أفكار في خدمة الاستبداد

أفكار في خدمة الاستبداد
الأربعاء 21 ماي 2014 - 10:56

تدوولت في المؤتمر الأخير الذي عقدته مؤسسة مؤمنون بلا حدود بمدينة مراكش أطروحتان فكريتان مركزيتان حول جدل الفكر والسياسة في الوطن العربي: فكرة قامت المؤسسة المذكورة على قاعدتها، وهي العقلنة والتنوير ونقد الموروث الديني وتفكيك أنساق تفكيره، وفكرة أخرى قديمة جديدة، أطلقها المفكر العربي رضوان السيد، والتي حاول فيها الدعوة إلى إعادة إحياء التقليد بإحالاته المعروفة في الفقه السلطاني وتعزيز الثقة في المؤسسة الدينية التقليدية واعتبارها صمام أمان الاستقرار السياسي في المنطقة.

قد يبدو في الظاهر أن هناك تعارضا فكريا مفصليا بين الأطروحتين، إذ لا التقاء في عالم الفكر والمعرفة بين تعزيز مواقع الفكر الديني التقليدي وبين عملية نقد الفكر الديني التي تتوجه بالأساس إلى العقل الديني التقليدي. لكن، في عالم السياسة كل شيء ممكن، ولا شيء يمنع التقاء الأطروحتين، فكم مرة تلتقي في أرض السياسة الحداثة العقلانية مع الفكر الطرقي مع أن الأولى هي النقيض الطبيعي للثانية، ما دام أن هناك خصما سياسيا عنيدا يصعب إضعاف حضوره وقوته في المشهد الفكري والسياسي العربي من غير إقامة هذه التحالفات، أو للدقة إيجاد الأرضية الفكرية التي تبرر اللقاء بين أفكار التنوير العقلاني وبين استعادة التقليد بإحالاته في الفقه السلطاني الاستبدادي.

عبارات المفكر رضوان السيد كانت جد واضحة في نقده لممارسات الأطروحة التنويرية على أرض الواقع، إذ لم تقد عملية النقد الحاد للموروث الديني سوى إلى إضعاف المؤسسة الدينية وتقوية الحركة الإسلامية والتسبب في حالة “اللاستقرار” التي تعرفها المنطقة العربية اليوم حسب توصيفه.

التركيب المفترض في الأطروحتين في عالم السياسة، لا عالم الفكر والمعرفة، أن يتم البحث في الأرضيات التي تسوغ التحالف بين الأطروحة التنويرية العقلانية وبين استعادة التقليد، أي صياغة أطروحة فكرية براغماتية تبرر تحالف النقائض من أجل تبرير معادلة “لا استقرار بدون تعايش مع الاستبداد” بدل معادلة” لا استقرار بدون إصلاح وتغيير”.

تركيب المعادلة على أرض السياسة، هي أن مهمة مراكز الأبحاث اليوم، التي أنشئت من الداخل أو برعاية خارجية سخية، لموجهة البنية الفكرية للحركة الإسلامية بمسمى نقد الموروث الديني والتنوير والعقلنة، ينبغي أن تعدل بوصلتها بحيث لا تصيب شرارتها الحلفاء الذين يقومون بأدوار ما في نفس الاتجاه، حتى ولو كان هؤلاء الحلفاء يمثلون النقيض الفكري للتنوير والعقلنة.

هي في الحقيقة مهمة سهلة في السياسة، لأن القواعد التي يشتغل بها العقل السياسي تتأسس على منطق المصلحة، حتى ولو كانت الأدوات متناقضة ومتدابرة، لكن بالنسبة إلى عالم الفكر والمعرفة، وبالتحديد المراكز البحثية التي تضطلع بمهمة صناعة الأفكار، فتبرير التناقض أمر غير ممكن، وإذا أمكن بوجه من الوجوه، فإنه يحتاج إلى متلقي مضطرب البوصلة.

نعم، يمكن للعقل السياسي في سبيل المحافظة على وضع قائم، أو في سبيل البحث عن تحالفات غير ممكنة، أن يبرر اللقاء بين الحداثي والطرقي، بل يمكنه أن يذهب بعيدا، فيبحث عن إمكانيات للجمع بين السلفي الوهابي وبين العلماني الحداثي!، لكن، أن تجمع مراكز الأبحاث بين التناقضات والمشاريع التي يلغي بعضها بعضا، أو بين الأطروحات التي مبرر نشأة بعضها هو مكافحة البعض الآخر، بحجة الانفتاح والإيمان غير المحدود، فهذا ما لا يمكن أن يكون مقبولا إلا أن تكون الخلفية صناعة أفكار تخدم الاستبداد.

في أمريكا وعدد من الدول الأوربية، ثمة مستوعات تفكير أنشئت للدفاع عن أطروحات سياسية، بعضها يدافع عن أطروحة دعم التحول السياسي في العالم العربي، وبعضها ينتصر لفكرة الاستئصال الفكري والسياسي لبعض الفاعلين السياسيين في الوطن العربي، لكن ميزة هذه المراكز – مثل معهد واشنطن مثلا- أنها تعلن عن توجهها بوضوح، وتبرر بالمنطق السياسي جمعها بين المتناقضات الفكرية، ولا تخفي أطروحتها التمييزية للديمقراطية والعدائية للحركات الإسلامية، والجميع يعلم أطروحتها ورموزها وحججها ومقولاتها.

المطلوب اليوم، من بعض المراكز العربية التي نشأت أو أنشئت بهدف فكري أو سياسي معين، أن يكون لها الوضوح الكامل في بسط توجهها، وإبداء عدائها، حتى يستطيع المتابع والقارئ والمتلقي أن يفهم أن تناقضاتها في عالم الفكر مبرر بتوجهها السياسي أو توجه القائمين عليها المناصر للاستبداد أو العدائي للحركة الإسلامية.

‫تعليقات الزوار

6
  • ANZBAY
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 13:16

    يبدو طرح الكاتب مغريا بشفافيته وطهرانيته لولا طعن الواقع المر في شعاراته.فهو يحذر المتلقين البسطاء من مساندة الاستبداد فيما يتجاهل أن المنتخبين أصحاب المراتب الأولى هم من يسبّحون بحمد الاستبداد صباح مساء مبرهنين لمن يهمهم الأمر على أنهم سيؤدون دورهم بكل إتقان لما جاء دورهم كسابقيهم ذات الشمال الملاصقين والمجاورين والبعيدين"شيئا ما".واللوحة المتناقضة التي يستنكرها الكاتب نرى أبدع منها في حكوماتنا المتعاقبة-ولله الحمد والمنة-كما نشتمّها في حيرة الكاتب الذي يتفهم التناقض لدى جماعته السياسية وينفر منه البسطاء الذين لاناقة لهم ولاجمل في الأمر كله.أم أننا نجرؤ على استنكار استبداد"العفاريت والتماسيح"دون التجرؤ على قولة حق لدى متعهديها.لا أريد أن أدخل في المزايدات والتحامل؛لأن بلية الاستفادة الممكنة من الاستبدادعمت الإسلاميين واليساريين والأمازيغيين وكل النحَل السياسية والمدنية المغربية إلا من رحم الله(أو من"ضرب"اللهُ)!وهناك عامل يدفع الناس إلى تفهم التناقضات وهو خشيتهم من خروج الأمور عن السيطرة لتتحول إلى إعلان الجهاد القتالي ضد الأقارب والجيران وكل المواطنين.نسأل الله الديمقراطية والسلامة!

  • marrueccos
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 14:43

    من المستحيل أن تخرج منطقة " مينا " ( الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ) من تخلفها دون فك الإرتباط بين الدين والسياسة ! فللدين مجال إشتغاله وللسياسة مجال إشتغالها ! السياسة تقتضي المناورة والمناورة تحتمل الكذب والنفاق كأن يعلن زعيم حزب سياسي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم وإحداث راتب للمعدومين لا يقل عن 1000 درهم ! مع علمه بإستحالة تحقيق ذلك !
    للسياسة مدرستين ديمقراطية إجتماعية أو يمينية محافظة وبينهما من ينزع إلى يسار الأولى وٱخر إلى يمينية ليبرالية ! وعلى أحزاب منطقة " مينا " إختيار أي المدارس ينسجم مع أيديولوجيته السياسية ! دون إفراغ الأصل من حمولته الديمقراطية الإنسانية !
    الإنسان حر في إعتقاد ما يراه مكملا لراحته النفسية ! فإن وجدها في الإسلام ما علينا إلا إحترام رأيه إن وجدها في اللاتدين لا يجب أن نحاسبه على إقتناعه نفس الشيء مع من يرى كماله الروحي في المسيحية ! الدولة حارسة على أمن الناس الروحي وليست حارسة على الإسلام ! فالقرٱن يمكن أن يستوعب رسالته أطفال في السنة الثالثة إعدادي دون وسطاء ! الأخيرون فرق ومذاهب إن مكناهم من السياسة غرفوا من المجتمع لبسط نفوذهم عليه !

  • fedil
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 16:38

    الاسلام كمدرعة كل واحد يحاول ان يمتلك الحق في قيادتها فالمقود دائما محط نزاع و المسيطر يوجه المدفعية الى الاخر و احيانا تصاب بالجنون لما تتجادبها الايدي فيتوجه الضرب جميع الجهات خبط عشواء فما الحل يا ترى
    قد يقول البعض ان احسن وسيلة هي تركها في يد واحدة لكن من يضمن عدم اطلاق النار و يقول خر انها مدرعة مشتركة فللكل الحق في قيادتها او على الاقل الركوب عليها للوصول الى الغرض
    و يقول بعض اخر لماذا لا نتخلص من هذة الالة القاتلة و لن يجد بعد ذلك اي واحد ما يؤدي به الاخر و هو راي الحكماء و لكنهم قليل لان الحكمة عملة نادرة في زمن الصراع
    عندما اخترع كلاشينكوف الرشاش الذي سمي باسمه عرف انه اخترع الموت و ليس شيئا اخر و ان استعماله سيزداد يوما بعد يوم مادام سيصبح متاحا لمن يريد استعماله و ليس للدفاع او السلام فحامل الكلاشينكوف لا يمكن ان يدعي السلام
    و بالواضح ان العلمانية هو الحل الاسلم لهذا المشكل الكبير و جعل الدين مسالة شخصية و حرية فردية

  • الباز الحكيم
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 22:35

    المسألة اكبر مما نتصور؟ فهي تكشف اليوم عن اسرارها وتضعنا امام الحقيقة التي مفادها ان السياسة قلة مروءة وتدجين بتواطؤ مع المثقف الليبرالي او العلماني او الاسلامي او الراسمالي او الاعلامي ،اذ تُخَمرُالحقيقة في جوف مظلم يكره النور والحق ، بل تعمل جاهدة لخدمة المستغلين والمستبدين تحت مسيمات لا تشبع ولا تغني من جوع ,المغربي يعيش حبيس خطيئتين 1:سياسية وقد انتهى زمنها :احزاب حداثية ولا ارى الا الامية والجهل والتقليد والتحول من الى اي كما سميتها مصلحة خاصة و بلوغ الغنى واقتسام السلطة ,فالمال الذي طار ويطير،المغربي الهزيل هو من يعيده لانها اللعبة السياسية ,وترقيص المغربي على حبل تطبيق وتنفيد توالد الافكار واختيار اللعبة السياسية المتوافقة مع الافكار الانتهازية التي تضحي بالبسيط ،لتزاد ارصدتها ، ولتدعم الارتزاقي السياسي فيكرس اجندة الاستبداد ولو بالقلم.ان تقاسم اللعبة امر بسيط بالاستحواذ على الاخر وتبضيعه او ترخيصه وجعله متأرجا بين حَبلي نشير الكذب والمصلحة ولو بتوظيف المقدس والكذب ثم التحايل تم الكذب وكلنا ادرى بشعاب السياسة الكذب2 مشكل ثقافي وقانوني وحقوقي تخادله تكريس للاستبداد .وبااسفاه

  • محمد
    الخميس 22 ماي 2014 - 08:36

    عبد الإله بنكيران غداة تعيينه رئيساً للحكومة، لم يقلص عدد الوزارات ولم يقترح وزراء شباب ولم ينهِ عهد وزارات السيادة، ان بنكيران يعمل بحدود نفسية تجعله يتخوّف من المس بصلاحيات الملك رغم أن الدستور يوفر له ترسانة من النصوص التي تدخل في إطار التنزيل الديمقراطي للدستور.

  • AMANAR
    الخميس 22 ماي 2014 - 12:36

    المقال يتحدث عن أفكار تخدم الإستبداد (أو يتوهم ذلك)
    نحن نطلب من الجميع أن ينزل إلى الأرض إلى الواقع : وهاكم أفعال (وليس أفكارا) تخدم الإستبداد:
    1 إدخال جماعة واسعة من الإسلاميين المغاربة المتشبعين بالفكر المشرقي الإخواني تحت جناح حزب الدكنور الخطيب ،الخديم الطيع للسلطة بالمغرب وتسميتهم بعد ذلك بحزب العدالة والتنمية2 محاربة ومواجهة كل التيارات الديموقراطية اليسارية والعلمانية المطالبة بإرساء ديموقراطية حقيقية في البلاد والدفاع عن مؤسسة السلطة من منطلقات دينية ما أنزل الله بها من سلطان (طاعة ولي الأمر ولو كان ضالما)3 توظيف موروث فقهي مهترئ لإدامة الإستبداد وسد الأبواب والنوافد أمام أنوار الديموقراطية والحرية والمساوات.4_ الركوب على الربيع الديموقراطي لسنة 2011 ،والتطبيل لدستور 2011 والقول بأنه دستور ديموقراطي،وسياقة القطيع للتصويت عليه بالإيجاب 5_ تسفيه حركة 20 فبراير وإطلاق يد الأمن والقضاء من طرف حكومة الإسلاميين في حق ناشطيها6_قمع الصحافة وسجن الصحافيين المزعجيين (أنوزلا كمثال) الدين لا يريدون أن يدخلوا "الصف"7_اعتبار كل من ينتقد الحكومة النصف_ملتحية مشوشا وعفريتا
    يتبع

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 5

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال