صبيحة الثلاثاء رابع نونبر 2014، كانت ثانوية في ضواحي الدار البيضاء تعيش وضعا خاصا. ثانوية تستقطب تلاميذ من آلاف العمارات المتجهمة. كان لدي درس في الإنشاء التعبير حول كتابة نص سردي. مطلوب من تلاميذ السنة أولى ثانوي بناء حكاية عن شخصيات وأحداث وزمان ومكان وبعد نفسي وبعد اجتماعي. المطلوب أن يجيب النص الذي يحرره التلميذ عن الأسئلة الخمسة:
من؟ أين؟ متى؟ كيف ولماذا؟
تركت الموضوع الذي يقترحه الكتاب المدرسي لأخصص التمرين لإضاءة اللحظة. اليوم عاشوراء وهي عيد ديني، لكنه في الثانوية يجري دون طقوس دينية. كثيرون لا يعرفون حتى سبب عاشوراء. لذا فالحدث بالنسبة للسوسيولوجي البصاص مناسبة لكشف مدى تعري العنف الاجتماعي في المؤسسة التعليمية.
شرحت مقومات النص القصصي ثم كتبت السؤال التطبيقي على السبورة:
ماذا رأيت في ساحة الثانوية وحولها يومي تاسع وعاشر محرم؟
طلبت من التلاميذ كتابة الأجوبة على شكل عوارض تشمل أفعالا لأن سرد وقص وروى وحكى تعني تقديم سلسلة أفعال متوالية دالة. كما طلبت أن تبدأ كل جملة برأيت. هذا سؤال سينمائي لا إذاعي. لا أريد الكتابة على السماع. يقال إن الفارق بين العين والأذن، بين الحق والباطل أربعة أصابع. وليس من رأى كمن سمع.
إليكم حصاد اليوم خاما:
يوم الإثنين رأيت التلاميذ حول الثانوية يشترون المفرقعات ويتباهى كل واحد بأنه من اشترى أكثر من غيره. وقد ظهرت أنواع جديدة من الفرقعات، ثمنها رخيص وصوتها قوي، مفرقعات بنصف درهم. رأيت “المُقنبلين” يعملون على توفير مدّخرات من المفرقعات. رأيت ساحة الثانوية تسطع بالمتفجرات. يغافل المشاغب الفتيات ويضع المفرقعات في محافظهن. رأيت صواريخ تصفر وتنفجر. مفرقعات وشهب اصطناعية صغيرة. رأيت التلميذات مرعوبات من المتفجرات. التلاميذ مجرمون والتلميذات ضحايا. ترتفع صيحات الخوف بعد كل انفجار. تسرع التلميذات للاختفاء في الأقسام. رمى تلميذ مفرقعة من نافذة قسم فهربت الأستاذة من الباب… جاءت أم أحد التلاميذ معه لسبب ما وصدمت ممّا رأت… رأيت التلاميذ يلعبون بألعاب نارية والأستاذ يصورهم بهاتفه من الطابق الثالث. صار ثمن المفرقعات أقل من ثمن البيض. رأيت بعض التلميذات يفجرن المفرقعات ويشتمن مثل الرجال. مفرقعات صغيرة من نوع “ميسي”. كل من فجر قنبلة يشعر بسرور شديد كأنه خرج من المرحاض. رأيت التلاميذ يفرقعون ورأيت الحارس العام يسجل أسماء التلاميذ الذين يشاغبون في الساحة. قبض على واحد فهرب له. كان الرجل عاجزا…
مساء الإثنين رأيت الشبان يلعبون بالنار للاستمتاع بوقتهم. يتقافزون فوق العجلات المشتعلة… بينما رجال “الوقاية المدنية” يجرون لإطفاء العجلات المشتعلة والشبان يرددون “هذا عيب هذا عار”…
صباح الثلاثاء رأيت جارنا يقف بالباب غاضبا. اكتشف أن سيارته التي ينقل بها البضائع تنقصها عجلة. سرق الشبان عجلات السيارات لإشعال النار فيها لإقامة “الشعالة”…
صباح عاشر محرم يسمى زمزم. وفيه يرش الأطفال والمراهقين بعضهم البعض بالماء. لكن في السنوات الأخيرة تغير الوضع. زمزم هو الرش بالماء الطاهر وغير مؤذي. لذا تغيرت الوسيلة لأن الأذى صار هدفا رئيسيا.
رأيت أمام الثانوية تلاميذ يحملون “نفاخات” يتربصون بمن سيسددون عليه… وكلما سدد وأصاب يشعر بالفخر والبطولة. رأيت “النفاخات” الملونة (بالونات بلاستيكية تنفجر على أول جسم تصطدم به) المملوءة بالماء المخلوط بالفحم والزعفران والرماد. رأيت تلميذا يضرب تلميذة بنفاخة فيها خليط من الماء والزعفران والدقيق. انفجرت “النفاخة” على وزرتها فصارت صفراء. يسخر التلاميذ كثيرا من الفتيات الملطخات جدا… رأيت فتاة جميلة التصقت بيضتان برأسها ويبستا. رأيت تلميذا يفي بوعده. هددني بأن يلطخني بالبيض قبل مطلع الشمس، توسلت إليه لكني وجدته في طريقي للثانوية ووجدت نفسي مغمورة بالبيض وينزل من رأسي على وجهي وكان ذلك في للطريق العام للسيارات وأنا أنادي من ينقذني… رأيت التلميذ الذي يتظاهر باللطافة يتحول شيطانا، بل يتحول إلى مجرم. صار زمزم حربا بالماء والبيض. رأيت البلداء الذين لا يجدون البيض لتناوله يتعاركون به، رأيتهم يضعون الكلور والهيدروجين ويصبونه على كل من يقف في طريقهم…
رأيت تلاميذ خبثاء وأظافر أقدامهم وسخة يبحثون عن البيض الفاسد لضرب البنات به… حين يرون تلميذة جميلة وملابسها متسخة ورائحتها كريهة بالبيض الفاسد يفرحون. رأيت تلميذة جلبت حجابين، لطخوا حجابها الأول بماء مخلوط بمصفر غذائي في الساحة فغيرته في القسم. رأيت تلاميذ يفقسون البيض على رؤوس التلميذات وهن عاجزات ذاهلات. لم يعجبني زمزم لان البنات ضحية. رأيت عدم الخجل وقلة الاحترام للثانوية هذه سلوكات “تسيء إلى صمعة الثانوية” (الكلمات بين مزدوجتين منقولة حرفيا من أوراق تلامذتي الذين التحقوا بالثانوية منذ شهرين قادمين من الإعدادي. ومعيار التنجيح هناك هو المحاصصة وليس النقط المحصل عليها. المهم تمديد التمدرس بدل الطرد).
كان البيض يتطاير فوق الرؤوس. يسدد المشاغبون على بنات لهن شعر طويل لييبس البيض عليه. ومن حسن الحظ أنهم مسلحون بالماء والبيض وليس بالرشاشات.رأيت صديقتي قد صارت شقراء بسبب صفار البيض… رأيت تلميذات ملطخات بالبيض مثل “أمليط” متحرك. رأيت وشممت رائحة. يجعل البيض الفاسد رائحة الهواء كريهة. الأشد هو البيض الخامج أو وضع ماء جافيل في النفاخة أو ماء حارق في حقن لرش البنات. لماذا التلميذات بالضبط؟
كتب تلميذ: رأيت التعايش مع المفرقعات. رأيت أشياء لها معاني. رأيت الغباء. “رأيت فوضة. كانت حالة الثانوية متدهورتا”. أحدهم كتب جملة واحدة: رأيت كوارث عظيمة.
من يستطيع أن يكون أكثر إيجازا؟
رأيت المدير – وهو في الستين من عمره – يقف قرب باب الثانوية مبكرا اليوم. وقعت قنبلة أمام قدم المدير. رأيت المدير يتحدث دون توقف، كان يفتش بعض التلاميذ “المشبوه فيهم بحمل المفرقعات”. تبلل باب الثانوية بالماء وتلطخ بالبيض. رأيت المدير منزعجا من تصرف التلاميذ.
انتهى العرض.
في التاسعة والنصف جاء المدير إلى القسم وطلب من البنات الخروج والتوجه فورا إلى منازلهن تقليلا للخسائر. وفي العاشرة سمح للذكور بالمغادرة وأغلقت الثانوية أبوابها.
في ثانويات أخرى تقع وسط المدينة وتملك موارد أكثر جرى التعاقد مع رجال من الأمن الخاص لفرض النظام لأن الدولة استقالت من مهامها وألقت على المدرسين واجب ضبط التلاميذ وليس تعليمهم فقط. أما الثانوية الأقرب للثانوية حيث أعمل فلم تفتح أبوابها أصلا صبيحة عاشر محرم. يعرف ذاك المدير طينة تلاميذ مؤسسته. لا يشبهون التلاميذ الذين يتحدث عنهم وزير التعليم. حراس الوزير وسائقوه وطباخوه أكثر من المسئولين عن الثانوية. لذا انهزمت إدارة الثانوية أمام الفوضى لأن في الإدارة ثلاثة رجال و1000 تلميذ.
هذا مقال لم أكتب فيه كلمة واحدة. هنا الوقائع حرفيا. لذا يغيب عنها الجواب عن السؤال الخامس: لماذا؟
نتيجة تبادل القصف بالبيض. استخدم التلاميذ معجما حربيا في الوصف. على باب الثانوية الكثير من البيض وقد داسته الأقدام. ماذا ينقص لتنتقل داعش للدار البيضاء؟ قوة جهاز الأمن. لولا الجلاد لسحقنا حفدة الراهب والفقيه. في كل بلاد ضعف فيها الجلاد صارت خرابا.
ما جرى مناسبة تعرّي العدوانية الذكورية منذ سن المراهقة. وهي بذلك تدرّب الإناث على قبول الضرب والابتسام. يتدربن من باب اللعب على طاعة معنفيهن. والنتائج مذهلة.
هذه وقائع تتكلم. ويمكنني تسليم الأوراق لمتخصص في علم النفس الاجتماعي ليشخص لنا أمراض الشعب.
-نفاخة أي بالون صغير ينفخ يلعب به الاطفال
هذه أقسام الجدع المشترك وليس الأولى ففي بداية سردك كنت تتحدث عن تلاميد السنة أولى ثانوي
وفي الوسط ستخبرنا بأن تلاميدتك قد إلتحقوا بالثانوي قبل شهرين قادمين من الإعدادي !!!
لو كانت الأعشاب البرية عسيرة النمو لقوبلت بالترحاب في كل حديقة ..
كان عليك يا أستاذ ان تتجنب التشهير بما كتب التلاميذ لأن هذا الشيء يدخل في باب السر المهني
قبض على واحد فهرب له. كان الرجل عاجزا…/1000 تلميذ ل3 رجال…وقعت قنبلة أمام قدم المدير. رأيت المدير يتحدث دون توقف،الدولة استقالت من مهامها وألقت على المدرسين واجب ضبط التلاميذ وليس تعليمهم …في كل بلاد ضعف فيها الجلاد صارت خرابا.
انه وصف رائع .