متى يتسمم المغاربة؟

متى يتسمم المغاربة؟
الجمعة 3 يوليوز 2015 - 15:06

قبل سنوات، وتحديدا في عز الحديث عن أنفلونزا الطيور والخنازير.. كتبت مقالا تحت عنوان :”بعد أنفلونزا الخنازير لننتظر انفلونزا الحمير !!”.

ومما جاء في ذلك المقال..

أنا من الذين يؤمنون إيمانا جازماً، بأنه لا أنفلونزا الطيور، ولا أنفلونزا “الحلالف” يمكنها أن تؤثر في المغاربة لأنهم أثبتوا على الدوام أنهم كائنات من نوع خاص.

فمن يلقي نظرة على ما يأكله المغاربة في الشوارع والأزقة، بل حتى في بعض المطاعم الشعبية “النظيفة” يتأكد أن مَعِدات مواطنينا مستعصية على كل أنواع التسمم الغذائي، وعلى كل أشكال العدوى..

أما من يرى ما يأكله المغاربة في الأسواق الأسبوعية والشعبية، ولدى أصحاب “الصوصيص” فالأكيد أنه لن يصدق أي خبر يسمعه عن إصابة مغربي بوعكة صحية جراء ما التهمه في أي مكان وتحت أية ظروف.

بل إن من يطلع على ما يعلقه “العشاب” في واجهة محله من أعشاب بلا أسماء، وحيوانات “محنطة” -ومنها الحلوف بطبيعة الحال- يقف مشدوها أمام ما يمكن أن يلتهمه المواطن من مواد تصنف طبيا وكيمائيا ضمن خانة السموم القاتلة كما هو الشأن بالنسبة لـ “الذبابة الهندية” التي يقبل عليها الرجال عندنا على أمل تقوية قدرتهم على “الباه” كما في الكتاب المعلوم.

ولهذا يتعاطى المغاربة باستخفاف مع الأخبار القادمة من هنا وهناك حول إصابة كذا شخصا بأنفلونزا طيور أو خنازير، أو وفاة كذا طفل أو امرأة بهذا الداء الفتاك.. وهو استخفاف يجد جذوره في كون المغربي يملك قناعة لا يمكن تحرير عقله منها اطلاقا، وهي أن “اللي شداتوا النشبة حلال” وبعبارة أوضح، أن كل ما أمكن ابتلاعه فهو لا يضر، والدليل هو ما يأكله المغاربة من “كرعين” و”كرداس”..وغيرهما مما قد تعافه حتى الضباع والثعالب..

إذن لسنا في حاجة الى إطلالة وزير الصحة أو غيره من المسؤولين لطمأنة الرأي العام بأن “جميع الاجراءات اتخذت” وأن “الوضع تحت السيطرة” وأنه “لاخوف من انتشار العدوى” ..فالمغاربة اعتادوا أن يسمعوا عن أمراض دون أن يصابوا بها، بل تأتي أضراسهم على البقر العاقل والمجنون وعلى الأغنام المصابة بالحمى القلاعية.. وأسألوا سكان القرى النائية ماذا يفعلون بالغنم المصابة بالسل ومرض اللسان الأزرق… بل حتى الحمير لم تنج من المضغ والهضم، ويكفي أن نشير الى الجزار الذي عرض موقع يوتوب قبل مدة مشاهد له وهو يفصل حمارا مسلوخا، ويؤكد أن أغلب زبنائه من رجال التعليم.

وربما هذا أحد أسباب تردي التعليم عندنا، فرجاله يأكلون ولا يفرقون بين لحم البقر ولحم الحمير..

وعلى ذكر الحمار، فإنه السلاح الخفي للنساء عندنا لأنه من أهم أساليب الركوب على “مول الدار” وتحويله الى مجرد دولاب أضافي ضمن اثاث المنزل…

ومن القصص التي يذكرها رجال الجمارك بأحد مطارات المملكة، قصة الطالب المغربي الذي ضبطت بحوزته كمية مهمة من أمخاخ البقر موضوعة في سلال قصبية وهي نصف مطهية وعند التحقيق معه أكد أنه يمارس تهريب “المخ البقري” ليعيد بيعه الى المغربيات الراغبات في ” تحمير” أو” تضبيع” أزواجهن في المهجر على أنه مخ حمار أو مخ ضبع، وأنه في بداية التسعينات كان يبيع الغرام الواحد بألف فرنك فرنسي، أي أنه كان أفضل حالا من تجار المخدرات القوية.

فالمهاجرة المغربية حملت معها عاداتها حتى حين حطت الرحال بأوروبا، حيث حقوق المرأة مضمونة، وليس في مقدور الزوج “قهرها” كما يحدث داخل حدود الوطن.

نذكر أيضا قصة المهاجر المغربي الذي دعا صديقه الأمريكي وزوجته لزيارة المغرب، ومن باب الكرم الزائد دعاهم لاكتشاف أكلة “الهبيلة” الطازجة المشوية على الفحم مباشرة بعد نزعها من أحشاء البقر بـ “الباطوار”، فلفظت الضيفة أنفاسها في الحال، بينما نقل زوجها الى المستعجلات في حالة خطيرة، أما المغربي فكل ما آلمه هو أنه حُرم من إكمال الوجبة الساخنة.

ذهب الى أمريكا، ومع ذلك لم يتعلم أن المعدة عضلة وليست آلة ميكانيكية..

اذن لماذا التوجس من الأمراض المتنقلة عبر الحدود، اذا كان المغاربة آخر من يهتم للشأن الصحي، بل إنهم يعالجون أعراض سوء الهضم بأكل “المخينزة” وهي كما يدل عليه اسمها تثير الغثيان لدى البشر طبعاً، وليس عند “المغاربة”.

وربما لهذا قبل غيره، فإن عقول المغاربة مستعصية على التفتح حين يتعلق الأمر بكل ما له علاقة بالسياسة، فتفكير المواطن عندنا ينطلق من معدته في كل شيء، الى درجة أنه يؤرخ لأحداثه المهمة بما أكله وما شربه، أو ما فاته من أكل وشرب، بل إنه يبيع صوته الانتخابي وحتى صورته مقابل “وجبة” قد يدفع مستقبله -ومستقبل أولاده من بعده- ثمنا لها عكس ما قد يخيل إليه عقله الذي تعميه رائحة الأكل.

لقد لاحظ طبيب حديث التخرج زار مسقط رأسه بإحدى القرى المنسية مدججا بأجهزة قياس السكر والضغط، أن جل نساء القرية يفترض أنهن في حالة “كوما”، بفعل ارتفاع معدلات السكر في دمائهن ومعدلات الضغط الدموي التي لم يسبق له أن سجلها طوال مشواره التدريبي بأكبر مستشفيات العاصمة.

هي حقيقة “علمية” لا مجال لمناقشتها هنا، تؤكد أن الجسد المغربي خارج كل التصنيفات، وفوق كل القواعد والقوانين الطبية..بدليل أن المعدة التي جاء في القول المأثور إنها “بيت الداء”، تحولت في المغرب إلى كهف مظلم يعجز أمهر الأطباء عن سبر أغواره.

من المغاربة من يضحكون عند سماع بعض النصائح الطبية حول العشاء الخفيف والمبكر، لأن منهم من يأكل وينام في نفس المكان دون أن يغسل لا يديه ولا حتى فمه، بل يدفع “القصعة” برجله قبل أن يتمدد..

….

ما دفعني إلى إخراج هذا المقال من الأرشيف، هو نتائج الحملة التي تقودها المصالح المختصة هذه الأيام ضد بعض التجار عديمي الضمير، بل و”الإرهابيين”…

فالصور التي تنقلها وسائل الإعلام باختلاف مشاربها للمواد المحجوزة، وهي بمئات الأطنان إلى حدود الأسبوع الأول من رمضان، تؤكد جميع المعطيات التي أشرت إليها اعلاه.

فإذا كان واردا خداع المستهلك بالنسبة للمنتوجات التي لا يظهر فسادها للعيان، وربما تحتاج إلى تحليل مخبري، فلا أدري كيف يقدم مواطن على شراء مواد تتطاير منها الحشرات، بل إنها بلغت أقصى درجات التعفن؟

أحد المسؤولين أكد أن عدم تصريف أطنان من السلع الفاسدة التي حجزت في أحد المخازن بمدينة الدار البيضاء، سببه الحصار الذي فرضته السلطات على الباعة المتجولين (الفراشة)، بمعنى أن هؤلاء هم الأداة المعتمدة لتصريف المنتوجات غير الصالحة للاستهلاك.

لكن في كل الأحوال، تظل مسؤولية المستهلك حاضرة ورئيسية.

فليس هناك منطق يبرر إقدام مستهلك على شراء مواد تجاوزت مرحلة الفساد وعدم الصلاحية للاستهلاك، إلى مرحلة التسميم.

والكلام هنا عن الفقر وارتفاع الاسعار ورمضان والظروف الاجتماعية، لا محل له من الإعراب، خاصة وأن من يترددون على الأسواق الشعبية والعشوائية ليسوا جميعا من المعدمين الذين لا يتوفرون على أي دخل، أو من الفقراء الذين لا يملكون شيئا، بل إن ميسورين يتركون الأسواق الممتازة، ويزاحمون الكادحين في أسواقهم الكادحة.

قد يقول البعض إن ثقافة “الجودة” لم تعرف طريقها بعد إلى المجتمع المغربي، لكن لا أظن ان هناك مبررا يمكن أن يفسر كيف يقدم أشخاص على “شراء” مواد اصبحت مضرة حتى بالحيوان (جاء في تصريح لأحد المسؤولين ان المواد المحجوزة لا تصلح لا للاستهلاك البشري ولا الحيواني).

بعبارة أخرى، إذا كان المقال أعلاه قد كتب بنفس كاريكاتوري للسخرية من واقع معين في زمن “هوجة” الأنفلونزا المعلومة، فإن الأمر اليوم اصبح يتطلب فعلا اتخاذ خطوات عملية على الأقل لفهم هذه الظاهرة وتفكيك أبعادها.

فنحن هنا لسنا أمام مدمن يملأ جوفه بأي شيء بحثا عن التحليق في عوالم “التحشيش”، ولا عن مشرد يتغذى عبر الطواف على حاويات القمامة، بل عن أشخاص عاديين، وكثير منهم يمكن إدراجهم -ولوقسرا- في الطبقة “المتوسطة” (بتعريفها المغربي طبعا)، ومع ذلك يقبلون على شراء مواد متعفنة وخطيرة ويقدمونها لأسرهم.

إنه نفس المنطق الذي يعتبر “الكائن” المغربي حالة “استثنائية”.. لا تجري عليه قوانين الطبيعة، ولا يخضع لمعايير الصحة.

https://www.facebook.com/my.bahtat

‫تعليقات الزوار

5
  • ahmed
    الجمعة 3 يوليوز 2015 - 19:47

    كيقولو لي شاف البقرة واقفة كيحسابلو كلها لحم.راه منخورين من الداخل يا اخي صحيح ان اجدادنا ورثونا مناعة من الطراز الرفيع لكنها فعالة فقط مع الامراض التي عرفها الاجداد لاحض كيف ابادت الانفلونزا العادية الهنود الحمر مع مناعتهم المشابهة لمناعتنا حاليا على اعتبار اانا نقتات على الاوساخ. ناهيك عن امد الحياة الاقصر نسبيا مقارنة مع الدول المتقدمة…

  • المهدي
    السبت 4 يوليوز 2015 - 07:18

    هذا المقال مقبول في هذا الموقع لانه يعالج عفونتنا وعشقنا للقذارة وكما قلت نحن كائنات من نوع اخر غير البشر السوي ، لكن ما الفائدة من نشره بشكل مواز في موقع عربي يصدر من لندن ان لم يكن تعميم التندر والتهكم علينا ممن تنزل عليهم مثل هذه الحكايات كهدية مجانية لتوجيه مزيد من الضربات لهذا الكائن المغربي الذي يدفع القصعة برجله قبل ان يتمدد ؟

  • المنسي
    السبت 4 يوليوز 2015 - 09:10

    هناك مبالغة واضحة في المقال، واستخفاف بالانسان المغربي. هناك افكار غيرر صحيحة في المقال تدخل في اطار الكوميديا. هناك تعميم فاضح، فالأفكار الواردة في المقال تتجاهل اي معطيات حقيقية عن التسممات داخل المستشفيات المغربية، كما تتجاهل المعطيات الخاصة بمرضى الامعاء والقرحة المعدية الذين تغص بهم المستشفيات العامة والخاصة.

  • ع.م.
    الأحد 5 يوليوز 2015 - 04:22

    و كأن لحم المخ لا يباع في أوروبا. كلام السوق. راك غير سامع. و قيلة وجدت نص كوميدي و انشرتيه للقراء.

  • Keazy
    الأحد 5 يوليوز 2015 - 14:59

    Cette fois-ci j'ai l'impression que je vais payer cher le bole de Harira que je viens de boire dans un petit café .en une semaine j'ai perdu 5kg et malgré les analyses le medecin n'a pas reussi a diagnostiquer mon mal

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب