ليس دفاعا عن الإعلام الورقي في وجه الإعلام الإلكتروني

ليس دفاعا عن الإعلام الورقي في وجه الإعلام الإلكتروني
الأحد 2 غشت 2015 - 18:44

عـــادة ما تنطلق الصحافة الإلكترونية من نوع من “البريستينغ” اعتبارا لكون اسمها قد ارتبط مع إسقاط أنظمة الربيع العربي، حيث استطاعت في ظرف وجيــز أن تنجز ما لم تقدر عليه الصحف الورقية لسنوات مضت، ويزيد من “نشــوتها” كذلك كون حضورهــا له علاقة بالتكنولوجيات وبوسائط الاتصال والتواصل الحديثة، باعتبارها أرقى تقنية تواصلية توصل إليها الإنسان في الوقت الحالي ، حيث تدمج إلى جانب المكتوب، الصوت والصورة ومقتطفات الفيديو، كل ذلك قد يكون أقرب إليك “وبين يديك”، إذ يكفي الاقتصار على بضع “نقرات” حتى تكون الصحافة الإلكترونية معك في الموعـــد.

الــواقع أن التكنولوجيات بشكل عام قد ساهمت في الـــرفع من الإنتاجية وفي التغيير الحاصل في طبيعة المهن، فكم من مهنة تم الاستغناء عنهــا، كما تم بالموازاة مع ذلك خلق وإحداث مهن جديدة، يمكن الاقتصار على سبيل المثال فقط على مهنة “ساعي البريد” والتي أدخلت عليها التكنولوجيات الحديثة تعديلات، أصبح “ساعي البريد” معها يقتصر على توصيل بعض الرسائل الإدارية الرسمية، في حين “تكفلت” التكنولوجيات بباقي المهام الأخرى التي كانت تدخل ضمن دائرة تخصصه في انتظار أن “تزحف” عليه وعلى ما تبقى من مهامه حين يتم ترسيم التوقيع الإلكتروني. سقنا هذا المثال للتدليل على ما بدأت تعيشه الصحافة المكتوبة من “اهتزاز” جراء تناقص مقروئيتها وتراجع عائدات إعلاناتها، بفعل دخول فاعل جديد على الخط يتسم بالعديد من المميزات لعل أبرزها سرعة انتقال المعلومة والحلة الجميلة من حيث العرض في استفادة واضحة من التطور الهائل الذي تعرفه التكنولوجيات الحديثة وطرق التصوير الرقمي.

الحديث عن التكنولوجيا قد يجر معه إشكال “تكافؤ الفرص”، وتكافأ الحق في الولوج إلى المعلومة واستغلالها، مع كل ما يطرحه هذا الأمر من قضايا له علاقة بالتوفر على الآليات والحواسيب وعلى وسائل الربط، كما يطرح القضايا المرتبطة بالولوجية، وبتأهيل العنصر البشري ومدى تمكن هذا الأخير من تجاوز ما يسمى “بالأمية الرقمية” ، قد لا يطرح هذا الأمر فقط بين الدول فيما يسمى “بالهوة الرقمية” ولكن داخل نفس الدولة الواحدة خصوصا بين مختلف المناطق بين العالم الحضري والعالم القروي وبأقل حدة بين الجنسين بين الذكور والإناث، صحيح لقد أدى التقدم التكنولوجي إلى توصيل الشبكة العنكبوتية إلى هذه المناطق عبر تقنية “3G أو الويفي” كما مكنت الهواتف النقالة من تعويض الحواسيب فيما يخص ولوج بعض المواقع الإلكترونية للتصفح إلا أن الموضوعية تقتضي الجهر بأن مجهودات كبيرة يجب أن تبذل من أجل إخراج هذه المناطق من شبه “العزلة الرقمية” التي تعيش فيها لأن في إخراجها إسهام هام في سلم التنمية.

لقد مكن اكتشاف هذا العالم واستثمار فضاءاته من توسيع هوامش وفرص الحرية ومن تطوير وتنويع أساليب النشر ومن ربط علاقات جديدة مع القارئ، يشهد على ذلك تناسل العديد من المواقع والمقاولات الصحفية التي تنشط من داخل الويب، ولئن كان العديد منه هذه المواقع “يفتخر” بكونه يتجدد على مدار كل ساعة، إلا أن “تذوق حلاوة الويب” ربما كان في بعض الأحيان على حساب المهنية وعلى حساب مصداقية الخبر، ربما بفعل هاجس السرعة لا يعطى الوقت الكافي من أجل التحري في صدقية المعلومة ومصداقيتها، كثرة المعلومات “المنشورة” ومن دون القدرة حتى على التمحيص وعلى التمييز بينهــا، بدأ يبرز جانب من التخوفات التي لها علاقة “بتمييع” الفعل الإعلامي والتنقيص من قيمته ورصانته. على عكس الصحف الورقية التي قدمت إسهاما كبيرا فيما يخص “دقة الخبر وقداسته” وأسست تقاليد عريقة في هذا الأمر وكانت من “الثبات” بحيث أن المواد المتضمنة في صفحاتها في الغالب لا تحوم حولها أدنى شكوك.

مع التكنولوجيا، يمكن القول بأن التعديل قد طال أيضا مهنة الصحافي بفعل تقاسم مواقع التواصل الاجتماعي لجزء من المهنة التي يضطلع بها الصحفي، فالخبر قد يتم نقله آنيا من موقع الحدث سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الفايس أو بثه في إحدى التدوينات من دون المرور عبر “الوسيط الصحفي” الذي كان يقوم عادة بهذا الأمر، وهو ما بدأ يطرح في العمق إشكال تجويد الأداء بالنسبة للصحفي، فلم يعد للمعلومة كل تلكم القيمة التي كان الصحفي جاهدا يتعذب من أجل الوصول إليها، العكس هو ما أصبح سائدا حاليا وربما قد أصبحنا نعيش “معادلة مقلوبة” من حيث توفر الخبر وعلى الصحفي تسليط الضوء قدر الإمكان للتحقق من مدى صدقية ووثوقية هذا الخبر الذي بين يديه، ما بدأنا نشاهده حاليا يعاكس هذا الأمر حيث “الحشو هو السائد” وبكل المواد بغض النظر عن مكان تواجدها شرقــا أم غربا يتم الإتيان بها فقط بالنظر لتوفرها على مقومات الجذب والإغراء، وقد لا يهم معها كثيرا قيمتها المضافة أو صدقيتها أو حتى حقوق الملكية الفكرية لأصحابها، فأدوات “النسخ واللصق” موجودة ومسهلة لهذا الأمر كما أن الفراغ القانوني “راخ بظلاله” بشكل كبير ويدفع في اتجاه التمادي في اقتراف مثل هذه الأمور.

بإمكان الصحيفة الورقية أن تقدم إسهاما كبيرا “لأختها الصغرى الإلكترونية” على مستوى تغطية الفراغ في مجال القوانين، بحكم الخبرة والإرث الكبير من ترسانة القوانين التي راكمته، وقد لا يكون مطلوبا من الصحف الإلكترونية في هذا الصدد “إعادة اكتشاف العجلة” بقدر ما أن أدوارها يجب أن ينكب على مداخل هامة من قبيل الحفاظ على المعلومات الشخصية وسريتها وعلى جانب المسؤولية فيما يخص النشر الإلكتروني وعلى احترام أخلاقيات المهنة كي لا يتم تحويل المهنة إلى نوع من “التبركيك” أو القذف أو مس أعراض الناس بالباطل والتنابز بالألقاب، سيكون عليها باختصار أن تضيف “مسحة إلكترونية جميلة” على المعادلة التقليدية القائلة “بالحرية والمسؤولية” في الإعلام العمومي بشكل عام، وهو ما سيمكنها من ربح نقاط عديدة في رصيدها لا فيما يخص المهنية ولكن أيضا في جانب الصدقية والوثوقية والدقة في نقل الخبر.

على هذا المستوى الأخير أيضا كانت الصحف الورقية رائدة لأنها تكبدت العديد من الخسائر المالية وأغلق العديد من منابرها لأن السلطات غالبا ما كانت “تتصيد” عثراتها للإيقاع بها على أكثر من صعيد، وهو جعلها تضرب للحبر المكتوب فوق صفحاتها ألف حساب، كما لم يكن بمستطاع أي أحد أن يوقع اسمه من داخل الصحيفة اعتبارا لكون “مقترف هذا الفعل” أن يدخل صاحبه في دائرة المغضوبين، بالنظر لكل هذا الحصار فقد اكتسب المكتوب داخل الجريدة قيمة كبرى كان يفتخر به وكان يتم “أرشفته” كمؤشر اعتزاز، قد يكون مفيدا عدم التفريط في هذا المكتسب الهام لا سيما من طرف مدراء المؤسسات الإعلامية الورقية الذين انتبهوا إلى أهمية النشر الإلكتروني وهم بصدد الانتقال السلس إلى الواحة الإلكترونية لأنهم يعتبرون في عرف الشباب نماذج، فالورق يمكن أن يتناقص غير أن القيم المحمولة من ورائه حتما ستبقى وبالتأكيد سيطالها التجديد بتجدد الوسائل والتقنيات…

قد لا يقتصر الامر على القيم المحمولة من وراء الصحف الورقية بل حتى الصحيفة الورقية في حد ذاتها “والخطاب موجه للذين يعتقدون بحتمية زوالها” ربما ستصمد على الأقل لتلعب دور المنبه للمنزلقات الإلكترونية العديدة التي بدأنها نشهدها يوم بعد يوم ولكون عشاق “المكتوب الورقي” عديدون والذين لا يمكن أن يمنحهم لا الحاسوب ولا الهاتف النقال ولا أي جهاز إلكتروني مهما علا شأنه نشوة الجلوس وارتشاف فنجان قهوة والجريدة محملة بتركيز في اليد، على هذا المستوى قد يكون “أنترنت الخيال” الذي تمنحه الجلسة أرقى وأرهف مما يمكن أن يمنحه الانترنت الإلكتروني مهما حاول إلى ذلك سبيلا.

http://freisma.com/zarhouti-blog

‫تعليقات الزوار

3
  • خ/*محمد
    الأحد 2 غشت 2015 - 19:27

    انتصار يجب الإعتراف به لصالح الصحافة الإلكترونية على حساب نظيرتها الورقية*
    الجرائد الإلكترونية (مقالات مكتوبة*فيديوهات*صور*تسجيلات صوتية*خدمات هاتفية*امكانيات لتدوين اي شيء او تسجيله*نسخ على فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الإجتماعية*
    الفرق الشاسع من حيث عدد الرواد__فهناك المنبر الإلكتروني الذي يرتاده حوالي 600 قارئ في الدقيقة اوقات الذروة.

  • هشام
    الأحد 2 غشت 2015 - 19:49

    المقال نسخة الاصل لمقال للصحفي الامريكي توماس فريدمان وبالامثلة نفسها حول اختفاء مهن وظهور اخرى ،مقال توماس فريدمان مشهور ونشر في 2007و
    لهذا سي السعيد ترجمة المقالات ونشرها باسمك لا يجعل منك كاتبا مميزا ،حاول ان تتحر الصدق ان كنت فعلا تريد ان تصبح مشهورا والا فإن ترجمة مقالات باستعمال غوغل تراديكسيون لن يجعلك سوى ضبعا تقتات من جيف يتركها صحافيون كبار

  • صلاخ الدين
    الأحد 2 غشت 2015 - 22:21

    ولــــــد المدينة
    صراحة أستمتع حين أقرأ لك الصديق العزيز سعيد، يحق لمدينتا القصر الكبير أن تفخر بأشخاص مثلك، عمق التحليل والتفكير وتنويع المواضيع، أعترف بأنك تستحق كل التكريم والتقدير من المدينة.
    فشكرا لك مرة أخرى الأستاذ سعيد وإلى الملتقى

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب