قد لا تعنيني كثيرا، الجائزة الوطنية للصحافة، فهي خاصة بالزملاء العاملين في مؤسسات إعلامية وطنية، استثني منها الصحافيون المغاربة الذين يشتغلون في وكالات أجنبية أو معتمدين من طرف محطات تلفزية أو إذاعية أو جرائد عربية ودولية، حفظا ربما لصفة “الوطنية” فيها. وهذا لم يمنعني من مقاسمة زملائي من مُختلف المنابر الإعلامية، فرحة تتويجهم بالجائزة الوطنية للصحافة، يوم الاثنين الماضي.
لكن الجائزة الكبرى للصحافة حقيقة هو أن لا يكون السجن مآل صحافي وقف أمام القضاء متهما في قضايا نشر. وأن يكف الكثير من الصحافيين عن بيع ضمائرهم وأقلامهم وأصواتهم وربما أشياء أخرى، لمن يدفع أكثر أو لصاحب سلطة أشد.
قد نحتفي ومعنا “جموع المواطنين الغفيرة” بأيام الصحافة المجيدة، حين يصبح الصحافي شاهدا على الحقيقة وعنوانا لها. وحين تنتصر هذه المهنة للمنسيين والمنفيين ممن جار عليهم الزمان أو أهل السلطان وأصحاب الخزائن العامرة، ولا تكون ساحة للقذف والتشهير واستباحة أعراض الناس وأموالهم.
وسنزهو بانتسابنا للصحافة وأهلها، حين يصير الصحافي صوتا للمجتمع، لا بوقا لكل صاحب سلطة أو جاه أو مال. وحين يصبح عنوان تميز الصحافي مقالته وتحقيقه، لا قربه من فلان أو فلانة، وتكون الكفاءة طريقا للعمل في الإعلام العمومي وليست العلاقات العائلية أو حتى السريرية.
سنفرد يوما، وربما أياما، لتتويج الصحافيين والاحتفاء بهم حين يصير إعلامنا العمومي إعلاما للمغاربة وليس إعلام السلطة. وعندما يتمتع أهل المهنة بوضعهم الاعتباري لا أن تغدو مهنتهم ملجأ لمن لا مأوى له، ويصبح القانون لها مرجعا وأخلاقيات المهنة سلوكا لا التعليمات وأصوات الهواتف الآمرة المتوعدة والخطوط القاتمة الألوان.
سنوشح زملاء المهنة حين لا يكون الصحافي فوق القانون ولا تحت أرجل من يسحقونه ويدوسون القانون. وعندما يذهب الصحافي إلى عمله ولا يتملكه الرعب من أن يكون آخر يوم له ويطرد حاسرا لا يعرف إلى أي وجهة ييمم وجهه. وسنبتهج محتفلين بالصحافة والصحافيين حين لا يصبح توقيف أو إغلاق المؤسسات الصحافية كإغلاق دكاكين باعة التقسيط كل يوم. وعندما تصان حقوق الصحافي ولا يصبح سلعة في يد من تكدست أمواله أو اتسعت سلطته.
ستتملكنا السعادة حين يقضي صحافيون محترمون أعمارهم في محراب مهنة اعتبروها مقدسة ولا ينتهي بهم قدرهم “يتسولون” العمل عند من لم يكتب حرفا في حياته أو يكتبون باسمه، ويردون خائبين، لأن هناك من “أصحاب الوقت” من لا يحب أن يرى أسماءهم في الصفحات الأولى للجرائد.
عندما يتحدث ملك البلاد مع صحافة بلاده كما يتحدث مع غيرها، ويكون الصحافي مؤرخا للحاضر وليس شاهد زور على عصره…
…يومها جائزة الصحافة الكبرى حتى دون أن يتوج الصحافيون.
في انتظار ذلك اليوم الذي نرجو أن لا يكون بعيدا جدا، أجدد سعادتي بفوز صديقي العزيز محمد بلقاسم وباقي الفائزات والفائزين، وحتى من كانوا في مراتب متقدمة في المنافسة.
– صحفي