حين يغيب الأمن في شوارع المغرب تحت وطأة الجريمة

حين يغيب الأمن في شوارع المغرب تحت وطأة الجريمة
الجمعة 23 يناير 2015 - 05:39

كانت تكلم صديقتها في هاتفها النقال، حين سمعت فجأة صوت صرخاتها، وأصوات شد وجذب وصراع… لم تنقطع المكالمة إلا بعد أن تصاعدت أصداء أصوات أرجل تجري، وأفواه تلهث بسرعة وعصبية. عاودتِ الاتصال مرة أخرى، ليجيبها هذه المرة صوت رجالي، يخبرها أن هذا الهاتف قد صار ملكه من الآن فصاعدا، قبل أن يقطع المكالمة وهو يطلق ضحكات ساخرة. وحين قابلتْ صديقتها، حكت لها تفاصيل عملية السطو الذي تعرضت له في وضح النهار، وفي قلب العاصمة النابض، دون أن تجد من ينجدها، لا من الشرطة ولا من المواطنين.

مثل هذه الحكايات صارت شائعة في المجالس واللقاءات، حتى صار الإحساس بالخوف ملازما للمرء كلما هم بالنزول من بيته إلى الشارع العام، وصارت جملة : “رد بالك فالطريق راه الوقت خيابت” على لسان كل المغاربة، وهم يرون عزيزا عليهم ينتعل حذاءه للخروج.

والمشكلة أن الكثير من المغاربة حين يقعون فريسة للصوص، لا يقومون بتبليغ الشرطة، طالما أن الأمر لم يصل حد الإيذاء البدني، واقتصر على سرقة شيء من المال، أو بعض الأشياء قل ثمنها أو ارتفع… ما يجعل وزارة الداخلية ومصالحها الأمنية منفصلة عن الواقع، وعاجزة عن تقييم حجم الظاهرة الإجرامية ومدى استفحالها، وهو ما يظهر في بلاغاتها وبياناتها ودراساتها، التي تؤكد على استتباب الأمن ومحدودية الجريمة، مستدلة على ذلك بالأرقام السنوية لبلاغات المواطنين.

وبعيدا عن الجرائم الصغيرة التي تستهدف الأفراد، فقد بتنا اليوم نقرأ على صفحات الجرائد، تفاصيل جرائم ضخمة لم نكن نرى لها مثيلا إلا في الأفلام الهوليودية، من قبيل السطو المسلح على المؤسسات البنكية أو حافلات النقل العمومي، أو اعتراض سبيل المسافرين عبر الطرق السيارة بنصب الكمائن القاتلة… وهي جرائم لا تمس هيبة الدولة فقط، بل وتنتقص من سيادتها وتقوض أركان وجودها واستمرارها.

لقد صار اليوم لزاما التعاطي مع هذه الظاهرة بالجدية المطلوبة، حتى لا يسري الداء في كل الجسد، فيستحيل حينها معه كل علاج. فالشقوق حين تظهر في سقف البيت تكون صفارة إنذار لما هو آت، وإهمالها والتعايش معها يعجل بانهياره على من فيه، خصوصا وأن الأمن هو أول ما يبتغيه الإنسان في أي بلد، وبانعدامه يسود الخوف الذي يلجم الاستثمار والاستهلاك والسياحة والتنمية… ما يجعل البلد يدور في فلك الركود والتخلف.

وحتى يتم القضاء على ظاهرة معقدة ومركبة مثل الظاهرة الإجرامية، فأول شيء يجب العمل به هو الابتعاد عن المكايدات والمزايدات السياسوية الرخيصة، بنفس الدرجة التي يجب بها رفض الفتاوى الأصولية المتطرفة التي تعيدنا إلى قرون غابرة، داعية مثلا إلى قطع يد السارق والعمل بعقوبة الإعدام… فالدول الأكثر أمنا في العالم ليست هي الدول الأكثر قسوة وغلظة ودموية، بل هي الدول التي تضمن سبل الكرامة والحرية لكل مواطنيها على قدم المساواة، في ظل منظومة ديمقراطية قائمة على العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، فلا تجد فيها عاطلا دون عمل، أو جائعا دون مأكل، أو عاريا دون ملبس، أو مشردا دون مسكن.

ولعل إعادة النظر في القانون الجنائي المغربي بالمراجعة والتعديل، سيكون مدخلا مهما في طريق الألف ميل لمحاربة الجريمة، فاعتماد “عقوبات بديلة” عن الاعتقال والاحتجاز، سيشكل دون شك قفزة كبيرة في اتجاه إعطاء مضمون حقيقي للعدالة، ومساهمة كبيرة في تخفيف الضغط على السجون التي صارت تضيق بسجنائها بنسبة اكتظاظ بلغت نسبا مخيفة تراوح 380 بالمائة، ما جعلها تتحول إلى بيئة حاضنة لتفريخ مزيد من المجرمين، من خلال احتكاك عتاة المجرمين مع أناس عاديين قادتهم حادثة سير بسيطة، أو شجار عائلي، أو دين عجزوا عن تسديده، إلى السجن في ظل ظروف قاسية مهينة للكرامة الإنسانية. الشيء الذي جعل من المؤسسة السجنية مكانا لتطوير وإعادة إنتاج الجريمة عوض أن تكون مكانا للإصلاح والتأهيل والإدماج والقضاء على ظاهرة العودة إلى ارتكابها بعد انقضاء مدة العقوبة الحبسية.

والواقع، أن المغرب تأخر كثيرا في اعتماد العقوبات البديلة، فالعديد من الدول عبر العالم، حققت تراكما مهما في هذا المجال، وبدأت الدراسات التقييمية ترصد نتائج اعتماد العقوبات البديلة، ونجاحها الباهر في تخفيف الضغط على السجون، وفي انخفاض معدلات الجريمة، وفي تحقيق العدالة التي يستحيل دونها تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي.

وفي انتظار إطلاق حوار مجتمعي واسع، لمناقشة سبل القضاء على الجريمة في واقعنا المغربي، للخروج بتوصيات لا تقتصر على الحل الأمني فقط، بل تتعداه إلى ما هو أشمل وأعم، فأقل ما يمكننا المطالبة به راهنا للتقليل من حجم الخسائر، هو إلغاء تلك البرامج التلفزيونية التي تذاع في ساعات ذروة المشاهدة، مصورة تفاصيل أبشع الجرائم، بطريقة تجعل من عتاة المجرمين أبطالا في عيون المراهقين والجانحين.

-رئيس مركز الحريات والحقوق

‫تعليقات الزوار

6
  • ابو البراء
    الجمعة 23 يناير 2015 - 06:36

    تريدون الحل؟
    طبقوا الشريعة. فسترون الدنيا يعمها الامن.

  • KITAB
    الجمعة 23 يناير 2015 - 11:35

    أليس بإمكان موقعك كناشط حقوقي استصدار مذكرة إلى وزارة الداخلية ، تشرحون فيها هول اللأمن الذي أصبح يهدد المواطنين ، وتقترحون مقاربة إجرائية لحل هذه المعضلة ، ؟ أليس كذلك ؟

  • nadia
    الجمعة 23 يناير 2015 - 11:38

    ربما نحتاج لتغيير نظام التعليم ,عوض ما نرسح في فكر الطفل أنه يتواجد بالمدرسة لكي يحصل على شهادة تخول له فرصة شغل ,لما لا نربيه على ولوج المدرسة من أجل المعرفة ,ونربي فيه روح الابتكار ومحاولة خلق الشغل,يتعلم كيف يجعل المال يشتغل عليه ليس أن يشتغل هو من أجل المال ,أغلب الجرائم مرتكبوها كبر بداخلهم شبح اسمه الشهادة و العمل,مادام لم يستطع اكمال دراسته فهو غير صالح لشيء اذن هو عالة اذن هو مجرم .

  • ابدأ من فوق
    الجمعة 23 يناير 2015 - 20:34

    عندما تبدأ النشرة المسائية في دولة ما بأبراز المسؤولين الكبار في الدولة يتابعون من طرف القضاة والوكلاء العامون بتهمة تبديد ـو أختلاس أموال عمومية.فسوف يتيقن الشاب المنحرف أو المواطن البسيط أن لآ أحد فوق القانون..عند دلك تتناقص الجريمة بسرعة قصوى.اما شباب اليوم أصبحو يمارسون الجريمة كهواية .لأنهم يسمعون أن الرشوة تخرجك من السجن ولو قتلت

  • said
    الجمعة 23 يناير 2015 - 21:10

    الحكيمون الفعليون يريدون ان يوصلوا رسائل الى المواطن بدوننا لا امن لاحياة كلما نحلم بغد افضل وننسى كل خبثهم الى حين ان نحسبهم في الاخرة وهو افضل لمن صبرلما تخرج الى الشارع تبدء الكره والغضب من هاد صانعي الاجرام اتمنى من الله ان ينهي هذه الدنيا لان مبقى ما يعجب

  • رجل قانون
    السبت 24 يناير 2015 - 20:29

    مرة اخرى نقولها و نقولها
    المشكل في ارتفاع نسبة الجريمة في المغرب هو عدم تناسب بعض الجرائم مع العقوبة المخصصة لها و كذلك المنظومة العقابية
    فلكي تكون العقوبة رادعة و ناجعة يجب ان تحدت لدى نفسية المجرم الفرق ما بين الحرية و العقوبة السجنية
    (اقتراحات رجال القانون )
    عقوبات مشددة و طويلة بالنسبة لعتاة المجرمين و الذين في حالة العود و خاصة اصحاب الجرائم الدموية
    تشييد سجون في المناطق النائية
    منع القفة و ووسائل الترفيه
    ربط فترة العقوبة بالاعمال النفعية العامة (بناء الطرق و القناطر و السكك الحديدية و استصلاح الاراضي الزراعية ) و هذا سيعودهم على الاشتغال و الاحساس بقيمة الانسان العامل
    بالنسبة للعقوبات البديلة بعض انواع الجرائم يقتصر فيها على نصف العقوبة في السجن و النصف الاخر يخضع فيه المجرم للمراقبة القضائية حيت ان المجرم عليه ان يقضي كل اسبوع ساعتين في الدائرة الامنية لمحل سكناه تحت مراقة ضابط و ان اقتضى الحال ان يبيت الليل و هدا الاسلوب جد فعال تطبقه فرنسا و امريكا و بريطانيا و مصر و قد اتبت نجاعته في الحد من الاجرام

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش