نهاية السياسة

نهاية السياسة
الإثنين 6 يوليوز 2015 - 21:36

لا شيء يغري في المغرب لممارسة السياسة، ولا شيء يبعث على التشويق، ولا موقفا واحدا يخرج عن الإجماع القاتل السائد الآن. الكل اطمأن إلى خطاب واحد يكاد يكون متشابها بين الجميع إلى درجة لم نعد نقيم التمايز بين التيارات السياسية القائمة.

أصبحنا نعرف ماذا سيقول ابن كيران في البرلمان: حزبي يتعرض للضغوط من فوق ومن تحت، وتجربة الإسلاميين في المغرب تزعج المعارضة السفيهة، وشباط كلفته جهة ما في مكان ما بتقويض تجربته الحكومية والعماري عنصر فاعل في الدولة العميقة ولشكر لا يمثل الاشتراكيين. صرنا نحفظ خطب ابن كيران في البرلمان وفي التجمعات الجماهيرية. جمل مصقولة تتغير حسب المقام لكنها تحافظ على نفس المعنى: البيجيدي لا يمكن أن يدخل في صراع مع الملكية، والملك هو رئيس البلاد ورئيس الحكومة لا يتوفر سوى على بعض الصلاحيات.

أصبحنا أيضا نحفظ عن ظهر قلب خطب شباط الحماسية: ابن كيران رجل لا يصلح لتسيير الحكومة وذو تاريخ سيء وحزبه متورط في عمليات القتل في العهود الغابرة من زمن الرصاص. شباط قادر أن يؤلف بين كل متناقضات العالم كي يهاجم خصمه الأبدي عبد الإله ابن كيران، فهو في نظره، عميل للموساد وداعشي خطير وعضو في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وسليل أفكار ظلامية هدامة لقيم المجتمع المغربي. أعرف ماذا سيقول في الحرف ولم أتوقع يوما مثلا أن يقول إن حزبه غير راض فصول الدستور المليئة بالألغام وأن المخزن مهما تغير فإنه ما يزال يتحكم بالكثير من خيوط الحقل السياسي المغرب..إلا المخزن، المخزن خط أحمر.

أصبحنا نعرف جمل إدريس لشكر التي يكررها في كل مقام حتى ولو تعلق الأمر بندوة حول”فوائد الطبخ المغربي”، إذ لابد أن يعرج على سيرة ابن كيران، قائد المغرب نحو الإفلاس السياسي والاقتصادي والأخلاقي وعلى حزبه الموغل في المحافظة. لم نعد في حاجة أن نحضر الندوات والتجمعات الجماهيرية، إذ يكفي قدر قليل من الدهاء لتكتب عن كلمة لشكر أمام القوات الشعبية دون حتى أن تعرف مكانها ولا تاريخها. لا أحد من المتتبعين يتوقع، على سبيل المثال، أن يقول لشكر يوما إن “رجال الأعمال بالمغرب هم من يمتلكون مفاتيح السياسة، وينبغي إبعاد المال عن السياسة”…

تعرف أيضا دون الحاجة إلى مجهود فكري كبير ماذا سيقول مصطفى بكوري في اجتماعات المكتب السياسي، ويمكن أن تحمل قلمك وتدون تصريحاته بالحرف حتى وإن لن تكن حاضرا: الحكومة الملتحية تقود الاقتصاد المغربي نحو الهاوية والاستثمارات العمومية تنذر بكارثة اقتصادية وبوادر تقويم هيكلي على الأبواب وهلم أزمة…

للأسف حتى خطب اليساريين، المعتدلين منهم والمتشددين واللذين كان يفترض عليهم أن يعطوا معنى للحياة السياسية ويشكلوا خط الدفاع الأخير لمواجهة الرداءة والتخشب اللذان أصاب المشهد السياسي المغربي استكانت بدورها إلى خطابات متجاوزة ومبتذلة في الكثير من الأحيان. ليس من الغريب إذن أن تجد كل الإرث الخطابي لليسار مبنيا على انتقاد الحكومة لأنها تلجأ إلى المؤسسات بل إن موقفها من قضايا الهوية والاقتصاد تظل محتشمة بالمقارنة مع حجم الآمال المعقودة عليها.

لقد فقدت السياسة المغربية حاسة التشويق والانتظار، وهناك في المرحلة الحالية توجه قوي له حواريون وأتباع في كل الأحزاب السياسية هدفه الأول والأخير أن يسير السيمفونية كما يشاء ويختار اللحن الذي يريد، ومن امتلك الشجاعة أن ينتقد هذه السيمفونية أو على الأقل يرفض أن يشارك فيها لأنها “بليدة” وتبعث على الجمود، فإنه يصبح مجنونا وأحمق ومجدوبا ولا يفهم في السياسة المغربية…إنها بالفعل نهاية السياسة.

‫تعليقات الزوار

3
  • المال و الأعمال والسياسة
    الثلاثاء 7 يوليوز 2015 - 15:50

    جاء في المقال: (رجال الأعمال بالمغرب هم من يمتلكون مفاتيح السياسة، وينبغي إبعاد المال عن السياسة).
    وما العيب في الجمع بين السياسة و المال؟
    في الولايات المتحدة الأمريكية يستحيل خوض غمار السياسة بدون مال. فكثير من الرؤساء الذين تعاقبوا فيها أغنياء.
    في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 حدثت تحولات كبرى في الإقتصاد الأمريكي حيث ظهرت شركات كبرى في مجالات البترول و المعادن والأبناك و السكك الحديدية كانت سببا في جمع ثروات كبرى وظهور مجموعة من الأغنياء.
    الرئيس الأول للولايات المتحدة جورج واشنطن إستغنى بواسطة المضاربات العقارية. ومن الرؤساء بعده من كانت لهم شركات في البترول أو المعادن وغيرها من مجالات المال و الأعمال.
    فعلى سبيل المثال لا الحصر من الرؤساء الأغنياء تيودور روزفلت ، هربرت هوفير، فرانكلن روزفلت، جون كيندي, جورش بوش الإبن إلخ…
    هذه هي طبيعة إقتصاد السوق أينما وجد ، يساهم في تحريك عجلة الإقتصاد ويزيد في وفرة المعاييش ويوفر مزيدا من فرص الشغل. المطلوب هو إحترام قواعده المبنية على عدم الإحتكار و عدم إستغلال النفوذ ، و من أجل تحقيق ذلك فليناضل المناضلون.

  • منا رشدي
    الثلاثاء 7 يوليوز 2015 - 17:18

    الكومبارس في منزلة بين المنزلتين ! لا هم محترفين ولا هم هواة ! إن غابت مهنة الإخراج ماتوا فنيا !!! ليس للكومبارس رأي وعادة ما لا يغلب عددهم على أدوارهم ومكانتهم ! يبقى معظمهم في الهامش كإحتياط إستراتيجي لصناعة الملاحم ! لا يؤخذ منهم إلا الطلائع الأولى والبقية يتولاها الحاسوب !!! في زمن إنسان 3D !!!

  • anas
    الأربعاء 8 يوليوز 2015 - 02:50

    صدقت.الثقة في السياسة غباء, وهي كدب ونفاق وبهتان عند المنفلوطي لآن السياسي لايمكن أن يعطيك وعدا قاطعا صادقا متى انتفت المصلحة انقطع الوعد. وهي ليست من العلوم الرياضية الحقة1+1= .اثنان .التجمعات ادا دخلت السياسةأصابها الوسخ وتلوثت وفقدت قيمتها وهيبتها وهداحال الحزب الكبيرالدي صارع يضراوة محترفي السياسة حتى لايترك الساحة فارغة.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة