لن تسلك مقاربتي لموضوع التدين العقلاني مسار نقد أطروحات التدين الوجداني كإشاراتي السالفة في مقالتي “تدين الأوهام”، ولن تنحو تجاه دحض التدين الشكلاني المؤسس على تتبع جامد للنصوص وتركيز فائق على الزي، وإغفال بارد لمقاصد النصوص وجوهر التدين. ذلك بأن كلا الموضوعين أثارا اهتمام الباحثين وعلماء الدين وألفوا فيهما الكثير، ولداع ثان وجيه هو أن نمطي التدين سالفي الذكر صارا -حسب تصوري- متجاوزين بسبب قصورهما الذاتي وعجزهما عن مواكبة حركة الواقع.
ويبقى الجدير بالبحث والمناقشة اتجاهين كبيرين يشغلان مدرسة ما أسميه التدين العقلاني؛ الأول شائع وذائع الصيت وله أثر بالغ في واقع التدين منذ قرون خلت ولا يزال يسيطر. أما الثاني فمغمور، دُرست معالمه وطُمست محاسنه، وبالرغم من ذلك فهو حاضر باستمرار، وأتصور أنه قادر على قيادة حركة التدين في القادم من الأيام وأنه الأنسب للمستقبل.
تميزت سلفية القرن 19م بعلمائها المتنورين الذين ساهموا باقتدار في اليقظة الفكرية التي شهدها المشرق العربي آنذاك، وبقدر ما دعا جمال الدين الأفغاني ومحمد عبد وعبد الرحمان الكواكبي إلى التمسك بالقرآن وصحيح السنة وهدي الخلفاء الراشدين، اصطحب خطابهم النفس العقلاني متأثرا بما استجد من فنون وعلوم عند الغرب.
وتواصل تأثير هذه العقلانية الإسلامية المتعددة الأقطاب في القرن 20م بالجهود العظيمة التي بذلها رشيد رضا ومن بعده العلامة محمد الغزالي ثم الدكتور يوسف القرضاوي.
غير أن التدين العقلاني الذي استقرت معالمه مع القرضاوي والذي يجد له جذورا في أعماق ما ألّفه الإمام الشافعي خلال القرن الثاني الهجري، ودون الخوض في تفريعات ليس المقام مناسبا لبسطها، كاد أن يحصر نشاط العقل في التفاعل بالنص، وجعل العقل يأبى الحركة إلا فلك النص، الشيء الذي وَلّد عند المتدين شعورا بالإلزام في كافة مناحي الحياة حاضرا ومستقبلا؛ ألم يقل الشافعي أن “كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم”1.
وإذا سمح هذا المنهج للعقل أن يشتغل متوسلا التأويل والقياس، فإنه للأسف وربما بفعل لا إرادي، حاصر قدرات العقل الجبارة وجعلها لا تتحرر إلا بوجود النص، وعوض أن تتجه إلى التمكين لمناهج العقل الخالص غير المتناهية، صارت تولد عبر العقل(القياس) نصوصا جديدة متاخمة للنص الذي انتهى واكتمل:{اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة/3).
إن هذا المنهج لا يمكنه أن يوظف العقل إلا في حدود ضيقة، أي تحت سيطرة النص، ومن هنا يفتح الباب لتأبيد الإلزام الديني في كل نازلة يعالجها العقل في ضوء النص، كما سيعزز التوجه الذي مافتئ يتهم العقل بالقصور ويشك باستمرار في قدراته، وحينها يسهل اتهام هذه المنظومة بمنابذة العقل وتقييد الحرية الإنسانية وتأسيس أرضية الحكم الثيوقراطي.
وفي المقابل شهدت الساحة الفكرية الإسلامية مدرسة انتصرت للعقل الخالص والمنطق الأرسطي. وإن لم يكتب لها الانتشار رسميا بفضل منطق القوة، فإنها حافظت على وجودها متوسلة قوة المنطق، كيف لا ومؤلفات القدامى والمحدثين لا تكاد تخلو من استعارة اجتهاداتها بخصوص قضايا دينية شائكة؟ !
كان ابن حزم الأندلسي أبرز من مثّل هذه المدرسة، إذ قام منهجه على تحديد دائرة النص التي تضم كافة مستويات التدين، وعلى تحرير نشاط العقل الذي يوظف علم المنطق بكل مفرداته ومناهجه.
كان يبدو العلامة ابن حزم مبالغا في الاعتداد بالعقل إذ منحه استقلالية تمكنه من إنتاج علم صحيح (مذهب صحيح على حد قوله) استنادا إلى ما تدركه الحواس أثناء تفاعلها الدائم بالمحيط.
وما اشتهر ابن حزم بإباحته الغناء والموسيقى إلا لأن منهجه قضى بأن الغناء الملهي لا نص يحرمه، وأن الإنسان حر إن شاء خاض غمار فنونه، وإن شاء تركها وانشغل بذكر الله.
قد يستجيب هذا النوع من التدين القائم على التسليم لأحكام الدين والتشبث بمناهج التحليل العقلي لفطرة الإنسان الميالة إلى التدين والراغبة في الحرية والإبداع. كما أن بإمكانه إغراء الكثير من الناس بدفعهم إلى الانجذاب نحو التدين.
حين يميز هذا المنهج بدقة بين الدين والعقل فإنه يستمد قدرة تمكنه من تخطي الحواجز الدينية والفكرية والأيديولوجية… التي تعيق التواصل بين الناس، ويوفّي البيان في توضيح مقصد عالمية الإسلام، فضلا عن أنه يسمح بإقامة فواصل منهجية بين الأحكام الدينية والقضايا السياسية.
1 – الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت.(دون سنة).، ص: 477.
اجتهادات عمر بن الخطاب كثيرة رغم وجود نصوص قطعية وهذة إحداها :
قام عمر بن الخطاب بإبطال سهم المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة، خلافا للآية ا، «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
والمؤلفة قلوبهم هم الذين دخلوا الإسلام حديثا ولم يستقر الإيمان فى قلوبهم و القرآن جعل لهم سهما من أموال الزكاة ليستميل قلوبهم ويؤلف بين قلوبهم والإسلام،
وكان الرسول يجزل لهم العطاء كما سار أبو بكر على هذه الفريضة،
أما عمر بن الخطاب فكان له رأي آخر، وأبطل منح المؤلفة قلوبهم هذا السهم فقال مقولته الشهيرة «لقد أعزّ الله الإسلام، فلم تعد هناك حاجة لتأليف القلوب»
يتبع…
اجتهادات عمر بن الخطاب كثيرة رغم وجود نصوص قطعية و هذه إحداها:
قام عمر بن الخطاب بإبطال تنفيد حد السرقة وهو قطع اليد عام المجاعة خلافا للآية : "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم "
وذلك نظرا لانتشار الفقر وعدم قدرته على إحداث حالة الكفاف المنشودة، وبذلك سن سنة جديدة للإسلام ( لم تكن من قبله و رغم وجود آية قطعية في الموضوع )وهى عدم تطبيق الحدود العقابية قبل سد الحاجة.
يتبع…
يا أخي إنك لا توفر جهدا لإيجاد مبررات لإقحام الدين في الحياة المعاصرة بكل تفاصيلها المعقدة و قد سبقك لهذا العديد من الباحثين و المجتهدين، و اغلبهم فشلوا في صياغة قالب علمي للدين، لأن القرآن ليس بكتاب علم.
المشكل هنا أن الرابط المنطقي بين الدين و العلوم صار شبه منعدم إن لم يكن المحوران متعامدين تماما (Principe d'orthogonalité).
يجب إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الدين و حصر ممارسته و استلزاماتها في كل ما ليس له جواب في النطاق العلمي.
اجتهادات عمر بن الخطاب كثيرة رغم وجود نصوص قطعية و هذه إحداها :
رفض عمر بن الخطاب تقسيم الأراضى التى فتحها المسلمون عنوة، على جنده مثلما تأمر الآية «واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسة وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان»
والتى تأمر بأن توزع أراضى المغنم على جنود المسلمين الذين تحملوا الصعاب فى فتحها، وهو الشىء الذى فعله الرسول ذاته حينما فتح «خيبر» فقسم أراضيها على المسلمين آنذاك،
لكن عمر لم يعترف بهذا التقسيم ورأى توزيعها على الفلاّحين أهل البلاد مع أخذ ضريبة منهم، مخالفا بذلك رأى العديد من الصحابة الذين تمسكوا بتنفيذ النص كما هو، لكن عمر أيضاً تمسك برأيه وترك الأراضى لأصحابها من السكان المحليين للبلاد ولم يعطها لجنده ولا ولاته، وبهذا السلوك العقلانى الحميد حافظ عمر على الأراضى الخصبة فى يد من يقدرون على زراعتها، وابتعد بجنوده عن حياة الاستقرار والنعومة، وحفظ الأرض لمن سيأتى بعد ذلك من المسلمين.
عمر بن الخطاب أسس مدرسة للاجتهاد لكن تم إغلاقها بعد وفاته و إلى الأبد.
الحق-سبحانه وتعالى-يقول :خلقت عبادي من عدم و أمددتهم بأقوات الحياة ومقوماتها من عدم.ثم جعلت لهم منهجا ينظم حركة حياتهم ويصون بنيتهم.لأن صاحب الصنعة أعلم بصنعته وأعلم بما يصلحها ويعرف غايتها التي خلقها من أجلها. فالذي صنع الثلاجة-ولله المثل الأعلى-هل صنعها أولا ثم قال لنا انظروا في أي شيء تفيدكم هذه الآلة.لا إنما قبل أن يصنعها حدد مهمتها والغاية منها وكذلك خلق الله جل شأنه.والذي خلق وحدد الغاية أعلم بقانون الصيانة الذي يحمي صنعته من الفساد ويجعلها تؤدي مهمتها على أكمل وجه.فإن خالفت قانون الصيانة الذي وضعه لك ربك تفسد حياتك وتتعطل عن أداء مهمتك التي خلقت لها وهي عبادة الله وحده-أي أن تعمل صالحا-وإذا رأيت خللا في الكون أوفسادا في ناحية من نواحيه فاعلم أن حكما لله قد عطل.العقل جهاز أودعه الله في الإنسان ليكشف به بعض الحقائق ولكن مهمته محدودة.تماما لو ركبت سيارتك إلى البحر تصل بها إلى شاطئ البحر فترى آية من آيات الله.ولكنك بالتأكيد لن تستطيع أن تخوض بسيارتك-بعقلك-البحر.فشتان بين العقل الصريح الذي يوصلك إلى الله والعقل التبريري الذي لا قيمة له وبه تغطى الجرائم التي ترتكب في الأرض.
" حين يميز هذا المنهج بدقة بين الدين والعقل فإنه يستمد قدرة تمكنه من تخطي الحواجز الدينية والفكرية والأيديولوجية" خاتمة غير مفهومة ومتناقضة لأن الدين ليس كله عقل والعقل ليس هو الدين، الدين يقوم على الإيمان والتسليم والعقل يقوم على المنطق والبرهان، والإنسان وإن احتاج إلى كليهما فإنه لا يستسيغ ولايستطيع جمعهما في منهج واحد. الغالب على التدين اليوم في العالم سواء عند المسلمين أم عند غيرهم هو التدين الروحي وهذا جواب واقعي على الإشكالية القديمة التي شغلت المفكرين المسلمين والمسيحيين على حد سواء: ما علاقة الدين بالعقل؟
الى 6 – نجيب
لذلك صار الدين عبارة عن "متغير التعديل" (variable d'ajustement) عند الحضارات التي تبنت العلم في كل جوانب الحياة. والنتيجة انه كلما تطور العلم كلما تقلص الحيز الديني لأن العلم يجيب بيقين عن اسئلة حاك الدين حولها هالة من الشك و الوهم.
لا يرى " القرضاوي " من العقل إلا ما يسوغ الإستقواء بالغرب لتنزيل الخلافة الإسلامية ! ولا ترى الخلافة الإسلامية من موجب لتنزيل الأحكام القطعية إلا بعد هيمنتها على السياسي والثقافي والإقتصادي لتضع الجماعة المؤمنة أمام الأمر الواقع ! إما أن يردعها وعيها بالأحكام القطعية الشرعية لتتحول إلى ضمير جمعي رادع ! أو تحفر حفر إستقبال الزناة وتعلق مخاطف تعليق الرؤوس وتقيم موائد قطع الأطراف من خلاف ! كل هذا المشهد الدموي يعرض في الساحات العمومية ! فإذا ما إستكانت العامة ( الجماعة ) سهل إنقيادها ! لتبدأ حدود الخلافة الإسلامية الجغرافية بالتنفس من جديد لتنتقل إلى أسلمة العالم بالقوة ! فالتمكين للعرب المسلمين ( الكواكبي ) وعد إلاهي ! ليتلاقى وعد " بلادن " بالقضاء على المجوس واليهود والمسيحيين مع حلم " القرضاوي " الذي أفتى بقتل " البوطي " لا لشيء إلا لكونه يهدم بالعقل والمنطق ما يرغب به " القرضاوي " والإرهاب التكفيري !!!!!!
السلام عليكم صديقي الدكتور فرص لتواصل بعضنا وقد كان عبر وحدة التواصل…الحق اني اعرف غيرتكم على الانتماء وحبكم للمغامرة ولا اقول المجازفة…حتى ان بعض المداخلات فهمتكم ربما بما لاتريدون وحاشاكم …ذكرت ان عمر الغى نص الحدود ايام المجاعة والحق انه ماكان لعمر ولا لغير عمر(ض) ان يلغي نصا…ولكن الفهم العميق لحوهر النص فالشريعة رحمة كلها عدل كلها ومن اتعبه البحث وبدا يغامر فهو المسؤول عن مغامراته التي نتمنى ان ينال منها ولو الاجر الواحد حين يهديه البحث الى تصويب نظرته…انت في مجال العمران البشري وقد تشبعت بما فيه الكفاية ماهو النص الذي يقيد تطلعات الانجاز …هل مثلا في المجال الاجاري والخبرة البشرية ومعادلاتها في مجال الصحة والاجتماع …ما النص الطي يقيدك حتى تاتي بما لم تستطعه الاوائل …واشاراتك اخي الكريم وصديقي العزيز الى تيار الاصلاح الذي لم يخل من زلات …اتذكر نصا اورده الدكتور لمنوني رحمه الله …..انه اصبح من المجازفة اعتراض تيار النهضة الغربي لانه كان جارفا وحارقا ولعل قوة تاثير هذا التيار هي التي جعلت احد المصلحين يصبح الملائكة عنجه كائنات ضوئية والجن مكروبات …شكرا صديقي….
ليس في العلم شيء يقيني الا اذا ثبت بالتجربة ليس كل الناس يقرؤون فلسفة العلوم لذلك في الغرب اغلب الناس غير متدينين رغم حرصهم على هوياتهم العرقية و الدينية
في رايي الشخصي يجب الجمع بين العقل و الشرع او ما يسمى في القديم الحكمة و الشريعة.لان الشريعة بدون عقل يقع الانحراف، والعقل بدون شريعة يقع الضلال.
ليس هناك تدين عقلاني لأن المؤمن يحتاج إلى قدر من العقل كما يحتاج إلى قدر من الإيمان بالغيب.وبما أن الدين لا ينسلخ عن الإيمان بالغيب فلا يمكن أن يكون من طبيعة عقلية خالصة وبالتالي لا يمكن وصفه بالعقلاني. إنه دين وكفى، حتى وإن دعا إلى إعمال العقل وطلب العلم. انا لا احتاج إلى أدلة عقلية لكي أومن بالله، يكفيني الشعور العميق بالإيمان وبالسكينة. أما العلم فيعطيني متعة حين أتوسع في المعرفة، معرفة العالم الذي أعيش فيه.لا أشعر بتناقض بين الدين والعلم لأن كل منهما يعطيني قدرة خاصة،إلا أني لا أفهم كيف أكون متدينا عقلانيا؟ ولست متأكدا أنه كلما توسع العلم كلما تراجع التدين، حدث هذا في أوربا لأسباب تاريخية أما في بقية العالم بما في ذلك الولايات المتحدة فزخم التدين يزداد بحجم تقدم العلوم. هل هي مفارقة؟ لا بل هي عادة في التفكير ورثناها من عصر الأنوار وبدأت تنهار تحت أعيننا.
الى صاحب التعليق 10
إذا كنت تحاول أن تتحدث عن القطيعة الإبستمولوجية فالأمر ينطبق كذلك على الدين. إن استطعنا أن نشكك في المكتسبات الرياضية و الفيزيائية التي تفسر 99.99% من الظواهر الطبيعية فمن السهل التشكيك في مصداقية مذهب فكري لا يستطيع تفسير شيء إلا نفسه في احسن الظروف (Tautology).
لا يوجد ليومنا هذا أي تكافؤ ممكن بين الإيبستمولوجيا و الاجتهاد بمفهومه الديني لأن التركيب الديني يرتكز على النص الثابت بينما يجدد العلم نفسه عن طريق نقلاته النوعية (Paradigm Shift) التي تعززه بإضافة معلومات جديدة و إزاحة ما كان معتلا. و الدين لا يوفر مثل هذه الأدوات للأسف.
إذا كان اليقين مقياسا مدرجا، فسنجد العلم اقرب إلى الفطرة البشرية من الدين.
* قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله فرض فرائض، فلا تُضيعوها، وَحَدَّ حدودا فلا تعتدوها،وحرّم أشياء، فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها). رواه الدارقطني.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "وأمَّا المسكوتُ عنه، فهو ما لم يُذكر حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفوًّا عنه لا حرج على فاعله".
* وقال صلى الله عليه وسلم:(هلك المتنطعون، قالها ثلاثاً)، رواه مسلم.
قال ابن رجب:" المتنطع: هو المتعمق، البحاث عما لا يعنيه؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يوجب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات".
إن العلماء لم يحاصروا قدرات العقل، ولم يجعلوه لا يتحررك إلا بالنص؛ وهذا خاص بمن اكتمل عقله، وعنده علم بالشرع، وأمّا الجاهل بدينه فعليه أن يسأل العلماء؛ قال القرطبي:"لم يختلف العلماء أن العامّة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل:(فاسألوا أهل الذكرإن كنتم
لاتعلمون)… ولم يختلفوا أن العامّة لا يجوز لها الفتيا لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم".
* قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس…)، متفق عليه.
هذا الحديث يدل على أن الأشياء وأعمال الناس ثلاثة أقسام:
– قسم واضح أنه من الحلال، لصراحة الدليل الذي يدل على حله.
– وقسم آخر يتبين أنه محرم، لصراحة الأدلة تدل على تحريمه.
– وقسم ثالث (المشتبهات)، وهي أمور ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها، أما العلماء، فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو غير ذلك.
إذ وُجد النصُ تحرك العقل بالفهم والاستنباط، أواستعمال القياس أو غير ذلك، وإن لم يوجد نصٌ تحرك العقلُ بالقاعدة الذهبية ( الأصل في الأشياء الإباحة )؛ وهذه القاعدة مستمدة من بعض النصوص، مثل قوله تعالى:( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق… ).
وهذا دليل على أن العقل ـ في حقيقة الأمرـ يتحرك دوماَ بالنصوص!
لابد من تعريف الفطرة , التشكيك في اي مفهوم رياضي هو اس العلم الدين له دور في توجيه الطاقة المعرفية للانسان
لا يمكن للعلم تعريف الاخلاق تعريف الروح الخ, اذن الفطرة الصحيحة اقرب للدين والعقل في نفس الوقت
وهل يمكن للعلم الوصول للحقيقة المطلقة
اذن استنتاجك مبني على مغالطة
ولكن ما تقوله بخصوص العلم صحيح ولكن توظيفك للعلم بعيد ن الصحة
أشكر الاخوة على إضافاتهم وانتقاداتهم المفيدة، ولأوجز كلامي التفاعلي أقول بأن الدين حق ومن غير الممكن تجاوزه وأن العقل حر لا يمكن تقييده، والمعضلة الكبرى تكمن في تجديد الخطاب وأسلوب التعبير فمنا من هو مولع بالتقليد والرتابة والترديد ومنا من يعشق الابداع والنقد والتجديد. والله نسأل أن يوفق الجميع لما اختلف فيه من الحق.
إلى "اجتهادات عمر"، الأرقام 3،2،1:
قال تعالى:( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )، الأحزاب، الآية 36.
قال ابن كثير، في تفسيره:" فهذه الآية عامةٌ في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ النساء : 65 ]، وفي الحديث : " والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "؛ ولهذا شدد في خلاف ذلك ، فقال : ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ، كقوله تعالى:( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )، [ النور : 63 ]".
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه ـ كان من أوائل المؤمنين، فهل يُعقل أن يكون ـ للنصوص الشرعية ـ من كبار المُعطلين، وهو الذي وُصف بأنه كان(وَقَّافًا عند كتاب الله)، كما روى ذلك البخاري الأمين؟
إن عمر بن الخطاب لم يُعطل نصا من النصوص الشرعية، وما فعله – مثلا -، عند إيقافِه لِحدِّ السرِقة عام المجاعة، هو دراسته لِواقِعِهِ، فرأى أن الشروط لم تتحقق كلها لإقامة الحد، فعمل بالقاعدة الفقيهة:«ادْرَؤوا الحدود بالشُّبُهات».
وأمّا إسقاط نصيب المُؤَلَّفة قلوبهم من الزكاة. فقد رَأَى أنَّ الإسلام قد أصْبح عزيزًا بين الناس، فلا يمُكن أنْ يَبْقَى دائمًا مُعْتمِداً على المُؤَلَّفة قلوبهم، فقد رُوِيَ أنَّه قال لبعضهم: إنَّ الله قد أعَزَّ الإسلامَ وأغْنَى عنْكُم.
فالمسألة مسألة تَفَهُّمٍ للشريعة، ودِرايةٍ بالواقِع، وحِكْمةٌ في تطْبيق الأحكام الشرعية، وليست مسألةَ "اختياراتٍ عقليةٍ" تسْتَوْجِب تعطيل النصوص.
الى صاحب التعليق 16
أرجو أن تتمعن جيدا في ما قُلتُه في تعليقي رقم 3 لأن فيه إجابة على كل تساؤلاتك:
"يجب إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الدين و حصر ممارسته و استلزاماتها في كل ما ليس له جواب في النطاق العلمي."
قُلتَ في تعليقك:
> لا يمكن للعلم تعريف الاخلاق تعريف الروح الخ
> وهل يمكن للعلم الوصول للحقيقة المطلقة
لا يزعجني أن يتكفل الدين بالإجابة على هاته التساؤلات. ما يزعجني هو أن يحاول المجتهدون إقحام الدين في غير محله، و بالخصوص في النطاق العلمي حيث العقل هو سيد الموقف.
> اذن استنتاجك مبني على مغالطة
إذا اتخذت الدلالة (semantics) الكلاسيكية للعلم ما قبل القرن 19 فانت على صواب، إلا أنني أكدتُ استعمالي للمفهوم المعاصر للمنهج العلمي الذي ينبني على المنطق و الموضوعية و لا يدَّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، أي المفهوم الإبستمولوجي.
> ما تقوله بخصوص العلم صحيح ولكن توظيفك للعلم بعيد ن الصحة
و هل توظيفك للدين أصح؟ أرجو أن توضح لنا ذلك 🙂
إلى bouddiouan
الموضوع شيق و القادرون على سبر أغواره قلة. افهم جيدا من خلال مقالاتك انك تحاول إعادة ربط الدين بالواقع المعاش عن طريق استحكام العقل قبل تطبيق ظاهر النص. لن نختلف في هذا الهدف، لكن أظن انه من الأعجل أن نحث الناس على التفكير العلمي البراغماتي الموضوعي لتتحسن معيشتهم، أما الهوية الدينية فسيعاد بناؤها على أسس امتن و بطريقة تلقائية.
متفق تمام الاتفاق , اقحام الدين في الفرضيات يضر بالدين اساسا , وغائية الدين هو التفريق بين الحق والباطل
لا تنسى ايضا ان هناك من يوظف الفرضيات فيما يسمى العلم الزائف
انقاذ الدين من ازمته التاريخية لن يتم من خلال تحميله ما لا طاقة له على حمله ، الدين هو الجاهز من الاحكام الثابتة والنهائية التي لا يمكن اخضاعها لسيرورة الزمن التي يحكمها مبدا الحركة والتغير ، الانتقال من حالة او وضع الى وضع آخر مختلف وجديد ، الدين خطاب مغلق لا يقبل التعديل او التغيير بينما العقلانية هي القابلية للدحض واعادة بناء وصياغة الوقائع من جديد … الدين خطاب سماوي يسعى الى السيطرة واستعباد الانسان والعقلانية خطاب ارضي يسعى الى تحرير الانسان من الاستبداد الديني ،عبارة "التدين العقلاني" لا تختلف في شيء عن عبارة "العسل المر" لا معنى لها الا كمجاز لغوي لان التدين هو استحضار النص الرباني والعمل وفق احكامه الجاهزة الجامعة والمانعة ، والتعقل هو القدرة على التفكير المنسجم والتمييز بين الخطا والصواب وفق المتوفر من معطيات الواقع…المعنى الممكن لعبارة "التدين العقلاني"هو حصر الدين في حدود الفرد ، علاقة وجدانية بين الله والانسان الفرد ، لان العقل قاسم مشترك يخص البشرية جمعاء ، المتدينون وغير المتدينين ، لو كان التدين العقلاني ممكنا لكانت البشرية جميعها على نفس الدين…
بدايةً ومن منظور شكلي لاأقل دعني أقول لسيد بالدوان أننا نحن من منح وأثر بمناهجه القيمة والنبيلة على الغرب وليس العكس،وحول مسألة التدين العقلاني فسيبقى لي القول أن الدين رمز ومعنى يخاطب الإدراك والحس وهنا إكتملت فيه معالم التنويرية والمنطقية والحيوية والإعتدالية والوسطية والمسلم فيه أيقونة التعقل والعقلانية، أما إن كان من حلول جذرية للإصلاح الديني وذالك راجع في ظل الظروف الحالية التي أصبح فيها الإسلام مابين جهل أبنائه وعجز علمائه، فإنه يبقى تفتيت تركيبة شتى المتناقضات خارج عن إطار الإسلام والمسلمين، وتبقى الإنطلاقة بمثل هذه المشاريع من نقطة تبديل المنظومة التعليمية الخانعة للبنوك الإيمبريالية،والعمل بمبدأ إحياء شمولية الدين والهوية الحقيقية الجليلة،مع توفير شروط الواجبة للإنسان المشرقي في حقه في العدالة والكرامة والعيش الكريم ،وكذا الإبتعاذ عن تبعية الرجل الأبيض الغربي الذي كان ومازال ذاكرة للأنانية وإستغلال الشعوب وثرواتها وسرقت نظريات وعلوم المشرقييين وإنسابها إليه،ومن غير هذا فنحن سنكون سوى أمام وعود وأماني من المستحيل أن تجد طريق إلى التحقيق والتفعيل،
العقل البشري ـ كغيره من أعضاء الإنسان ـ له طاقة محدودة واختصاص معين، فإذا حُمّل فوق طاقته عجز عن إدراك مراده، وإذا استُعمل خارج نطاق اختصاصه تخبط وحاد عن الصواب.
ومن الأدلة على أن العقل محدود، هو أن الشريعة أمرت بحفظه من كل ما يؤثر فيه بشكل سلبي؛ فحرّمت الجناية عليه بالترويع، ونهت عن تناول كل ما يُؤثر على وظائفه، كالخمر وكل مسكر ومفتر؛ قال القرطبي: " وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه؛ فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوشه"، نقلاعن (المغني)، لابن قدامة 497/12.
إن العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات، وهو يتأثر بشتى المؤثرات، في مكان ما وفي زمان ما، ليس هناك ما يسمى (العقل الكلي) كمدلول مطلق؛ فلا بد من ميزان ثابت، ترجع إليه هذه العقول الكثيرة، لمعرفة الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها، وواضع هذا الميزان هو الله تعالى.
هذه هي المقالات التي يجب أن تنشر على صفحات موقعنا لاعتبار أنها كاملة المضامين وتسعى الى لمس الذوق الفكري من القراءة والمطالعة . ومن دون اطالة هي من المستويات الأعلى ثقافة وقد يستفيد منها كل قارئ.
التدين العقلانى ليس شيئا جديدا فى هذا العصر .لقد وصف الله جزءا يسيرا من
الجنة والنار وابعاد الشيطان وعدائه للانسان. لكى يكتسب الانسان تصورا شاملا
عن الحياة فى الدنيا والاخرة .وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .لقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم النموذج والقدوة والمثل الاعلى فى التدين العقلانى
* قال الإمام الشافعي:" إن للعقل حداَ ينتهي إليه كما أن للبصر حداَ ينتهي إليه".
ومن الأدلة العقلية على محدودية العقل:
– أنه أسيرُ خبرات تعلمها وعرفها من طريق الحواس، لايستطيع تجاوزها؛ فهو مُقيد بعالم الحس، وعمله محصور في التحليل والتركيب والجمع والتفريق، والاستنتاج؛ لذلك يقف عاجزاً عن تفسير وتعليل كثير من الأدلة النقلية والظواهر الكونـية المختلفة، جاء في روح المعاني (وما لا يحكم العقلُ بإمكانه ثبوتاً أو انتفاء لا يلزم أن يكون من الممـتنعات لجواز مكانه الخافـي من العقل فينبغي أن يحمل كلَّ ما عُلم أن الشرع نطق به على هذا القـسم لئلا يلزم كذبه وإبطالِ قطع العقل بصدقه فالحقُّ أن النقلي يفـيد القطع في العقليات أيضاً).
– أن هذه الحواس قد تخدعه، وهذا ينتج عنه فساد الحكم.
– أنه محدود بالزمان والمكان؛ فهو يسأل دوما: متى؟، وأين؟
قال الإمام الغزالي: "ولا تستبعد أيها المعتكف في عالم العقل، أن يكون وراء العقل طور، قد يظهر فيه ما لا يظهر في العقل"، اهـ مشكاة الأنوار.
" التدين العقلاني" أو "العسل المر" أو "النور الظلامي"…. هدا المجاز اللغوي يسمى في علم اللغة الفرنسية un OXYMORE : أي الجمع بين الضدين في عبارة واحدة… العلم والدين خطان متوازيان.
أعود لأقول بأننا كلنا أبناء آدم وكلنا معنيون-عرب وعجم مسلمون ومسيحيون- بعمارة الأرض وقليل من المطالعة واليقظة الفكرية و التجرد يهدي إلى الرشد والاعتراف بفضل التراكم الحضاري الذي أنتجه الانسان على مر العصور، ثم أنبه من يريد عمارة الارض بالخير بقولي : إياك أن توظف العقل للقضاء على العقل أو أن توظف الدين للقضاء على العقل. أما من يريد تقويض الدين بالعقل فأقول له إنك عبثا تحاول، والواقع يصرخ بوجهه قائلا "ما تقيسش ديني".
الى bouddiouan – 30
> أما من يريد تقويض الدين بالعقل فأقول له إنك عبثا تحاول، والواقع يصرخ بوجهه قائلا "ما تقيسش ديني"
كأنك تحاول أن تقول أن حالنا ميؤوس منه و أن الداعشية و الإرهاب و التخلف أمور مكتوبة علينا. المفارقة هنا أن النخبة المثقفة لن تدخل في هذه النقاشات المجردة مع العامة، و كنتيجة لذلك سيظل حال العامة على ما هو عليه حتى تتمكن قوة خارجية من استغلال هذه الثغرة الفكرية لزرع الفتنة كما هو الحال في الشرق الأوسط.
لا امتلك الشجاعة الكافية لأكتب و أواجه الناس بعيوبهم الفكرية مثلما تفعل، لكن وضعنا صار مقلقا و العاقل من يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
حظا سعيدا.
توما الأكويني رجل دين استطاع في القرون الوسطى أن يجعل أروبا تنفلت من مخالب القراءة المتخلفة للدين والتي كانت تعادي العقل والعلم.وبفضل الإصلاح الديني الضخم الذي قام به هذا الرجل، جعل الدين لا يتعارض مع العقل بل لا يقيده. هكذا جعل العقل والإيمان يتعايشا وانطلقا معا في بناء الحضارة الغربية التي نراها اليوم. ما سمعته اليوم من الإمام في خطبة الجمعةهو جعل الدين يتعارض مع كل مظاهر التطور. إنه جعل دعاة الفكر و"فلسفتهم"(يبدو إنه لا يعرف معنى الفلسفة) ودعاة الحرية وحقوق الإنسان وحرية المرأة ما هم إلا ضد الإسلام. واعتبر من يدعو إلى ذلك إنه مسخر من الغرب الكافر ضد الإسلام. هل المسؤولون على الحقل الديني لا يراقبون هذا التوجه الذي يزداد؟ أم أنهم يواجهون باسم الدين إرادة الأمة في التطور وبناء مجتمع عصري حداثي؟ لقد دعا هذا الإمام إلى تدخل الأباء لمنع أبنائهم من اللباس العصري ومنعهم من اتباع المسلسلات لأنها فاسقة. ودعاهم إلى الاستماع فقط إلى القنوات التي تنشر "الدين" فقط. وقال إن الله صخر لنا الكفار وصنعوا لنا التلفزة لأجلنا لننصر ديننا…يقول ذلك وهو يريد أن يفتعل البكاء!!! انشر ياأخي لا تتحيز…