نعم قادرون على التفوق !

نعم قادرون على التفوق !
الثلاثاء 31 مارس 2015 - 08:13

إن الملاحظ والدارس للعقد ونصف المنصرمين, يقف على المجهود التنموي الجبار والشامل الذي انخرط فيه المغرب على جميع الأصعدة. هذا المجهود لا يمكن أن يكون له بناء إلا على أساس من الثقة في أمرين : الثقة أولا في الذات وقدرتها على النهضة والتغيير, والثقة ثانيا في المستقبل الذي نستشرفه وفرصنا في بلوغه بنجاح. هذه الثقة القوية في الحاضر والمستقبل ثابتة في مغرب اليوم, في شتى المجالات التي يتقدم فيها بلدنا خطوات كبيرة إلى الأمام, وفي الإشعاع الذي صار بلدنا يحظى به في محيطه العربي, الإفريقي والدولي. وأحسن ما نعبر به على هذه الثقة هو قول الملك محمد السادس في خطابه التاريخي للذكرى 15 لتوليه العرش : “فطريقنا واضح، واختياراتنا مضبوطة. فنحن نعرف أنفسنا، ونعرف ماذا نريد، وإلى أين نسير”.

إنه إذا كان من الصعب أن نقوم بجرد شامل لكل الأفاق التي يحمل فيها المغرب اليوم دولة وشعبا مشاريعا جبارة – فهي تعم كل المجالات – فالذي يهمنا في هذا المقال هو أن نقف على واحد من أهمها, والتي أمكننا كمغاربة أن نفتخر بها ونجعلها رمزا وعلامة واضحة على قدرتنا كدولة وأمة على الإبداع والتفوق بين الدول والأمم. هذا المشروع يتعلق بميناء طنجة المتوسط وما حققه لبلادنا من قفزة عملاقة على مستويي اللوجيستيك والربط البحريين.

إن ما أنجزه المغرب من خلال هذا الميناء العملاق لا يمكن أن نصفه إلا بالانتصار الكبير وغير المسبوق, يمكن مقارنته بمشاريع عملاقة على المستوى العالمي, غيرت وجه التاريخ في دولها, كقناة السويس وقناة باناما ومعبر لامنش وغيرها, كما نشاهدها اليوم في بلدان صاعدة كتركيا والصين وكوريا الجنوبية.. ولا حاجة للتذكير بأهمية هذه المشاريع العملاقة كقاطرة للتنمية وشاحذة للحماس والثقة الوطنيين ونموذج للمحاكاة والبناء.

لقد تمكن المغرب من خلال هذا الميناء, أن يتبوأ في أخر تصنيف برسم سنة 2014 لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المرتبة 16 عالميا في سلم الربط البحري. هذه المرتبة المتقدمة هي قفزة كبيرة بكل المقاييس, بالنظر إلى حقبة ما قبل هذا الميناء, قبل سنة 2004, حينما كان المغرب يتخبط في ذيل الدول على مستوى شبكة الربط البحري.

وكحصيلة فرعية ذات أهمية مادية ورمزية قصوى لهذا التقدم, تمكن المغرب بموجب هذا التصنيف من تبوأ المرتبة الأولى من حيث الربط البحري على مستوى أمريكا اللاتينية وإفريقيا متقدما على منافسيه الأساسيين, مصر وجنوب أفريقيا, وصار ينتمي إلى الدائرة الضيقة للدول المتقدمة الأكثر ربطا على مستوى الملاحة البحرية الدولية, إذ يرتبط هذا الميناء ب161 ميناء عالميا و63 دولة من القارات العالمية الخمس, كما تبينه مجلة النقل البحري لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لسنة 2014.

ولابد هنا من التأكيد على الآثار الايجابية الشاملة لهذا الإنجاز من خلال مساهمته عامة في النهوض بالتنافسية العامة لبلدنا, والرقي بجاذبيته الصناعية والسياحية والاستثمارية, ذلك أن مؤشر الربط البحري يشكل معيارا أساسيا لقياس مدى الاندماج على مستوى التجارة الدولية، يتم أخذه بصفة دائمة بعين الاعتبار لتقييم تنافسية البلد.

إن هذا الإنجاز بما يشكله من نجاح باهر لابد من اتخاذه نموذجا مرجعيا, نقف عنده متأملين ومستخلصين للعبر والدروس, بهدف جعله رافعة ودعامة نفسية ومادية تزيد من ثقة بلدنا في انطلاقته وتقدمه, بالسير على نهج إطلاقه لمشاريع هيكلية عملاقة في شتى المجالات. فهذا الميناء نموذج للمشروع الناجح, إذ ما فتئ يفتح أبوابه للبواخر الدولية حتى وصل إلى أقصى قدرته الإنتاجية بسرعة قصوى. وقد دخل في طور التوسع من خلال إنجاز الشطر الثاني للميناء, ما سيقدمنا بالتأكيد مراتب أخرى في سلم الربط واللوجيستيك البحريين على المستوى الدولي, حيث سترتفع قدرة إنجاز الميناء من 2.5 ملايين وحدة إلى 8.5 ملايين !

ولعل الأهم في هذه المدارسة هو استخلاص الدروس في منهجية إنجاح المشاريع والتفوق فيها, هذه الدروس التي يمكن أن نلخصها في ثلاث : الطموح أولا, الذكاء الاستراتيجي ثانيا والاحترافية في الإنجاز ثالثا. أما فيما يخص الطموح, فهو الدعامة الأولى لكل رؤية تروم السير نحو مستقبل أفضل. وعلى قدر الطموح. على قدر المجهود. ولاشك في هذا الباب أن المغرب رفع طموحه عاليا, حيث بعدما كانت حصة ميناء طنجة المتوسط في الربط البحري قبل شروعه في الاشتغال 0 في المائة, حدد المستثمر لنفسه هدفا كبيرا, تمثل في استقطاب ما يعادل 15 في المائة من خدمات إعادة الشحن في حوض البحر الأبيض المتوسط, مع ما استلزمه ذلك من استثمار ناهز 90 مليار درهم, في يعتبر أكبر عملية استثمارية في تاريخ المغرب في مجال البنيات التحتية, امتدت إلى يفوق 5000 هكتار وما يناهز 000 200 منصب شغل مباشر وغير مباشر.

أما الذكاء الاستراتيجي فيتلخص في استشراف الفرص الاقتصادية الفريدة التي توفرها المؤهلات البحرية للمنطقة في علاقتها بمحيطها التجاري الدولي. فميناء طنجة المتوسط يقع على ثاني أكبر الطرق التجارية البحرية العالمية, طريق جبل طارق, التي تربط بين أكبر الأسواق إنتاجا وأكثرها استهلاكا, أسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية, إذ يمر عبرها ما يفوق سنويا مائة ألف باخرة تجارية. مع ما يمكنه الموقع الجغرافي للميناء من تحقيق تنافسية كبيرة في خدمات إعادة الشحن من خلال تقنية الوقت الأنسب – Juste à temps, حيث يدخل الميناء في خانة الموانئ ذات “0 / صفر مناورة”.

وفيما يتعلق أخيرا بالاحترافية في الإنجاز, فتتمثل في القدرة في تنزيل هذه الرؤية الإستراتيجية وفق المعايير الدولية المتعارف عليها إلى واقع ملموس, مع التفوق في ربط تعاقدات دولية مع شركات رائدة في مجال التجارة البحرية, على أساس قاعدة رابح – رابح, وذلك على طول كل مراحل إنجاز هذا المشروع. وهو ما يمكن ميناء طنجة المتوسط من الاشتغال اليوم بحرفية عالية, وتأدية خدمات ذات جودة دولية, كشرط أساسي للنجاح اليوم في محيط دولي, يتسم بالتنافسية الشديدة والتقلبات المستمرة.

-أستاذ جامعي, رئيس المركز المغربي للتنمية والديمقراطية دكتوراه في علوم التدبير والتسويق

‫تعليقات الزوار

7
  • ع.م.
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 09:19

    الفاشل هو من لا يحاول و يضع أهداف صغيرة خوفا من الفشل و الناجح هو من يضع أهداف كبيرة و يجتهد لتحقيقها.
    و الفشل في التخطيط هو التخطيط للفشل.
    اقلاع المغرب هو مثل طائرة في مدرج المطار تنطلق ثم ترفع من سرعتها لإجل الإقلاع من الأرض و بعدها تشتغل بكل طاقتها للإستمرار في الصعود حتى تصل القمة فلا تعود في حاجة لكل طاقاتها لمواصلة طريقها.
    فالمغرب كطائرة بقيت جامدة في المدرج لسنوات و أصابها صدأ و تآكل حتى جاء جلالة الملك و أعدها للطيران قبل أن تصبح لا فائدة من إصلاحها.

  • الضوء الحويج
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 09:45

    شكرا لك دكتور على هذا المقال الجيد الذي يزيد من افتخارنا بكوننا مغاربة و أتمنى لك المزيد من التألق. شكرا جزيلا.

  • احمد
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:57

    ﻃﻮﻛﻴﻮ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﺛﻼﺛﻮﻥ
    ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻧﺴﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ
    ﺑﺎﻛﻤﻠﻪ ﺑﻄﻮﻟﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ
    ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻧﺴﻤﺔ
    ﻭﻣﻘﺪﺭﻭﺵ ﺣﺘﻰ ﺍﻓﺮﻗﻮ
    ﻟﻜﻞ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺑﻘﻌﺔ ﺍﺭﺿﻴﺔ
    ﻣﺠﺎﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺘﻌﻄﻲ ﺍﻻﻣﺎﺭﺍﺕ
    ﻟﻜﻞ ﺯﻭﺝ ﻣﺰﻭﺟﻴﻦ ﺑﻘﻌﺔ
    ﺍﺭﺿﻴﺔ ﻣﺠﺎﻧﺎ ﻋﻴﺐ ﺍﻭﻋﺎﺭ
    ﺍﻟﻤﺎﻓﻴﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ‎ pourquoi l'état donne la terre gratuitement au promoteurs immobiliers qui gangnent des milliards 3la dharna pourquoi ne pas donner la terre directement au citoyen
    بالاضافة لان الاسعار الخيالية للعقار تشكل عائقا هائلا امام المقاولات الصغرى التي تعد المشغل الاول والتي تشغل اقل ما بين شخصين الى عشرة اشخاص فانا مثلا اردت انتاج مجلة للاطفال على غرار مجلة ماجد الاماراتية والتي لها قراء كثر بالمغرب واردت ان اشغل معي شخصين كبداية لكنني اصطدمت بهول اسعار كراء العقار والتي تتعدى ماحتاجه لانتاج المجلة لشهر وتوقف الحلم

  • said
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 16:29

    bravo nous avons besoin d'un souffle positif et on a marre des corbeaux nihilistes de tout genre, ceux qui pleurnichent ce sont ceux la meme qui encombrent le progres,merci l auteur pour votre realisme et surtout votre optimisme

  • hamid
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 17:01

    لا تنسى ان ترفع لنا نقط الدورة الثانية , افرحنا !!!, جزاك الله خير !!

  • هيثم
    الثلاثاء 31 مارس 2015 - 17:45

    المغرب بلد كبير , تجاوز ماضيه المتثل وهو شائر بنجاح في عبور حاضره المؤلم كما نراه في العالم العربي ,
    حفظ الله هذا البلد العريق العبقري

    شكرا للكاتب على هذا الامل الذي أعطيته

  • Viva Maroc
    الأربعاء 1 أبريل 2015 - 10:54

    Cet article est un hymne à notre pays, à son génie, et à sa capacité à réaliser de grandes choses ;
    notre pays a tous les atouts pour devenir une puissance mondiale de poids : le secret est dans le Travail et Sérieux !
    Viva Maroc

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش