الاتحاد الاشتراكي .. والحاجة إلى مبادرة قبل ترسيم الانشقاق

الاتحاد الاشتراكي .. والحاجة إلى مبادرة قبل ترسيم الانشقاق
الخميس 2 أكتوبر 2014 - 10:46

ليست هذه هي المرة الأولى التي واجه فيها الاتحاد الاشتراكي تحدي الانشقاق، فالتنظيم الاتحادي نفسه هو ثمرة ظاهرة الانشقاق السياسي، لما تم إعلان انشقاق الحركة الاتحادية عن حزب الاستقلال سنة ١٩٥٨.

لكن، الظاهرة اليوم ربما تأخذ أبعادا مختلفة، إذ لم تعد مسوغات الانشقاق مرتبطة بالخلاف المذهبي والإيديولوجي كما حصل مع اليسار الجديد الذي خرجت بعض مكوناته من عباءة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكما حصل أيضا مع رفاق الشهداء في اللجنة الإدارية التي انفصلت عن المكتب السياسي سنة ١٩٨١، وتكرر الأمر مع تيار الوفاء للديمقراطية، وإنما أخذت ظاهرة الانشقاق مع وصول إدريس لشكر إلى الكتابة الأولى للاتحاد أبعادا جديدة تستحق التحليل.

فالمبررات التي طالما أعلن عنها تيار الزايدي، تتعلق بالخيارات والتموقعات التي اختارت قيادة الحزب أن يتجه إليها الاتحاد، كما ترتبط بأسلوب إدارة القيادة الجديدة للحزب بكل مناشطه، وطريقة تدبير الخلاف بين المكونات التي تساكنت لمدة طويلة داخل الحركة الاتحادية، بل وأسلوب ترويض هيئات الحزب وإخضاعها للقيادة الجديدة.

أما القيادة الجديدة، فترى أنه بعد الشرعية الانتخابية، لم يعد مسموحا لأي أحد أن يتجاوز القيادة ويفرض أسلوبا آخر للممارسة السياسية الاتحادية خارج ما تقرره الأطر والهيئات القيادية للحزب.

وفي المنطقة الرمادية، التي عادة ما توصف بالوسط، توجد قيادات كثيرة يفضل بعضها أحيانا أن يقوم بدور الوساطة، ولا يتوقع أحد ما تفكر فيه في حالة وصول الخلاف بين المكونين إلى منطقة اللاعودة.

الآن وبدون شك، وبعد عزم تيار الزايدي الحسم في خياراته، واللجوء إلى خيار العمل في إطار الاتحاد الوطني للقواات الشعبية، فإن منطقة الوسط ستكون مضطرة إلى أن تحدد خياراتها، وانتظار ما ستسفر عنه المعركة بين المكونين في الجولة الحاسمة.

والواقع أن مشكلة الاتحاد اليوم، مرتبطة بحدود التناغم والانسجام بين فلسفة التوافق التي اعتمدها الحزب في مساره السياسي الطويل لتدبير قضية القيادة، وبين التحولات التي عرفتها النخبة الاتحادية القيادية وطبيعة الرهانات التي دخلت فيها، إذ كان الاتحاد دائما يخرج بقيادة توافقية، مدعومة بمكتب سياسي تحضر فيه كل الحساسيات، ويجسد إلى حد ما القيادة الجماعية.

لكن عناصر هذه المعادلة اهتزت بشكل كامل مع الحراك الذي انطلق للإطاحة بالكاتب الأول محمد اليازغي بسبب محاولته تغليب منطق توجهه السياسي وأسلوبه في التدبير على منطق التوافق الذي حكم مسار الاتحاد، وقد تدارك الاتحاد بشكل من الأشكال هذه الأزمة بانتخاب عبد الواحد الراضي كاتبا أول للاتحاد، لكن الأزمة عادت وبكل حدة، لما تعمق الاختلال في هذه المعادلة في عهد القيادة الجديدة للاتحاد، وتشكلت الهيئات الحزبية على قاعدة احتكار التمثيلية في الهيئات، وإقصاء بقية النخب القيادية عن التمثيلية في المكتب السياسي أو اختيارها بطواعية عدم تزكية المسار الجديد الذي انخرط فيه الاتحاد.

والحقيقة أن هذا الاختلال في المعادلة لم يأت بمحض الصدفة، وإنما حدث بسبب تحولات اصابت النخبة القيادية الاتحادية أو على الأقل اصابت جزءا منها، فأثرت في طبيعة الوظائف التي يفترض أن تقوم بها الحركة الاتحادية، وفي طبيعة التموقعات والتحالفات والخيارات السياسية، والأسلوب التنظيمي الذي تم اللجوء إليها لفرض هذه الرهانات الجديدة.

وقد ظهر هذا التحول مع النقاش الحاد حول تشخيص المرحلة السياسية التي دخل إليها المغرب بعد انتخابات ٢٠٠٧ ثم بعد الحراك الشعبي الديمقراطي، وتقييم نتائج اقتراع ٢٥ نونبر، والموقف من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، والموقف من المشاركة في الحكومة، ثم العلاقة بمكونات المعارضة وبالتحديد حزب الأصالة والمعاصرة، وتحديد التموقع السياسي وهل سيتجه الحزب لدعم الإصلاح، أم سيقف في الجهة الأخرى؟ وبأي أسلوب سيتم مواجهة كل من يخرج عن الجواب الذي حددته القيادة الجديدة عن كل هذه الأسئلة المطروحة؟

بعبارة، لقد فشلت القيادة الجديدة في الحفاظ على أهم مكتسبات تجربة الاتحاد الاشتراكي في تحصين التوافقات والمضي بسفينة الحركة الاتحادية التي تتجاذبها أفكار وتيارات متعددة، وفشلت في تأمين وحدة الاتحاد نفسه، فبالأحرى أن تنجح في توفير شروط الوحدة مع مكونات اليسار، وهي اليوم مضطرة، إن سارت الانشقاقات إلى مداها، أن تفقد بريقها السياسي مع الدخول الجديد بفقدان فريقها النيابي أو جزء كبير منه، وهي مضطرة ثانية لأن تفقد جزءا مهما من جاهزيتها للاستحقاقات الانتخابية بسبب تحدي الانشقاق الذي يهددها.

نعم، قد تشعر القيادة الجديدة للاتحاد أنها بهذا الانشقاق قد أزالت وجع رأي كبير كانت تعاني منه، وقد تحس بأنها الآن تمسك بجميع مناشط التنظيم بعد انسحاب المعارضين، لكن هذا الكسب الضيق والمحدود إذا قورن بالمسؤولية السياسية والأخلاقية في الحفاظ على وحدة الاتحاد في ظل تعدد مكونات الحركة الاتحادية، فإنه لا يساوي شيئا، فبالأحرى إذا أخذت بعين نتائج الانتخابات القادمة التي سيحصل عليها الاتحاد المنهك بالانشقاق.

لا نمل من التكرار والقول بأنه لا أحد يتمنى للاتحاد هذا المسار الخطير، فضعف الاتحاد بدون شك سيكون له أثره المباشر على ضعف الحقل الحزبي واختلال جزء من موازين القوى لفائدة القوى التي كانت دائما تتطلع لإضعاف الاتحاد من أجل حسم المعركة لصالحها، بحكم أنها تنظر دائما إلى الاختلالات الجزئية في مسار الاتحاد على أنها مجرد تموجات نسبية سرعان ما يستفيق منها الاتحاد ليعود إلى موقعه الطبيعي ضمن القوى الوطنية الإصلاحية.

نأمل أن يتم الاستدارك السريع من قبل جميع مكونات الاتحاد، والوعي بأن الانشقاق ليس حلا، وأن قنوات إيجاد مخرج آخر لم تسنفذ بعد، وأن ثمة فضلاء داخل العائلة الاتحادية، يمكن لهم أن يتدخلوا ليوقفوا هذا النزيف ولو باقتراح مؤتمر استثنائي تصحيحي يرجع التوازن إلى المعادلة التي حكمت الاتحاد. ونظن أن المسؤولية السياسية والأخلاقية للقيادة الجديدة تحتم عليها في هذه الظرفية الحساسة الانتصار للاتحاد بدل الانتصار لطموحات ومصالح شخصية جد ضيقة.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب