حالة كريم ويسرى ودولة الزبونية

حالة كريم ويسرى ودولة الزبونية
الجمعة 29 غشت 2014 - 15:32

في عز الاستعداد للدخول السياسي و الاجتماعي لموسم 2014-2015، تبين العديد من المؤشرات السوسيو- إقتصادية أن الحكومة المغربية لم تعر أي اهتمام للعديد من المطالب الاجتماعية الملحة التي ظلت معلقة رغم الاحتجاجات المستمرة التي تعرفها العديد من القطاعات الحيوية ببلادنا كالتعليم و الصحة و الشغل. كما لم تستطع هذه الحكومة القيام بتقييم علمي و موضوعي لنتائج المبادرات السياسية و لبرامج الإصلاح التي لم تحقق أهدافها، و لم تطلع الرأي المغاربة على النتائج السلبية التي راكمتها و كأنها حكومة إلهية مقدسة معصومة من الخطأ!

و لعل ما يلفت النظر أكثر، هو عجزها التام عن اتخاذ تدابير رشيدة للتأثير و التصدي للأزمات الصعبة التي تنتظر بلادنا على المدى القريب و المتوسط، و على رأسها أزمة الثقة في المؤسسات و ما قد نتأثر به من صراعات قطرية و دولية.

و كنتيجة للسياسات التي تنتجها حكومة السيد بنكيران، بات البؤس و الحرمان و الاستبعاد الاجتماعي هو العملة السائدة في مغرب الفقراء، حتى أصبح من الممكن الحديث اليوم عن عدة أنواع من المغرب و المغاربة.

و رغم هذا الواقع المر التي باتت تشير إليه العديد من التقارير الوطنية و الدولية، يتمادى رئيس الحكومة في الترويج لشعارات دينية و أساطير شائعة و خرافات و معتقدات تقليدية لا تؤدي إلا وظيفة واحدة، هي جنون العظمة و مرض السلطة عبر الدعاية المجانية لاستقطاب الفقراء و البؤساء ماديا و معنويا لحظيرة النكوصية و التخلف.

و من أبرز الأمثلة التي تعري واقع مغرب اليوم، هو إصرار الحكومة على تغييب العلم لفهم المغرب و المغاربة و التمادي في مقاومة التفكير العقلاني و النقدي و إحلال محله تفسيرات قائمة على أسس دينية و شعبوية.

و مثلما كان الحال مع تعطيل المسلسل الديمقراطي و اعتقاله في العديد من المجالات الحقوقية و السياسية، تبرز اليوم دولة الزبونية كجزء من فلسفة الحزب الحاكم لتعطيل أي حلم بالدولة المدنية القائمة على قيم الحرية و المساواة و على نظام اجتماعي يستمد شرعيته من تعاقدات مواطنة تراعي التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي صاحبت تضحيات المغاربة منذ فجر الاستقلال.

إن الظلم الاجتماعي و الحيف الصحي الذي تعرض له مؤخرا نموذج من المواطنين المنتمون لمغرب آخرا غير المغرب الرسمي، و إسمه كريم حديدي، ابن تيسة/عمالة تاونات، الا دليلا قاطعا على تجذر دولة الزبونية في مغربنا، حينما رفضته العديد من المستشفيات و كأنه لا ينتمي لأي أمة من أمم ما قبل المسيح و ما بعده. و لولا ضغط رأي عام و إعلام مواطن لما تم استقباله بالمستشفى الجامعي بفاس، في الوقت الذي تعتبر حالته موضوعا ليس فقط للاستشفاء بل للبحث الطبي و الاجتهاد العلمي.

وقبل أن نفرح مع كريم و عائلته بحصوله على سرير في المستشفى الجامعي بفاس، يطلع علينا و من جديد خبر التلميذة يسرى من إقليم جرسيف، ضحية جديدة تصارع الموت في منزل أهلها في صمت. و هي شابة تبلغ 14 سنة، جسدها عبارة عن هيكل عظمي مرعب (من خلال الصور التي شاهدناها).. لا نجد الكلمات لوصفه!

إن حالة كريم و يسرى يؤكدان بدون مواربة و لا شك أننا نعيش في ظل دولة الزبونية، و حالة هؤلاء و آخرين عارعلينا. لقد كان من الممكن أن يتعرض كل واحد منا لما تعرض له كريم و يسرى من تهميش و حكرة و سوء معاملة و رفض معلن للتطبيب من طرف بعض المسؤولين عن قطاع الصحة، و كأن الصحة امتياز و ليست حق!

نعم، إن حالة كريم و يسرى يجب أن تسائل الجميع تسائل، و نتساءل عن دولة المساواة.

حالة كريم و يسرى تشتمنا،تمزقنا، تجرحنا و تقول لنا ” نحن في مغربنا و أنتم في مغربكم”!

الاثنان تآكلت لحمهما حتى ظهرت العظام، الاثنان لم يجدوا إلى جانبهم سوى الفقراء المنتمون لدمهم و لحمهم، الاثنان نتاج غياب العدالة الصحية و المساواة و التضامن، لأننا نعيش اليوم في خانة التناقض، و تسيير السياسة الاجتماعية ببلادنا يخضع في وطننا العزيز للأسف للأمزجة القانونية و الثقافية و الصحية.

إننا و نحن نقول هذا الكلام لا نشك في أهمية ما تطرحه القضايا الوطنية المتعلقة بتنزيل الدستور و القوانين المنظمة للانتخابات و التقطيع الجهوي و هلم جرا.. لكن اليوم و الآن و قبل كل شيء، نحن أمام جرائم ترتكب في حق المواطنين من دون مساءلة و لا محاسبة. و إلا، عن أي عدالة نتحدث في ظل حومة بن كيران؟

إن ما نعيشه من فضائح إجتماعية من خلال حالة كريم و يسرى يظهر لنا بوضوح وجها آخرا من التطرف و الانحلال المؤسساتي، و يظهر لنا أن حقل دولة الزبونية ماضيا نحو القضاء على دولة الحقوق و القانون. و أن العدالة الصحية تفضح شعارات الصحوة التي تتهمنا بسقوطنا في غفوة طويلة نسينا معها نفسنا، و الحال أننا نفضح كل أنواع الربحية السياسوية التي تريد أن تكون فوق الشعب، و نريد إلى جانب مطالبتنا بدولة الحقوق و الواجبات مغربا ينقذ كريم و يسرى و من يشبه حالتهم من الموت اليوم و الآن.

فيا شرفاء و أوفياء الوطن إتحدوا..

ناشط حقوقي

‫تعليقات الزوار

2
  • allam
    الجمعة 29 غشت 2014 - 21:57

    كلامك معقول وتحليلك في محله لكن يااخي كل هذا يحدث في المغرب منذ زمن بعيد وهناك من يتالم ويموت في صمت .ومن جهة اخرى لا الحكومة الحالية ولا السابقة ولا القادمة ستغير شيءا من حالة المغرب .دالك لان اغلب الضماءر ناءمة واغلب خلق الله وضع النقود في قلبه وعقله وليس في يده.

  • FOUAD
    السبت 30 غشت 2014 - 00:24

    لست اعفي الحكومة من المسؤوية! فان لم تكن مباشرة فلا اقل من ان تكون معنوية! لكن الامر يعد نوعا من التجني الساق اخفاقات 60 سنة و تعاقب 3 ملوك و اضعاف هذا العدد من الحكومات! فالمغرب يعرف اختلالات بنيوية عمرها سنين عددا! و اني اعتبر ان اصحاب الهمة يسعون الى اضعاف حكومة ربع ملتحية يهيمن عليها القصر! والانتقاد السديد يقتضي النبش في السياسات الفاشلة لحكومات صاحب الجلالة بدون استثناء! الحكومة مسؤولة رغم انها مقصوصة الجناح! لكن ماسر استعمالك ل"بات" و كان المغرب كان ينافس السويد في سلم الرفاهية! فلما اتت حكومة بنكيران "باتت تشير إليه العديد…" و الصحيح ا ن الاسرة في المستشفيات تشترى بالدراهم! فان كنت تدري فتلك مصيبة و ان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم!
    اتدري يا استاذ علم الاجتماع ان كثيرا من الحالات لا يعالجها الا "التدويرة" للشاوش او الممرضة او الطبيب او مدير المستشفي! ان كان استاذ علم الاجتماع يجهل هذا فاين الخلل?
    حكى لي قريب ان مريضا ذهب في حالة خطيرة فلما وصل الى المستشفى قيل له الموعد بعد شهرين! فجلس مع اهله حزينا فقالت لهم ممرضة: 1000 درهم و العملية حالا! كثير من الاطباء "مرضى"!
    Mon salam

صوت وصورة
رمضان بين الأمس واليوم
الخميس 14 مارس 2024 - 11:29 1

رمضان بين الأمس واليوم

صوت وصورة
ارتفاع أسعار الطماطم والفلفل
الخميس 14 مارس 2024 - 10:37 4

ارتفاع أسعار الطماطم والفلفل

صوت وصورة
خارجون عن القانون | ذبح أسرة
الأربعاء 13 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | ذبح أسرة

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | وادي المخازن
الأربعاء 13 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | وادي المخازن

صوت وصورة
ريمونتادا | الراقي وبطل الدوري
الأربعاء 13 مارس 2024 - 22:00

ريمونتادا | الراقي وبطل الدوري

صوت وصورة
الحومة | هشام الوالي
الأربعاء 13 مارس 2024 - 21:01 1

الحومة | هشام الوالي