هل يتعارضُ الاقتطاع من الأجور مع الحقّ في الاضراب؟

هل يتعارضُ الاقتطاع من الأجور مع الحقّ في الاضراب؟
الأربعاء 1 أكتوبر 2014 - 20:10

تُثار العديد من الأسئلة بخصوص مسألة الاقتطاع من أجور المٌضربين عن العمل وعلاقة ذلك بالاعتداء على الحق الكوني والدستوري في الإضراب. ومن هذه الأسئلة نجد: من يتحمّل الأعباء المادية لقرار الإضراب؟ وكيف يتم الجمع بين المبدأين: “لا أجر بدون عمل” و “لا عمل من دون أجر”؟ وهل الاقتطاع من أجور المضربين خاصية الدول غير الديمقراطية أم أنه أمر معمول به في الدول الديمقراطية؟ وهل قرار الاقتطاع الذي باشرته الحكومة المغربية يتوافق والمساطر القانونية؟

قبل معالجة هذه الأسئلة، يجدر التنويه إلى أن كاتب هذه السطور ليس بصدد الدفاع عن قرار صادر عن حكومة لديه عليها جميع من الملاحظات المدرجة ضمن مقالات سابقة. وإنما هي مساهمة ترتئي نوعا من العلمية والموضوعية، وينبغي أن يُتعامل معها وفق هذه الخلفية. فمثلا سبق وأن كتبنا “ملاحظات حول العمل النقابي” قبل حتى تولّي الحكومة الحالية، وتم نشر مقال عن “المخالفات القانونية التي واكبت مسطرة الاقتطاع من أجور المضربين”، وهو المقال الذي رام توضيح كون الطريقة التي تباشر بها الحكومة عملية الاقتطاع من الأجور تتضمّن العديد من المخالفات المسطرية، وأن القضاء الاداري من شأنه إنصاف أي متظلم في هذا السياق.

و بالفعل فقد حكمت المحكمة الادارية بالرباط ضد قرار وزارة العدل وقضت بتعويض أحد المتضررين من الاقتطاع، وذلك ليس بسبب الاقتطاع في حد ذاته وإنما للعيوب التي لحقت مسطرة تفعيل قرار الاقتطاع. ( حكم رقم: 3772 بتاريخ: 27/11/2013 ملف رقم: 262/5/2013).

لا بد من الإشارة كذلك، إلى أن مطلب ربط الأجر بالعمل بشكل خاص وإصلاح الإدارة والعمل النقابي بشكل عام هو مطلب ديمقراطي سابق على الحكومة الحالية، وغير مرتبط بنظام سياسي معين؛ وهو كذلك مطلب يرمي إلى تقوية الدولة بما هي كيان سياسي ومجتمعي وقانوني بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، لأننا نعتقد أن ترهل الدولة وانحطاط الجهاز البيروقراطي وضعف كل من الفعل النقابي والسياسي..، لن يفيد أي إصلاح ديمقراطي أو عملية سياسية أو مجتمعية. فالتغيير الحقيقي لا يمكن أن ينتج عن فعل نقابي غير مُؤسّس على ثقافة نقابية، والإصلاح المجتمعي لا يمكن أن ينهض به مواطن لا يقوم بمهامه بما تقتضيه ثقافة المواطنية.

وعندما نتكلم عن الاقتطاع من أجور المضربين، فإننا على وعي تام بأنه ليس وحده الكفيل بتطوير العمل النقابي، وإنما هناك حزمة من الإجراءات يجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف. كما أن دفاعنا عن مطلب ربط الأجر بالعمل لا يمكن – بأي حال من الأحوال- أن يُفهم منه أنه يضر بالحق في الإضراب، فالأخير مكفول بقوة الدستور والقانون، وتكفله جميع المواثيق الدولية، لكنّ أيا من هذه القوانين أو المواثيق اعتبرَ الاقتطاع من أجر المضرب عن العمل يناقض الحق في الإضراب.

بقراءة سريعة في القوانين المغربية التي تـُعنى بالموضوع، لا نلمس أي إشارة تثبت أن الاقتطاع يناقض الحق في الإضراب، كما أن جولة على أغلب المواثيق الدولية تسير في نفس الاتجاه؛ فلقد رصدت لجنة الحريات بمنظمة العمل الدولية أهم صور انتهاك الحرية النقابية في ممارسة حق الإضراب، وضمنتها تقاريرها الدورية كما يلي: الحظر التام على الإضرابات (تقرير الحريات 1983)؛ التعليق المؤقت للإضرابات؛ استبدال الحق في الإضراب بالتحكيم الإلزامي؛ فرض شروط مطولة وشاقة تسبق الإضراب للتفاوض، والمصالحة، والتحكيم، بحيث يصعب الدعوة إلى إضراب قانوني(تقرير الحريات 1983)؛ حظر الإضرابات في مناطق معينة (تقرير الحريات، 1994)؛ التعريف الفضفاض بعبارة «الخدمات الأساسية» (التقرير العام 1996)؛ التدخّل الجسدي أو تهديد العمال (التقرير العام 1996)؛ فرض عقوبات مبالغ فيها على الإضرابات (مثل السجن أو العمل القسري)؛ الاعتماد على الشرطة لإنهاء إضراب. فمن خلال هذا الجرد الذي استقيناه من المذكرة التي وجهتها الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إلى رئيس الحكومة مطالبة إياه بالتراجع عن قرار الاقتطاع، يتضح أنه لا وجود لأي إشارة تعتبر الاقتطاع من الأجر إضرارا بالحق في الإضراب، وما كان لهذه المنظمة الدولية أن تغفل هذا الأمر لو بدا لها أنه يمس بحقوق العمال.

وفي هذا السياق، تحضرنا مجموعة من الأسئلة: كيف يحق لنا المناداة بسيادة المبدأ الديمقراطي على غرار البلدان الديمقراطية، في الوقت الذي نرفض فيه الإجراءات المعمول بها في هذه الدول؟ وما هي النتائج الديمقراطية والسياسية التي حققها للمغاربة عدم الاقتطاع من أجر العمال طيلة نصف قرن؟ وما هي المكاسب الحقيقية التي ما كان لها أن تتحقق لولا عدم الاقتطاع؟ وفي المقابل: ما هي نقائص تربية العامل أو الموظف على السلبية والانسحابية المتمثلة في اختزال النضال النقابي في الامتناع عن العمل؟

بكلمات، يمكن القول إن إجراء الاقتطاع من الأجر أو غيره من التدابير الضبطية سيحقق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية من قبيل: تقوية العمل النقابي وتوحيده ولن تبقى في الميدان إلا النقابات القوية والمبدئية، تربية العامل على أساليب مبتكرة لتحقيق الأهداف، تكريس المواطنة الإيجابية المبنية على الواجبات قبل الحقوق، تقوية مرافق الدولة والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية… إلخ. وهذه كلها أهداف نتيجة لقرارات، إذا صدرت عن نظام سياسي أو حكومة غير ديمقراطيين، فهي حتما لن تكون في غير صالحهما، لا نريد أن نستطرد.

– باحث في العلوم السياسية

[email protected]

https://www.facebook.com/pages/Abderrahim-Alam/399398136753078

‫تعليقات الزوار

8
  • lahcen de bni mellal
    الخميس 2 أكتوبر 2014 - 00:59

    اقتطاع الاجر من المضرب يوم الاضراب هل هو معقول ام لا ادا بحثنا بجدية في هدا الموضوع سنجد ان الاقتطاع معقول اولا ان الدولة عاجزة في بعد الحالات عن تحقيق مطلب الشغيلة ومع دلك فالشغيلة تجدها سبة لتكثير من الاضراب كما ان المضربين لاينخرطون في اي نقابة كما يضربون مع اي نقابة تقوم بالاضراب وهنا يصبح تلاعب بالسياسة لايكون الاقتطاع الافي الاضراب العام لانه لصالح الجميع اما اضراب قطاع واحد فهو لايخدم مصلحة الجميع كما ان الاضراب هو تضحية اما ان يصبح عطلة فهدا تلاعب بالسياسة ه ه ه والسلام

  • شوية الموضوعية والعلمية
    الخميس 2 أكتوبر 2014 - 15:13

    عفوا مجرد تلميع الشطط في استعمال السلطة والتعسف بالإنفراد في القرار والإجهاز على المكتسبات وخنق الشغيلة لأنه يجدر التنويه إلى أن كاتب هذه السطور بصدد الدفاع عن قرار صادر عن حكومة -حزب- لديه عليه جميع الفضل في الوصول والتألق. وإنما هي مساهمة ترتئه نوعا من الإيديولوجية المقيتة فينبغي أن يُتعامل معها وفق هذه الخلفية للأسف الشديد.

  • مناضل حقيقي
    الخميس 2 أكتوبر 2014 - 15:24

    لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني
    إن أي دارس للقانون في السنة الأولى يتم تلقينه مجمعة من المبادئ القانونية كقواعد قانونية: من أبرزها لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
    الإضراب حق مضمون دستوريا، ولا يحق للحكومة أن تقتطع من أجور المضربين بدون قانون واضح يسمح لها بذلك.
    أما مبدأ الأجر مقابل العمل فهو مبدأ جلبه قضاة الموضوع بالمحاكم الإدارية في إطار نوع من الإجتهاد القانوني من القانون الفرنسي، وذلك إرضاءا لوزارة العدل التي تعرف أيضا اضراب موظفيها من خين لآخر، وأيضا لأن وزير العدل يتحكم في رقاب القضاة ويخافون أن يتم تنقيلهم الى محاكم بعيدة وغير مرغوبة إن هم عملوا على إغضاب سيادة الوزير أو خالفوا توجه الوزارة ومن ورائها الحكومة.
    وأنا أرى أنه لا مجال لتطبيق المبادئ القانونية الفرنسية في المغرب، لأن فرنسا لديها قانون ينظم النقابات وقانون ينظم الإضرابات، أي أنهم في فرنسا عندما يقومون بالاقتطاع من أجور المضربين إنما يقومون بتطبيق قانون صريح يخضع له الجميع. أما القول بالمبادئ ومنطق العمل مقابل الأجر إنما هو تهرب للحكومة من دورها في اخراج القوانين المناسبة في مثل هذه الحالات.

  • zahir
    الخميس 2 أكتوبر 2014 - 18:12

    كثيرا ما نردد كالببغاوات أو خلف مكر مقنع أن الغرب ما تقدم إلاّ وإلاّ … وأن بلدهم بلد الحقوق والعدالة والمساواة والتكافؤ و و و .. وأن بلدنا بلد البرقوق والدجاج المحروق وباك صديقي وخالتك حضرت العرس و و و … وفي هذه النقطة بالذات لن تجد بلدا أوروبيا "حقوقيا" طبعا لا يطبق هذه المعادلة وفي جميع القطاعات: الإضراب حق مشروع دستوريا، والأجر رهين بالعمل، وبالتالي إن أضربت فأنت معرض للاقتطاع. ولا حاجة لنا في دروس السنة الأولى حقوق ولا في تطبيلات النقابات وتزميرات جمعيات هضم الحقوق. ولم نسمع عنهم من يعترض ولا منا من يدعو لمجاراتهم في هذه. طبعا لأن نضالنا غير نضالهم ومبادئنا ألصق بالمزاح منها بالمواقف. عندما ينفعل مهضوم الحق مع ظلمه حق الانفعال لن يهمه اقتطاع يوم أو شهر إن آمن بعدالة موقفه وقضيته وساعتها لن تتردد السطة أية سلطة في إعادة الأمور إلى صواب مجاريها.أما نقاباتنا فسلام عليها وصلاة، فبعدما باعت القرد عرضّت بمشتريه، فلهاذا صارت ثقة المغاربة عموما فيها كمن يثق في مطر أبريل أو شمس دجنبر. وما دام كرموسنا معسل، فسوف نضل نبارك ونهلل، لكل ما تقوم به الحكومة، فقراراتها عادلة مفهومة وداعا نضال

  • الحسين إبراهيم
    الجمعة 3 أكتوبر 2014 - 10:52

    الاضراب مشروع والاقتطاع كذلك بدون لف أو دوران، ولا مجال لاتهام القضاء بمحاباة وزير أو حكومة. من يضرب يتحمل مسؤولية نضاله والحكومة تتحمل مسؤولية الحفاظ على المال العام. وكفى من البوليميك…. "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان"

  • mssali
    الجمعة 3 أكتوبر 2014 - 13:18

    اكثر من نصف المضربين لا ينتمون لاية نقابة ويعتبرون يوم الاضراب يوم عطلة .وغالبيتهم من النساء ;وبتطبيق الاجر مقابل العمل ستظهر تمثيلية النقابات الحقيقية ; لذلك لجاوا في الاضراب الاخير لاختلاق الكثير من الاكاذيب حول التقاعد لاقناع الناس بالاضراب ورغم ذلك فشلوا .

  • خرماز
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 00:45

    لا جريمة و لا عقوبة الا بنص قانوني .d'accord
    من إذن الداعي و من المدعي ؟
    من يحس بالضرر هو الدي يلتجىء الى القضاء معناه المضرب الدي اقططع من راتبه ادن هو الدي عليه ان يتبت الجريمة لكي يطبق القانون في شئنها فهمتي اولا مزال هادي خرزية ولاكن غالبة على الخرازة .
    الخوار هذا اركوم زدتو فيه بلا قياس
    ارجوع للله الي تلف أشد الارض.

  • Hamid
    السبت 4 أكتوبر 2014 - 20:59

    ليس من حق من هب ودب أن يحشر نفسه في هاته القضايا ، لولا ان صاحبنا هذا من اتباع البيجيدي لكان لكلامه على الأقل مصوغ ،
    لكن أن يظهر كمحلل مدافع عن طروحات الظلاميين فهذا امر طبيعي.
    في سنوات الرصاص لم نسمع بالاقتطاع رغم ما كان من تأثير للإضرابات على الحياة السياسية للبلاد…
    فلتع دوا إلى جحوركم

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة