من وحي الانتصار.. الأرض تقاتل مع أهلها

من وحي الانتصار..  الأرض تقاتل مع أهلها
الإثنين 1 شتنبر 2014 - 12:03

حين كنت أسأل أصدقائي العراقيين عن مصدر ثقتهم بقدرة مقاومتهم على دحر الاحتلال الأمريكي من بلادهم كانوا يجيبون فوراً: هناك مثل عراقي شائع انطلق في البادية ثم زحف إلى الحواضر يقول ” الأرض تقاتل مع أهلها”.

وكنت أتذكّر هذا المثل الجميل كلما حصلت مواجهة بين العدو الإسرائيلي والمقاومة، فلسطينية أو لبنانية، فأشعر منذ اللحظة الأولى للمواجهة إن العدو سينهزم والمقاومة ستنتصر رغم الفارق الكبير في موازين القوى لصالح العدو، وكانت الوقائع في الميدان تثبت صحة ذاك المثل المغمس بدماء العراقيين وتضحياتهم منذ ثورة العشرين حتى مقاومة الاحتلال.

وفي العدوان الصهيوني على غزة لاحظت أن ما نسميه في أيامنا هذه “ثقافة المقاومة” ليس إلا تأصيلاً فكرياً لذاك المثل الشعبي البسيط، لأن الذي انتصر على أرض غزة الفلسطينية وببطولات أهلها وتضحياتهم، هو ثقافة المقاومة، وأن شركاء النصر في هذه المواجهة هم كل من ساهم بالكلمة والموقف والجهد وصولا إلى التزويد بالسلاح والخبرة والمشورة في هذه المعركة، شقيقاً كان أو صديقاً، قريباً أو بعيداً، حزباً كان أو جماعة أو وسيلة إعلام أو مبادرة تضامنية.

ثقافة المقاومة هي ثقافة الوحدة الوطنية، لأن الانتصار هو عربة بجَواديْن هما المقاومة والوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية في أرض محتلة لا تستقيم إلا بالمقاومة، والمقاومة لا تتحصن إلا بالوحدة، ولعل هذا هو الدرس الأول الذي خرجنا به جميعاً من انتصار غزة، ثم لعل تبديد هذا الانتصار بالانقسام هو أكثر ما يقلق شعب فلسطين وأبناء أمته.

وثقافة المقاومة هي ثقافة الالتزام بالثوابت والمبادئ، وإن المرونة التي تفرضها الضرورات تبقى تحت سقف هذه الثوابت والمبادئ، وإن المرحلية التي تتطلبها طبيعة الصراع يجب أن تبقى مفتوحة على الأفق النهائي الذي يكرس كامل الحقوق.

وثقافة المقاومة هي ثقافة التواضع يوم النصر، لأن الغرور يتنافى مع عظمة المقاومة، ومع سمو النصر، ولأن ثقافة التواضع هي الحصانة من العصبيات الفئوية التي تجهض الانتصارات، ومن التعالي على الآخَر الذي يُفقدنا الاتصال بالواقع.

ثقافة المقاومة هي التحضير للمواجهة القادمة كأنها حاصلة غداً، والتحضير للمعركة مع العدو كأنها مستمرة أبدا، بل إنها ثقافة تسعى لتحييد الخصوم ، وكسب المحايدين وشد أزر الأصدقاء وليس العكس كما نرى أحياناً، كما هي ثقافة ترتيب الأولويات فلا تغليب للتعارضات الثانوية على التناقضات الرئيسية ، ولا للحساسيات العابرة على المبادئ الثابتة والمصالح العليا للشعوب والأمم.

ثقافة المقاومة هي حث دائم على الانتصار للعدل على الظلم، وللحق على الباطل، وللحرية على العبودية، وللكرامة على الذل والهوان، بل هي انتصار للحياة على الموت، بل أن نجعل الموت إذا فرض علينا طريقا لصون الحياة.

ثقافة المقاومة هي القدرة على القراءة الدقيقة للواقع، فهذه الثقافة لا تستقيم مع الأفكار المسبقة والنظريات الجاهزة بل تُخضع أفكارها دائما لمراجعة دائمة في ضوء ما يفرزه الواقع من حقائق، بل إن ثقافة المقاومة تبقى في اعتماد كل أشكال النضال، كما تُحرر أهلها من أسر صراعات الماضي وتعزّز فيهم الانفتاح على آفاق المستقبل.

ثقافة المقاومة هي التي لا تكتفي بصناعة النصر مع شعبها، بل هي التي تسعى إلى ابتكار السبل والوسائل التي تمكّن الأمة كلها من استثمار النصر لا في فلسطين وحدها، بل على مستوى الأمة، فتضع في رأس أولوياتها إطفاء حرائق مشتعلة في الأمة، ومحاصرة ألسنة اللهيب المتنقلة عبر دعوات التعصب والتطرف والغلو وممارسات الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية، وهي دعوات باتت الاحتياطي الاستراتيجي الأخير بيد العدو.

ثقافة المقاومة هي التي تقود إلى التصرف على قاعدة إن العدو قد يكون، كما قال الزعيم الصيني الكبير ماو تسي تونغ، نمراً حقيقياً على الصعيد التكتيكي ، ولكنه نمر من ورق على الصعيد الاستراتيجي، رغم أن المقاومة في غزة قد أثبتت أن العدو كان نمراً من ورق تكتيكياً واستراتيجياً في آن واحد.

ثقافة المقاومة هي استنباط متواصل لوسائل المقاومة وأشكالها، وفي الطليعة المقاومة المسلّحة والتي إذا اقترنت في حال فلسطين بانتفاضة ثالثة في القدس والضفة اقتربت ساعة التحرير.

ثقافة المقاومة تقول لنا إن المعركة مستمرة وأن يبقى السلاح صاحياً، وان ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة كما قال يوماً الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر.

إن ما جرى في غزة محطة مهمة في رحلة لم يعد صُبحها ببعيد.

‫تعليقات الزوار

4
  • marrueccos
    الإثنين 1 شتنبر 2014 - 12:44

    " ثقافة المقاومة هي ثقافة الوحدة الوطنية "
    سأتناولها بقليل من الشرح لأضحد كلامه جملة وتفصيلا ! وبما أن المناسبة شرط ! وفي هذه الحالة حرب إسرائيل على غزة 2014 ! لا بد من معرفة من كان وراء إشتعالها ! أهو خط المقاومة الفلسطينية بكل روافدها السياسية والعسكرية ! أم هي غاية من يسعى إلى هدم خصمه السياسي مهما كلفت الوسيلة ولو إعدامه من الوجود ! إختطاف ثلاثة إسرائيليين وقتلهم كان وراءه حماس بإشراف ' العرعور " من تركيا وتنسيق مع " جواد " من الأردن ! لجر إسرائيل للإنتقام من الضفة الغربية ! لتتدخل فرق حماس التحت أرضية بأنفاقها للإنقلاب على السلطة الفلسطينية برئسة " أبو مازن " ! كل الخطط قعدتها حماس للإستيلاء على الحكم ! مقتل إسرائيليين لم ينفه " مشعل " ولم يؤكده في حينه ! إلى أن ظهر المستور فإعترف بقوله : " إني أحيي من قاموا بهذا العمل " ! حماس أخطأت تقديرها فكان رد إسرائيل على غزة !
    لماذا تريد حماس إغتيال الرئيس الفلسطيني والإنقلاب على السلطة فأعدت لمقاتلة من أعلنوا قيام حكومة وحدة وطنية ! يمكن إستنتاج أن حماس لا تملك ثقافة المقاومة حين خططت لنسف الوحدة الوطنية !!!!!!

  • الرياحي
    الإثنين 1 شتنبر 2014 - 18:54

    تعليق 1 marrueccos مكرر وكالعادة سخيف يروج للدعاية الصهيونية لأنه تبث أن القضية هي إختطاف بطلب المال ثانيا ما تسمى أطفال عمرهم 18 ، 17 ، و 15 سنة.في سن 17 سنة يلتحق "الطفل" بالجيش لخدمة تدوم ثلاثة سنوات لا تسثنى منها النساء ثالثا كل من وطئ أرض فلسطين عنوتا هو هذف شرعي للمقاومة ورغم ذلك فالمقاومة لا تستهذفهم رابعا إسرائيل بررت عدونها بإختطاف المستوطنين ثم غيرت إلى هدم الأنفاق وآخيرا وقف اطلق الصواريخ.
    أغتنمت إسرائيل قضية الخطف المفبركة (لقد قتل "الأطفال " المستوطنيين هؤلاء اللذين يسلخون الفلسطيني ويرمونه بالحجارة ساعات قليلة بعد إختطافهم حسب جريدة ألمانية شهيرة) لإعتقال والبطش بآلاف المواطنيين ولا زالت تعتقل وتعذب.أتسائل هل العمالة وراثية .
    مرة أخرى الله يستر ، كيف لبشر أن يقف في وجه شعب يقاوم من أجل إنعتاقه وحريته لقد جرب عباس التفاوض 20 سنة وعاد بخف حنين.من يريد فهم ما هي الصهيونية فليطالع ما كتب بما يسمى "الأباء المدشنون أو البنائون".الرجل لم يكتب ولو كلمة طيبة في حق الفلسطينيين فما عليك إلا أن تنضم لجيشك "الأخلاقي" إذ هم قبلوك

  • youguerten
    الإثنين 1 شتنبر 2014 - 19:46

    وجوه عمرت اكثر من اللازم .لفظتهم شعوبهم , تنظيراتهم القومية الشوفينية العنصرية ارتدت عليهم وسالت الدماء بحارا لقد فزع الشيطان من هولها فارتكن ان الا يصيبه الضر حتى ياتيه امر الله ,عندما اسمع مصطلح الماتمر القومي العربي والله اخشى على المغاربة من هده المصطلحات وهده الوجوه وما يراد لنا كشعب ,لن نكون بعد اليوم وقودا لنار يشعلها هؤلاء بافواههم وعنترياتهم ومؤامراتهم شعوب الشرخ الاوسط اصابهم الهرم وشاخوا ونطلب الله ان يهديهم ويبعد شرهم ومكرهم عنا,انشري يا هسبرس نحن مواطنون نخاف على وطننا المغرب,

  • simo
    الإثنين 1 شتنبر 2014 - 20:01

    ثقافة المقاومة هي التي ادت الى قتل وجرح الاف الفلسطينيين من اهل غزة جلهم من الاطفال الابرياء، ثقافة المقاومة هي التي ادت الى هدم الاف البيوت مما دفع بالاف الاسر الى اللجوء الى مدارس الاونروا الى اجل غير مسمى، بينما المنظرون لثقافة المقاومة ينعمون هم وابنائهم بالعيش الرغيد في اقامات فاخرة بعيدا عن ارض المقاومة.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس