السياسيون وغياب آداب الحوار

السياسيون وغياب آداب الحوار
الثلاثاء 16 شتنبر 2014 - 12:21

في لقاء لي مع وزير الخارجية الأسبق السيد محمد بن عيسى، سألته حول موضوع الندوة المقبلة بأصيلة، فكان النقاش مفصل حول مواضيع عدة، إلا أنه سرعان ما أكد لي أنه يفكر هذه المرة في موضوع جدي وهو موضوع “أدب الحوار”، قال السيد السفير و الوزير السابق: “لغة الحوار يجب أن تكون راقية وتحترم أخلاقيات التعامل”، وبعد قليل حمل السيد بن عيسى حقائبه ليغادر المطار، وظل الموضوع عالق بذهني أفكر فيه ويذكرني بلقاءات البرلمان وحوارات التلفزيون، وربما أننا تعودنا أن نسعى إلى الحصول على مكاسب سياسية ظرفية في لحظة مساهمتنا في نقاش عام دون الانتباه إلى أسلوب حوارنا؟.

ظل الموضوع يشدني، ولأن الشيء بالشيء يُذكر، تذكرت ما قرأته عن الرئيس الفرنسي الجنرال “دوكول” أثناء الانتخابات الرئاسية لسنة 1965، حينما مكنه مساعدوه بصور تهم منافسه الرئيس فرونسوا ميتران ومارشال بيتال رئيس حكومة فيشي، والذي يعتبره جل الفرنسيون الخائن الأول للجمهورية، واقترح مساعدو الجنرال دوكول عليه تسريبها إلى الصحافة لتلطيخ سمعة منافسه للإنتخابات الرئاسية المرشح فرونسوا ميتران لضمان نجاح الجنرال في الانتخابات الرئاسية، فكان جواب الجنرال واضح وصريح، إذ رفض نشر الصور معقبا على مساعديه بالقول: لن أنشر هذه الصورة حتى لا أسيء إلى منصب رئيس الجمهورية الذي قد يعتليه ” فرونسوا ميتران ” في حالة فوزه في الانتخابات، ومرت الانتخابات ونجح الجنرال “دوكول” أمام الشعب وأمام نفسه وأمام التاريخ بأخلاقه العالية واحترامه للمؤسسات، والغريب في الأمر أن فرونسوا بعد سنوات عاش نفس القصة في حوار تلفزي مع الرئيس “جيسكار ديستار “سنة 1981، حين رد عليه الرئيس “جيسكار” قائلا: (أتعرف السيد فرونسوا ميتران كم هي قيمة المارك الألماني)، فكان جواب السيد الرئيس فرونسوا ميتران أنا لست تلميذ لديك، وعندما توقف الإرسال استدار إلى مساعديه قائلا كم كانت رغبتي جامحة في أن أرد عليه عندما سألني عن قيمة المارك مسائلا إياه عن قيمة “الماس” ، كناية على هدية الديكتاتور “بوكاصا” إلى الرئيس “جيسكار” والتي كانت من الماس وكانت هي الفضيحة التي لحقت بالرئيس “جيسكار ديستان”، وكانت كذلك من أسباب الهزيمة في الانتخابات الرئاسية.

إن السياسيون في المعارضة أو الأغلبية حينما يخاطبون غيرهم، عليهم أن يتذكروا أنه لا يمكن الفصل بين الشخص وطبيعة المنصب الذي يعتليه، وأن أي طعن في المنصب هو تقزيم لهيبة مؤسسات الدولة، فالنقد يجب أن ينصب عن السياسة والأفكار ويبتعد عن كل ما هو شخصي، أو يتضمن اتهامات لا مبرر ولا مصداقية لها، فرئيس الحكومة مؤسسة دستورية، والوزير منصب عال في الدولة، والبرلماني ممثل الأمة، والمعارضة بدورها مؤسسة، فهل يعقل أن نضحي بكل ذلك من أجل أن ننال من شخص؟ أو قصد الحصول على مكاسب سياسية ظرفية؟ ألا نحتاج إلى دروس في الحوار؟.

نتقادح بالكلمات والجمل نشغل الناس في بعض الأحيان، نثير فيهم حماسهم أو نثير تقززهم، نتخاطب ويتحرك رئيس الحكومة في القاعة المقدسة سياسيا بالبرلمان، يبعث بكلمات من عمق لغة الشارع، تثير ضحكاتنا ثارة أو تهز فينا نوازع الإحباط ثارة أخرى، متناسين أننا نتحرك داخل أجهزة الدولة، وللدولة هيبتها وللدولة احترامها، لكن الحماسة تأخذ بعضنا درجة البلادة، فنصبح ضحايا ألسنتنا ونعكر صفو اهتمام الناس بالسياسة، ونمسي مجرد ممثلين رديئين في مسرحية رديئة، وبعد انتهاء العرض نخرج نتعانق، فنعانق هذا وذاك ونهنئه على اختيار الكلمات، لكننا ننسى الدمار الذي أحدثناه برعونة أفكارنا وسذاجة كلماتنا.

إن قطار الدولة لا يمكنه أن يسير إلا على سكة كلمات راقية ومسؤولة ترفع النقاش السياسي إلى مستوى يضمن إحترام هذه المؤسسات، أما ونحن هزليون إلى هذه الدرجة نسخر من بعضنا البعض، بعقلية اتهامية حد السخافة لنرضي نزوات ضحكاتنا دون أن ندرك أن الشخص يمر بسرعة تواني العمر بينما الدولة ومؤسساتها تستمر وهي التي تتحمل النتائج وهي التي تعاني، وهي التي تغيب عن اهتماماتنا ونحن نبني هرم السياسية بالكلمات والجمل الساقطة.

إن من مسؤوليتنا جميعا أن نتأدب في حوارنا وأن يحترم كل واحد منا الآخر كيفما كان موقعه أو على الأقل أن يحترم نفسه.

هذه الملاحظات تثيرنا وأنا أرمق صديقي محمد بن عيسى وهو يحمل حقائبه خارجا من المطار، ربما يسافر مرة أخرى باحثا عن مكان قد يجد فيه نوعا من الاحترام و حد أدنى من آداب الحوار.

‫تعليقات الزوار

7
  • hassan
    الثلاثاء 16 شتنبر 2014 - 15:02

    من اسباب الحوار الردى والغير المحترم هو المصالح الشخصية ولكم في البام pam والا ستغلال عفوا الا ستقلال خير دليل على ما اقول . تهافتهم وحبهم للسلطة اعمى ابصارهم حتى انهم يتهمون الاخر pjd ب اشياء لا وجود لها في الواقع مع العلم انني لا اتفق مع بعض سياسات pjd. وبهده الحماقات يظعون بنكيران في موقف الدفاع المبرر ويرد عليهم بنفس الصورة . على السياسين ان يدركوا ان المغاربة واعون وعليهم ادن ان يسلكو الحوار المقنع والجاد

  • marocain
    الثلاثاء 16 شتنبر 2014 - 15:36

    Mr. vous avez tout a fait raison tout ce que peut ajouter c´est a travers cette expression d´une chanson que vous connaissez peut etre et qui dit "If you want to make change start with the man in the mirror"

  • عمر
    الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 09:24

    عفوا سادتي …الحوار قد يكون او لايكون .عندما يغيب الموضوع يعتلي الشكل والشكل دون محتوى يسعى لتبرير ذاته ومن تم فكل الصيغ جائزة… التحديات الضخمة و الضخمة جدا في حاجة لاقترابات عميقة وبالتالي لافراد لهم اساسا بعد نظر بالاظافة طبعا للقدارة….في عالم محترفي السياسة بالمغرب مع كامل الاسف تغيب هذه المواصفات واخرى وبالتالي فلا نستغرب من هذا العرض البخس الذي يعرض علينا يوما بعد يوم……لكن لماذا يا ترى نفس الظاهرة نعاينها في المقهى في مدرجات وساحات الكليات في السوق والحمام….اليوم نحن كجماعة هكذا نحن…على كل المستويات والبنيات …فلنلم ال – نحن – ومن تم البداية car il n´est jamais tard ……

  • FOUAD
    الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 12:19

    هاذ سي وهبي للامانة اجده مؤدبا في كلامه مع انه ينتمي الى حزب ثقيل على قلبي كما يقول المغاربة!

    هناك كتابان مهمان في الموضوع و هما :
    ادب الاختلاف لطه جابر علوان رئيس المركز الاسلامي بواشنطن – سلسلة كتاب الامة!
    فقه الاختلاف للقرضاوي / او قريب من هذا فاني لا اذكر الاسم بالتدقيق فالعهد به قديم!
    و هناك شريط رائع للمقرئ الادريسي ابي زيد! و قد تطرق فيه للحوار في القران! حوار الله عز وجل مع ابليس! حوار موسى مع فرعون! …
    و من روائع ثقافتنا
    قول الامام الشافعي "رايي صواب يحتمل الصواب و راي غيري خطا يحتمل الصواب"
    قولهم "اذا اردت ان تامر بمعروف فليكن امرك بمعروف"
    Mon salam

  • أبو إلياس
    الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 18:47

    صراحة استغربت كثيرا لكلام ذ.وهبي و ذلك لمجوعة من الاعتبارات، أولها أن الكاتب ينتمي لحزب بدأ مند ظهوره عن طريق برلمانييه و أطره ( خصوصا بعد حكومة بنكيران)من تشنيف مسامعنا بقاموس من الكلام الساقط و البذيء في حق وزراء الحكومة و رئيسها، و خلق نوع من الشيطنة و الحقد و التحريض ضدهم.الاعتبتار الآخر يخص ذ.وهبي الذي تورط ما مرة بتفوهه بكلام ساقط و مصطلحات سياسية رديئة سواء في حق المؤسسات أو في حق المسؤولين عنها ، و الامثلة في هذا الشأن كثيرة و عديدة. و ثالث الاعتبارات يتعلق كذلك بكاتب المقال الذي يتحدث عن ضرورة احترام بعضنا البضع كيفما كانت مواقعنا، في نوع من النفاق و السكيزوفرينيا، ناسيا أو متناسيا حين قام داخل البرلمان بمقارنة قدحية تمس صورة " مول الزريعة " و ما أثارته من ردود فعل قوية من مختلف شرائح المجتمع. و كما ان الاستاذ كتبه مقاله بصيغة الناصح و الواعظ، فما عليه ان يقبل بنصيحتي التي أطلب منه أن يقوم بتقديم دروس اضافية و دورات تكوينية في هذا المجال لمسؤولي و أطر و برلماني حزب الجرار حتى لا ينطبق عليه المثل القائل " إن كان بيتك من زجاج فلا تضرب الآخرين بالحجارة ".

  • walid terrab
    الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 22:47

    المواطن المغربي يملك واجبات و يفتقر إلى الحقوق،أما أداب الحوار فهو لا يمث بصلة إلى النخبة السياسية ،هم يثقنون سياسة (هبل تربح)(دير براسك ماكاتعرفش)(العايق حاضي العايق و الدمدومة مستافد) (دهن السير يسيل)(العصى فالرويضة)(خالف تعرف)(زوق تبيع)إيديولوجيات ديال ‹النبق› تناسوا نفرشو لولاد الناس فاين ينعس ولادنا.للجهل أساتذة جهال

  • Abdellah
    الخميس 18 شتنبر 2014 - 12:05

    احسنت اسي وهبي!! عندما يكون امناء احزاب من طينة شباط و لشكر ماذا تنتظر?? تمنينا ان تكون احزابنا قوية اغلبية كانت ام معارضة..كنت اشاهد البارحة برنامج مباشرة معكم و اصابني شيء من الاحباط عند سماع مداخلات شباط ولشكر..للاسف لا يرقى حوارهم لاي لباقة او حس النقاش الهادف!! اظن هذا مشكل من يناصرهم فهم يتكلمون باسمهم!! يجب على المنتمين لهذه الاحزاب ومناظليها التدخل السريع لوقف هذه السلوكات الشاذة.. اللهم اذا انقرض الزعماء والاكفاء من تلك الاحزاب..انا لا الوم بنكيران عن عدم محاورة هؤلاء الشخصين..للامانة والله على ما اقول شهيد ليس لي اي علاقة مع PJD

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 1

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز