أبو حيان ومناجاة صيام رمضان، وذكريات رمضان..؟

أبو حيان ومناجاة صيام رمضان، وذكريات رمضان..؟
الجمعة 25 يوليوز 2014 - 10:33

مع أبي حيان التوحيدي في الإشارات الإلهية _ 4_

اليوم الجمعة العشرون من رمضان يوم من أيام الله الكبرى في تاريخ الإسلام بل هو من أعظم هذه الأيام التي يجب على كل مسلم بل كل إنسان يعشق الخير ويسعى لإدراكه مهما اختلفت وسيلة هذا السعي، ففي مثل هذا اليوم أذن الله أن يتم الفتح المبين، فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وجاء الفتح بعد سنتين من صلح الحديبية الذي كان فيه نزول سورة الفتح التي تحدثت عن هذا الفتح الذي سيكون نهاية للشرك والضلال وأن تعلن فيه مكة وأهلها العودة إلى نفسها والى تاريخها من يوم أن كانت موطنا لأول بيت وضع للناس وفي هذا اليوم أعلن الرسول العفو الأكبر، وأنهى عصر الملاحم وأكد على دخول عصر المرحمة.

وقبل هذا اليوم (عشرين من رمضان) كان يوم السابع عشر ذكرى غزوة بدر التي تعتبر رمزا خاصا من رموز الجهاد بكل أبعاد الجهاد: جهاد الكلمة جهاد النفس، جهاد البناء، وجهاد الدفع وقد كان الأجدر بالمسلمين أن يحيوا هذه الأيام في هذا الشهر المبارك بما يناسب من الوحدة والتضامن والتعاون ونصرة المظلوم، ورد الظالم وكفه عن غيه وظلمه، كان المطلوب والمرجو هو هذا ولكن، هذا الرجاء وهذا الأمل أبعد ما يكونان عن حياة المسلمين في هذه الأيام، بل إن الواقع عكس هذا بكل المقاييس فأرض الإسلام عرضة لسفك الدماء بين المسلمين حيث يقاتل بعضهم بعضا، ومع هذا التقاتل تخلى العلماء والقادة عن دورهم في إصلاح ذات البين، والتجمع والإجماع لرد المعتدي منهم إلى الصواب حتى يفي إلى أمر الله وإنما تحزب كل ذي رأي لرأيه، وصاحب كل قبيل لقبيله، واختلط الحابل بالنابل فيما بينهم وكل يؤول النصوص وفق أهوائه ومشيئته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وفي خضم هذا الواقع الأليم يتعرض المسجد الأقصى و أولى القبلتين لعدوان سافر غاشم من طرف الصهاينة ومن يناصرهم من الصليبية الحاقدة، ويستغيث أهلها ولا مغيث، وفي خضم ذلك يعلن الحاضر الغائب عرفات رحمه الله أن أهل أكناف بيت المقدس ظاهرون على عدوهم إلى يوم الدين، وهو كذلك إن شاء الله وفي موازاة هذا تتعرض غزة المدينة المجاهدة والصامدة لعدوان ظالم، من طرف الصهاينة، ويلوذ المسلمون بالصمت ويختبئ القادة والزعماء وراء أوهام وحسابات خاطئة، وهي تخدم العدو وتضر بالجميع في المدى القريب والبعيد إنها مأساة الأمة الإسلامية في هذا الزمان الردئ حيث لا يقدر الناس أن يعلنوا بالصوت الجهوري استنكار الظلم والطغيان والتضامن مع المظلومين إنه واقع مرير، ولكنه واقع سيزول وسيعلن النصر والفتح كما أعلن في مكة يوم العشرين من رمضان منذ زمان بعيد، انه الوعد الصادق من الله ولن يخلف الله وعده (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) والى أن يتحقق وعد الله فإنا نضرع إليه سبحانه أن يتقبل الشهداء عنده وينصر المجاهدين في سبيل الحق والعدل والحرية، وينتقم من الظالمين شر انتقام.

ونعود إلى مصاحبة أبي حيان في أشاراته ومناجاته.

***********

تجربة دالة

هانحن أولاء لا نزال في صحبة هذا الإنسان الذي طوف كل أصناف الحياة، وداخل كل فئات الناس، ومالأ، وحارب، وصادق وفارق، وناقش وجادل، ومارس اقيسة منطقية، وفسر وحلل مقولات الحكماء، وخاص في محور من أنواع مختلفة من فنون القول، وأيد الرؤساء والأمراء والوزراء، وجالس في مجالسهم كبار الحكماء، ودون كل هذا في مؤلفات ودواوين، ثم ظهر له أن كل ذلك لعب في لعب، وزخرف من القول جرى على لسانه فدونه قلمه، وأن كان فيه الكثير من الصدق، والكثير من الهزل، إلا أنه فيه حقائق جرت على لسان رجال حكماء كانوا صادقين في حياتهم العلمية والفكرية.

ظن خاطئ

وكان في كل هذا يظن أن الناس ستتأثر وتستفيد وتصلح من النفس وأحوالها وتنصف من يستحق الإنصاف وتواسي من في حاجة إلى مواساة، وكان يرى نفسه من بين صنف من هؤلاء ولكنه ما لبث أن أدرك أن ظنه ظن خاطئ وأن طينة الناس مجبولة على النكران، وأنها إلى الاندفاع نحو الشر والإساءة أقرب فكان قراره الذي اتخذه، وكان حكمه الذي ابرمه، أن الناس ليسوا أهلا لما ذبح من فكر، وما أبدع من قول، وأن النار أولى، والرماد الناتج عن هذا الإحراق حين تذروه الرياح أشبه بأثر إنتاجه في الناس، لأنه ما مثله صاحب الصيحة في واد أو النافخ في رماد.

بقية من أثر

ولكنه مع ما أقدم عليه بقى للناس بقية من ذلك الأثر، فذل الكثير منه على ما في دخيلة الناس من ضغن، وما فيها من أحن، وما تنطوي عليه من أحقاد وما تمارسه من غل وظلم وانتقام، وهذا الذي أدركه ودونه أفضى إلى اللجوء إلى الركن الركين، والملجأ الأمين، إلى رحاب رب الأرباب، ومقدر الأرزاق والأسباب والفاعل في كل شيء، والمدبر لكل أمر الذي هو كل يوم في شأن وله تصاريف الزمان والحدثان فسبحانه على ما دبر وحكم، وصرف الأمر على النحو الذي أراد، وبالكيفية التي قدر وكل ذلك في الأزل وهو كان ولم يزل، فهو الظاهر الباطن والأول والآخر و صاحب كل شأن والذي لا يسأل عمل يفعل لجأ أبو حيان فكانت هذه المناجاة التي تنعم بصحبته فيها في هذا الحديث:

إصلاح النفس

والكلام فيها على رمضان، وسبر أغوار النفس الإنسانية كعادته وأراد من الصائم أن يكون صيامه صياما شرعيا ويؤدي دوره في إصلاح النفس وفتح آفاق التوبة والإنابة والعودة إلى الله في كل أحوال النفس الإنسانية وهو يحاول بل أنجز هذه المحاولة أن يستثمر ما اشرنا إليه من تجربته في الحياة ليوظف كل ذلك في شأن العودة بالصائم إلى حقيقة القصد من الصيام وهو التقوى.

الأحوال

وإذا كانت التقوى هي الاجتناب والامتثال فصاحبنا أبو حيان حلل هذا المعنى دون أن يذكره، وجلى القصد من غير أن يسلك المسالك المعتادة، ولكنه لجأ إلى طريقة أرباب الأحوال فكان حال التقوى متجليا في هذه المناجاة المتكررة في هذه الإشارة، وهي إشارة لاشك من شأن تأملها والتعمق فيها، أن يدفع عن الإنسان الوساوس والأوهام ويعود به إلى مسالك الهداية التي يجب تلمسها مع الفعل الدال عليها، والذي يشخصه الصوم والالتزام بالطاعات، والانقياد للمشيئة مع حسن الظن، ومصاحبة الأخيار من الناس الذين يدلون على الله بفعلهم وقولهم.

العودة

وأبو حيان الذي جرب كل الناس وخبرهم عاد إلى الله وفي هذا يقول:

اللهم: إنا ما عفنا كل ما سواك حتى ذقناه، وما ذقناه حتى مقتناه، ولا أوينا إلى كهف ربوبيتك إلا بعد أن خلت أيدينا من غيرك. فبحيرتنا التي ردتنا إليك، وبفضيحتنا التي عرضتنا عليك، إلا جبرت ما انكسر منا، ورددت علينا ما ضل عنا، وكنت خيرا لنا منا لأنفسنا، إنك أهل ذلك، وأهل التقوى والمغفرة

رجاء الصفح

وهكذا افتتح هذه المناجاة بقوله ضارعا وشاكيا:

إليك اللهم أشكو ما تجن ضمائري، ولديك أرفع خفايا همي وسرائري، ومنك أرجو الصفح الجميل عن خطاياي وجرائري، وإياك أسأل أن تقبل حججي ومعاذري، وبك أتوسل إليك حتى تقيني محاذري.

هو وغيره

إن أبا حيان في هذه الإشارة الثامنة من الجزء الثاني من الإشارات يفسر ويوضح لهذا الصاحب الذي هو وغيره كيف ينبغي أن يكون صوم رمضان، وهو في هذا إنما يفسر للناس من حوله ولمن يأتي بعده ولكل من يقف على كلامه ما هو المطلوب من الصائم في هذا الشهر المبارك، وتوخيا لمتابعة ما يريد تبليغه وحتى نستوعبه فنقرأ بإمعان:

ابن الحياء

يا هذا: أتصوم رمضان وأنت عاكف على سخط الله؟ يا هذا: انظر لماذا عرضت في هذه العبادة عند الله؛ أما تستحيي أن تتوجه إلى الله في هذا الشهر من غير أن تكون ذا جاه عند الله؟ أترضى أن يمزق صومك في وجهك عند ملائكة الله؟ أتقنع أن تكون جائعا نائعا مجتهدا من غير أن يقبلك الله؟ أين النية المجردة؟ أين المطعم الحلال؟ أين الكف عن الغيبة؟ أين الإقلاع عن المعصية؟ أين استئناف حسن المعاملة؟ أين قبض اليد عما ليس لك بحق؟ أين غض البصر عما ليس لك بملك؟ أين تطهير القلب من الفكر في غير الله؟ أين سمو الهمة إلى ما ذخره الله لعباده المخلصين؟ أين الأنفة من الشرك بالله في الطاعة، أين الحمية والغضبة على عدو الله إذا زين الباطل؟ أين الشوق إلى ما أعد الله للمجتهدين في هذا الشهر؟ أين الحياء من التقصير فيما هو وسيلة لك إلى الله؟ أين المهرب عن كل شاغل لك عن عبادة الله؟ أين الحرس عن كل ما هو مكروه عند الله؟ أتظن أنك إذا أحييت ليلك بالركوع والسجود فقد أبيض وجهك مع الله؟ كلا، حتى تخلص النية، وتطهر الطوية، وتعرض نفسك في تقربك على المنية، فعند ذلك تنال المنزلة العلية، وتتحف بالعطية الهنية، وتتلقى بالتحية من الله ولي كل تحية.

التجارة الرابحة

وفي هذه الفقرة يوجه أبو حيان إلى التجارة الرابحة، والعمل الدائم والموصول المقرون بالنية وطهارة القلب فيقول:

يا هذا: تاجر ربك فإنك تربح؛ عامله فإنك تفلح؛ اعتذر إليه فإنه يقبل: اقرع بابه فإنه يأذن؛ ناده يسمع؛ ناجه فإنه يرفع؛ سله فإنه يجيب؛ تعرض له فإنه يأذن؛ ناده فإنه يسمع؛ تعرض له فإنه يؤهل؛ ارغب إليه فإنه يهب؛ ارفع يدك إليه فإنه يوسع؛ الهج بذكره فإنه يعين؛ اشكر نعماه فإنه يزيد؛ اصبر على قضائه فإنه يحمد؛ ذق شراب معرفته فإنه يطرب ؛ أصغ إلى نغمات كلامه فإنه يؤنس؛ تمايل عند لحن قوله فإنه يسلي؛ توسل إليه بسالف إحسانه فإنه يعيد؛ عذ به فإنه جار؛ لذ به فإنه غفار؛ اطمئن إليه فإنه برد وسلام؛ خذ بكلامه فإنه شراب وطعام.

شهر ستر العيوب

هذا شهر يستر فيه العيوب؛ وتلين فيه القلوب، وتتجافى فيه الجنوب وتنفرج فيه الكروب، وينصر فيه المغلوب، ويصدق فيه المكذوب، ويشهد فيه الغيوب، وينعش فيه المنكوب، ويعان في المسلوب.

انظر إلى الألسنة اليابسة كيف تبتل بذكره، انظر إلى الأعين الطامحة كيف تكل عن مخالفته، انظر إلى القلوب القاسية كيف ترق في قصده، انظر إلى الأحداق الصلبة كيف تدمع من خشيته، انظر إلى البقاع المظلمة كيف تستضيء بنور كلامه، انظر إلى الآمال التي تتجدد في كراماته، انظر إلى المنكر كيف يوارى خوفا من أليم عقابه.

الاجتهاد

ويوجه أبو حيان إلى طلب الاجتهاد في هذا الشهر فيقول:

فاجتهد يا هذا أن تكون في هذا الشهر طالبا لرضاه، صابرا على بلواه، متجنبا لشكواه، متعرضا لنجواه، فإنك إن أهلت لهذه الأحوال، رفعت إلى الدرجات العاليات، وكفيت بهذه جميع المؤونات، وحصلت مع الله غنيا بالحسنات، عريا من السيئات. فما أحلى هذه الوصية، إن لم يكن عند سماعها عصية، وما أعلى هذا الإسناد، إن كان لك فيه متن من رشاد، وما أسعدك بشرف هذه الطاعة، إن لم تحبط بمخالفتك للجماعة.

بلغنا حقيقة الأمل

وأبو حيان فهو يوصي ويوجه ويضرع ويخشع وهذا كله مما هو مطلوب في رمضان وق قلنا في حديث سابق أن الدعاء من أبرز العبادات في رمضان ولذلك قال سبحانه عقب آيات الصيام «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني» وهذا دعاء أبي حيان نرجو منه سبحانه أن ينالنا من أجره نصيب ونحن نردده:

اللهم: إن أعمالنا كلها جارية على إرادتك، ونحن عليها ملومون ومحمودون باختيارك، وبها مجربون بحسب ما سلف من علمك. فأنبنا إلى فناء عزك، واجعلنا من حزبك الفائزين، وأنسنا حظوظنا منا في طلب حظوظنا منك، وهون علينا مرارة الدنيا، وبلغنا حقيقة الأمل وغاية المنى.

خاصة الخواص

إن أبا حيان في هذا المقطع من المناجاة يدخل بنا مدخلا لا يقدر عامة الناس أن يلجوه، لأنه باب الخواص، بل هو طريق إلى خاصة الخواص يقول:

دع هذا كله وانظر إلى حالي عند الحق فإنها واهية، وتعجب من حديثي معه فإنه داهية: خطبت عنده مكانة أرتاح بها، وحالة أغتبط لها، فضرم فؤادي نار البرحاء حتى استعفيت، وحجبني عن ذلك بكل حاضر وغائب حتى فقدتني فيما كنت وبنت؛ أشهدني أنا غائب، وغيبني عما غيبني وأنا حاضر؛ فلا جرم إذا جلت جلت في غير مجال، وإذا قلت قلت في غير مقال.

قدرة تصرف

ا هذا لا أغرك منه، ولا أكذبك عنه، له قدرة تصرف كل شيء على كل شيء، وحكمة تخفى في كل شيء عن كل شيء، ومشيئة تنفذ في كل شيء لكل شيء، وعلم يحيط بكل شيء من كل شيء، لا يعزب عنه شيء، ولا يعز عليه شيء، سطوه ينسيك ما تعرف وما لا تعرف، وعزه يأتي على كل ما يصف ولا يصف. فهذا بعض حديثه في إلهيته من ناحية ما هو به فرد.

التشوف للرحمة

وبعد كلام خاصة الخواص يعود بنا أبو حيان إلى مستوى لعلنا ندرك بعض مراميه فنحن زادنا مقصور ومنحصر في شيء واحد ووحيد هو الرجاء في الله أن يتقبل ويتجاوز وأملنا العفو، بل إن طموحنا وأخاف أن أقول طمعنا كبير وواسع في هذه الرحمة الواسعة التي يتحدث عنها أبو حيان والتي وظفها سبحانه بقوله ورحمتي وسعت كل شيء يقول أبو حيان:

خذ الآن بعض خبره من ناحية ما هو جواد: له رحمة تسع كل شيء بكل شيء، وحكم يأتي على كل شيء في كل شيء، ورفق ينفذ في كل شيء من كل شيء، وصنع يحيط بكل شيء لكل شيء، وتوفيق يقوم كل شيء على كل شيء.

الشوق إلى دار القرار

فقم على قدم الاصطبار، وتنح عن روعات هذه الدار، مشتاقا إلى دار القرار، في جوار العزيز الجبار . فغن كنت لا تراها، ولا تجدها، ولا تحس بها، فأنت واحد من الأنعام السائمة، والبهائم المهملة. لا يغرنك حذقك وكيسك، وفصاحتك وذكاؤك، ومعرفتك في أمور دنياك وأحوال عاجلتك، فإنك كلما كنت بها أبصر، كنت عن أحوال آجلتك أعجز وأقصر، وفي تجارتها أغبن وأخسر، لأن هذه دار ممر واجتياز، وتلك دار مقر واعتزاز، وأيام هذه محدودة، يفنيها العدد وأيام تلك ممدودة، لا يأتي عليها الأبد.

لا تستهمل الوعر

نداء آخر من أبي حيان حتى لا يغتر الإنسان بطول الأمل، وبعد الأجل فإن ذلك مظنة الزلل، والوقوع في تأخير ما يجب أن يقدم، وأن الكثيرين قبلك وقعوا فيما يحذرك منه، والبدار البدار ليلا يكون المرء مع الهالكين يقول:

يا هذا: لا تستسهل الوعر في دنياك، وتستوعر السهل في أخراك، فإنك متى فعلت هذا وضعت الأول مكان الثاني، وآثرت الكسل والتواني، فما ميزت بين الحبر والعيان، وهلكت بين الخسران والأماني:

غر امرؤ منته نفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوس أن تدوم له السلامة

هيهات أعيا الأولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــين دواء دائك يا نعـــــامه

أقياد وأغلال

إن رمضان منذر للإنسان أن الزمان يمر سراعا فما تكاد تودع عاما حتى تستقبل الآخر، وعلى الإنسان أن لا يرتاح لحياة الدعة والرخاء، وما يتوفر للإنسان من مغريات الحياة الدنيا التي يشخصها المال والجاه والسلطة وغير ذلك مما يستهوي الإنسان ويرتاح ‘ليه فربما كان من باب الاستدراج وقد يحاول الإنسان التدارك فلا يستطيع يقول:

«الله الله في نفسك الضعيفة، لا تغتر بمواتاة الأيام لك، ومساعدة الحظوظ لديك، وإقبال المراد بعد المراد إليك، فإن ذلك كله أقياد وأغلال، وأوزار وأثقال».

عين الرأس وعين الصدر

وأبو حيان يستثمر في هذا التوجيه ما حصله من معرفة مع حكماء الوقت وعلمائه ويوضح ما تراه البصيرة وما يراه البصر.

«لا تبصر ما أقول بعين الرأس، ولكن بعين الصدر، فإن عين الرأس لا تريك إلا الجسم وطوله وعرضه وعمقه، ولونه وسحنته، وحلوه وحامضه وطعمه، ولينه وخشونته، وثقله وخفته، وقربه وبعده، فأما عين الصدر فإنها تريك منه ضره ونفعه، ونصحه وغشه، وأمانته وخيانته، وصدقه وكذبه».

فإذا رأيت هذا كله تأهبت لتمييز النافع من الضار، وتحصيل المجدي من المردي، وحيازة المفيد من المبيد، وشغلت عما كنت مفتونا به من مرئيات عين الرأس جملة، وهذا لا يكون إلا من يمن الناصية، ومن مخالفة النفس العاصية، وإلا بتوفيق الله، الذي هو مقدم على جميع الأمور، وبه قرت العيون، وبلت الصدور.

العودة بعد الخيبة

في مدخل هذا الحديث أشرنا إلى تجربة أبي حيان، وما ماج فيه من أسواق الأدب والمعرفة، وما خالطه من أصناف الناس والأقوام، وما كان لكل ذلك من اثر في سلوكه وأفعاله وردود فعله، وها هو ذا في هذه المناجاة يعترف ويقر، ويعلن الاستسلام والتوبة، والرجوع إلى ما كان يجب أن يكون وكل ذلك في مناجاة مؤثرة وألفاظ دالة على عمق العودة بعد التجربة والخيبة، اللهم نسألك عودة إليك، ورجوعا إلى كنفك، والتياذا بجاهك إنك القادر على ذلك يقول أبو حيان:

اللهم: إنا ما عفنا كل ما سواك حتى ذقناه، وما ذقناه حتى مقتناه، ولا أوينا إلى كهف ربوبيتك إلا بعد أن خلت أيدينا من غيرك. فبحيرتنا التي ردتنا إليك، وبفضيحتنا التي عرضتنا عليك، إلا جبرت ما انكسر منا، ورددت علينا ما ضل عنا، وكنت خيرا لنا منا لأنفسنا، إنك أهل ذلك، وأهل التقوى والمغفرة.

لا ينقطع المدد

وفي هذه المناجاة والدعاء نستشف ما بداخل المناجي ربه، والذي اختار الألفاظ المعبرة تعبيرا دقيقا عن جلجات النفس، وآهات الضمير الذي تحرك ليرد بصاحبه إلى سواء السبيل، بعدما تحرك في اتجاهات شتى ما كانت إلا لتعود به إلى كنف التوحيد، وظل الربوبية المنعمة بالوجود وباللطف والإمداد يقول:

الحالة الشديدة

اللهم: إن حاجتنا إليك شديدة، وأيدينا إلى جودك ممدودة، وضمائرنا على توحيدك معقودة، وأنفسنا بانتظار موعودك مجهودة، وأسرارنا بصوب تحياتك معهودة، وآثار قدرتك في بسط عالمك بنا مشهودة، وأمارات أمرك ونهيك في المكره والمنشط مقصودة، ومكامن الهوى والحلف والجهل باليقظة مرصودة، إلهنا وكل هذا وما وراء هذا مما لا يسري إليه الوهم، ولا يدركه الاستقضاء، ولا يتصل به التمني، متعالم منك، متعارف بك، بجودك الأول، ولطفك الثاني، وإحسانك الثالث، ورفقك الرابع، وعلى هذا إلى أن ينقطع العدد ولا ينقطع المدد.

خلع لبوس الباطل

إن الحياة وزيفها، والركون إلى الباطل في دروبها ومسالكها وتجنب الحق وما يقتضيه من سلوك ومسالك هو ما يجب أن يراجعه الإنسان بالعودة إلى الحق وترك لبوس الباطل يقول:

يا هذا: إذا خلعت عنك لبوس الباطل فند عن كونك، وضع من صونك، وإذا كسيت جلباب الحق فجد بعدمك، وابق بفنائك، والحظ الملك خادما لك، والعالم واقعا على إرادتك، لإغن هناك المولي والمعلي وكل شيء لك مطيع، وكل زمان بك ربيع، وكل (ذي) أذن منك سميع، وكل موجود إلى خاطرك سريع، وكل مجال من أجلك مريع.

يا هذا: لطفت الكلمة في هذه الفقرة، لسانح سنح في أرجاء الفكرة، حجب واحتجب، فليته حين حجب علل، أو ليته حين احتجب سول، لكنه سنح بلغة عجماء، وحركة شوهاء، وسكتة روعاء، فلم يترك لحظا إلا طمسه، ولا لفظا إلا لبسه، ولا مطلقا إلا حبسه، ولا متميزا إلا عكسه، ولا سعدا إلا نحسه، ولا منتصبا إلا نكسه. فلا جرم: لا عبرة إلا وهي…

لطف الكلمات

ويختم أبو حيان هذه الإشارة بلطف الكلمات للأسباب التي يذكرها فقال:

مسفوكة، ولا نفس إلا وهي منهوكة، ولا كبد إلا وهي مشكوكة، ولا ملجأ بعد الهياط والمياط إلا إلى الله الذي بيده تذليل كل صعب، وإليه تسكين كل رعب، وهو القادر بالحق، والجواد بالحق، والكريم بالحق، وكل من سواه إنما هو من هذه الصفات ظل قالص، ونعث ناقص، ووارد شاخص، جل عن شركة الصفات، كما علا عن شبه الذات، وذلك الله الذي له الأرض والسموات، وما بينهما من عجائب البينات، والسلام.

*أستاذ الفكر الإسلامي

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب