دلالات الرأسمال غير المادي في خطاب العرش

دلالات الرأسمال غير المادي في خطاب العرش
السبت 2 غشت 2014 - 00:52

خطاب العرش الذي ألقاه جلالة الملك في الثلاثين من شهر يوليوز الماضي خطاب اقتصادي بامتياز .. تاريخي بكل المقاييس، يرسم معالم مستقبل يقوم على إعادة الاعتبار للعنصر البشري ورأس المال غير المادي، ودوره في تحقيق تنمية مستدامة لفائدة الأجيال الحالية والمستقبلية. تنمية تأخذ في الاعتبار مركزية تطوير التعليم وتحسين جودة الخدمات الصحية والاجتماعية والرياضية وترشيد الممارسة السياسية.

أولا : عندما يتحدث خطاب العرش عن الرأسمال غير المادي فهي دعوة لاعتماد معايير محاسبية جديدة تنظر فيما إذا كان القيمة الإجمالية للاقتصاد المغربي (يعني الثروة) تتناسب ومستوى التعليم والمهارة والخبرة ومستوى الإبداع والابتكار، وتعكس حالة الاستقرار والأمن الاجتماعيين بالبلاد، أم أن ثمة بونا شاسعا بين مليارات الدراهم التي يتم الإعلان عنها ومئات الآلاف من الفقراء والمعطلين والمهمشين التي يتم إخفاؤها عنا.

ثانيا : إن الحديث عن الثروة في خطاب العرش لهذه السنة لايعني أن الملك قد اكتشف أخيرا أن الثروة هي بيد البعض ، وإنما هي رسالة لأصحاب الثروات أن يكفوا ، وهي رسالة دعم بل وتفويض للحكومة لترفع من سقف إصلاحاتها باتجاه تكريس العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل، دون أن تأبه لأصوات نشاز بالمعارضة.. إنها بمثابة ضوء ملكي أخضر لحكومة بنكيران.

ثالثا : وهو – أي الخطاب- بمثابة دعوة لإعادة توزيع الثروة، إذ لا عبرة بحسابات الناتج المحلي ونصيب الفرد منه ومحاولة إظهاره على نحو من القوة والضخامة ، بينما تذهب ٨٠ % من هذا الناتج أو هذه الثروة الى الأغنياء ، بالمقابل تتوسع هوامش الفقراء. لعل الأمر رسالة للحكومة لتقديم الدعم المادي المباشر للفقراء.

رابعا : إن هذا الخطاب يعيد الاعتبار لدور هيئات المجتمع المدني والسياسي في التأطير والتكوين والتأهيل والإدماج وتقديم المساعدات الانسانية والاجتماعية وبدون مقابل مادي ، وهي أدوار بالرغم من أهيمتها لا تدخل ضمن أنظمة المحاسبة القومية وحسابات الناتج المحلي والثروة ، كما تفعل عديد الدول المتقدمة.

خامسا: إن هذا الخطاب يعيد الاعتبار أيضا لقيم التضامن والتكافل الاجتماعي والأسري، وهي قيم تقلص من هوامش الفقر ومستويات البطالة الفعلية، حيث تتحمل عديد الأسر نفقات أبنائهم العاطلين والأرامل والمطلقات والأيتام، ولولا هذا التضامن لتفشت ظواهر اجتماعية سلبية وانحرافات سلوكية كثيرة يمكن أن تشكل تهديدا حقيقيا للأمن، وتزيد من تكلفة الدولة في تصحيحها ومواجهتها

سادسا : إن هذا الخطاب يعيد اعادة الاعتبار لدور الأم مربية الأجيال، التي نصنفها نحن في المغرب بـ” بدون” لدى استخراج البطاقة الوطنية (لم تعد البطاقة الذكية تظهر الوظيفة ونوع العمل)، بينما في دول أخرى يعتبرونها مهنة ويقدرون القيمة الحقيقية لوظيفتها، وتدخل ضمن الحسابات القومية تقديرا لجهودها في درأ المشاكل الاجتماعية والانحرافات السلوكية التي لامحالة ستكلف الدولة كثيرا.

سابعا : هذا الخطاب يعيد الاعتبار للكفاءات والمهارات المغربية في الداخل والخارج من جهة ، ومن جهة أخرى دعوة صريحة لتطوير التعليم في أفق رفد سوق العمل بالطاقات القادرة على العطاء. ومن ثم التأسيس لمرحلة التحول نحو اقتصاد المعرفة وأخيرا مجتمع المعرفة كما هو واقع الحال في عدد من الدول الآسيوية التي حققت طفرات تنموية غير مسبوقة بفضل الاعتناء بالعنصر البشري..

ثامنا : إنه جاء لتعزز خيار الإصلاح من داخل الاستقرار.. وهنا تظهر أهمية مؤشرات الاستقرار الأمني والسياسي في تصنيف البلدان ذات الجاذبية الكبرى لرؤوس الأموال والعملة الصعبة.

تاسعا :إن هذا الخطاب جاء ليدعم جهود وبرامج الحكومة الحالية على صعيد تفكيك صندوق المقاصة وإعادة توجيه الدعم نحو مستحقيه من جهة، ونحو تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية على غرار بناء مستشفيات والمدارس والمراكز الاجتماعية والرياضية.

عاشرا : بالنهاية سيتم إنجاز الدراسة التي طلبها الملك وستكشف لا محالة عن عورات ونتوءات .. لكن الأهم أن نتوفر نحن في المغرب على نخب في مستوى التحدي سواء في الأغلبية أو المعارضة .. وليس نخب تسفه العمل السياسي وتبحث عن الاغتناء اللامشروع.. إننا بحاجة إلى فعل سياسي يرتقي إلى جرأة الملك في الكشف عن العورات. وتحتاج هذه النخب هي الأخرى إلى وقفة مع الذات لتحاسب نفسها ما إذا كانت تضع مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب والأفراد.

*صحافي مقيم بالدوحة

‫تعليقات الزوار

9
  • عبدالرحمان
    السبت 2 غشت 2014 - 10:37

    يا صاحب المقال احلم وليحلم معك المغاربة ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل
    سينجز التقرير وستعيد الحيتان والأخاطيب ما نهبته من ثروات وستوزع الثروة بعدل وسيعدل الدستور وستبنى الديموقراطية على أساس ملكية برلمانية كما في اسبانيا وبلجيكا وسنقضي على الأمية والبطالة مثل انجلترا وسنستقبل 30 مليون سائح سنويا مثل مدينة دبي وسننظم كأس العالم مثل جنوب إفريقيا وسيغدو تعليمنا رائدا كما في فلندا وإعلامنا حرا مستقلا كإعلام امريكا وقضاؤنا نزيها كما في السويد وطبيب لكل 10مواطنين كما في النرويج
    ياله من خطاب تاريخي سيغير مصير شعب بأكمله

  • عبد الرحيم
    السبت 2 غشت 2014 - 16:44

    هناك امثلة عدة لدول نامية او سائرة في طريق النمو تحقق اقتصاداتها نموا ايجابيا و لات عيش ازمات حقيقية لكن بالمقابل تعيش فوارق مهمة بين الطبقات انها اقتصادات غير مهيكلة تلتصق بالرأسمالية مثال الهند ، البرازيل … عندما لا تتوفر البلدان على مخططات شاملة لتحقيق اقتصاد متوازن يوفر فرص نمو المقاولات الصغرى و المتوسطة و يساعد على انتعاش قطاع الخدمات ، و عندما لا يحصل توازن بين التنمية المجالية و التنمية الاقتصادية و التنمية البشرية فلا يمكن ان تتوقع الا هذا النمو المعاق

  • الحاج حسن العابد
    السبت 2 غشت 2014 - 17:20

    نعم إن الخطاب الملكي يدعم ويزكي ضمنيا البرنامج الإصلاحي للحكومة الحالية ويمنحها السند الواقي للمضي قدما في تنزيله ويتلافى المواقف السلبية للمعارضة البئيسة التي لاتحمل أي مشروع سوى الإستعانة بقواميس السب والشتم والمؤامرات وردها على الحصيلة الجزئية للحكومة خير مثال

  • إدريس الجراري
    السبت 2 غشت 2014 - 17:34

    الرأسمال غير الماديمدا يعني بالنسبة للمحرومين والفقراء والمهمشين ما معنى ان تكون لنا اكبر محطة لتوليد الطاقة والناس تأدي فاتورة الماء والكهرباء عالية الثمن مدا يستفيد الفقير من الطريق السيار وثمن التدكرة في الحافلة اوسيارة الأجرة عالية الثمن او ان السلع التي تصله يادي تمنها غاليا ومدا يستفيد المواطن العادي من اكبر ميناء متوسطي حتي الأمن لا يلمسه المواطن العادي الدي يعيش في توتر دائم وإن إتصل بمصالح الأمن لا تلبي طلبه او تتماطل او تغير الحقائق او تبنزه او تاخد رشوة من غريمه وإن قصد العدل تاه في طول المساطر والإجرائات وإن قصدت م الحقوقية فهي مجرد م إستشارية وإن قصد المستشفيات فأنتم تعرفون الجواب الأطباء يشتغلون في القطاع العام والخاص والرشوة متفشة في القطاع العام العقار الدولة منحت الإمتياز للخواص وللوبات القطاع والمواطن يؤدي الثمن إدن اين هده الثروة الغير مادية اما قطاع الإقتصادي فتهيمن عليه أقلية معروفة تروات البلاد المعدنية من دهب وفضة ونحاس وماس وبترول و فسفاط وأرانيوم والطاقة الشمسية والثرواة السمكية المواطن العادي لا يستهلك إلا السردين وبتمن يفوق قدرته هدا هو الواقع المر ……

  • الامن وطاني
    الأحد 3 غشت 2014 - 01:32

    ايها الكاتب تجتهد وكانك تفسر نصا من القران الكريم.
    في البلدان الديمقراطية حيث تربط المسؤولية بالمحاسبة و لا تجتمع السلطة و التجارة يقدم رئيس الدولة حصيلة سياسته لنواب الامة ويعقد ندوات صحفية يرد فيها على اسئلة الراي العام.
    انت تبجل الملك وتلحس بلغته ,علما ان المستفيد الاول من الثروة هو نفسه و رجالات قصره حيث تضاعفت ثرواتهم بالملايير خلال 15 سنة من حكمه الفردي.
    كاتكلم بحال تلفزيون "كولو العام زين" و تجتهد لتمرير صورة جميلة للمخزن القبيح فبئس الاجتهاد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  • كريم
    الأحد 3 غشت 2014 - 01:57

    رغم ما يقال, يبقى من المستحيل إنجاز إحصاء عام للسكان والسكنى بالمغرب على اساس موضوعي ونزيه في شتنبرمن هذا العام طالما ان الطبقة الميسورة في المغرب والتي تشكل نسبة قليلة من الساكنة و تستحوذ على 80% من ثروة البلاد لن ترضى بالكشف عن ممتلكاتها و مصادر دخلها لأن ذلك يهدد مصالحها، وبالتالي لن يطرأ تغيير ملموس على وقع السكان ناتج عن دراسة معمقة للعلاقة التي تربط بين صاحب الثروة و من لا يملكها و مخطط كيفي واضح يكشف الكفية التي توزع بها الثروة حتى يتم التأثير بوضوح في مكامن الخلل و السبب المباشر الذي يجعل صاحب الثروة يراكم ثروته بطريقة خيالية تنعكس سلبا على من لا يملك الا كاهله و بالتالي الحد من استغلاله ببشاعة، كمثال لذلك، فالولايات المتحدة مؤخرا، حسب الأصداء التي سمعتها، سنت قانونا يجبر من تفوق ثروته سنويا مليون دولار ، اقتطاع 75% من مداخيله السنوية كضرائب تذهب جلها في مشاريع إجتماعية تمكن من تحسين مستوى الأفراد ذوي الدخل المحدود. فالمغرب يحتاج الى قوانين من هذه الطينة تعمل على تقليص الهوة بين الغني والفقير.

  • jamais
    الأحد 3 غشت 2014 - 11:30

    Ce que je n'aime du tout, c'est quand un militant quelconque mets l'habit scientifique pour légitimer ses ositions. Chacun a droit à militer mais alors, il doit se déclarer comme tel. Dans quelle catégorie classez vous le roi? Je vous pose la question suivante le 1er homme d'affaires et fortune du pays, et parmi les 10 premiers au monde. Va-t-il payer des impots? va-t-il; laisser tomber au profit des plus démunis une bonne partie des dotations annuelles, a peu près 250 millions d'euro?

  • citoyen
    الأحد 3 غشت 2014 - 19:23

    أين الذين ومنهم مسؤولون حزبيون ممن يتغنون آمام الإعلام ويقولون بفضل التوجيهات الملكية ليغطون عن فشلهم ويغنمون الضيعات والمناصب
    آتحداهم آن كانت في عروقهم قطرة دم من ضمير وحب للوطن آن يترجموا التوجيهات الملكية إلى خطط وإجراءات ملموسة آم آنهم يقبلون يد الملك وبعدها لهم الضوء الأخضر لآن يستأسدون على الشعب
    ولو هاجرنا فسننال حقنا من ثروة بلدنا آحب من حب وكره من كره
    وسآربي آبنائي على ثقافة طلب الحق ليآتي جيل يحول الإمتياز إلى حق

  • محمد أفزاز صاحب المقال
    الأربعاء 6 غشت 2014 - 17:24

    شكرا على قراءتكم المقال .. شكرا على آرائكم النيرة .. والرأي حر بالنهاية
    محمد أفزاز

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال