الدكتور حسن المنيعي: "المعلم الأول"

الدكتور حسن المنيعي: "المعلم الأول"
الخميس 28 ماي 2015 - 03:11

عن استحقاق واعتراف ومحبة، لا يرد اسم الدكتور حسن المنيعي إلا مقترنا بألقاب وكنى تقديرية لشخصه وعطائه، لعل أكثرها تداولا “أستاذ الأجيال”، و” مؤسس الدرس المسرحي”، و”الحصن المنيع”، و”بَّا حسن” التي لا يتجرأ على تلفظها غير أصدقائه وأترابه ومجايليه من الرعيل الأول، وبعض الجسورين من حوارييه وطلبته.

وأستأذن الدكتور المنيعي كي أضيف بدون ادعاء إلى هذه القائمة لقب “المعلم الأول”، مستعيرا الإحالة الأرسطية، إذ هو الصُلب الخصب الذي تناسلت منه أجيال من الباحثين في المسرح ونقاده وأساتذته المبثوثين منذ السبعينيات من القرن الماضي في مختلف الكليات وخارجها، ومنهم أيضا كتاب ومخرجون وممثلون، هواةً ومحترفين. فليس سرا أن المسرح قد انساب إلى مدرجات الجامعة والبحث العلمي بالمغرب عبر محاضراته بأفقها الأكاديمي الرصين والحداثي، وحماسته المتفردة في تمجيد الفنون والإبداع، ونقل عدواها ولوثتها الجليلة إلى متلقييه.

الأستاذ المنيعي لم يلج المسرح من بوابة النظرية أو النقد، ولكن وعيه الجمالي والنقدي بالمسرح قد تفتق منذ البداية، كما انبرى، في حضرة العرض والفرجة والمشاهدة، بل خاض مغامرة الركح كذلك لمرات حيث كان المسرح بالنسبة إلى جيل برمته معبرا أساسيا في منظومة التنشئة والتعلم.

المنيعي كان مذ كان “ظهر المهراز” شمسا ملتمعة في ليل العسكر والجمر، لكن انهمامه بالحداثة والحرية والتغيير ظل مقترنا بخيار الدرس الجامعي والبحث العلمي والتأليف والترجمة. وهب أن الوافدين على هذه الكلية العتيدة، أيام عزها، كانوا يخمنون ربما أن هيبة الرجل وجاذبيته تنبعان من ظلال نظرية أو كتاب، أو من سلطة هذه المؤسسة التي كان هو أحد فرسانها، ولكن سرعان ما كانوا يفطنون، على غرار سابقيهم ولاحقيهم، أن المنيعي نبوغ متفرد وقيمة إنسانية قادرة على أن تسمو بأي مكان حل به إلى نبالة المعرفة ومدارج الاكتشاف وصداقة الفكر الحر.

ولعله من الأكاديميين القلائل الذين يحظون بذات الاحتفاء والتقدير خارج أسوار الجامعة، من قبل ممارسي المسرح وجمهرة الفاعلين في الحقل الثقافي، داخل المغرب وخارجه، دون أن ننسى المكانة التي يتبوؤها في أوساط بيوتات أهل مكناس مسقط رأسه ونخبها، لا سيما ممن أحاطوا فيما مضى الفعل الثقافي والفني بالمدينة بالرعاية والاحتضان.

أوليغارشية الجامعة والثقافة والأعيان، رغم إغواءاتها، لم تبعد المنيعي عن جذوة اليومي ونبض الرابط الاجتماعي بمقاماته المتباينة أحيانا. فهو لا يبخس أحدا ولا يقلل من بضاعة الآخرين. يحافظ على سليقته ودماثة طبعه وتواضعه غير المتكلف في تواصله مع الجميع، كما يشمل غير المتعلمين بأريحية خاصة، حليما بالمتأدبين منهم، ممن أخذوا بالسماع والرواية ليس إلا.

أ في ذلك ما يفسر زهد المنيعي في المناصب والكراسي ( غير العلمية)، واعتذاره عن عمادة الكلية، وقد عٌرضت عليه مرتين، مفضلا الاصطفاف أبدا إلى جانب “المجتمع العلمي” الذي هو أحد مؤسسيه بالمغرب، منتصرا إلى الدرس والمدرج، إلى المعرفة التي لا ترتهن بالمواقع والمنافع، إلى قنوت الصوفية بمنأى عن الواجهات اللامعة، إلى الحرية في التفكير والحياة حيث لا سلطة ولا نفوذ.

زيارة مكناس، كانت وما تزال، لا تستقيم لصاحبها لا بمزارات الشيخ الكامل وسيدي سعيد وسيدي قدور العلمي وسيدي عبد الرحمان المجدوب، ولكنها لا تكتمل كذلك دون اللقاء بالدكتور حسن المنيعي- شَيْ الله أ مولى مكناس- والعودة ممتلئا بمباركته ورضاه. وقد يحالف الطالع الزائر في لحظة روق فيلج صومعته “المنيعة”، بإحدى زوايا شارع علال بن عبد الله، ويجلس حيث جلس قبله عبد الجبار السحيمي وأحمد المجاطي ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمد القاسمي وإدوار الخراط ومحمد برادة ومحمد تيمد وبنسالم الدمناتي…والقائمة تطول… فضاء “ريحاني” بامتياز، تتناجى طيه أطياف العابرين، نذره المنيعي للألفة والاقتسام والذاكرة: كتب ومجلات ولغات وأطاريح وصور وتذكارات ولوحات ومنحوتات، تغطي الجدران بكاملها وتحول دون إغلاق النافذة. تاريخ منفلت للثقافة المغربية انكتب هنا داخل هذا المقام.

إنه “بَّا حسن”، “المعلم الأول”، و”أستاذ الأجيال”، و” مؤسس الدرس المسرحي”، و”الحصن المنيع”…

‫تعليقات الزوار

4
  • جمال الفزازي
    الخميس 28 ماي 2015 - 13:47

    حسن المنيعي .."المعلم الاول" اجل يستحق ايضا لقب "المعلم الاكبر" هو اكبر من دكتور..انه المثقف الانسان ..بكل ما في الكلمة من قيم سامية ومعان نبيلة ..فتحية محبة لاستاذ الاجيال ..راجيا له طول العمر بالصحة والسعادة والعطاء ..

  • Amsbrid
    الخميس 28 ماي 2015 - 13:50

    اقول: صدقت! وليس هذا مني تزلفا ولا طمعا ولا انتسابا. فقد غادرت ردهات الجامعة ورحاب الوطن جميعا…
    سمعت عن الاستاذ ورايته اثناء سنوات الاجازة في النصف الاول من الثمانينات بظهر المهراز; ثم اخذت عنه خلال سنة دبلوم الدراسات المعمقة بنفس الكلية… واذا كان لاحد في المغرب ان ينسب الى الحداثة حقا وصدقا فهو الاستاذ المنيعي: اذ الحداثة عنده ليست شعارا ولا مفهوما اكاديميا مجردا يلاك في المدرجات وتدبج فيه المقالات… بل هي عنده سلوك ونمط حياة : هي روح مهنية لا نكاد نجد لها نظيرا عند احد في بلادنا: التزام ديني بمواقيت الدرس والمواعيد, توفر لطلبته بغير حدود – توجيها وامدادا وتشجيعا; زهد صوفي في الوظائف "الشرفية" التي من اجلها تتدلى الالسنة, ترفع عن المظاهر وعلامات الانتماء الطبقي (اتذكر سيارته فياط 127 !)…

  • Drinkel
    الجمعة 29 ماي 2015 - 09:02

    تحية تقدير وإجلال لأستاذ الأجيال الدكتور حسن المنيعي على تفانيه في خدمة أبناء بلده بكل تفان وإخلاص ونكران ذات، لم يكن أستاذا كباقي الأساتذة يلقي محاضراته ويمشي إلى حال سبيله بل كان أخا ومرشدا ودليلا لجميع من يقصده ويطلب استشارته.

  • Amsbrid
    الجمعة 29 ماي 2015 - 10:12

    … اما درسه فمبنين : لا مكان فيه للغو الكلام ولا للحشو ولا للاستطرادات الذاتية يملا بها الفراغ. هذا مع دقة في تعريف المفاهيم ووضعها في سياقاتها المعرفية والنظرية والمنهجية. بحيث يرتقي معه الدرس الادبي الى مكانة العلمية متخلصا من الرخاوة والانطباعية والتفاصح الاجوف الذي اقترن به في جامعاتنا – هذه الخصائص التي جعلت المتخرجين من كليات الاداب عندنا لا يتقنون غير النميمة ولا يصلحون لغير البطالة, الا قليلا ممن تخلصوا من العوائق المعرفية التي اورثوها وسعوا الى اكتساب الروح العلمية التي تمكنهم من التاقلم مع اي حقل من حقول المعرفة…
    تلك الروح هي التي كان الاستاذ يحرص على اضفائها على الدرس الادبي…

    لتكن هذه الشهادة لطالب سابق مغمور تحية للاستاذ وعرفانا له على ما اسدى.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب