آليات تفعيل مسار الديمقراطية بالمغرب

آليات تفعيل مسار الديمقراطية بالمغرب
الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 23:00

إن تطورالفكرالديمقراطي أسهم في ظهوراللامركزية التي أصبحت أسلوبا متميزا في تدبيرالشؤون المحلية تدبيرا ديمقراطيا، لكل من مصطلح اللامركزية والديمقراطية إلى مرادفين لبعضهما لما يزخران به من معاني تصب في اتجاه توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في تسييرالشؤون المحلية والجهوية وتوسيع المشاركة في اتجاه القرار التنموي.

فتحقيق تنمية جهوية حقيقية بعيدا عن الجانب السلبي ليس ممكنا، على اعتبار أن إشراك المجتمع في تنظيمات منتخبة كتنظيمات مؤسسة الجهوية في حد ذاته مصدرا لتماسكه، وهذا هو المطلوب حاليا ومستقبلا من أجل احتواء المشاكل الوطنية ومشاكل المجتمع المحلية والحد من التذمرات الإجتماعية، وذلك بإدماج السكان المحليين ومشاركتهم في الحكم وتعميق الوعي والثقافة الديمقراطية لديهم.

فالديمقراطية المحلية تقوم على فكرة أساسية، وهي إشراك الفاعلين المحليين في تدبير الشأن العام المحلي، وهذه الفكرة حظيت بدعم واهتمام متزايد من طرف القوى الفاعلة في البلاد، بعدما كانت الجهة هي حلقة الوصل بين المحلي والمركزي، ولها صلاحيات المشاركة في إطار الدولة، تحولت إلى عامل تشييد للمشهد السياسي عن طريق سماحها بإشراك المواطنين بشكل أكثر في تسيير شؤونهم بأنفسهم واختيار من يتحمل المسؤولية ومراقبتهم ومحاسبتهم.

من هذا الجانب تأتي فكرة المشاركة السياسية التي تقوم عليها الديمقراطية المحلية التي تستند على إيجاد مؤسسات محلية ونخب جهوية يمثلون الساكنة والقوى الفاعلة في مباشرة الشؤون الجهوية، وهذه المؤسسات الجهوية هي التي تتصل مع المركز، وتصف الأمور المشتركة بينه وبين المحل، لهذا فإن المشاركة السياسية هي عملية يتم من خلالها الاتصال بين السلطات العمومية والمواطنين، تلك العملية التي تستوجب لإنجاحها وعي قطبي علاقة بأهمية دور كل واحد منهما، وتنظيم سلوكاتهم في قالب سليم لولوج درجات معينة من التنمية.

ومن ثم يبقى التدبيرالديمقراطي للجماعات الترابية هو الأمل لإصلاح وتطويرالجهات بشكل شمولي والخروج من التجربة الجماعية البيروقراطية التي أعاقت التنمية المحلية.

لذلك فإن استبدال التدبيرالبيروقراطي للجماعات الترابية بالتدبير الديمقراطي يأتي في صالح التنمية، كما أنه بقدرما تكون هناك ديمقراطية محلية، بقدر ما ينتعش الفعل المحلي وتزداد فعالية السياسات العمومية المتخذة على المستوى الجهوي، الذي يؤثر تأثيرا ايجابيا على تحصين الوحدة الوطنية والترابية للمملكة.

والتجارب المقارنة قد اتخذت من السياسة الجهوية وسيلة لتحقيق التكامل الوطني والوحدة الترابية واحترام التناقضات الاجتماعية، والتعبيرعن التعددية السياسية، فبالنسبة للمغرب قام بربط مسألة الجهوية بشكل الصحراء واعتبرها محل للقطبية الوطنية، وهذا ما عبر عنه الملك الراحل الحسن الثاني في أحد خطاباته حيث قال أنه” حينما يذكر الجهة فإنه لا يذكرها من الناحية الجغرافية، بل من الناحية السياسية وعلينا الاحتفاظ بمميزات كل جهة وتنميتها وجعلها أساسا وسببا للتوحيد والوحدة “.

إن المكانة التي حضيت بها الجهة في الدستور الجديد، هو في حد ذاته قفزة نوعية في اتجاه قاعدة المشاركة الديمقراطية المحلية وتطويرمسلسل اللامركزية، ذلك المسلسل الذي يسمح لمختلف الفئات الاجتماعية بالمشاركة في إدارة الشؤون المحلية ويتعرف فيه المواطن على مكامن الضعف والخلل، ويستطيع التعبير عن حاجاته من خلال هيئات منتخبة تمارس نشاطها في إطار ديمقراطية حرة ومستقلة عن المركز.

فالتنظيم الجهوي وما يرافقه من إمكانية توزيع جديد للسلطة في إطار اللامركزية الموسعة وهيكلة ترابية تنموية، يسمح بضبط عملية التحكم في النسيج الاجتماعي مقابل منحه فرصة الاندماج في إدارة وتسيير شؤونه المحلية.

فهذا الإندماج الإجتماعي لا يمكن أن يكون حقيقيا إلا في إطار الإعتراف الفعلي بالحقوق الفردية والجماعية للإنسان كمواطن من جهة، وحقوق الجماعات الترابية كهيئات منتخبة تعبرعن مطالب المواطنين من جهة ثانية، الشيء الذي يجعل من اللامركزية التي تنطوي تحت لوائها هذه الجماعات الترابية إحدى الأسس التي يقوم عليها المنظور الجديد للسلطة.

وتجدرالإشارة إلى أن الدولة تبقى هي الوسيلة الهدف لتحقيق وتنزيل الجهوية الموسعة، إذ لا يمكن لأي تقدم أن يحصل على مستوى التنمية ولا يمكن لأي سياسة منتهجة من طرف متخذي القرارات أن تتبلور على أرض الواقع، إذ لم تكن هناك إرادة حقيقية للدولة وإستراتيجية واضحة لصناع القرارلتحقيق وتنفيذ هذه السياسة.

والحقيقة التي يجب التأكيد عليها، هي الأهمية التي تحتلها في دعم اللامركزية، فالجهة تظهر في الخطاب السياسي كجماعة ترابية ذات صلاحيات واسعة تكون مجالا جديدا للحوار والتشاور، وهي مستوى آخر لتفعيل اللامركزية والديمقراطية المحلية.

كما تشكل الجهة أيضا مجموعة مندمجة وفضاء للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل مساعدة هذه المؤسسة على القيام بالمهام المنوطة بها، منحها الميثاق الجهوي الوسائل المادية والبشرية لفعل ذلك في أقرب وقت إقتناعا منه بما تتوفر عليه هذه المؤسسة من عناصر إيجابية تساهم في توطيد تجربة اللامركزية على المستوى الجهوي.

إن الجهة بحكم ما تكتسيه من طابع شمولي ومتنوع الخصوصيات الطبيعية والجهوية والجغرافية والبشرية لعدد من الوحدات الترابية- الجماعات الحضرية والقروية والعمالات والأقاليم- والتي تحمل في طياتها عوامل الإختلاف والتعدد تستطيع أن توحد الخريطة الإدارية التي من شأنها أن تمنح القوة للإطار الجهوي، بل للإدارة المركزية برمتها، وتجعلها قادرة على أن تكون أقرب للمواطن وأكثر خدمة له، وهذا هدف التنمية. فبحكم احتكاك المجلس الجهوي بالساكنة المحلية، فهو يكون على دراية بحاجياتها، وبإدارة مرافقها بالشكل الذي يلائم رغباتها، وبفعاليات أكبرمما لو أديرت من قبل المسؤولين الحكوميين على الصعيد المركزي.

فالتنظيم الجهوي هو القادرعلى تحقيق المصلحة العامة، بين المواطن والإدارة ويصبح التنظيم الجهوي بهذه الطريقة أحد أساليب الإدارة لتدبيرالمرافق العامة وتلبية حاجات المواطن.

ومن هذا المنظور، يمكن القول أن قيمة المؤسسة الجهوية تبرز بشكل واضح، عندما يتم التحدث عنها كوسيلة فعالة لتسيير المرافق العامة، تسمح بالربط بين ما هو محلي وما هو وطني، وتسعى إلى تحقيق التنمية المحلية والوطنية، لكن أعباء هذه التنمية لا تقتصر على الجانب الإداري والسياسي فقط، بل يمكنها أن تصل إلى أبعد من هذه الحدود لتشمل حتى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي بدورها تساهم في قيام مؤسسة الجهة بواجبها الكامل في تمثيل السكان وتفعيل مشاركتهم.

يستحيل إرساء المؤسسات الديمقراطية وتحقيق جهوية موسعة، بدون مباشرة التنزيل السليم للدستور وتحقيق الإصلاحات السياسية الكبرى، ذلك أن هذا التنزيل سيكون اللبنة الأساسية في بناء صرح التجربة الجهوية، الذي لا يزال في بداياته إذا ما قارناه مع التجارب الأجنبية، كما سيساهم في كسب رهان التنمية الذي ينشده المغرب على كافة الأصعدة ويكون فاعلا أساسيا في تحقيقها.

* دكتور في العلوم القانونية والسياسية

‫تعليقات الزوار

3
  • منا رشدي
    السبت 10 أكتوبر 2015 - 16:54

    المؤسسات إستكمل بناءها والقوانين المنظمة لها إستكمل تفعيلها ! ٱخر إنتخابات جهوية أجريت والنتائج نعلمها ومجالس الجهات أصبح واقعا كما تمثيليتها داخل غفة المستشارين ! لوحة القيادة أمام المكلفين بتسيير الجهات ! فإن كان القادة يحسنون القيادة فالطبيعي أن تظهر النتائج الأولى في سنتها الأولى وليس بعد ثلاث سنوات أكثر ليعودوا إلى تلرار ما سمعناه من كلام مرسل من قبيل التماسيح والعفاريت !
    ٱخر خطاب لأعلى سلطة في البلاد تميز بالتبسيط للتوضيح ! خطاب مختصر مفيد لا لبس فيه ! خطاب خالي من الإطناب الكلامي غير المجدي ! كما لا يتضمن فراغات لتأويل المؤولين !
    لن أزيد شيئا على ما إختتم به الملك خطابه " إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا " ! فمن أين يؤتى الخير ! من العمل أم كلام منتخبين يدعون التمثيلية الشعبية ولا يعيرون إنتباها لا إلى توجيه كلام الملك ! ولا حتى للٱية التي إفتتح بها المقرئ جلسة البرلمان " أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا " .

  • الحسن لشهاب
    السبت 10 أكتوبر 2015 - 21:35

    نحن في مدينة بني ملال لازلنا نعاني من البيروقراطية الاكترونية الملالية ،و الحكومة تتشدق بالتنمية الثقافية و الحقوقية،والله انها مهزلة حقوقية و ثقافية بامتياز. في راي ستتصاحب الجواسيس الاكترونية بالمخابراتية والادارية ،وستحقق البيروقراطية المحلية بتنسيق مع البيروقراطية المركزية و سيبقى الوضع على ما هو عليه الى ربيع عربي جديد.

  • جواد
    الأحد 11 أكتوبر 2015 - 02:28

    لدبنا مايكفي من النصوص فى التشريع على مختلف القطاعات الوزارية وفى كل الاوراش بدا من مدونة الاسرة والدستور ومدونة منظومة العدالة والجهوية الموسعة وهلمجرا رغم نوقصها وعلااتها تبقى حبرا على ورق وللاستهلااك فقط

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز