القُبــــــــــــــــــح

القُبــــــــــــــــــح
الثلاثاء 23 شتنبر 2014 - 20:50

حلقات بعض البرامج الحوارية التي يقدمها التلفزيون العمومي يجب ألا تعرض إلا مصحوبة بعبارة: “تمنع على أصحاب الحساسية المفرطة تجاه القبح”، تجنيبا للأطفال والحوامل والرومانسيين الحالمين بمغرب وردي.. الأذى الفكريَّ واللفظيَّ الذي يَصدُر عن بعض الضيوف.

شخصيا، لا أملك أمام العديد من الخطابات السياسية المعربدة على البرامج التلفزيونية، سوى أن أصرخ: هذا قبح.. قبح.. قبح!

ما الذي يُميِّز هؤلاء السياسيين الذين يقتحمون بيوتنا، عبر التلفزيون العمومي، عن أولئك الذين يقضون حاجاتهم في الأماكن العمومية، لولا أن الأخيرين يفرّون من الأضواء والكاميرات حتى لا تنكشف عوراتهم.

قد يكون وصف هذا النوع من السياسيين بالقبح وصفا انطباعيا، ولا يمكن أن نؤسس عليه خطابا سياسيا بديلا، لأن الحقل السياسي لا يُنبت ورودا، بل سياسيين يتدافعون ويتصارعون.. لكن، ماذا عساه يكون هذا الخليط من الكذب والجهل والتجهيل والصراخ.. سوى كونه قبحا بَواحا بَراحا!؟

زعماء سياسيون يكذبون في وجوهنا، وهم يعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون، ومع ذلك يُمعِنون في الكذب، وخلفهم يجلس شهود الزور – في البلاطوهات- يبتسمون ويصفقون إعجابا ببراعتهم في إفحام خصومهم ولو بالكذب. وبذلك الكذب يَعِدوننا، ويتوعدوننا بأنهم قادمون ليحكمونا في الانتخابات المقبلة. يقولون ذلك وهم يمسِّدون شواربهم مبتسمين، يقولون ذلك وهم يحلفون ويستشهدون بالقرآن وبالحديث وبالشعر، يقولون ذلك وهم يصرخون ويَعرقون ويَبكون، وهم يَخبطون الطاولات بأيديهم والمنصات بأرجلهم، ويأتون بمن يصورهم وهم يُصلّون، وهم يتحدثون عن الثقافة والحداثة والوحدة الوطنية…

وبالرغم من أننا نعرف، وهم يعرفون أننا نعرف، أنهم أفّاقون وحُواة يُخرجون من الفراغ حمامات وأرانب ونجوما زائفة، وأنهم لصوص، تشهد على ذلك مساراتهم المهنية وحساباتهم البنكية وارتباطاتهم السرية ومؤتمراتهم الحزبية… فإننا لا نملك أن نتقي مكرهم وأذاهم، سواء صوتنا لغيرهم أو قاطعنا الانتخابات وأحكمنا إقفال بيوتنا خلفنا.. سيصلنا صراخهم، وستصلنا نتائج انتصارهم علينا وعلى القيم التي طالما تشدقوا بها علينا.

بماذا نسمي شخصا ينتصر على القيم التي تربى عليها وبشّر بها، بماذا نسمي انتشاءه بهزم تلك القيم ورقصه على جثتها. هل هناك قبح أقبح من هذا القبح؟

ما أفرزه المشهد السياسي، خلال السنوات الماضية، من أشكال ومظاهر التخاطب السياسي الموغلة في الرداءة والمجانية، وما يعِد به هذا المشهد من استمرار لنفس الخطابات والوجوه، لا يمكن، بأي حال من الأحوال، فهمه وتوصيفه استنادا إلى القاموس السياسي.

وإذا نحن أسقطنا -مع بعض التحوير- مقولة جان بول سارتر: “التكنولوجيا تفرز ميتافيزيقاها”، على مشهدنا السياسي، فإنه يصحُّ القول بأن رداءة الخطاب الذي ينتجه سياسيونا مِن رداءة المشهد العام الذي تقع مسؤوليته على عواتق هؤلاء السياسيين أنفسهم، فكما يرمي صاحب سيارة فخمة القمامة عبر زجاج سيارته إلى الشارع، يقذف هؤلاء السياسيون القبح الثاوي في صدورهم على وجوهنا، والقبح الكامن في مشاريعهم في شوارعنا.

أمام كل الأذى الذي يقذفنا به هؤلاء السياسيون، تنتابني رغبة مجنونة في الإمساك بالبعض منهم وحشرهم داخل حاوية أزبال، كنوع من تطبيق الحديث النبوي الداعي إلى إماطة الأذى عن الطريق، حتى وإن كنت أعرف أن أكبر “بركاصات” المملكة لن تتسع لجثث بعض هؤلاء السياسيين.

إن أضعف الإيمان، الذي هو “إماطة الأذى عن الطريق” (يقول الحديث: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق..”)، يجب أن يبدأ بإبعاد هذه الأشياء المؤذية من الشوارع والتلفزيونات.. خصوصا وأننا سوف نتعثر فيها كثيرا مع بداية العد العكسي للانتخابات.

سوف نصطدم، ونحن في طريقنا إلى البيت والعمل والسوق والمقهى..، بأنواع من الأذى المحشور داخل كوستيمات.. أذى يتحدث إليك في التنمية والثقافة والبحار، أذى يوزع الابتسامات والوعود والمال الحرام، أذى ينصب الخيام لينصب على المواطنين.

‫تعليقات الزوار

2
  • محند
    الثلاثاء 23 شتنبر 2014 - 21:35

    قبح الله سعيهم في البر والبحر والسماء!!
    قبح الله سعيهم في البر والبحر والسماء!!
    قبح الله سعيهم في البر والبحر والسماء!!

  • أحمد
    الأربعاء 24 شتنبر 2014 - 11:15

    لا أجد تفسيرا لجرأتهم و راحتهم في الكلام سوى بالقول أنهم ارتاحوا لإستكانة المغاربة و عدم خشيتهم من وجود انتخابات نزيهة تفرز حجمهم الحقيقي. لذلك فهم يرتعون و يسرحون كيف و أنى شاؤوا و من لم يرقه ضجيجهم فليشرب من البحر. هذا هو منطق هذه الكائنات المقرفة.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب