بعد دورتها السبعين أي دور للجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين؟

بعد دورتها السبعين أي دور للجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين؟
الأحد 4 أكتوبر 2015 - 13:07

انعقدت الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل وجود العديد من الصراعات والحروب على المستوى الدولي(الحرب في سوريا، اليمن، ليبيا، أكرانيا ،أفغانستان وفي العديد من الدول الافريقية..) ، فهذه الحروب خلفت الملايين من الضحايا منهم القتلى والجرحى واللاجئين والمهجرين ..ودمرت البنيات الاقتصادية والمؤسساتية للعديد من البلدان، مما تولد عليه جملة من المشاكل التي أصبحت تشكل تهديدا كبيرا على السلم والأمن الدوليين، لكن رغم كل هذه المخاطر ،التي يمكن أن تتفاقم في المستقبل، فان مجلس الأمن بدا عاجزا في تدبيره لهذه الأزمات والحروب ،مما يعني الاقرار بفشله في ايجاد حل لها، خاصة مع عودة الفيتو الروسي بشكل قوي في السنين الأخيرة وشل عمل مجلس الأمن كي يتخذ خطوات حاسمة في أمور تهدد السلم العالمي برمته. رغم كل هذا اجتمعت الجمعية العامة وتداولت في عديد من القضايا وأصدرت عدة توصيات ،و كما هو معتاد لن يكون لها تأثير وصدى فعلي على مجرى الأحداث على الساحة الدولية وبالخصوص في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ، فما هي العوائق التي تقف حائلا أمام فعالية الجمعية العامة؟ وما هي المداخل الممكنة لجعلها قوية ولها دور فعال في حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة النزاعات الدولية الخطيرة ؟

استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة تمارس الجمعية العامة ثلاثة أشكال من الاختصاصات، الشكل الأول؛ ذات طابع عام، حيث تتمتع الجمعية العامة بصلاحيات عامة تشمل نطاق عمل المنظمة الأممية ككل، فهي تستطيع أن تناقش كل المسائل التي تدخل في نطاق الميثاق أو التي تتعلق بسلطات ووظائف أحد الأجهزة المنصوص عنها في الميثاق، وقد أكدت المادة العاشرة شيئا قريبا من هذا القبيل، وللجمعية العامة، في نفس الاختصاص العام، مناقشة واتخاذ التوصيات في كافة الأمور التي تتعلق بالمبادئ التي تحكم العلاقات الودية بين الدول أو النزاعات والقضايا المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين أو بالتعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وفي ميدان المحافظة على حقوق الإنسان.

أما الشكل الثاني؛ فتتقاسم فيه الجمعية العامة صلاحية “مناقشة جميع المسائل المتعلقة بصيانة السلم والأمن الدوليين” لكن إذا كان مجلس الأمن يبحث في قضية تدخل في هذا النطاق، لا يحق للجمعية العامة طيلة مدة اهتمام المجلس بهذه القضية أن تتخذ أي قرار أو توصية بشأنها إلا إذا طلب منها مجلس الأمن ذلك صراحة، وحسب ما تنص عليه المادة 11، فإذا كانت المسألة المطروحة تفترض القيام بتحرك، فمن الواجب العودة إلى مجلس الأمن ، كما تتقاسم الجمعية العامة مع مجلس الأمن بعض السلطات المهمة؛ كاختيار الأمين العام وانتخاب قضاة محكمة العدل الدولية والفصل في طلبات العضوية الجديدة..

الشكل الثالث؛ سلطات خاصة ترتبط بمجال الإدارة الداخلية للمنظمة ومن أهما اعتماد البرامج والميزانية، فالجمعية العامة تصوت كل سنة على ميزانية المنظمة وتوزع أعباء مصاريف المنظمة على الدول الأعضاء ،حسب جدول مشاركة تقرره الجمعية العامة بموجب قرار خاص ويتم تعديله من وقت لآخر. ويندرج أيضا ضمن هذا الشكل الثالث من الصلاحيات انتخاب الدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وجميع الدول الأعضاء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وانتخاب فئة معينة من الدول الأعضاء في مجلس الوصاية..، وقبول أعضاء جدد في المنظمة ، ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها وفصل الأعضاء.

من خلال هذه الأشكال الثلاثة من الصلاحيات ومن خلال أيضا تشكيلتها التي تضم جميع أعضاء الأمم المتحدة على أساس “صوت واحد لكل عضو” ومن خلال تنظيم العمل فيها، ونظام التصويت الذي يشترط أغلبية الثلثين لإصدار القرارات أو التوصيات في المسائل الأخرى، إلى جانب استخدام أسلوب توافق الآراء ، يبدو الأمر وكأن الجمعية العامة بمثابة الجهاز المركزي الذي له إمكانية التخطيط والتوجيه والتقرير في مصير وجميع القضايا التي تهم المجتمع الدولي.

لكن حقيقة الأمر فالجمعية العامة ليست كذلك، فهي ليست لها سلطة التقرير والتوجيه وكذلك اتخاذ الجزاءات القسرية وتنفيذها، وإن كان الميثاق قد حاول إقامة نوع من التوازن بين سلطة الجمعية العامة ومجلس الأمن، بحيث منحها اختصاص عام فيما يتصل بأمور السلم والأمن الدوليين، ومع ذلك، فذات التوازن يبقى نظريا، وعلى الورق فقط في الميثاق، بل أكثر من ذلك فالعديد من نصوص الميثاق هي نفسها كرست اختلالا في هذا “التوازن” لصالح مجلس الأمن، فهذا الأخير هو المسؤول الرئيسي عن مسألة حفظ السلم والأمن الدوليين ويتصرف وفقا للفصل السابع، الذي يعطيه إمكانية استخدام الجزاءات العسكرية، بيد أن الجمعية العامة رغم عالميتها وإمكانية مناقشتها لجميع القضايا فإن سلطاتها ضعيفة ومحدودة ومقيدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، ويرجع تحجيم دور الجمعية العامة للأسباب التالية:

– أنه رغم ما للجمعية العامة من صلاحيات لمناقشة كل المسائل التي تدخل في اختصاص المنظمة الأممية ككل، كما تنص على ذلك المادة العاشرة من الميثاق ،إلى جانب ما تنص عليه المادتين 14 و15 والفقرة الأولى من المادة 11 بحيث لها أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليين ويدخل في ذلك الأمور المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسلح.

لكن المسائل التي تكون لها صلة بالسلم والأمن الدوليين، ورغم أنه للجمعية العامة الحق في مناقشتها وإصدار توصياتها إلى الدولة أو الدول صاحبة الشأن أو مجلس الأمن أو كليهما حسب المادة 11 الفقرة الثانية، إلا أنه إذا تطلب الأمر القيام بعمل ما، ينبغي أن تحيلها إلى مجلس الأمن والمقصود بعمل ما هنا هي الجزاءات القسرية، خاصة ما تنص عليه المادتان 41 و42 من الميثاق، فهذا الاختصاص العام، كما نصت عليه المادة العاشرة، ورد عليه قيد مهم لصالح مجلس الأمن، نصت عليه المادة 12 عندما حظرت على الجمعية العامة أن تتخذ أي توصية بصدد أي نزاع أو موقف يكون محل نظر من جانب مجلس الأمن إلا إذا طلب منها مجلس الأمن ذلك صراحة، ومعنى ذلك أن مجلس الأمن هو صاحب الاختصاص الأصيل وهو الذي يحق له اتخاذ القرارات أو التوصيات في جميع الأمور التي تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، لكن هذا القيد هو قيد يتصل بحق التوصية أو القرار وليس بحق المناقشة، فللجمعية العامة أن تناقش أي أمر ولو كان يتعلق بقضايا تتصل اتصالا مباشرا بالسلم والأمن الدوليين لكن دون أن تصدر قرارات أو توصيات في ذلك.

– أن الجمعية العامة –إن أتيح لها المجال في مسألة حفظ السلم والأمن الدوليين- لا تملك سلطة إصدار القرار الملزم في مواجهة الدول الأعضاء، وليس لها أن تتوجه بالخطاب إليها إلا في صورة توصيات هي بطبيعتها غير ملزمة، بحيث يتوقف تنفيذها عموما على مدى تعاون ورضا هذه الدول أو درجة حماستهم لهذه التوصيات.

ومن ثمة يظهر مدى تحجيم دور الجمعية العامة في مسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، فقد كانت الجمعية العامة منذ البداية مجرد منبر للتداول، وان كانت لها “سلطة” المناقشة والتوصية والجدال وإصدار القرارات، ومع ذلك لم تكن لها سلطة حقيقية وفعلية في هذا المجال، لذلك فمقترحات الجمعية العامة ومقرراتها وتوصياتها يتم تجاهلها بحكم الواقع، وهذا ما أراده مؤسسو منظمة الأمم المتحدة. فاجتماعات الجمعية العامة تبقى كمنتديات “بروتوكولية” لتبادل الكلمات دون أن يكون لها دلالة أو تأثير قانوني وسياسي، فالأمور تؤخذ بالجدية فقط حينما يتداول فيها مجلس الأمن ويتخذ قرارات ملزمة بطبيعتها، فهذه هي حقيقة الجمعية العامة، وإن كانت تتوفر على شرعية ديمقراطية لا من حيث التركيب ولا من حيث طبيعتها العالمية ولا من حيث كيفية اتخاذ القرار فيها.

فالمنتصرون في الحرب العالمية الثانية عوض أن يعملوا على توزيع السلطات توزيعا ديمقراطيا عادلا بين مختلف الأجهزة ، عمدوا على العكس من ذلك فرض الوصاية على النظام الجديد عبر الامتيازات التي خولوها لأنفسهم في مجلس الأمن والتي تتجلى في وضعية العضو الدائم وحق النقض، وفي صبغ قرارات مجلس الأمن بصبغة الإلزام.

وبذلك كرسوا التهميش الدائم للجمعية العامة واختلال التوازن بينها وبين مجلس الأمن، سواء من خلال المقتضيات القانونية الموجودة في الميثاق أو بحكم الواقع نتيجة سيطرة وسيادة الدول الدائمة العضوية على التقرير في مجمل التفاعلات الدولية.

إن تحجيم دور الجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، يقابله “إنجاز” لها في بعض المجالات الأخرى، خاصة في فترة الحرب الباردة، كالدفع في تبني الميثاق العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 والعهدين الدوليين لسنة 1966 وتبني قرار 1514 الذي ساعد على تحرير العديد من الدول من الاستعمار، إضافة إلى تبنيها إعلان 1974 بشأن تشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد (القرار 3201) وميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول (القرار “XXIX” 3281) في 24 أكتوبر 1970، وكذلك القرار 3314 (بخصوص تعريف العدوان) كما أنها (الجمعية العامة) دفعت في اتجاه توقيع اتفاقية 1982 لقانون البحار، إلى جانب تبنيها للعديد من الإعلانات (ريو 1992 بخصوص البيئة والتنمية المستدامة..).

لكن بالرغم من هذه الإنجازات أو هذه الأدوار التي لعبتها الجمعية العامة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإنها لم ترقى إلى ممارسة أي دور قيادي، خاصة في مجالات التنمية، فقد ترك عمليا أمر التقرير فيها إلى مؤسسات بروتون وودز والدول المانحة،والشركات العابرة للقارات و20G.. .

بناء على ما سبق يمكن القول بأن الجمعية العامة ليس لها أي دور حقيقي في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، فقد تم تحجيمه عن قصد من طرف واضعي ميثاق الأمم المتحدة، حين أعطوا لمجلس الأمن الدور الرئيسي في ذات المجال ومنحوا القوة الإلزامية لقراراته، بينما قيدوا حركة الجمعية العامة فيما يخص الأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى إفراغهم –من الأساس- توصيات وقرارات الجمعية العامة من طابع الإلزام.. وهنا مكمن الخلل، فاستئثار مجلس الأمن بالقرار على حساب الجمعية العامة يطبع نظام الأمم المتحدة بطابع أوليغارشي، حيث الجمعية العامة ليست برلمانا يمارس مهام محددة في وثيقة دستورية، وليست كذلك هيئة استشارية مكونة من عدد محدود من الدول، لكنها هيئة تمثل جميع دول العالم من الناحية الفعلية، لذلك وصف تحجيم دور الجمعية العامة في مواجهة مجلس الأمن بكون نظام الأمم المتحدة ككل مطبوع بطابع انفصام الشخصية، كما ذهب إلى ذلك العديد من الباحثين.

فغياب الدور الفعال للجمعية العامة يعني غياب ديمقراطية العلاقات الدولية والاقتراب من الاستبداد الدولي، الذي لا يمكن تجاوزه إلا بإعادة النظر في توزيع المهام بين الجمعية العامة ومجلس الأمن، لأن التوزيع الحالي يشكل عمليا، كما اشارالى ذلك مورجنتاو “شذوذا دستوريا مروعا”.

إن تجاوز هذا الشذوذ الدستوري يستدعي إعادة النظر في السلطات والصلاحيات التي منحها الميثاق الأممي للجمعية العامة خاصة في مجال السلم والأمن الدوليين، وذلك بهدف خلق نوع من التوازان بين أجهزة الهيئة الأممية التي لها صلة بموضوع حفظ السلم والأمن الدوليين وخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن، من جانب، ومن جانب آخر إعطاء الموقع والمكانة التي تليق بالجمعية العامة باعتبارها التجسيد الفعلي للمجتمع الدولي، لكونها تضم كافة الدول، لتدبير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتلك المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين، الذي يشكل الهدف المركزي “والسر” في إنشاء الأمم المتحدة كما جاء في ميثاقها.

إن خلق هذا التوازن وتلك المكانة أصبح ضرورة في ظل الأوضاع الدولية الراهنة وذلك لثلاثة أسباب: أولها كون الواقع الدولي الذي تشكلت فيه الأمم المتحدة سنة 1945 ليس هو ذات الوضع الذي أفرزته نهاية الحرب الباردة (لا من حيث طبيعة الفاعلين على مستوى العلاقات الدولية ولا من حيث نوعية الأحداث الدولية).

أما ثاني تلك الأسباب: فهو يتثمل في ضرورة إضفاء الطابع الديمقراطي على الأمم المتحدة، بشكل عام، لتصبح كأداة لها مصداقية على الصعيد الدولي، وتجسيدا لنظام أممي ذات بعد تعددي وتشاركي له القدرة على تأطير “العولمة الليبيرالية”في جميع تجلياتها.

أما السبب الثالث: فيتمثل في كون مجلس الأمن كان ولايزال جهازا ديكتاتوريا استأثر بجميع القضايا المرتبطة بالسلم والأمن الدوليين، وبالمقابل تم تهميش الجمعية في هذا الاطار،فمجلس الأمن من هكذا موقع يراعي في تدبيره للقضايا الدولية مصلحة الدول الدائمة العضوية بالاساس ويأخدها كأولوية ولو على حساب كافة الدول المنخرطة في المنظمة الاممية.

إن إخراج الجمعية العامة من موقع الضعف والتهميش إلى موقع الفاعل في نظام الأمم المتحدة يستدعي تقوية دورها ، بما يكفل لها،بأن تلعب دورا حقيقي وفعالا في الشأن الدولي وخاصة في مجال السلم والأمن الدوليين ،وهذا الدور لن يتم تقويته إلا بالمرور عبر المداخل التالية:

– المدخل الأول : فتح المجال للجمعية العامة بأن تمارس سلطات وصلاحيات حقيقية في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بإصلاح الميثاق الأممي، بما ينسجم مع ما تمنحه المادة العاشرة و11 و13 و14 من الميثاق الحالي للجمعية العامة من سلطات عامة لتدبير ما يتصل بموضوع السلم والأمن الدولي، على نحو ناجح وفعال، لكن ذلك مرهون بإزالة القيد الذي وضعته المادة 12 من الميثاق، والتي أحجمت حركة الجمعية العامة في موضوع معالجة قضايا السلم والأمن الدوليين، وربطت أي مبادرة في هذا الإطار بطلب من مجلس الأمن الدولي.

فلا يجب أن تبقى قضايا السلم والأمن الدوليين في يد “أقلية” داخل مجلس الأمن، في حين سُحِب البساط من الجهاز الأكثر ديمقراطية (الجمعية العامة) والممثل لجميع الدول، فالمادة 12 تكرس نوع من تبعية الجمعية العامة لمجلس الأمن، فجعلها لا تباشر أي موضوع خاص بالسلم والامن إلا إذا طلب ذلك منها المجلس، يكشف عن علاقة هرمية واقعية، وإن لم تكن مذكورة في الميثاق، وهذا ما لا يليق بجهاز يضم جميع الدول من جهة، ويتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات، ومع مبدأ التوازن بينهما، كما يحث على ذلك كل تنظيم ديمقراطي يهدف إلى خلق قدر من التوازن بين السلطات المشكلة لذات التنظيم وذلك بهدف منع كل هيئة من إساءة استخدام السلطة من قبيل الهيئات الأخرى.

– المدخل الثاني : يجب أن تكتسب توصيات وقرارات الجمعية العامة طابع الإلزام إسوة بقرارات مجلس الأمن، حتى تكون لها القوة الكافية اتجاه المخاطبين بها.

– المدخل الثالث : أن تمارس الجمعية العامة رقابة مستمرة على شرعية القرارات والأعمال التي يتخذها مجلس الأمن، حيث يتم تفعيل المادة 15 من الميثاق (“تتلقى الجمعية العامة تقارير سنوية وأخرى خاصة من مجلس الأمن.. عن التدابير التي يكون قد قررها أو اتخذها لحفظ السلم والأمن الدوليين.. وتنظر فيها.. “)بشكل صارم، والتي تؤكد على ما يفيد الرقابة البعدية، بل أكثر من ذلك يتطلب الأمر منح رقابة قبلية للجمعية العامة على قرارات مجلس الأمن، بحيث قد تعرض علىها للمصادقة قبل أن تصدر بشكل نهائي من طرف مجلس الأمن (وإن كان هذا الأمر قد يحدث نوع من البيروقراطية لكنه يضمن بالمقابل نوعا من الشرعية والمشروعية في قرارات مجلس الأمن).

ويمكن تقوية هذه الرقابة عبر استخدام سلطة الجمعية العامة التي تمتلكها فيما يخص التقرير في ميزانية المنظمة( المادة 17 من الميثاق) بحيث تتاح للجمعية العامة إمكانية رفض أي قرار اتخذه مجلس الأمن لا ينسجم مع أهداف الميثاق ومبادئ القانون الدولي، كما يمكن مراجعة المادة 19 بما يكفل للجمعية العامة بامتلاك سلطة منع استعمال “حق النقض” داخل مجلس الأمن من طرف أية دولة دائمة العضوية في حالة إخلالها بالالتزامات الواجبة عليها بخصوص الاشتراكات في الميزانية.

– المدخل الرابع : في حالة عدم تمكن مجلس الأمن إصدار قرار ما بسبب استعمال الفيتو، يجب أن تحال المسألة إلى الجمعية العامة مباشرة وهو مقترح له أساس في الميثاق نفسه، حيث تشير المادة 20 منه إلى “تجتمع الجمعية العامة في أدوار انعقاد عادية وفي أدوار انعقاد سنوية خاصة بحسب ما تدعو إليه الحاجة.. “، كما أنه هناك سوابق تاريخية في هذا المجال والمتمثلة أساسا في قرار الاتحاد من أجل السلام أو توصية اتشسون، حيث باشرت حسبه الجمعية العامة معالجة قضايا تتعلق بالسلم والأمن الدوليين (القضية الكورية) بعدما عجز مجلس الأمن في اتخاذه أية خطوات في الموضوع.

فقد يراجع الميثاق بتضمينه “ذات القرار”، توصية أتشسون، حتى تتمكن الجمعية العامة وتتوفر لها المرجعية القانونية لمواجهة أوضاع تهدد السلم أو الإخلال به أو وقوع العدوان، بمعنى توفرها على القدرة والسلطة على تنفيذ الجزاءات القسرية، كما هو منصوص عليه في الفصل السابع من الميثاق.

إن إتاحة الإمكانية القانونية للجمعية العامة وتوسيع صلاحياتها في مجال حفظ السلم والأمن الدولي وإصدارها لقرارات ملزمة عوض احتكار ذلك من طرف مجلس الأمن وحده، قد يحقق ميزتين أساسيتين:

إعطاء الشرعية والمصداقية لعمل الأمم ككل وبالتالي اتسام معالجتها للنزاعات بطابع ديمقراطي وهذا سيجعل الأطراف المنخرطة في كل نزاع تقبل بشكل الحل الذي يمكن أن تقترحه أو تشرف على إنجازه الأمم المتحدة، على اعتبار أنه صادر على جهاز (الجمعية العامة) ديمقراطي التكوين ويضم جميع الدول.

أما الميزة الثانية فتتمثل في أن جعل صلاحية التقرير في تدبير قضايا لها ارتباط بموضوع السلم والأمن الدولي في يد الجمعية العامة سيرتقي بهذه الأخيرة وسيجعلها قوية بما يكفي للمساهمة في تجاوز المعطيين التالين:

– سياسة الكيل بمكيالين، التي برزت في ممارسات مجلس الأمن أثناء معالجته للصراعات الدولية خاصة في فترة ما بعد الحرب الباردة.

– كون أن مجلس الأمن أضحى في فترة ما بعد الحرب الباردة يخضع بشكل كبير لتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثمة فالقرارات التي يصدرها ذات المجلس تكون بالضرورة في مضمونها تعبر عن مصلحة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فإشراف الجمعية العامة على تدبير أمور صيانة السلم والأمن الدولي سيساهم في تحجيم تحكم الدول الدائمة العضوية في استخدام الأمم المتحدة خدمة لمصالحها الاستراتيجية .

إن تعزيز دور الجمعية العامة في مجال حفظ السلام يمكن أن يمر أيضا عبر ضبط معنى “تهديد السلم والأمن الدولي” ، فهذه العبارة الفضفاضة (كما جاءت بها المادة 39 من الميثاق) أصبح مجلس الأمن يستعملها ويوظفها بشكل كبير كأساس قانوني سواء لاتخاذ أعمال قسرية “لحفظ السلم” الدولي أو لفرض “السلام” عبر العمليات الأممية لحفظ السلام، حيث قامت العديد من العمليات بناء على قرارات لمجلس الأمن بعد أن كَيَّفَتْ أوضاع معينة –وإن لم تكن ترقى إلى ذلك- بأنها تهدد السلم والأمن الدولي، وبالتالي اتخذت إجراءات لفرض “السلام” على الأطراف المتصارعة ، ومن ثمة تتحول عمليات لحفظ السلام التي تروم المساهمة في انتقال ديمقراطي سلمي إلى عمليات فرض “للديمقراطية” بالقوة العسكرية أحيانا.

وعليه يمكن تجاوز هذا التعسف الذي يستعمله مجلس الأمن في توسيعه لتفسير معنى “تهديد السلم والأمن الدولي” بغرض لجوئه للفصل السابع واستعمال القوة العسكرية من خلال آليتين : سواء عبر رقابة الجمعية العامة لقرارات مجلس الأمن عن مدى اتساقها مع ما يتطلبه الحفاظ على السلم والأمن الدوليين (أي مراقبة شرعية ومشروعية هذه القرارات)، وإما نقل صلاحيات تفسير مضمون الحالة التي تدرس هل تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين أم لا إلى الجمعية العامة .

إن تقوية دور الجمعية العامة في مجال حفظ السلام والأمن الدوليين بشكل عام، يستلزم وضع آلية أفضل لإتاحة التفاعل المنهجي مع منظمات المجتمع المدني، فمن الممكن إنشاء غرفة ثانية استشارية إلى جانب الجمعية العامة تمثل جمعيات المجتمع المدني والنقابات المركزية وكبرى المنظمات العلمية والثقافية والاقتصادية والحرفية.. فدون شك قد يفضي خلق منبر للمجتمع المدني إلى مساعدة الجمعية العامة على اتخاذ قراراتها بجعل مناقشاتها محيطة بالحقائق والتأثير في قراراتها من جهة، إضافة إلى الرفع من قيمة تلك القرارات والترويج لأنشطة الجمعية العامة عبر المجتمع المدني العالمي نفسه من جهة ثانية، فقد قدمت المنظمات غير الحكومية مساعدة حيوية للأمم المتحدة في القيام بأعمالها خاصة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

إن تقوية دور الجمعية العامة بالاستناد إلى وضع علاقة مؤسسة بينها وبين المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وكذا تمثيليات عن البرلمانات الوطنية، إلى جانب منظمات أخرى مثل الاتحاد البرلماني الدولي.. بإمكانه أن يفضي إلى الارتقاء بعمل الجمعية العامة ويجعله أكثر قبولا ومصداقية من قبل كل الفاعلين على المستوى الدولي.

فعلى مر السنين قدمت المنظمات غير الحكومية مساعدة حيوية للأمم المتحدة، فهي توفر عادة رصدا مستقلا وإنذارا مبكرا وخدمات لجمع المعلومات يمكن أن تفيد بصفة خاصة في الدبلوماسية الوقائية، وكقنوات اتصال غير رسمية أو بديلة.

ان إعطاء مكانة لهذه التنظيمات (المنظمات غير الحكومية، جمعيات المجتمع المدني.. اتخاذ البرلمانات..)، باعتبارها أصبحت ذات قوة اقتراحية، إلى جانب الجمعية العامة، قد يخلق نوعا من التوازن داخل الجمعية العامة من جانب، كما أنه قد يساهم في تقويم عمل الجمعية العامة من جانب آخر، خاصة وأن الجمعية العامة ذاتها قد تحوي حكومات غير ديمقراطية. فعدم تمثيل كثير من الحكومات للشعوب شكل أحد العوامل الأساسية في شل فعالية الأمم المتحدة في بعض المجالات وعلى رأسها مجال حقوق الإنسان، ففي حالة وجود أغلبية من الأنظمة غير الديمقراطية في جهاز ديمقراطي التركيب كالجمعية العامة، فإن هذا ليس ضامنا على الإطلاق لأن تكون قرارات هذا الجهاز لصالح الديمقراطية أو العدالة في المسائل الداخلية، نعم لقد جرت المطالبة بالديمقراطية والعدالة في العلاقات الدولية من قبل هذه الأجهزة ولكنها لم تربط ذلك منهجيا بالعدالة والديمقراطية داخليا، وشكل هذا ضعفا خطيرا لهذه الأجهزة ولما يصدر عنها.

في الأخير فإن تقوية دور الجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين لابد أن يمر عن طريق إصلاح الهيكل الإداري لهذا الجهاز بما يكفل تبسيط وتحديث الجمعية العامة ولجانها، كما يتطلب الأمر تصورا أفضل لجدول أعمالها واختصاره، فاللجان الأقل حجما والأكثر تركيزا يمكن أن تساعد في زيادة تركيز القرارات التي تعرض على الجمعية العامة بكامل هيئاتها وفي تحسين تلك القرارات أيضا.

* دكتور في القانون الدولي والعلاقات الدولية

‫تعليقات الزوار

2
  • الشاب ربيع
    الأحد 4 أكتوبر 2015 - 13:44

    المغرب ساهم بما مجموعه 50000 جندي ضمن القبعات الزرق عبر العالم تحت ميثاق جمعية الأمم المتحدة و هذه هي الحصيلة المعتبرة و ما عداها فهو جر للغو و الكلام الفارغ .
    و العبرة بما تقدمه الدول الأعضاء من تضحيات لا غير .

  • brahim
    الإثنين 5 أكتوبر 2015 - 00:14

    هذه الحرب لا نخوضها في عصبة اﻷمم
    هذه المعركة نخوضها هنا على أرضنا وفوق صحرائنا
    رسالة يجب أن تصل الدزاير

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات