الرؤية الإستراتيجية وإصلاح التعليم وسؤال: كيف؟

الرؤية الإستراتيجية وإصلاح التعليم وسؤال: كيف؟
الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 16:05

استطاعت حلقة يوم أمس من برنامج مباشرة معكم الذي تبثه القناة الثانية ملامسة بعض جوانب الأزمة التي تتخبط فيها المدرسة المغربية، وقد كانت أسئلة ومحاور جامع كولحسن موفقة كما كانت مشاركة مختلف المتدخلين مهمة في إثارة تجليات هذه الأزمة وجانب من الحلول المطلوبة، هذا في علاقة مع الرؤية الإستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبعض الإجراءات أو التدابير التي شرعت فيها وزارة التربية الوطنية، إلا أن السؤال الكبير الذي ظل غائبا على امتداد الحلقة، وهو السؤال الذي ظل غائبا على امتداد مشاريع الإصلاحات السابقة، هو سؤال: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

من طبيعة الحال لا يمكن لحلقة برنامج تلفزي أن تجيب وتحيط بسؤال إجرائي من هذا الحجم، لكن كان من المطلوب أن تحمل تدخلات الطرفين اللذان يمثلان السلطة العمومية والمؤسستين المعنيتين بالتخطيط والتنفيذ أي وزارة التربية الوطنية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وكذا باقي المتدخلين في الحلقة، إشارات عملية وشكل الإجراء التدبيري الذي سيتم من خلاله تنفيذ الرؤية وتنزيل الإصلاح، كما كان من المهم التأكيد على أهمية سؤال الإجراء والتدبير بدل الاقتصار على الخطاب العام والمستويات النظرية، وأحيانا على النوايا والتضخم الاصطلاحي الغارق في التجريد.

فمن المعلوم أن جل مشاريع الإصلاح السابقة، ومرجعياتها من خطابات ووثائق ومخططات، ورغم حجم الميزانيات والموارد المادية التي خصصت لها، وتضخم الإجراءات الإدارية والمراسلات والنقاش الدائر حولها، فهي لم تصل إلى الفصول الدراسية وإلى المتعلم المغربي الذي ينبغي أن يكون هو المنتوج الفعلي والغاية الكبرى لأي إصلاح تربوي حقيقي. مما يؤكد أهمية سؤال الكيف والتدبير الملموس والإجراء التربوي الفعلي في سياق النقاش المرتبط بالرؤية الإستراتيجية حاليا.

وانطلاقا من هذه الملاحظة العامة يمكن تسجيل الأسئلة والملاحظات الجزئية التالية:

كلام عبد الحميد عقار لا يتجاوز مستوى منطوق الوثيقة التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وقد كان هو مقرر لجنة الإعداد، وبقي عاما بل وفضفاضا، ينظر إلى المدرسة من منظور نظري والاختيارات والنوايا العامة بشكل لا ينم عن وعي وإدراك فعلي لحجم الأزمة التي تتخبط فيها على مستوى البنيات والتدبير والممارسة، وخاصة على المستوى البيداغوجي الذي هو تحصيل حاصل هذا الوضع ومسبباته وأبعاده. وقد يبدو أن منظور المجلس ولغة عقار يرتبطان بطبيعة التقرير والمهام الدستورية الموكولة للمجلس الأعلى، وأن الأجرأة تدخل ضمن اختصاصات السلطة العمومية المعنية أي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة التعليم العالي، بيد أن تدقيق الاختيارات والحسم في أشكال التدبير والحديث بلغة ملموسة وعضوية وواضحة، وتحديد الأهداف وآليات التقويم والتتبع والمحاسبة، هي من صميم العمل الاستراتيجي بل ومن شروط نجاعته ونجاحه، خاصة إن كان موضوعه هو منظومة التربية والتكوين.

لا يكفي مثلا، تكرار كلمات الحكامة أو الإنصاف أو الجودة التي اعتبرها التقرير المبادئ العامة للإصلاح والرؤية الإستراتيجية، سواء عبر صفحات التقرير أو على لسان أعضاء المجلس، لكي يتحقق المنشود، خاصة أنها مبادئ ومفردات ألفها المواطنون والفاعلون التربويون من مدرسين ومؤطرين ومدبرين مند العديد من السنوات، وكانت واردة في العديد من التقارير والمخططات والمذكرات السابقة، حتى أنها فقدت معناها وبريقها لأنها بقيت دون أثر جلي على مستوى الواقع التعليمي والممارسة التدبيرية والتربوية عل صعيد جل الأكاديميات والنيابات والمؤسسات والفصول الدراسية، ومخرجات المنظومة التربوية بشكل عام.

كانت تدخلات الأستاذة ممثلة هيئة التدريس في هذا النقاش، والأستاذ عارف المؤطر التربوي، ورئيس فدرالية جمعيات أباء وأمهات التلاميذ، غنية في ربط النقاش النظري والرؤية العامة بالواقع والممارسة الميدانية ومعانات المدرسين، وخاصة في التأكيد على أن عامل الاكتظاظ داخل الأقسام واهتراء البنيات التحتية وضعف أو غياب التكوين الأساس والمستمر، وانعدام الوسائل أو تقليدانيتها، هي المثبطات الأولى لأي إصلاح تربوي فعلي، مما جعل الكل يؤكد على مركزية العنصر البشري وضرورة الاهتمام به، وعلى ضرورة تحقيق تعبئة وطنية حول المدرسة العمومية…، لكن يبقى السؤال عالقا: كيف ذلك؟

ففي الوضع الراهن، ونتيجة للعديد من الإجراءات المرتبطة بالحكومة الحالية، يعلم الجميع أن الأزمة تفاقمت وازداد إحباط هيئات المنظومة التربوية من مدرسين ومفتشين وإداريين على المستويين المادي والمعنوي، كما عبر رئيس الحكومة بكل وضوح عن نزوعه للاجهاز على المدرسة العمومية وخوصصة الخدمة التربوية والصحية وغيرها، إضافة إلى غلاء وارتفاع الأسعار وتأزيم القدرة الشرائية وتجميد الأجور مند سنوات، بل والإعداد للإجهاز على فرص الترقي الضئيلة والضعيفة التي تستفيد منها هذه الفئات المعنية مباشرة بتطبيق أي تدبير إصلاحي وتعبوي. فدون نظام عقلاني ونزيه لربط المسؤولية بالمحاسبة على جميع مستويات القرار والتدبير التربوي، وتحفيز الموارد البشرية في هذا القطاع الحيوي والمصيري ومكافأتها ومحاسبتها كذلك، على غرار بقية القطاعات العمومية والخاصة، وتوفير التكوينات وفرص التأطير والتقويم الضرورية للتأهيل والمواكبة، والانتقال بالرأسمال البشري من موقع “الشغيلة” و”عمال الأقسام” و”حراس التلاميذ” أو “عمال المكاتب”، إلى فاعلين تربويين ومبدعين مهنيين ومساهمين مباشرين في التصور والتدبير والتقييم، دون ذلك يصعب كليا الحديث عن مركزية العنصر البشري وضمان انخراطه الفعلي في إصلاح فعلي يصل إلى الأقسام والمتعلمين.

أما توضيحات فؤاد شفيقي، مدير مديرية المناهج بالوزارة، وهي أهم مديرية في “أوغنيغرام” الوزارة معنية بشكل مباشر وإجرائي ببلورة التدابير العملية الكفيلة بإيصال أي إصلاح إلى داخل الفصول الدراسية وأذهان ووجدان وأجساد المتعلمين، فلم تكن بما يكفي كافية ومحيطة بالأسئلة المطروحة، مما يؤكد غياب سؤال الكيف والإجراء العملي في النقاش الدائر حول الرؤية الإستراتيجية. ورغم أن شفيقي أشار إلى بعض الإجراءات المندرجة ضمن التدابير ذات الأولوية، إلا أنه من الواضح أن الوزارة نفسها ومصالحها لا تزال مترددة في الحسم في الإجراءات العملية لتصرف الرؤية، وقد يكون للأمر علاقة بتضارب الاختصاصات أو تنافسها السلبي، وعدم وجود تنسيق كامل بين الوزارة والمجلس الأعلى، بل وتسرع الوزارة في تحديد تدابيرها قبل صدور التقرير الاستراتيجي للمجلس الأعلى.

ولعل من أوجه تضارب مضامين الرؤية الإستراتيجية والتدابير ذات الأولوية للوزارة تأكيد الأولى على مركزية إنجاح ورش إدماج اللغة الأمازيغية، انطلاقا من التراكم الحاصل والمكتسبات التي تحققت على مستوى المنهاج الدراسي بالخصوص، وتناغما مع وضعيتها الدستورية كلغة رسمية للدولة، -كما أكد على ذلك تقرير المجلس الأعلى-، و تملص الوزارة من خلال تدابيرها وخاصة التدبير المخصص لتدريس اللغات من التأكيد على أهمية إدماج الأمازيغية والارتقاء بتدريسها انسجاما مع وضعيتها الدستورية الرسمية، بل أن الوزارة تجاهلتها وأصدر بعض مسؤوليها في هذا الشأن خلال السنة الأخيرة تصريحات غير مسؤولة وأقدم بعض المدبرين على مستوى الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية على خطوات عملية للإجهاز على ما تبقى من مدرسي الأمازيغية ومن حضورها البئيس في المؤسسات التعليمية، كما حصل خلال الدخول المدرسي الحالي خاصة بجهتي الرباط وسوس ماسة درعة.

‫تعليقات الزوار

4
  • hessou
    الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 17:47

    c'est la traduction criante des visées du pjd et une autre preuve du racisme à l'égard de la composante amazighe

  • الميداني
    الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 19:48

    هده الحكومة ستضع

    حدا لكل أمل في الإصلاح ومع دلك تجد من يدافع عنها

  • SALSABIL
    الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 23:37

    vous dites je vous cite
    دماج اللغة الأمازيغية، انطلاقا من التراكم الحاصل والمكتسبات التي تحققت على مستوى المنهاج الدراسي
    puisque votre dialecte irkamien a atteint ce stad de develloppement, la logique aurait voulu que vous pensiez, réflichissiez et écriviez avec
    vous êtes donc la preuve tangible qu'il n'en est rien et que vous chercher tout bonnement a soutirer de l'argent à l'état

  • مهتم
    السبت 3 أكتوبر 2015 - 10:56

    أولويات اصلاح التعليم:
    1- القضاء على الاكتظاظ داخل الاقسام وحذف الأقسام المتعددة المستويات .
    2- تحسين جمالية المؤسسات التعليمية وتجهيزها بالمعدات اللازمة.
    3- العناية أكثر بالوضع المادي والمعنوي لأطر التربية.
    ******ولتحقيق هذه النقاط الثلاثة لابد من موارمالية اضافية تنضاف لميزانية وزارة التربية.
    4- الدخول الى القسم بعد كل هذا واصلاح العملية التعليمية التعلمية عبر تكوين الأساتذة تكوينا جيدا ومواصلة تكوينهم المستمر في مجال طرق التدريس والمضامين المعرفية والمهارية لكل المواد الدراسية.
    ********أما الاصلاحات المتوالية للتعليم فأراها في الميدان تبدأ بالنقطة الرابعة وتتجاهل النقاط الثلاثة الأولى جزئيا أوكليا وهو ما يعني الفشل الجزئي أو الكلي للإصلاح.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس