المفهوم الجديد للمواطن

المفهوم الجديد للمواطن
الإثنين 20 أبريل 2015 - 07:20

من خلال عمل الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني

ربطت المادة الثانية من مشروع القانون التنظيمي رقم 64.14 بتحديد شروط و كيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، وكذا المادة الثانية من مشروع القانون التنظيمي رقم 44.14 بتحديد شروط و كيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، ممارسة الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، والحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، الواردين في الفصل 14 و 15 من الدستور، بضرورة توفر 3 شروط في المواطنات والمواطنين الراغبين في تفعيل حقهم:

1: شرط الوجود في وضعية جبائية سليمة،
2: شرط تمتعهم بحقوقهم السياسية والمدنية،
3: شرط القيد في اللوائح الانتخابية،

وإذا كانا الشرطين الأولين منطقيين جدا حد الإتفاق مع فرضهما دون أي نقاش أو جدال، فإن الشرط الثالث الذي يفرض على المواطنات والمواطنين القيد في اللوائح الانتخابية قبل التفكير في إقتراح ما يرونه ملائما من تدابير تشريعية تهدف الى اغناء المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان، وقبل التفكير في تحقيق التفاعل الإيجابي بين المواطن وممثله داخل المؤسسة التشريعية، وقبل التفكير في تقديم عرائض تهدف إلى تشجيع ودعم السلطات العمومية على إتخاذ قرارات وتدابير في أفق تحسين آداء المرافق العمومية،

إن هذا الشرط يبدو من موقعه هذا على أنه يؤسس لنوعين من المواطنين المخاطبين بالدستور، نوع أول يتمتع بالحقوق المدنية و السياسية ولا حق له في ممارسة جميع الحقوق الدستورية، و نوع ثان يتمتع بالحقوق المدنية و السياسية، وبالحقوق الناتجة عن القيد في اللوائح الإنتخابية وهو فقط من له ممارسة عدد من الحقوق المخولة دستوريا، على الرغم من أن العزوف عن القيد في اللوائح الإنتخابية والمشاركة في العملية الإنتخابية لم يكن سببه سوى رداءة المشهد و الأداء و حتى الفكر السياسي الحالي بالمغرب،

ألا يبدو الأمر وكأنه يربط المواطنة الكاملة بالتسجيل في اللوائح الإنتخابية؟ ألا يبدو الأمر وكأنه بحث عن منافذ لإضفاء الشرعية على العمل السياسي من خلال نص تشريعي غير مرتبط البتة بتنظيم العملية الإنتخابية؟ ألا يبدو الأمر وكأنه إلزام بالقيد في اللوائح الإنتخابية بعد أن فشل السياسي نفسه من خلال العمل الحزبي في إغراء المواطنين والفاعلين بالانضمام إلى المشاركة السياسية المباشرة،

أنا هنا لا أدافع على العزوف عن التسجيل في اللوائح المذكورة مادام أن الرأي القائل بضرورة التسجيل والتصويت للمساهمة في تجويد العمل السياسي هو رأي مبني على أسس تحمل جانبا من الصواب، ومادام أن الفصل 30 من الدستور نص على أن التصويت واجب وطني، لكن ذات الفصل أكد على أن التصويت حق ومن هذه الزاوية يحق للمواطن المقتنع بالإحجام عن ممارسة حقه هذا كنوع من الإحتجاج على الواقع السياسي، لكن رغم هذا الإحجام فإنه مواطن مقتنع بالعمل على تجويد العمل السياسي و تطوير السياسات العمومية من خلال آليات مدنية ـ عمل المجتمع المدني ـ لا سياسية، من منطلق أن الدستور خول للمجتمع المدني صلاحيات وآليات قوية تهدف إلى دعم السياسات العمومية، ولا يمكن تقييد هذه الأدوار والصلاحيات بما يخدم فقط العملية السياسية، ودون أن يكون لذلك أبعادا قوية لخدمة الصالح العام وتطوير الدولة بشكل واضح،

إن المطلوب لتحقيق هذه الأبعاد هو فقط إيجاد جو مناسب ونصوص قادرة على دعم المجتمع المدني لتطوير ذاته كي يكون مؤهلا وجاهزا لمسايرة التحديات المطروحة،

ولا يمكن لا منطقيا ولا أخلاقيا أن يتم إقرار نصوص تحمل في طياتها ما يوحي بتغليب رأي على رأي آخر ضمن مجتمع يشهد نقاشا متقدما و محتدما في مجال السياسية العامة بجميع جزئياتها،

أليس في إقرار شرط القيد في اللوائح الانتخابية تغليب لتوجه يرى ضرورة الإنخراط في العملية السياسية بشكل كامل ومباشر، ويعتقد أن العزوف هو موقف سلبي، على توجه مقتنع بأنه ليس في موقف العزوف أي سلبية بل هو موقف يصنف في خانة التفاعل مع المجال السياسي بمراقبته دون المشاركة فيه بشكل مباشر لعدم جاهزيته، وعدم توفر الظروف للمشاركة المباشرة، وأن ما يتم تسميته بالسلبية نتجت فقط عن تلك الصعوبة في قدرة تمييز الفرد بين الأطروحات السياسية، و أن حتى هذه الأطروحات السياسة غير ذات معنى، وعليه فإنه لا معنى أيضا للمشاركة السياسية سواء عن طريق الإنتماء لحزب ما او عن طريق المشاركة في الانتخابات، وربما ما يدعم هذا الوضع تلك الثقة المنعدمة في عمل العديد من الأحزاب، وأنه من خلال عمله داخل هيئات المجتمع المدني ما يدل عن عدم صوابية الرأي القائل بسلبيته، في انتظار ظهور مثيرات سياسية تستطيع الإقناع بضرورة العمل من داخل الهياكل السياسية، ومن خلال المشاركة في العمليات الإنتخابية،

إن الأمر يتعلق فعلا بدعم رأي ضد رأي معاكس من خلال التشريع الذي يجب أن يبقى محايدا ضمن هذه التجاذبات،

إن النصوص القانونية لا يمكن أن تمتد إلى محاصرة الأفكار و التوجهات والمواقف السياسية للمواطنين، فهي فقط يجب أن تسعى إلى فرض التنظيم اللازم للحياة الإجتماعية بتفاصيلها دون فرض أحكام ملزمة للإنخراط في مجالات لم ينفر منه العديد إلا بسبب افعال أهل ذاك المجال،

ليس من الذكاء إثقال كاهل الفاعلين بعملهم من داخل المجتمع المدني بمقتضيات تلزمهم بالقيام بإجراءات دون الإقتناع بها فهذا لن يحقق أي تجويد لا للعمل السياسي ولا لعمل المجتمع المدني، لأن الأفعال بدون قناعات لا تنتج إلا سوء العمل،

إن القاعدة القانونية يجب أن تستمد أسسها من القاعدة الأخلاقية، يجب أن تكون المثل الأعلى لما يجب أن يكون عليه المواطنين، فإذا كانت هذه القاعدة تعتمد ولو بشكل مقنع على أسلوب التحايل والمراوغة، فإنها ستقوي الرغبة في التحايل لدى المتعامل معها وبها،

أعتقد أن ما ورد في الفصول المشار إليها بداية تعطي الإنطباع بأن هناك تحول لدى من قام بصياغتها في مفهوم المواطنة، و المواطن بالنسبة له ليس هو ذاك الإنسان المرتبط بوطنه، ذاك الشخص المرتبط بوطنية فطرية بدولة وطنية،

إنها نصوص تلغي مواطنة المواطن الذي إختار إلغاء نفسه من حسابات العملية الإنتخابية، وكأن أي مواطن غير مقيد في اللوائح الإنتخابية، هو ناقص عقل وذا وطنية غير مكتملة، غير ذي كفاءة للإنتماء لمجموع المواطنين المقدمين للعرائض والملتمسات، مواطن يعاني من إعوجاج في الفكر والفهم والإدراك،

إن العمل والمساهمة في العملية السياسية بمفهومها الحقيقي وبوطنية مفترضة، لا يمكن أن يقيد اليوم بضرورة التسجيل في اللوائح الإنتخابية مادام أن هذه المساهمة لها مداخل عدة،

إنه فعلا تأسيس لمفهوم جديد للمواطن يقوم على أساس ثنائية تسعى إلى دعم مجال فشل الفاعلين فيه في إضفاء المصداقية على عملهم،

هل أصبحنا في دولة على شكل شركة لا يمكن للمواطن أن يكون شريكا فيها إلا إذا إكتسب سهما في هذه الشركة عن طريق التسجيل في اللوائح الإنتخابية، أحيلكم في هذه المفاهيم على مداخلة تحت عنوان المواطنة والمساهمة والمجاورة للمفكر عبد الله العروي ألقاها في إطار ملتقيات التاريخ التي نظمتها الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية بتاريخ 3 ديسمبر 2014 بالمكتبة الوطنية بالرباط، أحيلكم عليها عسى أن تتبدى لكم الأمور حول مفهوم المواطن الذي يحق له المساهمة في الشأن العام عن طريق آليات العرائض والملتمسات.

دكتور في الحقوق
عضو المكتب التنفيذي لجمعية عدالة

‫تعليقات الزوار

6
  • منا رشدي
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 09:29

    لو كان القانون ينص على إجبارية التصويت لكان لشرط ضرورة التسجيل في اللوائح الإنتخابية ما يبرره ! لكن التصويت في المغرب ليس إجباريا فكيف يطلب من الراغبين في تقديم ملتمسات القوانين أن يكونوا مقيدين في اللوائح الإنتخابية ! ماذا عن التوقيعات التي ستكون مرفقة بملتمس قانون والتي حددت في 25 ألف توقيعا ! هل ضروري أن يكون أصحابها مسجلين في اللوائح الإنتخابية أيضا !!! إن كانت كذلك ؛ فهذا شرط تعجيزي يقبر هذا الحق نهائيا ! فلا يعقل أن يتحول الباحث عن التوقيعات إلى داع للتسجيل في اللوائح الإنتخابية !
    لنفترض أن مواطنا تقدم بملتمس قانون مستوفي كل الشروط ! فما هي الجهة المخولة قانونا بمطابقة توقيعات 25 ألف إمضاء ا قبل الذهاب به إلى المشرع ! أهي الجماعة الترابية ؛ أم وزارة الداخلية أم مجلس النواب !

  • أنوار
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 09:32

    أثار المقال جانبا مهما في مجال التشريع ألا و هو قدرة القاعدة القانونية على إلتزام الحياد و ضمان السير السلس للحياة اليومية للمواطن. أشكر الكاتب على اختيار موضوع بهذه الأهمية و اتمنى ان يتم تنظيم موائد مستديرة من طرف وسائل الإعلام المرئية لتنوير الرأي العام الوطني.

  • مصطفى ب
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 12:06

    اثار انتباهي في هذا الموضوع مسالة ثنائية المواطنة فقد كان تحليل الدكتور منطقيا و واقعيا كيف يتم كتابة قوانين بعيدة عن الواقع هل يرغبون في محاصرة الدستور هل يعتقدون ان لا وجود لاذكياء ينتبهون لما يراد تمريره بنصوص لا يمكن ان يقال عنها الا انها تعبر عن سوء نية من يقترحها

    شكرا على التنبيه

  • هشام
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 13:13

    متفق معك استاذ في النقطة المتعلقة بعدم جواز تمرير اهداف سياسية عبر نصوص قانونية لكن لا اتفق معك في البقاء خارج الهياكل السياسية و أعتقد أنه من اللازم الدخول المباشر في العملية السياسية لمواجهة من تسبب في رداءتها

  • محمد
    الإثنين 20 أبريل 2015 - 15:40

    موضوع من العيار الذكي الا انه من الاحسن الانخراط في المجال السياسي لقطع الطىريق على مثل هؤلاء السياسويين تمرير مثل هذه النصوص

  • طالب العلم
    الأحد 17 يوليوز 2016 - 23:10

    كنتم محظوظين في مقاربتكم هذه، و هذا من الحظ المنم عن ذكائكم،

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة