"قانونية" القانون بين المصدر والمضمون

"قانونية" القانون بين المصدر والمضمون
السبت 20 شتنبر 2014 - 11:55

إن “قانونية” وشرعية القوانين -وطنية كانت أو دولية- تُكتسب من روحها، وتستقى من شرعية تنصيب مُصْدريها، سواء كانوا مؤسسات أو “أشخاصا”..

فللقانون روح تعطيه الحياة، وفلسفة تمنحه الشرعية ومنطق يمنحه الانسجام.. ومن صفاء هاته الروح، وعمق تلك الفلسفة، وسلامة ذاك المنطق، يكتسب ذلك القانون قوته على الأرض، وأساسا يكتسب قبول الفئة المستهدفة الخضوعَ إلى بنوده والاحتكام إلى مقتضياته، بل والاستماتة في الدفاع عن بقائه وتطبيقه..

في المقابل فإن أي مسمى “قانون” لا روح فيه ولا طعم له ولا منطق يعتريه، لن يعترف الناس به، ولن يحترموه، ولن يدافعوا عنه، ولن يطبقوه، ولن يرضخوا له إلا جبرا، بل إنهم سيغتنمون أول فرصة سانحة قصد تجاوزه وخرقه. ذلك أنهم لا يؤمنون بمشروعية ذلك القانون المجحف في مضمونه، المشوّهة روحه، المفروض مَن فرضه.. فلا شرعية يكتسيها، سواء في ذاته التي تحابي وتخدم الفئة المتغلبة التي صاغت بنوده ونسجت فقراته،، أو في شكله كـ”قانون” مفروض من طغمة منصّبة متسلطة..

تنزيل هذه القاعدة على الواقع يجسد الخلل والتناقض سواء على مستوى “القوانين” الوطنية لكل دولة على حدة -داخل غالبية دول العالم الثالث-، أو على مستوى “قانون المجتمع الدولي”..

وأنا وإن كنت في هذه المناسبة لا يهمني التشريح ولا التحليل على المستويات القُطرية، فإني أكتفي بالتعرض للموضوع من جهته الدولية..

إن فداحة الكارثة هنا لها أكثر من وجه. فمع هذه العلات والنقائص والشوائب المتعلقة بشرعيتي المضمون والمصدر المؤصل لهما أعلاه، واللتين تنتفيان تماما في هذا المسمى “قانونا دوليا”، وفي إطار الرضوخ للأمر الواقع كسقف متاح ومفروض، فإن نفاق “المجتمع الدولي” يطفح افتضاحا عند استحضار “بلطجة” بعض “عظماء” هذا المجتمع، وفي نفس الوقت عجز هذا “القانون” عن الحركة، وخرسه عن مجرد الإدانة والشجب.. وفي هذا الإطار بالضبط، وفقط على سبيل المثال: من أباح لـ”البلطجي” القصف بالطائرات دون طيار لباكستان واليمن، على مدى أكثر من عقد من الزمن، بل وحاليا في العراق؟ من سمح بالتدخل العسكري في العراق بحجج تبين زيفها بعد التدخل والتدمير؟ من أذِن بالتدخل في الفيتنام، وأمريكا الوسطى، وضرْب تونس(الإنزال الجوي والبحري لاغتيال أبي جهاد)، وليبيا(أتحدث هنا فقط عن قصف 1986)، والسودان… واللائحة تطول.. أين هي مقتضيات “القانون الدولي” -في صيغته المخترَقة الحالية- في معاقبة من اعتدى على دولة أخرى دون “تفويض قانوني”؟ أم هي شريعة الغاب؟؟

إنها فعلا شريعة الغالب التي تحمي وتخدم المتغلب الذي صاغها،، ويتحداها!! لأنه حتى ذرائع حماية المدنيين والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات… وغيرها من الذرائع التي يتلحّف بها هذا “العظيم” “الوصي” غير المفوض للتدخل أينما شاء ومتى شاء، ورغم طول الجدل بشأنها وتعارضها مع مبدأ السيادة المكفول لكل الدول، فإن هذا الادعاء سرعان ما يتبخر ويتهاوى عند التدخل باسمه في دول(ليبيا وجمهوريتي الدومنيكان وغرينادا، ومسيحيو العراق…)، والإحجام عن ذلك إعراضا عن مجازر حقيقية فظيعة ترتكب ضد الإنسانية، في مواقع أخرى(سوريا، وديمقراطية مصر، ومسلمو بورما وإفريقيا الوسطى…)!!

منتهى اللؤم والانتقائية والأنانية والانتهازية والمتاجرة بالقيم ودماء الشعوب وأموالهم.

أما بالعودة إلى صلب الموضوع المتعلق بانتفاء شرعية وانسجام هذا “القانون الدولي” ذاته على مستويي التشريع والتنفيذ، فإنه لن تجد خيرا من شاهِد اللحظة الراهنة: [“موضة” “داعش”]، وهذا التحالف و”التفويض الدولي” لمحاربتها، والتزكية والتواطؤ من طرف مجلس “الأمن”..

فبغض النظر عن حقيقة هذه الـ”داعش”، ومن وراءها، وسر قوتها المريبة على خلاف قوة الحركات الإسلامية الأخرى الضاربة في القدم والتنظيم والانتشار، بل ومن باب أولى حقيقة وصدق ودقة ما يقدمه “”الإعلام”” عنها…(في كل الأحوال هذا الكائن، بهذه الصورة التي يصل بها إلينا، منبوذ مرفوض حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود..) أقول، بغض النظر عن هذا كله، وفقط في إطار تعرية النفاق والانتقائية العنصرية والمصلحية، ونبذ الكيل بمكيالين:

– أين مجلس “الأمن” من الضربات الأمريكية الحالية للعراق قبل “””التفويض”””؟؟؟!!!

– أين مجلس “الأمن” الذي تدخل في ليبيا “”لإنقاذ الشعب الليبي من بطش نظامه البائد””، ولم يقم بتدخل مماثل في سوريا، مع تشابه الوضعين حد التطابق؟؟!!!

– أين مجلس “الأمن” من إبادة وتهجير مسلمي إفريقيا الوسطى وبورما؟؟!!!

– أين مجلس “الأمن” من سحق مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني؟

– أين مجلس “الأمن” الذي فوض أمريكا لإخراج العراق من الكويت عندما دخلها غزوا في الحرب الأولى، ولم يفوض من يخرج أمريكا من العراق عندما دخلته غزوا في الحرب الثانية؟؟!!!

– أين مجلس “الأمن” الذي لم يفوِّض من يخرج “”إسرائيل”” من فلسطين التي تحتلها وفق هذا “القانون الدولي”(لا أتحدث هنا عن فلسطين التاريخية التي قدمتها الأمم المتحدة للصهاينة)؟؟!!!

– أين مجلس “الأمن” من تكرار هجمات العدوان الدورية على غزة؟؟!!!

فيما يتعلق بـ”داعش” بالخصوص، وفي محاولة لسبر وفهم الأحداث التي سبقتها أو تزامنت معها أو “ربما” مهدت لخلقها، فإنه يجدر استحضار الكرونولوجيا التالية:

– أبيد الشعب السوري على مدى ثلاث سنوات ونيف، والقتل والتهجير والتشريد والتدمير في ازدياد؛

– بدأت قبل ثورته(ثورة الشعب السوري) بأقل من شهر، ثورة في ليبيا، حسمت في أسدسها الأول بتدخل عسكري غربي؛

– ظهرت(أو أُظهرت) “داعش” في سوريا على مدى عمر الأحداث، بعد تحولات “عرفتها القاعدة” في العراق؛

– دخلت “داعش” العراق بقوة مريبة؛

– <<قتلت “داعش” مسيحيين وهجرتهم>>؛

– عرضت دول أوربا نفسها مضيفة لـ”المضطهدين(المسيحيين)”؛

– تدخلت أمريكا بغارات جوية “من تلقاء نفسها”؛

– قررت أوربا تسليح “الأكراد” أيضا “من تلقاء نفسها”؛

– اجتمع مجلس الأمن واتخذ قرارا بـ”الإجماع” لمحاربة “داعش” و”النصرة” تحت الفصل السابع!!!

– تم تكوين حلف كوني يضم أكثر من أربعين بلدا!!!!!

– ويبقى المسلمون ينزفون في كل البقاع والحيثيات التي لا تهم “الواقفين على حدود القانون الدولي”..

<>

فماذا يكون من شرع أو شكل أو نفذ أو سمح أو مجرد صمَت عن هذا؟ إنه ليس مجلسا للأمن، بل هو مجلس للتمييز!!!

المشكلة أن هذا الهاجس في “التقنين” واكتساب عطف ورضى و”شرعية” “القانون الدولي”، حاضرة ومسيطرة حتى في مجال المقاومة المشروعة، بل والمقدسة. ففي كل تدخل من أصحاب الشأن أو المتعاطفين أو مجرد المتتبعين لمجريات أحداث العدوان الأخير على غزة، كان المتدخلون يركزون على التنصيص على حق المقاومة الذي يكفله القانون الدولي.. والمفارقة أن أصدقاءنا يتناسون أو يتجاهلون أن هذا القانون الذي يحاولون كسب مشروعية موقفهم من خلاله، هو من أنشأ هذا العدو، وهو من حماه ويحميه عبر إتاحة حق الفيتو عبر تاريخهما(القانون والعدو)، وهو من يحابيه الآن ويعطيه شرعية “تحقيق الأمن” و”الدفاع عن النفس”…

فأين الخلل؟ هل في هذا “القانون الدولي”؟ أم فينا نحن الذين نتشبث به، مع يقيننا أنه لا، لم، ولن يُستعمل إلا فيما كان ضدنا أو لصالح عدونا؟؟؟!!!

أظن أنه أصبح -بالنسبة للمسلمين- سابع أركان الإيمان: “الكفر بهذا القانون الدولي”، وبالمؤسسات الفوقية التي أفرزته، وتحميه!!!

‫تعليقات الزوار

2
  • أستاذ
    السبت 20 شتنبر 2014 - 16:59

    القانون الدولي بمعناه المزيف هو القانون الأمريكي-الصهيوني.
    فهو القانون الذي يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية والماسونية

  • أبو أيوب
    السبت 20 شتنبر 2014 - 18:10

    بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله .جزاك الله خيرا أخي أن تناولت هذا الموضوع الذي من شأنه أن يوقظ الأمة من سباتها العميق. سبحان الله خطر لي أن أكتب فيه لما قرأت خبرا مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية توصي الحكومة المغربية بنوع من التعامل مع الجماعة لا أذكره الآن ، و حز في نفسي هذا التدخل السافر في شؤوننا الداخلية و عدم رد الحكومة بما يلمح لأمريكا وجوب التزامها باحترام سيادة الدول.
    للإشارة لا أعرف جيدا فكر الجماعة و لست منها فقط أغضبني استكبار هذه الدولة التي لا تؤمن إلا باستعباد الشعوب و تدعي تحريرها و المغفلون منا ماضون في تصديقها .
    جعل الله لك هذا الكلام الذي أنرت به طريق المسلمين نورا يوم القيامة و نفع بك آمين….

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة