قناصو الأنترنيت أنجع من المؤسسات الدستورية

قناصو الأنترنيت أنجع من المؤسسات الدستورية
الأربعاء 28 يناير 2015 - 06:23

منذ أن انتشرت “الإنترنيت” في المغرب، وأصبحت ضرورة يومية ملحة خاصة بعد توفر خدماتها في الهواتف النقالة سواء كانت ذكية أو غير ذكية، والسمة الغالبة على استعمالها لا تخرج عن المعتاد في جميع بقاع العالم، مع ضرورة الإقرار بـ”الخصوصية” المغربية هنا ايضا، حيث تم استغلال هذه الأداة التقنية أحيانا في التشويه وتصفية الحسابات والنصب وحتى الابتزاز والسرقة.فعلى مدى سنوات، انفجرت فضائح هنا وهناك أبطالها في الغالب مراهقون نشروا صورا فاضحة لفتيات تحولن إلى عار على أسرهن، بل كثيرا ما تمت متابعة الفاعلين وإدانتهم..بعقوبات حبسية متفاوتة.

ومع ذلك لم يتوقف الإبداع “المغربي” عند هذا الحد، بل تطورت الأمور إلى ما هو أخطر، حيث تحولت الأنترنيت إلى شبكة عنكبوتية فعلا تصطاد السذج في الشرق والغرب، وقد تناسلت مؤخرا أخبار عمليات ابتزاز جنسي منظمة ذهب ضحيتها مشارقة، وقعوا في شر أعمالهم، لأنهم لا يعرفون عن المغرب سوى الدعارة والفجور، قبل أن يضطر كثير منهم للدفع بالعملة الصعبة تفاديا للتشهير به من المحيط إلى الخليج..

الزجر هنا أيضا لم يجد نفعا رغم أخبار الاعتقالات والمتابعات والعقوبات والغرامات.. بل طور المبتزون أساليبهم وأصبحوا يقتحمون غرف النوم دون استئذان.. وفي قصة البرلماني الاستقلالي الشهير خير مثال..وأكثر من ذلك، انقلب السحر على الساحر فتحول بعض “اصحاب الحال” إلى ضحايا للابتزاز وبمبالغ كبيرة جدا بعد تصويرهم متلبسين بالارتشاء عند الحواجز أو بفرض “الجزية” على مستعملي الطريق العام..

لكن بعيدا عن مطاردة المراهقين والمراهقات، وبعض الخليجيين الذين استقرت عقولهم في حجورهم.. وحتى بعض من قذف بهم موج السياسة إلى الواجهة دون استحقاق، فإن كاميرات القناصة أصبحت على ما يبدو الأداة الأولى لمحاربة الفساد في هذه البلاد.

ويكفي هنا أن نشير إلى بداية الحديث عن منع تسويق الكاميرات المتطورة، وإن كان المبرر المعلن هو استعمالها في التلصص على خصوصيات المواطنين، والحال أن الهدف الحقيقي ربما هو حماية المفسدين من “مفتشين” متخفين يصعب اكتشافهم أو التفاهم معهم، ولا تحتاج تقاريرهم إلى ديباجة قانونية ولا إلى سلم إداري.. بل إن “صيدهم” يحال أحيانا مباشرة على المتابعة السريعة أمام الغرف الجنحية التلبسية..

إنها إذن “حسنة” وسط سيئات كثيرة جاءت بها “الأنترنيت”، تحسب لأجيال من المغاربة قرروا القيام بخطوة عملية في اتجاه محاربة الفساد الذي تجذر وأصبح دولة أكبر من الدولة، بل إن هذه الاخيرة اصبحت تفضل عدم الدخول في مواجهات مع قلاعه ليس خوفا على السلم الاجتماعي أو الاستقرار الهش أصلا، بل لأن مؤسسات الدولة عاجزة عن الصمود في أية معركة يكون طرفها مفسد أو مفسدون أو لوبي فساد..ولهذا فإن رئيس الحكومة كان واضحا للغاية حين أعلن خلال جلسة المساءلة الشهرية أمام مجلس النواب مؤخرا، بأن الفساد هو الذي يحارب حكومته وليس العكس، وهذه عبارة تختصر كل شيء.

فالفساد في المغرب لم يعد يكتفي بالأكل من الهوامش وتحت جنح الظلام وخلف الستائر ويتفادى ما أمكن الأضواء وعيون المتلصصين، بل أصبح له إعلامه وصحافته ومؤسساته والناطقون باسمه ومحاموه ووزراؤه وبرلمانيوه ومنتخبوه المحليون والجهويون..لقد انتهى زمن كان فيه مجرد الاتهام بوجود شبهة فساد يثير المخاوف بناء على مقولة “ويل لمن أشارت إليه الاصابع ولو بخير”، بل صرنا أمام “مؤسسة مهيكلة” قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي “معتدٍ”.. والقصص هنا أكثر من أن يحصيها العد، ولا يخلو منها قطاع..

فقد سمعنا عن لجان تفتيش عادت أدراجها بعد مكالمة هاتفية.. ولم يسمح لها بتجاوز البوابة الخارجية..لمؤسسة أو إدارة أو حتى مقاولة خاصة..وسمعنا عن تقارير وافتحاصات وتحقيقات معمقة وغير معمقة ألقيت في الأدراج أو حتى في سلة المهملات مع أنها تحمل في ثناياها معطيات خطيرة تهدد أمن البلاد واستقرارها..وسمعنا عن لوبيات دفعت ملايير فوق طاولات المقاهي للتحكم في طبيعة بعض النصوص التشريعية.. وسرعة إقرارها..كما سمعنا عن موظفين سامين ومسؤولين كبارا جعلوا صفقات قطاعاتهم حكرا على مقاولات بعينها.. وظلوا يتصرفون كما لو أنه لا وجود لقانون ولا لمراقبة مالية..

ولهذا، ولأن سمعة المغرب صارت في الحضيض حيث الكل يتحدث عن الفساد ولكن لا أحد يحاربه، تم إنشاء مؤسسات وهيئات وأجهزة بعضها عمومي وبعضها الآخر مدني بهدف تدارك النقائص.. فماذا كانت النتيجة؟بالنسبة للجمعيات فإنها تصبح وتمسي على نشر بلاغات وبيانات وتقارير عما تجمع لديها من معطيات حول شبهات فساد هنا أو هناك.. وتنتهي معاركها في الغالب كأرقام شكايات لا تلقى جوابا..أو على صفحات الجرائد الورقية أو الإلكترونية، أو في ندوات صحفية أو وقفات احتجاجية ينتهي مفعولها بمجرد تفرق المشاركين فيها.. وهنا أيضا قد ينجح الفساد في قلب المعادلة، بما أن هناك جمعيات تخصصت في ابتزاز المتهمين بالفساد..والفاسدون والمفسدون في كل الأحوال يتحدثون نفس اللغة..

أما بالنسبة للهيئات العمومية التي تم تأسيسها خصيصا لمواجهة زحف الفساد، فلا يخفى أن دورها برتوكولي محض، حيث إنها تشارك في اللقاءات الدولية لمحاولة تجميل صورة المغرب، أو تنظم ندوات ومناظرات للإنشاء وإنتاج الكلام، أو تعقد مؤتمرات صحفية تكتفي فيها بتكرار ما هو معروف، بل حتى تقاريرها لا تخرج عن إطار التشخيص وتقديم التوصيات التي تذهب أدراج الرياح، بما أن محاربة الفساد تتطلب شحذ السيوف وليس تقديم المواعظ… وصدق سيدنا عثمان رضي الله عنه عندما قال :”إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”.

ولهذا على جميع المخلصين في محاربة الفساد أن يدعموا قناصي الانترنيت الذين حققوا في لحظات، ما عجزت عن تحقيقه كثير من الأجهزة المختصة في سنوات..فمحاربة الفساد واصطياد المفسدين تحولت إلى هواية حقيقية تعتمد على التطور التكنولوجي الذي لا يتطلب رصد ميزانية ضخمة ولا تداريب مكثفة ولا دعما تقنيا من الخارج ولا إرسال بعثات علمية ولا تنظيم حلقات تكوينية..بل المطلوب فقط كاميرا من أي نوع، واختيار موقع استراتيجي لتوثيق مشاهد الارتشاء..ويمكن أن نحصي عدد الذين اسقطتهم كاميرات المواطنين في الشهرين الأخيرين وما أنجزته وكالة السيد ابو درار منذ تأسيسها..

قد يقول البعض إن الأمر يتطلب احترام قوانين واتباع مساطر، ومراعاة توازنات.. وهذه كلها عوامل تعطل عمل الهيئات والمؤسسات العمومية..لكن الإشكالية أكبر من ذلك بكثير..فالجميع يعترف يعلن ويؤكد أن الفساد عم البر والبحر -وحتى الجبل-، لكن عندما تخص قطاعا بالحديث عن فساده تقوم القيامة، إلى درجة اننا أصبحنا أمام معادلة غريبة يمكن صياغتها كالتالي :”هناك فساد ولكن ليس هناك مفسدون”..

غير أن هذه المعادلة انقلبت بعدما اصبح المواطنون يتسلحون بالكاميرات ويوثقون جرائم الرشوة بالصوت والصورة، مما يحرج جميع الأطراف سواء تعلق بالوزارات أو الإدارات الوصية أو النقابات التي تتبنى شعار أنصر أخاك ظالما أو حتى مرتشيا أو فاسدا، بل حتى القضاء أصبح في مواجهة الرأي العام، ولذلك تابعنا إدانات سريعة لـ”ضحايا” قناصة الانترنيت..

ولهذا لا عيب في أن يتم تقنين هذه الأداة والاستفادة منها في محاربة الفساد، عن طريق إضفاء الشرعية على ما يصوره المواطنون دون حاجة إلى إذن قضائي، أي اعتبار مقاطع الفيديو تلك دليلا قاطعا بعد التحقق طبعا من أنها غير مفبرك، بل لماذا لا تخصص هيئة محاربة الرشوة جوائز سنوية على غرار جوائز الصحافة تمنح لمن يوثق أفضل مشهد ارتشاء..ولا ينبغي أن يؤخذ هذا الكلام على أنه نوع من السخرية والاستخفاف، بل هو اقتراح جدي، ويكفي أن نستحضر الرعب الذي اصبح يسيطر على كثير من الذين اعتادوا مد اليد للارتشاء باستخفاف ولا مبالاة.. خوفا من “مقالب” الكاميرا الخفية..

بل لماذا لا يتم تزويد السيارات والشاحنات والعربات بكاميرات (على غرار الموشار) من شأنها وضع حد لما تعرفه الحواجز الأمنية من ممارسات يندى لها الجبين، ولماذا لا يسمح للمتعاملين مع الإدارات بـ”التسلح” بكاميرات محمولة تقوم بمهمة الردع وتقطع الطريق على كل محاولات الارتشاء؟من المؤكد أن الموظف الفاسد سيحسب ألف حساب للكاميرا، بل قد “يخاف” منها أكثر مما يهتم لأمر مفتش أو مراقب قادم العاصمة.. وبالمقابل، ولم لا يتم تزويد رجال الأمن والدرك بكاميرات لتسجيل ما يتعرضون له من اعتداءات من طرف بعض النافذين، وهي تقنية يجري بها العمل في كثير من الدول الديموقراطية؟

إنها مجرد اقتراحات، بما أن الحرب على الفساد هي مسألة ثقافة في الأول والأخير.. وكما قلت سابقا فالإدارة الفاسدة عنوان للشعب الفاسد .. والموظف الفاسد هو مجرد انعكاس للمواطن الفاسد..

https://www.facebook.com/my.bahtat

‫تعليقات الزوار

7
  • moszar
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 08:51

    كفى من الشفوي و التنظير الفارغ . الانشاء الانشاء . نشيد مباني من زجاج نؤثت بالزجاج نلبس الزجاج نتكلم من وراء ستار من زجاج . يا سيدي الفاضل اذا لم تتغير عقلية المغربي المانح و المتلقي لا تغيير تحت شمس المغرب و لو وضعت الاقمار الاصطناعية تتحسس خشخشة الزرقلاف. اقول لك لو لم يكن المانح لما وجد المتلقي . و يوم نستوعب الواجبات ثم الحقوق نقضي على هذه الافة . الغد قريب و الانتخابات على الابواب من سيراقب حركية الاموال .بنك المغرب ام المواطن العارف بالواجبات ثم الحقوق.كفى من الشفوي راحنا مغاربة و نعرفو اش كاين في الكاميلة .رشوة عشرة دراهم مارة فوق الارض تشوفها مقابل الملايين تمر في النفق لا تحس ببردها وهي مارة.

  • ١محمد١
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 09:57

    مقالك هذا فيه تحسُّن كبير مقارنة بمقالاتك السابقة التي قمت أنا وغيري بإنتقادها…

    أريد فقط أن أقول لك شكرًا على سماعك لانتقادات المعلقين بروح رياضية وتحسين أسلوبك في صياغة أفكارك…

  • عمر
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 10:17

    إذا طبقنا اقتراحاتك ستتوقف مصالح البلاد و العباد. فالرشوة هي التي تفك التعقيدات الإدارية و تحفز الموظف على الاجتهاد مع القانون وفي الاتجاه الصائب. تصور أن الدركيين أضربوا عن الرشوة ليوم واحد ماذا سيحدث؟ ستتوقف أغلب وسائل نقل المسافرين والبضائع والكثير من السيارات الخصوصية بل وعربات القطار لأن فيها عيوبا تمنعها من الجولان. المشكل في شجرة الفساد و ليس في ثمارها.

  • houcine
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 17:29

    (اعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك).
    من لم يستحضر وجود الله في كل معاملاته فليستحضر على الأقل وجود الكام——————-را فلتكن له بالمرصاد.

  • الرياحي
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 18:17

    خطءت على طول الخط.جعلت من محاربة الفساد شيء تقني محض ولعلمك فانه توجد اجهزة متطورة تكبل الهاتف ذكيا كان او غبي ولا شك ان المفسد سيلجءى اليها عن قريب واو تظهر تقنيات اخرى مضادة.محاربة الفساد يسيد يبتدأ مبكرا عند الطفل وفي المدرسة ويعمم عند المواطنين .محاربة الفساد هي فلسفة وقناعة وكرامة يجب ان يسعى اليها المواطن .الا تدري ان الفساد يدخل عدة متدخلين ومشاركين ووسطاء وسماسرة .ما جدوى ان تحارب رشوى خمسين درهم وبعضها يصل الى الملايير في فنادق خمسة نجوم لا يقربها المواطنين "شين".
    مقاربتك للموضوع ساذجة ايعقل سيدي ان تحارب فكر إجرامي بكاميرا .
    القول هو ما تقدم الصرامة في كل شيء وتوعية المواطن واحتقار كل مرتشي والراشي ايضا.قانونيا من ابتز مرتشي يقع تحت احد بنود القانون ويتورط بتهمة دفع الرشوة .
    والسلام

  • Kant Khwanji
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 18:31

    كيف نسي "المولى" التهامي، إستغلالهم للأنترنيت لإقتناص والإيقاع بمراهقين بريئين نشرا صورة قبلة بريئة على صفحتهم الفايسبوكية، فقاموا بالوشاية بهما للسلطات الدستورية تحت اسم "جمعية حقوقية" و في نفس الوقت يسمون كل "جمعية حقوقية" تدافع عن الحياة الخاصة و الحرية الفردية للمواطن ب "جمعيات عقوق الإنسان" صهيونية، عميلة للخارج…تنشر الفساد والشذوذ والدعارة..!
    لو اسندت لكم الأمور،لجلدتم في الساحة العمومية كل امرأة لم تغط شعرها…كما يفعل اشقائكم واخوانكم في السعودية والسودان والصومال..
    الفساد الذي تستنكره "شفاهيا" هنا، يرعاه شيخك وزعيمك ورئيسك "مول الشينوية" والذي عفا عن رموز الفساد و حارب محاربي الفساد و الإستبداد بعدما سماهم "الطبالة و الغياطة"

  • chouf
    الخميس 29 يناير 2015 - 08:56

    غير اجي احارب الرشوة. ابنادم اللي اعوج.واثم وظالم ومفتري.الحلال بين والحرام بين.الانسان طماع.ويريد المزيد من الرفاهية في اي شييء.احدهم قال خد الدراهم وقسمهم علي مجموغة من البشر بالتساوي.انتظر النتيجة.التحايل باساليم مختلفة ليستولي البعض علي الدراهيم.هاذه هي القناعة المطلقة . الانسان يحري وراء الكسب باي وسيلة ولو غير شرعية الا من رحم ربك.

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس