"مجالس الحكماء "

"مجالس الحكماء "
الأربعاء 25 مارس 2015 - 17:06

الحمد لله على كل حال. المغرب يتمتع بالأمن و الاستقرار. الحمد لله عدد خلقه، الحمد لله ملئ خلقه. و لن يقبل أي شريف نزيه صادق أن يثير كل ما من شأنه إثارة القلاقل و الفتن و ما إلى ذلك بمجرد أنه تعرض أو يتعرض للظلم على اختلاف أشكاله. فهناك، حسب ما يبدو، من يعيش تحت التهديد بقطع رزقه في أي لحظة و حين دون أن يتوفر أو أن يوفر له المجتمع أي بديل عن مصدر رزقه، و هناك من يعيش حالة رعب و خوف شبه مرضي على مصالحه و على أسرته و عائلته و ذويه، و هناك من يضطر للتعايش مع الاتهامات و المحاكمات، و هناك من حكم عليه بالسجن، و هناك من ينتظر مآله في حالة رعب مهول، و هناك من “اضطر” لمعارضة النظام مع اللجوء للمحافل و المحاكم الدولية، و هناك من دخل في حالة اكتئاب مرضية شبه دائمة…

هي حالات معزولة، نعم، و لكن صداها كبير. فهناك من دخل النار بسبب هرّة و هناك من دخل الجنة بفضل كلب عطشان ظمآن سقاه ماء عذبا.

ما كان لقضية القاضي محمد قنديل، مثلا، أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن و قبلها قضية محمد عنبر و قبلهما قضاة آخرون ربما. كما لم يكن لملفات أخرى تخص أسماء معروفة في شتى المؤسسات العمومية أن تأخذ الحجم الذي أخذته. لم نعد نحتاج لمساندة المظلومين بقدر ما نحن بحاجة للبحث عن حلول ناجعة تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، مخطئين و مظلومين. و كلنا كمغاربة، مثقفون و ذوي خبرة، معنيون.

المطلوب إذا إيجاد الحلول و ليس التلذذ في الخفاء بمصائب فاضحي الفساد الصادقين الشرفاء النزهاء، أو الانبساط بطريقة شبه لاشعورية و في سرية تامة لمصائب المظلومين لإشباع حقد دفين تجاه الإدارة نفسها أو النظام نفسه، و كل حقد كيفما كان شكله و كيفما كانت أسبابه و مسبباته هو دائما في غير محلّه. فالحقد مكروه كما الحسد خطير. نعم، الحسد شيء يكاد أن يكون طبيعيا في بعض الأحيان ولكن على كل إنسان متحضر فعلا أن يقاوم الحسد الذي قد يحاول الاستقرار في صدره، بشراسة، إلى أن يقضي عليه نهائيا بمشيئة الله.

يبدأ المشكل صغيرا ثم يكبر فيستعصى حلّه. المشكل في بدايته يمكن حله بسهولة بمجرد تدخل صغار المسؤولين، ولكن لما يكبر المشكل يستلزم تدخل كبار المسؤولين. فلما نترك المشاكل تكبر؟ هذا هو السؤال. قد تبدأ قضية شريف نزيه صادق بمجرد سوء تفاهم بسيط شيئا ما مع رئيسه، فيأمر هذا الأخير مرؤوسيه الآخرين بتضييق الحياة على النزيه الشريف الصادق الذي قد يدفع دفعا إلى ارتكاب خطأ هالك بفعل الغضب يجعله في خانة أعداء الإدارة أو النظام بجرة قلم غير متّزن، خاصة -ربما و الله أعلم- لمّا تتدخل صحافة معلومة بسوء نية لصب الزيت على النار إما من أجل الكسب، من هنا أو هناك، أو من أجل التشفي في النظام، و يكون الخاسر الأول في القضية هو النزيه الشريف الصادق الذي قد يتعرض لسلسلة من التضييق و التحقير و الإذلال قبل أن يحرم من مصدر رزقه الوحيد، ثم يزج به في السجن في حالة ما تلفظ، مثلا، بكلمات من وحي الغضب و هو بريء، و أما الخاسر الثاني فتكون الإدارة التي قد تتضرر سمعتها.

انتباه: لما نتحدث عن الشريف النزيه، بصفة عامة، فهذا لا يعني بتاتا أن كل رؤسائه و جميع من حواليه في العمل مرتشون خونة. لا. لا. كل ما هنالك أن النزيه الشريف الصادق، بصفة عامة، يمكن أن يصادف في مساره رئيسا لا يتميز بشخصية معتبرة و تجربة غنية متنوعة و تكوين عام راق و بالتالي فقد يصاب بالذعر لما يرى أن مرؤوسا له خرج عن المألوف ففضح الفساد، فيستبد الرئيس و يبطش و يعاقب خارج القانون أو عن طريق ليّ عنق القانون أو استعماله في غير محله، و يحرر تقارير لا تعكس الواقع حقيقة للنيل من فاضح الفساد لأنه يظن -خطأ- أن هذا هو المطلوب و ما يتطلبه التسيير الإداري المتعارف عليه… و معلوم أن للإدارة صيرورة طويلة و من دخلها يتعرف على أعرافها و تقاليدها التي غالبا ما تكون غير محترمة للقانون بحذافيره، و غير محترمة للمنطق أيضا في بعض الأحيان، فهناك أغلبية تقبل هذا الوضع بكل بساطة، و هناك من لا يستسيغه فيريد الوضوح، فتتم مضايقته إلى حد لا يطاق، فيلجأ بالتالي إلى فضح الفساد علانية سواء كان ضابطا أو قاضيا أو رجل سلطة.

بطبيعة الحال، قد تختلف القضايا من فاضح فساد صادق لآخر حسب المؤسسات التي ينتمون إليها لأن لكل مؤسسة أعرافها و تقاليدها و قوانينها الخاصة، كما أن سيكولوجية فاضحي الفساد الصادقين قد تختلف حسب تجاربهم المختلفة و نشأتهم و الوسط الذي ترعرعوا فيه، كما هناك من هو سريع الغضب و هناك من هو بطيء في ردّة فعله، هناك من يخطط على مهل و هناك من هو عفوي، ولكن جميع فاضحي الفساد الصادقين يريدون الوضوح و إعمال القانون و يرفضون الرشوة و الظلم.

يبقى أن القاسم المشترك بين جميع ملفات فاضحي الفساد كيفما كانت المؤسسات التي ينتمون إليها أن التعامل معهم كان غير موفق، و ذلك لافتقاد جميع الإدارات المغربية ل”مجالس للحكماء” من إداريين شرفاء نزهاء محايدين طيبين من أصحاب الخبرة و تجربة الحياة للتدخل بحكمة و ذكاء كلما انفجر ملف بين ضابط، -أو رجل سلطة-، -أو قاض-، و رئيسه.

لا يمكن القول بأن الإدارة في بلدنا الحبيب لا تتقدم أو لا تستفيد من الاقتراحات و المقترحات. و شهادة لله، فلقد استجابت الإدارة المغربية لما قمت بما يشبه حملة من أجل تعديل القانون الخاص برجال السلطة عبر كتبي و كتاباتي و في بعض المجالس، ثم من خلال تدخلات الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب منذ بدايتها و تأسيسها و ذلك عن طريق خرجات صحفية موفقة للأستاذ محمد طارق السباعي آنذاك، حيث كان رجل السلطة لما يعزل من سلك رجال السلطة، بسبب رشوة فظيعة مفضوحة مثلا، يحال على سلك المتصرفين و يظل تابعا للإدارة كما لو كان لا ضرر و لا عيب في أن يكون المتصرف من المرتشين. كما التمست بأن تصبح صفة “رجل سلطة” مهنة معترف بها كالطبيب و مهندس القناطر و الموثق و القاضي و المحامي. فتم تعديل قانون رجال السلطة و تم الاعتراف لرجل السلطة بمهنته، و في حالة ما ارتكب خطأ يحال على مجلس تأديبي الذي يقرر في شأنه، -و هذه كانت أيضا من ضمن مقترحاتي-. و بمجرد ما صدر قانون رجال السلطة الجديد تم استدعاء رجال السلطة للإمضاء و الموافقة على مقتضياته، و هناك من رفض الإمضاء و اختار أن يخرج من سلك رجال السلطة.

ولكن كان هناك استثناء، حيث لم يتم استدعائي، كسائر رجال السلطة، للإمضاء و الموافقة على مقتضيات القانون الجديد رغم أن مهنتي رجل سلطة بشهادة المعهد الملكي للإدارة الترابية، ناهيك عن كوني لم أعمل قط في أية إدارة قبل الالتحاق بسلك رجال السلطة عبر مباراة وطنية، كما أنه لم يتم عزلي من سلك رجال السلطة. و كل ما هناك رسالة وجهها لي كاتب عام لولاية فاس نيابة عن والي فاس يقول فيها حرفيا في خطأ فظيع : “تبعا لقرار عزلكم من سلك رجال السلطة…”، رغم كوني معين بظهير شريف و لم يصدر أي ظهير شريف يقضي بعزلي من سلك رجال السلطة. المحكمة الإدارية اعتبرت بأن ما كتبه الكاتب العام ذاك لا يرقى إلى الإرسالية أو القرار الإداري و بالتالي فلا يعتد به، و أمرت بعودتي إلى مهامي، و بطبيعة الحال الإدارة لم تنفذ أمر المحكمة و احتفظت بي في قاعة الانتظار إلى حين صدور، بعد سنتين تقريبا و بأثر رجعي، ظهير إعفاء من مهمة رئاسة مقاطعة بعينها و ليس ظهير عزل من سلك رجال السلطة، و هذا يعني إحالتي على المصلحة المركزية كرجل سلطة أو إعادة تعييني في مهام أخرى كرجل سلطة و ليس كمتصرف، لأن كما لرجال السلطة مهنتهم فللمتصرفين مهنتهم أيضا.

كما كنت قد تعجبت لغياب أدنى اختبار نفسي من طرف هيئة مختصة قبل قبول المرشحين لولوج المعهد الملكي للإدارة الترابية رغم المسؤولية الجسيمة و الخطيرة التي تنتظر رجال السلطة فور تخرجهم، فاقترحت ضرورة إخضاع المرشحين للاختبار النفسي، فاستجابت الإدارة حيث بجانب الاختبار الكتابي و الشفوي و البدني هناك اليوم الاختبار النفسي. نعم، الإدارة المغربية تستفيد من الاقتراحات و المقترحات، و يشرفني كثيرا أن تكون الإدارة قد استجابت لبعض اقتراحاتي و مقترحاتي التي جاءت في كتبي و كتاباتي.

ولكنني ما زلت أنتظر الإنصاف و رد الاعتبار. فإذا كان سبب توقيفي عن العمل هو رواية أدبية إبداعية خيالية محضة بعنوان “علي بابا و 40 كذابا”، فإنني كتبت بعدها كتبا استفادت منها الإدارة مشكورة و أذكر منها “كلمة قائد” -بالفرنسية-، و “المؤامرة السلمية ضد التخلف” -بالفرنسية كذلك- و هو الكتاب الذي كان موضوع قراءة مميّزة زوال يوم 04 يونيو 2011 من لدن خبراء كبار و أخصائيين معتبرين في المكتبة الوطنية و أخص بالذكر أحمد الحمداوي، و زكي مبارك، و محمد بركات و غيرهم، كما كان هذا الكتاب موضوع تقرير مسائية القناة الثانية مشكورة يوم 04 يونيو 2011 كذلك، -و هو بالمناسبة نفس يوم الحظ السعيد الذي شهد الرباعية التاريخية للفريق الوطني المغربي ضد نظيره الجزائري-، أليس من دواعي الافتخار بالنسبة لبعض المسؤولين الجدد في الإدارة أن يكون في سلك رجال السلطة من يبحث في شؤون الإدارة لتطويرها و يكتب لصالحها و لصالح المصلحة العامة…؟ فلما الاستمرار في مسلسل التجاهل و التحقير و الإذلال، بل لما الاستمرار في نهج أسلوب سيكولوجية “العقاب النفسي الأبدي “…؟

نعم، الإدارة المغربية في أمس الحاجة إلى “مجالس للحكماء” تتكون من أصحاب الخبرة و الكفاءة و النزاهة من أجل مواكبة قضايا فاضحي الفساد الصادقين، و السهر على استقرارهم النفسي و مصالحهم، و ترقيتهم و حمايتهم، و ذلك لأن قضاياهم قد تطول فيأتي مسؤولون جدد فيسيئون للنزهاء الشرفاء فاضحي الفساد الصادقين عن جهل بقضاياهم و ربما عن غير قصد…

أليس من الضروري و من المفروض أن يشعر فاضحو الفساد الصادقين على الأقل بالأمان في علاقتهم بإداراتهم…

و لا يجب أن تقتصر مهمة “مجالس الحكماء” في مواكبة ملفات فاضحي الفساد الصادقين فقط، و لكن أيضا من أجل الإنصات لرجال السلطة الذين يعملون في الميدان و الذين قد يواجهوا مشاكل خطيرة أو كبيرة سواء مع رؤسائهم أو في عملهم بصفة عامة، حتى لا تتكرر المآسي و الأخطاء التي نحن في غنى عنها. المغرب في حاجة لجميع أبنائه و في حاجة أكثر من أي وقت مضى للمّ الشمل و تعزيز الصف لمواجهة تحديات حقيقية بمعنويات مرتفعة…

‫تعليقات الزوار

2
  • Kant Khwanji
    الأربعاء 25 مارس 2015 - 19:42

    "إقرأ" على واجهات المقرات الحزبية وعلى موقع الحزب, إسم حزب من وصف الحرف الأمازيغي الأصيل تيفيناغ بالشنوية!
    ستجده مكتوبا بالحرف السرياني المنتحل والمعدل بعد إضافة التنقيط والتشكيل، وسماه الباحثون من أمثال ك.لوكسانبرج ب-garshuni
    ومن تحته كتب ب"الشنوية":
    حزب العدالة والتنمية
    ⴰⴽⴰⴱⴰⵔ ⵏ ⵜⴰⵏⵣⵣⴰⵔⴼⵓⵜ ⴷ ⵜⴰⵏⴼⵍⵉⵜ

  • ولد الناس
    الخميس 26 مارس 2015 - 09:19

    اقراح في المستوى و لغة صادقة و كفاءة قانونية و إدارية ملحوظة . كلام مشتشار خبير موضوعي . ما قلت إلا صدقا بأسلوب أولاد الناس. أنت تستحق التقدير و رد الإعتبار.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين