزارية للتوافقات السياسية التي غالبا ما تفضي إلى توزيع عشوائي لا يضع أبدا الرجل المناسب في المكان المناسب إلا في الحالات الاستثنائية الناذرة جدا. و الله أعلم. و لا داعي للتذكير أيها القراء الشرفاء الأعزاء، أننا لا زلنا نبحث، في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، على نهاية سعيدة للرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة، نهاية سعيدة تبشر ببداية جميلة…

‫تعليقات الزوار

4
  • AnteYankees
    الجمعة 25 أبريل 2014 - 08:47

    إن المغرب معتل في جميع القطاعات يحتاج لوزير صحة من الوزن الثقيل ليس بالوردي ولا ميزاني ولا حتى مصبحي. فالرشوة كالفساد مرض سرطاني عضال انتشر في الجو و البر و البحر. نحتاج لجراح متجبر بالقانون لا يهب إلا خالقه لكي يخضع بدون هوادة المعتل لبتر خلاياه السرطانية. لكي يطمأن الجميع على الشفاء

  • marrueccos
    الجمعة 25 أبريل 2014 - 15:20

    ماذا ستقول عن سيدة ناسكة عابدة منخرطة في cnops لم تتقدم في حياتها بروشيتة ! دواء لتتلقى عنها تعوضا ! معتبرة عملها تطوعا من جانبها لفسح المجال لمن هم في حالة مرضية متقدمة ليستفيذوا من خدمات الصندوق ! كي لا يثقل كاهله !
    هذه السيدة إبتلاها الله ! بالكاتاراكس فتقدمت لمصحة عامة لإجراء عملية على عينها ! تكلف cnops بالكلفة بما فيها العدسة فأرسلها للمصلحة ( العدسة ) ! لكن حصلت المفاجأة ! حيث تبخرت العدسة وهي من النوع الرفيع وطلب من السيدة شراء عدسة فتسلمت القياس فذهبت وإشترت عدسة ثمنها 2450 درهم ! بعد تركيبها أخبرت الطبيب أنها لا ترى بوضوح فأقنعها أن العدسة ليست من النوع الجيد فنصحها بنظارات لتصحيح البصر فما كان على السيدة العابدة الناسكة إلا أن إشترت نظارة قيمتها 2500 درهم ! عوضها cnops عن النظارة وتجاهل العدسة مبررا ذلك أنه أرسل عدسة ممتازة إلى المصحة العامة ودعاها أن ترفع دعوى ضد المصحة لتحميلها المسؤولية لكنها إمتنعت فالمحكمة في عرف السيدة عيب !!!

  • Nadine
    الجمعة 25 أبريل 2014 - 20:35

    La question des prothèses est une question de moralité des chirurgiens. Seul Dieu est juge dans ce cas car nous sommes à des années lumières de pouvoir contrôler ce genre de choses, vu ce que nous savons tous et toutes comme problèmes dans l'Administration marocaine qui reste incapable de charger les vrais incorruptibles des missions de contrôle dans tous les domaines…
    Mais il reste quand même possible de veiller à ce que les cliniques privées ne délivrent pas des factures avec des montants inférieurs à ce que versent réellement les malades ou les victimes de ces cliniques privées innommables comme celle citée dans cet article qui reste d'un courage remarquable. L'auteur brave ainsi le risque à ce que toutes les cliniques refusent de le soigner s'il tombe malade. Il a donc intérêt à éviter de tomber malade. Bravo Mr Fennich vous avez l'art de dire les choses comme elles sont dans un style remarquable.

  • الرجل كلمة
    السبت 26 أبريل 2014 - 23:15

    لا يجب الوقوف عند منتصف الطريق، و من يقف في منتصف الطريق كان لم يفعل شيئا. الوزير الوردي يجب عليه ان يكون عند حسن ظن منتخبيه و ان يوقف المصحات الخاصة عند حدها على حد تعبير الكاتب.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب