آراء خالاتي في عرس البارحة

آراء خالاتي في عرس البارحة
الإثنين 1 شتنبر 2014 - 23:02

في الطريق، بدأت خالاتي الباتول، خدوج وعويشة في تقييم العرس الذي غادرنه غاضبات قبل ربع ساعة من نهايته، لقد تعرضت خالتي عويشة للإهانة من طرف النادل الذي يوزع الحلوى، أرادت أن تأخذ ما طاب لها من الصحن المملوء، لكن النادل البخيل ـ حسب نظرها الضعيف ـ منعها واقترح عليها أن تأخذ قطعتين فقط، لم يكن هذا عدلا طبعا، لذا قررت خالتي عويشة أن تقاطع، وقد تبعتها خالتيّ الباتول وخدوج بالتضامن…

بدأن بضرب زجاج السيارة الأمامي فاستيقظتُ مفزوعا وفتحت الباب، قالت خالتي عويشة:

“لنغادر”.

ركبتْ بجانبي، مازالت الأهازيج في الداخل، أدرْت المحرك وخرجتُ بمشقة من وسط طابور السيارات الفاخرة، دعت خالتي عويشة على نفسها بالذل لأنها حضرت هذا العرس التافه:

ـ الله يعطيـــــــــني الــــــــذل.

ـ آميـــــــــــــــــــــــــن.

هكذا تمتمت بخجل. وقد وافقتها لأنها لم تغادر العرس الحقير إلا في نهايته، تشجعتْ بعد أن استقطبتني فأضافت أنها قد رأت هذه الليلة أسوء عروس في حياتها، عروس بدينة قبل أن يمسها العريس، قالت خالتي الباتول:

ـ عروس تتحرك في الفستان الأبيض كبقرة!

ذعرت، ما ذا ستقول خالاتي يوم سأتزوج؟

سأتزوج دون علمهن، إذا كن شمال خط الإستواء فأتمنى أن تكون عروسي جنوبه لتنجو من تقاسيم الكلام.

تابعت خالتي عويشة:

ـ عريس بلا عنق اشتبك رأسه بكتفيه!!

ضحكت خالتي الباتول بمتعة وأغنت النقاش:

ـ سمعت أن العرس على حساب أم العروس!!

ـ نساء آخر الزمن، يشترين الرجال!

ـ وأي رجل!؟

ـ رجل عديم الحياء، يمسك يد العروس قبل الخلوة!!

أمتعتني الملاحظة، ضحكتُ فأضافت خالتي الباتول:

ـ عريس يلبس سروالا ضيقا يبرز سلاحه!

علقت خالتي عويشة ببراءة ملعونة:

“منْ لمْ يذق لم يدْر!!”

شعرتُ أن خالتي الباتول، المُطلقة العاقر قد تضايقت خاصة وأن خالتي عويشة لا تستخدم الحصارات أثناء الكلام، مرت لحظة صمت ثقيلة ثم تحول الموضوع من سراويل الرجال إلى طعم الدجاج، قالت خالتي خدوج أنه كان مالحا قليلا، وأن اللوز قد احترق أثناء قليه، تابعت خالتي عويشة موافقة ومبتسمة لترشي خالتي الباتول “حتى المَحَّ اسودّ لأن البيضَ طُبخ كثيرا”…

خففتُ من السرعة لأساهم في المائدة المستديرة التي تسيرها خالتي عويشة، قلت أن طعم الدجاج أعجبني، تضايقت خالتي خدوج وهي تنسب لنفسها تسعة أعشار الحقيقة في الطبخ، وبختني لأني ولد لايفهم في “الشهيوات”.

قلت لها أن هذا رأي الضيوف، وهنا تهورت وأخرجت من حقيبتها الصغيرة نصف دجاجة، طلبت مني أن أتوقف لأتذوق وأتأكد أن الدجاج مالح، توقفتُ على جانب الطريق إلى أن أكلت نصف الدجاجة كاملا فوافقتُ على أن الدجاج مالح جدا، صححت لي خالتي بحدة:

“بل مالح قليلا فقط”.

سألتها الدليل لأرى إن بقي لحم في حقيبتها، للأسف لم يبق، ضحكتُ، تحسن الجو قليلا، فعادت خالتي الباتول لتأخذ مداخلة:

ـ اللعنة على المغني… يغني من أنفه!

لاحظتْ أن خالتَيّ ارتحن للتقييم الفني فأضافت:

” لو كان لي ولد سأدعو أم كلثوم لتغني في عرسه”.

وضعتُ شريطا في المسجلة وتابعت السير وقد بدأت تباشير الفجر، انبعثت موسيقى صاخبة فبدأت خالتي الباتول تصفق وتتغزل بالمغني ذي الصوت الرائع الكلام الموزون.

قلت لها انه هو الذي كان في العرس الذي غادرتْه.

دُهشت وأنكرت، عرضتُ عليها صورته فاستخلصت أنه مصاب بالزكام هذه الليلة، وافقتها وأكدت أني أتمنى أن أحضر عرس ابنها.

قالت “سيكون الأكل كثيرا وشهيا”.

فقدت خالتي عويشة حصاراتها ثانية وقالت:

“من يقتر في بوله لا يبذر حطبه!”.

شعرتُ أن خالتي الباتول ستنفجر، من حسن الحظ أن محركها دييزل (مازوط) يحتاج وقتا. حولتُ النقاش إلى العُرس، لا شيء يوحد خالاتي، بينهن عداء مزمن يختفي بمجرد التوحد ضد امرأة أخرى، هي أم العروس هذه الليلة، صديقتُهن أيام الطفولة، وهن يعتقدن أنها دعتهن لإغاظتهن فقط، لذا قضين الليلة كلها في نقد لباس العروس وتقييم تسريحة شعرها وتأويل دلالات كعب حذائها وتثمين سمك شفتيها وتخمين لون ملابسها الداخلية… وقد جرّهن ذلك إلى الندم على الهدية التي قدمنها للزوجين الجديدين وهي عبارة عن طاس فضي لغسل اليدين… كانت أمي رحمها الله تقول عن شقيقاتها “غسلت عليهن يدي” وأجد هذا شتيمة هائلة تعبر عن الاحتقار واليأس. فمن يغسل عليه المغاربة أيديهم صار أوساخا ولا شيء يرجى منه.

أنا اشتريت الطاس.

هكذا ذكّرت خالاتي بالحقيقة. لكن الندم يفترسهن.

مرت لحظة صمت ثقيلة فتلاشى الندم عندما تذكرتْ خالتي عويشة احتمال تزويج ابنتها السنة القادمة، حينها ستستعيد الهدية مع الفائدة، وسيكون عرسها أفضل، أكدت أن العشاء لن يكون مالحا، لأنها ستذبح ثورا وستقدم الشواء للضيوف، وهنا زلقت خالتي الباتول دفعة واحدة:

ـ عندما يشبع الحمار يشتت شعيره!!

نزل صمت ثقيل وبدأ محرك خالتي عويشة يسخَن، انتبهت خالتي الباتول وغيرت الإتجاه، قالت مُراوغة:

ـ أم العريس، مثل حليب الأتان، لا تنفع ولا تضر، ليتها اشترت سيارة لابنها بدل تبذير المال في إطعام اللئيمات!!

هنا تعرضت خالتي عويشة لإهانة فادحة لأنها حضرت العرس دون دعوة، فقدت شكيمتها ووبخت اللواتي يسرقن اللحم من الأعراس، تمتمت خالتي خدوج:

ـ ليس على الأعمى حرج!!

ثارت خالتي عويشة لهذا التعريض بعاهتها التي تنكرها أصلا وبدأت في شتم أختيها بصوت رنان، وهذا ما لا يستطيع أحد أن ينافسها فيه، لأنها سليطة اللسان، لديها محرك كازوال (إصانص)، يسْخُن بسرعة، لم تكفها الشتائم، شمرت والتفتت إلى المقعد الخلفي لإحقاق الحق بيديها، حينها لم أعد قادرا على السياقة، توقفت بسرعة لأتوسط في الحرب الأهلية المندلعة بسيارتي، نزلت خالتي عويشة، رفضت أن تركب، قلت لنفسي:

“الأحمق، كان عدوك مصيبة، كان خالتك مصيبة”.

لم أعرف ما أفعله في هذا البرد، إذ بينما أهدئ خالتي العمشاء نزلت خالتي العاقر لتحسم المعركة بذراعها، في حين وقفت خالتي خدوج تزغرد… كانت المعركة تتطور بسرعة.

تذكرت نصيحة أمي رحمها الله لي: أهرب بجلدك.

ركبت السيارة وانطلقت وأنا سعيد لأن العروس ذات البشرة السمراء كسنابل القمح الناضجة، العروس ذات الحواجب المقرونة ستستمتع بالحب في حضن حبيبها بعيدا عن خالتي التي تقلقها سعادة الآخرين… شغلت شريط مغني الأعراس الأصلع فدوى صوته غاسلا روحي:

صلى وسلام على رسول الله

صلى وسلام على رسول الله

ما رأيكم في اقتباس القصة وتصويرها كفيلم كوميدي؟

‫تعليقات الزوار

5
  • said
    الثلاثاء 2 شتنبر 2014 - 01:13

    اضافة للمعلومات المنهارة المتوفرة لدى خالتك ،فان حليب الأتان ينفع ولا يضر بدليل أن ثمنه في السوق يصل إلى 400 درهم للتر الواحد. فوائد حليب الأتان أصبح حقيقة علمية مسلما بها. حليب يمتاز بنسبه دهون اقل وفائده اكثر اذا ما قورن بحليب الابقار.

  • صلاح
    الثلاثاء 2 شتنبر 2014 - 10:17

    انا كيظهر لي كون شفتي شي واحد من صحاب …الراب…ايغنيها على قيبال هوما نيت مكتعرفهم اش تيقولو….شكرا هسبريس.

  • Perla
    الثلاثاء 2 شتنبر 2014 - 12:17

    ça fait vraiment rire !!! Mais il faut admettre que ça fait partie de notre réalité, de notre société, il y a vraiment des personnes qui pensent ainsi, qui réagissent ainsi….J'espère que l'image de la femme serait beaucoup mieux de ce qu'elle était et de ce qu'elle est…En attendant il faut beaucoup de changements mais ces changements ne peuvent être réalité que si notre société VEUT BIEN. C'est essentiellement une question de volonté

  • AHMED HAMMA
    الثلاثاء 2 شتنبر 2014 - 15:52

    قصة جميلة ان كانت من وحي الخيال او حقيقة, اسلوبك فالكتابة رائع ومشوق فرغم بساطة الموضوع استطعت ان تحوله الى نص شيق ومثير, اوافقك الراي قصتك تستحق ان تكون اقتباسا لفيلم كوميدي. اظن ان لك موهبة في كتابة السيناريو.

  • hamidd34
    الثلاثاء 2 شتنبر 2014 - 21:09

    كتابة ساخرة تقلد أسلوب الكاتب التركي عزيز نيسين، و جملتك الأخيرة "اقتباس" واضح لمن قرأ الترجمات العربية للقصص الساخرة للكاتب التركي الكبير. "ما رأيكم في اقتباس القصة وتصويرها كفيلم كوميدي"

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب