خروج عن النص

خروج عن النص
الأربعاء 6 ماي 2015 - 16:25

عرى مشهد خروج رئيس الحكومة عن “النص” خلال جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة، عن عورة المستوى الذي انحدرت إليه التقاليد البرلمانية في بلادنا. صحيح أن الأمر لم يصل إلى حد التناطح بالرؤوس أو التراشق بالكؤوس، إلا أنه يبقى مع ذلك مشهدا خادشا لصورة البلاد. من حقنا أن نطالب المسؤولين عن النقل المباشر لجلسات البرلمان، وضع إشارة تحذير للمشاهدين حماية لأذواقهم من العدوى.

لا يمكن دعوة بنكيران للاعتذار، فثقافة الاعتذار ما تزال غريبة عن مجتمعاتنا التي تعتبر الاعتذار جبنا. كما لا يمكن دعوة أحزاب المعارضة لأن تخفف الوطء قليلا عن رئيس الوزراء أو تكف نهائيا عن استفزازه، لأن الاستفزاز – في حدود اللياقة – أمر مستحب في السياسة، إذ يزعزع ثقة الخصم ويعطل ملكة العقل لديه باستثارة عاطفته. والعاطفة كما يعلم الجميع محفوفة بمخاطر الزلات والانزلاقات.

بيد أن زلات بنكيران تتناسل بوتيرة مخجلة ومضحكة في آن واحد. ومن المؤكد أنه لا يعير بالا لوقعها السلبي على الناس، وربما يعتقد أن من حقه “مواجة” خصومه بنفس السلاح الذي يستخدمونه ضده، وهذا بالطبع لا يجوز، فهو أولا وقبل كل شيء رئيس وزراء لكل المغاربة وليس زعيم حزب كان بالأمس مغبونا. فمن غير المقبول أن ينشغل المغاربة بزلات لسان رئيس حكومتهم، بينما البلاد في حاجة لمن يقودها ويدبر شؤونها. وحتى لا نظهر كمن يضخم من عثرات لسان الوزير الأول في البلاد، نقول إنه ليس الوحيد في صنفه، بل حتى في الديمقراطيات العريقة هناك سياسيون من أوزان مختلفة تنزلق ألسنتهم، إلا أن الفرق بين هنا وهناك أن السياسيين في الغرب لا يخجلون من الاعتراف والاعتذار.

ومما لا شك فيه أن الحساسية المفرطة بين وجوه المعارضة الرئيسية وبين السيد بنكيران، حولت الصراع السياسي بينهم وبينه إلى هجوم “شخصي” الغرض منه النيل من الشخص ذاته. فحينما يتهم زعيم من المعارضة بنكيران بأنه “داعشي”، فليس معنى ذلك أن كل إخوته في الحزب “داعشيون”. وحينما يصف السيد بنكيران خصما سياسيا له بأنه “سلكوط”، فهذا أيضا لا يعني أن الحزب مكون من مجموعة من “السلاكط”، كما أن اتهام بنكيران لزعيم حزب آخر ب “الفساد” فهو يقينا لا يقصد “فساد” كل الرفاق.

ولعل ما يقوي من أسباب الصراع الشخصي بين رئيس الحكومة وبين زعماء المعارضة، أن السيد بنكيران ما يزال حتى الآن يتصرف وكأنه رئيس حزب يتعرض للإقصاء والتضييق، بدل أن يتصرف كرئيس وزراء مكلف بتدبير شؤون الناس وفق ما يضمنه له الدستور. ومع اعترافنا بأن ما يسمى بالدولة العميقة لم تسمح لرئيس الوزراء بممارسة مهامه الدستورية كما ينبغي، إلا أنه يتوجب الملاحظة في الوقت نفسه أنه هو أيضا لم يسع إلى ملء وظيفته تامة غير منقوصة، قانعا بالهامش الضيق الذي يشعر فيه بالرضا والأمان. يمكن القول إن مقاس الدستور الحالي، رغم ما يؤاخذه عنه المؤاخذون، أوسع من قامة رئيس وزراء اكتفى بحجمه كزعيم لحزب وليس رئيسا لحكومة.

في الديمقراطيات الغربية، حينما يتولى رئيس حزب أو زعيم تيار قيادة زمام الدولة، يسلم أمور الحزب لشخص آخر. وبهذا يتم الفصل بين الأمرين فصلا واضحا. هذا الفصل بين المنصبين أو الصفتين، يجعل السياسة في الغرب أقرب إلى أذهان المواطنين. فالفرنسيون إذا عبروا عن عدم رضاهم عن رئيسهم فرانسوا هولاند، فليس لأنه رئيس حزب يساري يترنح أمام لكمات أحزاب اليمين، ولكن لضعف أدائه الرئاسي وفشله، في نظر الفرنسيين، في أمور تهم تدبير شؤون حياتهم اليومية من عمل وسكن وهجرة وغيرها.

من حسن حظ السيد بنكيران أن المعارضة أيضا ضعيفة، باهتة ومصابة بفقر الذكاء السياسي. فزعماؤها بدورهم لا يتقنون إلا فن التباكي والتظلم والشكوى أمام الملك. كان على زعماء المعارضة أن يقدموا بدائل ويوضحوا للمغاربة مكامن الخلل الحقيقية في أداء الحكومة، لا أن يمطروهم بوابل من مفردات سوقية، أقل ما يقال عنها إنها تسيء إليهم أكثر من إساءتها لخصمهم السياسي. ومن حسن بنكيران كذلك أن أحزاب المعارضة أنهكتها “الحروب” الداخلية، الأمر الذي شجعه، ربما، على وصفهم بما وصفهم به.

‫تعليقات الزوار

8
  • Kant Khwanji
    الأربعاء 6 ماي 2015 - 16:52

    ثقافة الإخوان كما أسس لها سيد قطب: التعالي على الكل ، واعتبرهم هم الفضلاء والباقي رعاع ساقطون
    يكفي أن تقرأ تعاليق من جملة واحدة للميليشيا البجدية"برافو، أحسن رئيس حكومة"، يتلوه سب وقذف في أعراض المعارضين، شباط، لشكر، الياس العمري(سموه بلسكوت، و إبليس…)،عصيد ألصقوا له كل التهم… والتحقير….وهذه التعاليق من سطر واحد، حازت أكثر من +4000( آخر فيديو – على هسبريس- حول بنكيران و السفاهة)
    يعارضون الأحزاب الأخرى لما كانوا في المعارضة يعارضون وهم في الحكم!
    انها الدكتاتورية الدينية ، التيوقراطية ( théocratie)، و هي أخطر من كل الدكتاتوريات حتى العسكرية لأنها تعتقد أنها تنوب عن الله أو ملكفة مباشرة من لدنه لتسيير القطيع البشري!

  • منا رشدي
    الأربعاء 6 ماي 2015 - 17:15

    حين تنتعش الشعبوية فهذا مؤشر على فشل السياسي في الإستجابة لمطالب المجتمع ! تجده دائم الهروب من مواجهة أسئلة الواقع !
    فشل " بن كيران " كما فشلمن أتى قبله ! بالرغم من معاصرتهم لظرفية دولية مساعدة على بلوغ نسبة نمو برقمين للتغلب على إشكالية البطالة والفقر وتدني الأجور !
    عدم إستطاعة الحكومات المتناوبة تحسين جودة حياة المغاربة مقدمة تسهل رسم مستقبل المغرب ؛ إن إنطلقنا من مسلمة ضعف الأحزاب ونخبها ؛ مستقبل سيكرر ما نحن عليه اليوم ! إقتصاد ضعيف غير تنافسي ؛ ضعف موارد الدولة ؛ عدم التحكم في العجز ؛ إستفحال المديونية ! المتغير الوحيد مستقبلا هو إنقراض التعاضد الأسري ما سيؤدي إلى تعري من كانوا يعيشون من تحويلات جيل المغاربة المجاهدين في الخارج ( الجهاد في العمل لإسعاد الأسرة الصغيرة وما جاورها في الداخل ) ؛ كما عدم إستطاعة من يضحون من أجل الأسرة لرعايتها بعد وفاة أو عجز رب الأسرة على القيام بواجبه ! مجاهدات ومجاهدوا الداخل ستثقل كاهمن أتى قبلههم غلاء المعيشة وتقدمهم في السن وغلاء التطبيب
    الخلاصة ؛ الله يحفظ ؛ لوكانت الحكومة والمعارضة تعلم حقا ما ينتظر المغاربة لما أضاعوا دقيقة في اللغو !

  • saccco
    الأربعاء 6 ماي 2015 - 17:48

    رئيس الحكومة يتصرف وفق المثل الفرنسي reponse du berger à
    la bergere جواب السرّاح على السرّاحة
    فرئيس الحكومة ليس كأيها الناس بل هو شخص غير عادي بحكم المسؤوليات الملقاة على عاتقه وهي مسؤوليات جسام تقتضي الرزانة والحكمة والترفع على الحساسيات الحزبية
    فالمسؤوليات الخطيرة والجد حساسية الملقاة على عاتقه تتطلب ضبط النفس والتحكم في تصرفاته وسلوكياته فكيف يمكن لرئيس حكومة بإنفعالاته وميزاجيته العصبية ان يتمكن من الاشتغال على ملفاة تهم أمن البلد وتسيير شؤونه والتي تتطلب منه مجهودا عصبيا وإستخدام كل قواه وطاقاته العقلية في جو من الهدوء والرزانة والحكمة بعيدا عن الاندفاعية والنرفزة والتشتت الفكري
    فبنكيران يبقى رئيس حكومة إستثنائي في تاريخ المغرب المعاصر بإستعماله مصطلحات زنقوية ساقطة ليس لها مثيل في قاموس السياسة بل إستعمال مصطلحات ما تحت الحزام (ديالي كبير عليك –والله ما نحط ترمتي في البرلمان (انظر يوتوب "زلة لسان بنكيران) ويبدو أن مرجعيته مرجعية زنقاوية
    يبدو ان مجئء بنكيران وإخوانه للسلطة حادثة accident في تاريخ المغاربة كتجربة فريدة من نوعها وتشكل فعلا الاستثناء المغربي

  • عبدالحق
    الأربعاء 6 ماي 2015 - 19:45

    لماذا يطلب البعض من بنكيران الاعتذار ،فهو الذي وصف بعض زعماء المعارضة الوصف الدقيق لانهم اتهموه بالانتماء الى منظمات ارهابية والى تنظيمات صهيونية فيجب عليه ان ينفي عنه تلك الاتهامات المغرضة فسكوته عنها يمكن ان يشكك الناس في صحتها فعلى المنتقدين لبنكيران رغم بعض الهفوات ان يكونوا موضوعيين ويبعدوا عنهم فكرة الاقصاء المعششة في صدورهم "عين الرضى عن كل عيب كليلة =وعين السخط تبدي المساوىء.

  • وحيد
    الخميس 7 ماي 2015 - 04:46

    في الايام الماضية كثر التراشق بين الحكومة والمعارضة.وهذا ليس لصالح المواطن او الوطن .هناك ايادي خفية وراء المسألة .المرجوا من الحكومة او المعارضة الالتفاف نحو هاد الشعب وان يعملوا جميعا من اجل مصلحة الوطن.الله يهديكم

  • مراد
    الخميس 7 ماي 2015 - 10:22

    بنكيران وصف بعض كلام المعارضة بالسفاهة و لم يصف احدا بالسفيه لشخصه كما فعل لشكر و هذا اكبر خروج عن النص و كيف نصف التصفير بالبرلمان اليس خروج عن الاعراف و القانون و الدستور ؟

  • جلول
    الخميس 7 ماي 2015 - 13:55

    الرجل السياسي يحب عليه أن يكون حكيما وذكيا ، والحكمة والدهاء مصادر الحكمة ومعطلات الحكمة . الرجل الحكيم إنه من أعظم الفضائل ، بل هي أهم مفتاح للفضائل كلها ، يحتاج اليها البشر جميعا وبخاصة القادة وكل من هو منصب بل يحتاج اليها المواطنين وضع التقة الكاملة في الرحل السياسي ، وهي الميزة التي يجب أن ينسق بها رجال السياسة ، ومن يطلق عليه لقب ديبلوماسي . هنا يقف أمامنا سؤال مطروح : هل من فارق بين السياسة والحمة والذكاء يتعامل بها الرجال السياسة ؟ قد يكون الانسان ذكيا يفكر أفكارا سليمة ، ولكن ينقصه الدقة في التعبير لنقص معلوماته عن المدلول الدقيق لمل لفظة ، حينما يعبر عن قصده إما الانسان الحكيم ، فإنه يقول يدقه ما يقصده ، أيضاً يقصده ما يقوله.

  • abderrahmane guetby
    الجمعة 8 ماي 2015 - 15:25

    يبدو أن الإفتقار لروح البحث والاجتهاد و المبادرة أصبح السمة الرئيسية للصحفيين المغاربة، والدليل هو الإستغلال المبالغ فيه لبعض الأحداث وإعطاءها قيمة لا تستحقها..و مع ما رافق كلام رئيس الحكومة من إنتقاد و تضخيم و تأويل يبدو واضحا تحامل فئة معينة من الإعلام على أول رئيس حكومة إختاره المغاربة و فوضوا له أمور دنياهم..ومن جملة هؤلء الصحفيين الفشلة كاتب المقال أعلاه والذي يدعي أن يحدث بالبرلمان يسيء للمغرب ولصورته دوليا ،و كأن العيب الوحيد فينا هو كلماتنا الغير المختارة بعناية في تخاطبنا ذاخل قبة البرلمان وواقع الحال يدل على عكس ذلك…أريد أن أسأل صاحبنا إن كان قد شاهد ما يحدث ببرلمانات دول يشهد لها القاصي و الداني بالرقي و الإزدهار من قبل بلجيكا و هولندا و روسيا و اليابان…..وغيرها من البلدان التي عرفت تراشقا تعدى الكلمات إلى الأحذية دون أن يمس من هيبتها وقيمتها شيئا…من أراد أن ينتقد بن كيران و غيره فمن حقه ذلك شريطة أن يطال الإنتقاد أداءه بنية التقويم و الإرشاد و ليس بدافع التسفيه و التشويش والتقويض./'

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج