الأبعاد القيادية في الخطاب الملكي للجميعة العامة

الأبعاد القيادية في الخطاب الملكي للجميعة العامة
الإثنين 29 شتنبر 2014 - 17:48

ثمة اربعة أبعاد متكاملة في خطاب جلالة الملك محمد السادس في الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك حول التنمية البشرية المستدامة، تجعل منه خطابا قياديا يستقطب هموم وانشغالات الدول النامية التي تتسعى إلى تحقيق نموذجها التنوي والديمقراطي ولا تستطيع الإفصاح حقيقة عن الأعطاب الحقيقية التي تعرقله.

– البعد الأول، وهو البعد الحضاري: ويتمثل في تأكيد مقولة استقلال النموذج التنموي عن النماذج الجاهزة والمفروضة قسرا على الدول النامية، إذ ينطلق هذا البعد من الإقرار بتعدد النماذج التنموية والديمقراطية، وإمكانية نسج تجارب مختلفة عن النموذج المعياري الغربي، اعتمادا على الخصوصيات الحضارية لكل دولة وعلى رصيدها التاريخي، و وإمكاناتها المادية والبشرية.

– البعد الثاني: وهو البعد النقدي، إذ انطلق الخطاب من خلفية نقدية واضحة للنموذج التنموي الغربي المعروض على الدول النامية، كونه، ينطلق من رؤية مركزية للتنمية، لا تتصور إمكانية للنهوض من غير النسج على الأطر النمطية التي يحددها هذا النموذج، بل إن هذا النموذج يعتمد آليات قسرية يجبر الدول النامية بالقهر والإكراه على استلهام هذا النموذج، واستغلال الوضعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المأزومة التي تسبب فيها الاستعمار في هذه البلدان، إذ يلجأ هذا النموذج إلى اعتماد شبكة معايير خاصة به، يفرضها هي الأخرى على هذه البلدان، وويرتب عليها منظومة تصنيف وتنقيط، تجبر الدول المنهوكة على التأقلم معها لكسب الدعم دون أن تكون له القدرة على استشراف مآل إجبار هذه الدول على المضي في هذا المسار والكلفة الخطيرة المترتبة عن ذلك. من هذه الجهة، قدم الخطاب الملكي رؤية نقدية عميقة لهذا النموذج، تنبثق من الرؤية الحضارية التي تفترض استقلال وتعدد المراكز الحضارية والتنموية.

– البعد الثالث: البعد البنائي: إذ لم يكتف الخطاب بتوجيه اللوم إلى الاستعمار ولا إلى هذا النموذج التنموي الغربي بشبكات معاييره وآليات تنقيطه وتنصنيفه لاقتصادات الدول النامية، وإنما اتجه إلى اقتراح معايير جديدة تناسب واقع ووضعية النماذج التنموية والديمقراطية في الدول النامية، إذ اقترح الخطاب الملكي الرأسمال غير المادي كآلية بدبلة لشبكة المعايير والتصنيفات التي اعتمدتها الدول الغربية لعقود دون أن يكون لها أثر إيجابي ملموس على واقع النماذج التنموية والديمقراطية في الدول النامية.

– البعد الاستشرافي: والذي ينطلق من قاعدة التشخيص، إذ نبه الخطاب الملكي في نداءاته، إلى مخاطر الناجمة عن استصحاب الوضع السابق والإصرار على فرض المركزية الغربية في النظر إلى النموذج التنموي في الدول النامية، وما يترتب عن ذلك من استمرار نفس آليات التصنيف والتنقيط بناء على المعايير المنبثقة من النموذج المعياري الغربي، فقد انطلق الخطاب الملكي من الواقع الذي أنتجته هذه التجربة، لينبه صناع القرار السياسي الغربي إلى المآللات الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن الاستمرار في إنتاج نفس الوضع السابق، وصعوبة التحكم فيها، وفتح بذلك المجال لاقتراح بدائل أخرى تخفف من وطأة الاحتقان والتوتر ووضعية اللأمن واللااستقرار التي تعيشها مناطق عديدة من العالم، وذلك بإعادة النظر كلية في طريقة التعامل الغربي مع التجار بالنامية، وتبني خيارات التعاون ذي النفع المتبادل بدل الاستمرار في منطق المساعدات المشروطة التي تنهك الدول النامية وتخلق أجواء الشعور الظلم والتهميش والإقصاء والإحباط، والتي لا ينتظر منها في المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة سوى مزيد من الاحتقان في العالم وتهديد الأمن والاستقرار في كل المناطق بما في ذلك المناطق الغربية نفسها.

هذه الأبعاد الأربعة المجتمعة في الخطاب الملكي تؤهله كي يكون خطابا قياديا يذكر بلحظة حركة عدم الانحياز، لكن في سياق آخر، ينحو منحى الابتعاد عن الاصطفافات والمحاور السياسية، والتأسيس لمنطق فكري وسياسي مفتوح أمام الدول النامية، للتفكير مليا في مفرداته وعناصره، وبحث خيارات تنزيله من خلال علاقات وتجارب منسوجة بينها، إذ يعرض الخطاب الملكي بهذا الخصوص تجربة المغرب مع بعض دول إفريقيا كنموذج لهذه العلاقات التي يمكن توسيع فضائها ودعم المنطق الفكري والسياسي الذي تنطلق منه، ومحاولة إقناع الغرب من خلاله بضرورة مراجعة تعامله مع الدول النامية

‫تعليقات الزوار

2
  • حكيمة بلاج
    الثلاثاء 30 شتنبر 2014 - 00:19

    خطاب جلالة الملك بمثابة وخز للضمير الغربي خطاب مليء بالجراة الموضوعية والصادقة ورفض للانصياع الاعمى او بالاحرى المفروض على الشعوب النامية المثقلة برواسب الاستعمار الذي سلبها كل خيراتها وكان السبب في افقارها وتخلفها وحتى وان تحررت من الاستعمار التقليدي فانها لم تتحرر من التبعية له بسبب الاملاءات المرغمة على تطبيقها متناقضة في ذلك مع خصوصياتها الثقافية والحظارية والبيئية مما قد ينجم عنه رفض شعبي يهدد بانفجار ذاخلي رافض للذل ومناهض لسياسة الاستضعاف التي تنهجها دولها فيكون من عواقبه ما يشهده العالم اليوم من ارهاب لن تسلم منه حتى الدول الغنية وهذا ما اشار اليه الخطاب الملكي امام الجمعية العامة للامم المتحدة
    انن فالخطاب الملكي دعوة صريحة لرفع الظلم بل اكثر من ذلك دعوة لجبر الضرر ازاء تلك الشعوب عبر مساعدتها على النهوض باقتصادياتها للقضاء على الفقر والتخلف ومن اجل العيش الكريم حتى يعم التاخي والسلام ربوع هذا العالم
    ومن جهتها على الدول النامية ان تتكثل فيما بينها اقتصاديا في مجموعات من اجل ارساء تنمية مستدامة وكذلك سياسيا من اجل احتواء مظاهر الارهاب والتطرف وهذا هو النهج الذي يسير عليه بلدنا

  • oussama
    الثلاثاء 30 شتنبر 2014 - 12:05

    -على الغرب و في مقدمته فرنسا و امريكا سحب حكوماته العميلة المفروضة على الشعوب المقهورة و تمكينها من الانعتاق.
    -على الغرب و في مقدمته فرنسا و امريكا و حليفتها بعض دول الخليج عدم دعم الانقلابات الدامية بعد كل انتخابات نزيهة خاصة في الدول الافريقية كالدي حصل في مصر و غيرها.
    – على الغرب و في مقدمته فرنسا و امريكا و حليفتها بعض دول الخليج اطعام الدول المجوعة قسرا.
    -على الدول النامية الانكباب على حل مشاكلها المعقدة اصلا عوض اختالق الفتن لبعضها البعض كما تفعل بنا جارتنا الشرقية الغارقة في الازمات و التخلف.
    -اللهم احفط بلادي من كيد كل حاسد مريض .

    تحية لكل القراء

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة