قطعا لن يزيد الوسام الملكي أو ينقص شيئا من الرأسمال الرمزي والنضالي للمجاهد بنسعيد أيت يدر متعه الله بالصحة والعافية ، المجاهد سطر صفحته أو كاد وأنهاها بما لها وما عليها وهو الرجل المناضل الذي أفنى حياته في المنافي وقاد إحدى فصائل اليسار المشهود لها بالمصداقية والنزاهة والحال أن قبر دنياه / أي منزله لا زال يؤدي فواتيره لحد الآن …فلا مجال للمزايدات وأشكال الهتر، كأن نقول مثلا ” كان على السي بنسعيد أن يرفض الوسام الملكي … ” أو ” هذه خطة احتواء للرجل من طرف الدولة العميقة ” …فنحمل الأشياء أكثر مما تحتمل ….والأمر لايزيد في نظري عن بعد رمزي صغير عرفانا واعترافا بواحد من أبرز الوطنيين المجاهدين في سبيل استقلال وتحرر المغرب …الشيء الذي يضع الرجل مرة أخرى في خانته الرفيعة التي يستحقها فعلا دونما أي خدش لعزة نفسه ولا هدر لكرامته ….وهو الذي رفض تقبيل اليد يوم أن كانت الشمة بقطيع النيف كما يقال ….فما الضير إذا انتبهت الدولة أخيرا إلى ما تبقى من جيل الحركة الوطنية حتى ولو كان بعض هؤلاء من اشد معارضي توجهاتها في الماضي القريب والبعيد ….أرى أن المعيار هنا كلمة واحدة هي الوطن ….خفيفة في النطق ثقيلة في الميزان…..أتصوره حقا مشروعا للمجاهد بنسعيد من هذا الباب النبيل وهو أقل دين على الدولة المغربية …. بنسعيد أيت يدر ليس ملكا لنفسه أو لحزبه أو حتى للدولة …..هوببساطة ملكية محفظة للوطن والشعب…..
بالمناسبة فالصمود أمام المغريات لم يمنحه المولى عز وجل إلا لصفوة من عباده وبنسعيد أيت يدر هو من هذه الطينة فلا داعي للمزايدات مرة أخرى وليس من باب الصدف في تاريخ المغرب الحديث أن تكون علامات النزاهة والعفة هي سمة أساسية لكثير من رموز الحركة الوطنية وخاصة رواد اليسار كعبد الله إبراهيم والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وبنسعيد أيت يدر، ليس لأن الطرف الآخر أي اليمين أو بعبارة أدق المخزن كان هو الشيطان بعينه ولا من ذكرناهم ملائكة منزهين عن الأخطاء والمنزلقات ، ولكن لأن الأصل أنه لم يكن هناك شيء إسمه ” يمين ” في المغرب بالمفهوم المتعارف عليه ، فاليمين طبقة اجتماعية ورؤية سياسية ومصالح واضحة ومواقف منطقية بل هي فقط دولة المخزن التي دخلت في صراع ممتد مع المعارضة الوطنية التقدمية ، اختلف الفرقاء في تقييم ذلك الصراع لحد الآن ومدى نفعه للوطن أو تضررالوطن منه وذلك طيلة سنوات الرصاص دون أن تتمزق مع ذلك شعرة معاوية بين الطرفين….
أوهام وخيالات عيشة قنديشة أيام زمان تقول لنا إن الزعيم عبد الرحيم بوعبيد استوصى خيرا بوزارة الاقتصاد لدى مدير ديوانه الوزاري عبد الغني الصبيحي ( عشية الاستقلال ) عند سفره لأحد المؤتمرات الدولية …تمت إجراءات الحصول على العملة الصعبة من أجل تغطية مصاريف الرحلة وبعد عودته رافقته – يقول الصبيحي – من المطار إلى بيته وهناك ” ناولني ظرفا فيه مبالغ مالية مما تبقى من مصاريف الرحلة ، وأمرني بإرجاعها إلى الخزينة العامة ، وقبل ذلك كنت قد أوصيته باقتناء حقيبة لي من واشنطن فوضع يده على جبينه فجأة لأن الواقع أنه نسي أمر الحقيبة ولم ينس أن يعيد بقية مصاريف الرحلة إلى الخزينة العامة ….( المرجع : مقال ” الإيمان بالكفاءة ورعاية الأمانة / ع الغني الصبيحي ملحق خاص بعبد الرحيم بوعبيد / جريدة الاتحاد الاشتراكي 16 فبراير 1992 ص 18 )…..
أحيانا يعود رفض الريع أو العطاء الملغوم إلى شيء إسمه عزة النفس و الكرامة البشرية ….وأحيانا أخرى يفسر بماهو مشروع وغير المشروع قانونا ( ديالي ديالي وماشي ديالي ماشي ديالي ) وهو شأن دولة المؤسسات لا دولة الريع والصدقات أوقد يعود الرفض إلى فضح وضع معين والتنديد به ونموذجه مثلا رفض القاص السي أحمد بوزفور جائزة المغرب سنة 2002 وما وراءها من أسباب موضوعية كبؤس الفعل الثقافي وتهميش المفكرين وإقصاء المثقفين والمبدعين وضعف دعم الدولة لهذا المجال …لقد تعفف عبد الهادي بوطالب ( وهو محسوب على جهاز الدولة كما لا يخفى رغم مواقفه المستقلة ) عن العرض المغري ، حينما كانت توزع على الوزراء ” فيلات ” للسكن فيها ماداموا في مناصبهم اختار هذا المسستشار الملكي السكن المتواضع وفضله على السكن الفخم ….والمزية الأخلاقية والإجتماعية في هذا الأمر أن الأولاد يسكنون مع أبيهم وهو وزير أو مستشار في مثل المكان الذي سيسكنه بعد خروجه من المسؤولية ( كتاب نصف قرن في السياسة / ع الهادي بوطالب ص344 )…..
للأسف الشديد الحدود ليست فاصلة ولا دقيقة ولا حاسمة في دولة الريع والصدقات بين ماهو ريع وعطاء ملغوم فعلا وما هو قانوني ومشروع و” أخلاقي “، حينما يقول المواطن مثلا إن فلانا بالمجلس الجماعي ” الله يعمرها دار” فذلك ليس لأنه طبق القانون أو أرجع حقا إلى نصابه بل هو يعني له أن المسؤول شغل إبنا له ولوبشكل غير قانوني أو أعطاه كشكا لاحتلال المجال العمومي أو سمح له ببناء طابق خامس غير مشروع أو فتح محل غير قانوني ( نحن طبعا ضد البطالة والتهميش والظلم ) ،…. وما دام الريع قائما من الأعلى إلى الأسفل وما دامت السلطة نفسها معينة أو منتخبة تخرق القانون الذي وضعته بنفسها سيستمر الريع وهدر الكرامة والمواطنة والإنسانية …
تاملوا معي أحبتي ما كتبه عبد الرحيم الورديغي حول المهدي بن بركة رحمه الله الرجل الكريم والمقتصد معا (كتاب ” المهدي بن بركة من الوطنية إلى الثورة ” ص32 ) ” المعروف بأن المهدي كان كريما مع كرهه للتبذير والإسراف فكان كريما مع المحتاجين والعاطلين ( شغل المهدي منصب أستاذ للثانوي بليسي غورو فالمعهد المولوي ثم صحفيا ورئيسا للمجلس الوطني الاستشاري / البرلمان المعين من طرف محمد الخامس ومتفرغا في حزب الاستقلال ومناضلا في مؤتمر القارات الثلاث وكلها مهام كانت مؤدى عنها إما أقساطا أو تعويضات …) وكان يأخذ من صندوق الحزب ( يعني حزب الاستقلال ) ليعين الوطنيين الخارجين من السجن ويعمل على إيجاد الشغل للعاطلين وإعطائهم هبات مالية ليقتاتوا بها مع عائلاتهم …هل يمكن طرح سؤال الريع هنا ؟؟؟
وحينما عزم حزب الاستقلال على الاستقرار نهائيا في عمارة لعقد اجتماعاته وطبع جريدته وجد قادته عمارة صالحة بشارع علال بن عبد الله بالرباط وذلك على يد شقيق المهدي عبد القادر بن بركة الذي كان يشتغل سمسارا وقتذاك فطلب من المهدي التوقيع على عقد البيع باسمه وباعتباره من قادة الحزب لكن المهدي رفض التوقيع بشكل قاطع وتم التوقيع في الأخيرمن طرف الأمين العام الحاج احمد بلافريج ….وهكذا نرى أن المهدي كان لا يريد بتاتا السيطرة على ملكية أرضية أو تجارية لصالحه فقد مكث في منزل الورثة لمدة تسع سنوات وهو دار متواضعة معروفة بشارع تمارة / شارع الحسن الثاني حاليا بالرباط وكان يدفع لهؤلاء الورثة كراء شهريا قدره 100 درهما ….
لم تكن العفة والقناعة وعزة النفس أوالتقدير البليغ للمسؤولية عند المهدي أو عند غيره من الرواد والماهدين لو لم توجد في ذلك الوقت قيم نبيلة جامعة عنده ولدى أغلب قادة الحركة الوطنية رحمهم الله ….قيم رفيعة ربما عايناها في كوكب المريخ ذات زمن وأصبحنا نلمح تراجعها في مجتمعنا يوما بعد يوم ….
كلام جميل في حق هؤلاء الشرفاء.
.قيم رفيعة ربما عايناها في كوكب المريخ ذات زمن وأصبحنا نلمح تراجعها في مجتمعنا يوما بعد يوم ….
الا ترى سيدي اننا اليوم وفي مراكز المسؤولية على الارض و في ا لمغرب من لا يستغل منصبه من الوزراء وهذا يجب كذلك التنويه به رغم اختلافنا معهم.