الكائن الانتخابي " الكبيس " والمواطن "البئيس "

الكائن الانتخابي " الكبيس " والمواطن "البئيس "
الإثنين 3 غشت 2015 - 18:54

ارتفعت درجات الحرارة هذه الأيام في مجموع التراب المغربي. ليس فقط حرارة الصيف، بل حرارة المواسم الانتخابية، حمى الاقتراع العام والمهني. وهذا معروف ومألوف في تدبير الشأن العمومي المغربي. وإذا كان المغاربة يكتوون بارتفاع حرارة الشمس، وارتفاع الأسعار، وارتفاع ضغط الدم والسكري، وارتفاع تكاليف العيش … فإن حرارة الانتخابات بدأت تقتحم الفضاء العمومي المغربي منذ أيام. وهذا ما نلمسه من خلال تغطية الإعلام وأخباره، من خلال اللافتات والتجمعات السرية والعلنية. بل وبدأت تظهر في الأماكن العمومية، خاصة الشعبية والفقيرة، كائنات لم نتعود على رؤيتها إلا لماما. كائنات استغلت شهر الصيام لممارسة الآذان والصلاة خلف الإمام، والمساهمة في تنظيم موائد الرحمان، ومساعدة المواطن الجوعان.

ورغم تكثيف تحركات هذه الكائنات هذه الأيام، فان الاستعدادات بدأت منذ زمان. وهذا سلوك معروف في المشهد الانتخابي المغربي. فمثل هذه الظاهرة لا تنجلي للأعين إلا بعد أربع سنوات. ولهذا نقترح نعث من كانت هذه حاله ب” الكائن الكبيس “.

ولما كانت السنة الكبيسة تزيد يوم واحد، أي 366 يوم عن السنة البسيطة، بحيث لا تحضر هذه السنة الكبيسة إلا مرة كل أربع سنوات، هذه السنة التي من حظها أنها لا تحتفل بعيد ميلاها إلا مرة في كل أربع سنوات، وهذا شأن مدينتي، أكادير، التي لا تتذكر زلزالها إلا كل 29 فبراير، فمن الممكن أن نستعير صفة ” الكبيس ” ونسندها لكل شخص لا يظهر إلا بعد غيابه لأربع سنوات. وشخصيا لم أجد من صفة تلائم العديد، مع احترام الصادقين منهم، من العاشقين للمقاعد الانتخابية غير وصفهم بالكائنات الكبيسة. إذ لما كان المتهافت على الغنيمة الانتخابية يسمى بالكائن الانتخابي، ولما كان هذا الكائن يغيب ويختفي ليظهر بعد أربع سنوات، و فقط كلما اقتربت الانتخابات ، فهو كائن كبيس.

أما اقتران الكائنات الكبيسة بالسياسة البئيسة فمبناه على علاقة المشابهة. فالكائن الانتخابي الذي تحركه فقط الرغبة في ممارسة السلطة و التسلط ، هو عرض انحطاط سياسي، عرض مرضي للسياسة، للسياسة الضيقة، للسياسة البئيسة. ولفهم هذه العلاقة، علاقة المشابهة، وجب تصحيح المعنى المتداول للفظ ” بئيس “. فاللفظ يحيل في دلالته الأصلية على القوة والشدة، فيقال ” رجل بئيس” بمعنى قوي البنية، فهو مرتبط بمعنى ” البأس”. لكن العرف اللغوي أسند لهذا اللفظ معاني أخرى، دلالات مغايرة. بل خلق تطابقا بين ” البئيس ” و ” البائس ” الذي هو الفقير، الضعيف، العليل والسقيم، بل والحقير والمنحط. علما أن ” البائس ” يحيل على البؤس، ومنه بؤس الفلسفة وسياسة البؤس.

لهذا فإن توظيف ” السياسة البيئيسة ” هو خطأ شائع، ولكنه الأكثر تداولا. ومن تم تستحق كل سياسة يلعب فيها الكائن الكبيس نعث ” السياسة البئيسة “. وهذا الوصف مشروع مادام يحصر شأن السياسة في الانتخابات، وفقط في كل أربع سنوات. فالفائز في الانتخاب يغادر دائرته ليلة إعلان النتائج، يختفي لمدة أربع سنوات، ليعود لأهله بعد اقتراب الاقتراع الجديد. إنه أتشبه بالعريس الذي يختفي من ليلة العرس.

الكائن الكبيس والسياسي البئيس يقتات من البؤس، من أصوات البؤساء، الفقراء…هؤلاء الذين ينتظرون الكائن الكبيس كل أربع سنوات… إنه المواطن البئيس.

وهذه الأيام بدأت أرى قدوم الكائنات الكبيسة، في الحي، في المقهى، في المسجد، في السوق…طبعا الانتخابات على الأبواب !!!

السؤال المعلق هو : ماذا يمكن أن يقول الكائن الكبيس للمواطن البئيس ؟ ما هي الوعود التي يمكن أن يقدمها لمواطن عاف ومل من الوعود ؟ هل سيعمد المرشح إلى آلية العود الأبدي : شراء الذمم، الزرود، العصبية، البلطجية … ؟ هل يمكن للسياسي الكبيس إقناع المواطن البئيس، أم أن التمويه والكذب والنفاق سيكون الطريق إلى استمالة الناخب ودغدغة مشاعره ؟

‫تعليقات الزوار

5
  • أبو أمل
    الثلاثاء 4 غشت 2015 - 09:28

    جزء من قصيدة طويلة للشاعر المغربي بنعيسى احسينات

    لعبة الانتخابات في البلاد، بعد حين، تعودُ..
    كالمعتاد، بعادتها القديمة الجديدة تعود..
    في كل دورة، بمهرجانات أحزابها تعود..
    كالأمس، وما قبله، وما بعده تعود.
    بنفس الأساليب الماكرة تسود..
    بنفس الخروقات والتجاوزات تعود..
    بنفس الوعود المتكررة أبدا تعود..
    بنفس اللاعبين المحترفين تعود.
    بنفاق وقلة حياء المرشحين تعود..
    بتوزيع أموال مشبوهة المصدر تجود..
    بشراء الذمم وتسويق الأوهام تعود..
    بنفس الوجوه القديمة الجديدة تعود..
    بنفس السماسرة المتمرسين تعود..
    كأن الزمان عند الخلق لم يعد له وجودُ.
    بنفس الخداع والنصب والاحتيال تعود..
    بالتوسل والعناق وتقبيل الرؤوس تعود..
    بالاستجداء والتملق، وبروح النفاق تعود..
    كأن ذاكرة الناس أصابها التلفُ والجمودُ..
    لم تعد تستوعب ما جري، وما قد يعود..
    وتنسى ما فات، وتتبخرُ الأماني والوعودُ.

  • أبو أمل
    الثلاثاء 4 غشت 2015 - 11:26

    جزء ثاني من قصيدة طويلة للشاعر بنعيسى احسينات

    في كل جولة، عداءو الانتخابات يظهرون..
    بعد غياب طويل، بالمواطنين يتصلون..
    نسمع باستعداداتهم، وهم مَفْتُونُون..
    تراهم في الأسواق و الشوارع يهيمون..
    بسياراتهم الفارهة يجولون ويتجولون..
    في وجوه المارة، بشماتة، يبتسمون..
    حتى على الأبواب الموصدة يسلمون..
    ومع المتسكعين، لصور تذكارية يلتقطون.
    أمام الملء، على المتسولين يتصدقون..
    للولائم والتجمعات، عند الأتباع، يُقيمون..
    في الأفراح والمآتم، بوقاحة، يحضرون..
    بمصاريفها، أمام الجيران، قد يتكفلون..
    بالسر والعلن، للمال والسلع يوزعون..
    بالترغيب والترهيب للناخبين يتوعدون..
    والشباب العاطل، لحملاتهم يُجنَدون..
    بدون خجل للوعود القديمة يكررون..
    والمبعدون منهم، بدون رقيب يعودون..
    وأصحاب السوابق بلا حسيب يتأهبون..
    لمعركة الاستحقاقات الآتية يخططون..
    بلا حياء، على ذقون الناس أبدا يضحكون.

  • Belkis
    الثلاثاء 4 غشت 2015 - 15:54

    Très bon article! Très beau poème

  • ali
    الأربعاء 5 غشت 2015 - 00:17

    الشعب الذي ينتخب الفاسدين و المحتالين و اللصوص و الخونة ,هو ليس شعبا ضحية,بل هو شعب متواطئ….

  • المعانيد الشرقي
    الأربعاء 5 غشت 2015 - 01:26

    تحليل دقيق و عميق أستاذ " تفروت " للواقع السياسي الذي تعبر عنه انتخابات كاريكاتورية و تعاقدات وهمية بين ذلك (المواطن) الكبيس كما سميته و "المواطن " البئيس ، بحيت أننا مع اقتراب كل موعد انتخابي نسجل نفس الظواهر "الزرود" شراء الدمم ، استغلال النفود، حتى أصبح المشهد السياسي المغربي مفرغ من معناه…و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : إلى متى سيصبح الناخب المغربي و صوته المعبر عنه رقما حقيقيا في تغيير هذا الواقع البئيس و الميؤس منه أصلا؟ و هل هذه اللعبة السياسية بطرق تنظيمها – نمط الإقتراع ، التقطيع الإنتخابي ..- كفيلة بأن تفرز لنا أحزاب قادرة على تحمل المسؤولية بقرارات سياسية أم أنها بالرغم من نجاحها ستبقى دائما بمثابة تلك الدمى التي يتحكم فيها عن قرب و عن بعد؟

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب