ماذا تحقق خلال 12 سنة على صدور مدونة الأسرة؟

ماذا تحقق خلال 12 سنة على صدور مدونة الأسرة؟
السبت 10 أكتوبر 2015 - 18:45

تحل الذكرى الثانية عشرة للخطاب الملكي أمام البرلمان حول الخطوط الرئيسية لمدونة الأسرة والذي أنهى الصراع الحاد بين التيارين : الحداثي والأصولي . وتحل مع الذكرى أسئلة عديدة حول مدى تطبيق نصوص المدونة في المحاكم الأسرية ، ومدى الوعي المجتمعي بأهمية المدونة ، ومدى التحايل على بنود المدونة وسوء استغلالها . والمدونة ، مثلها مثل الدستور ، خضعت لموازين القوى ، وإن كانت في غالبيتها منتصرة للتيار الحداثي ومطالبه المشروعة لصالح المرأة والأسرة . ورغم أن ثغرات المدونة قليلة العدد لكنها خطيرة الأثر والتأثير على صحة الزوجة ومستقبل الأسرة

وتماسكها . وإذا كان المطالبون بتعديل مدونة الأحوال الشخصية يتوخون رفع الظلم القانوني والاجتماعي على المرأة ، وقد نجحت فعلا المدونة في عتق رقاب آلاف الزوجات من قبضة الأزواج المتعنتين بفضل مسطرة الطلاق للشقاق ، فإن مدونة الأسرة لم تضع حدا لهذا الظلم الذي تعانيه الفتيات. إذ لازالت ظاهرة زواج القاصرات مستفحلة ، بل هي في ارتفاع منذ دخول المدونة حيز التطبيق ، رغم المخاطر الصحية والتبعات الاجتماعية التي تتسبب فيها . فبحسب الإحصائيات التي توفرها وزارة العدل ، فإن طلبات الإذن بزواج القاصرين/ات الذين تصل أعمارهم/ن 17 سنة ، بلغت خلال

المدة الممتدة من 2007 إلى 2011 ما مجموعه 144 ألفا و 346 طلبا . وتزداد المشكلة حدة لما ندرك أن طلبات الإذن بزواج من هم في سن 16 سنة ، خلال نفس الفترة ، بلغت 55 ألف و967 طلبا . فالمفروض ، إذن ، أن يتعامل القضاة بقدر من المسئولية في دراسة هذا الكم الهائل من الطلبات ولا يوافقون إلا على النزر القليل منها حماية للقاصرات ومنعا للأسر من اللجوء إلى هذا الاستثناء حتى لا يصير هو القاعدة . لكن الإحصائيات تكشف عن المنحى التراجعي والخطير ، بحيث إن عدد الطلبات التي رفضها قضاة الأسرة سنة 2011 لم يتجاوز 4899 طلبا ، أي ما يمثل نسبة 10.44في المائة من مجموع الطلبات

المقدمة . والحقيقة إياها لم تتغير خلال السنوات اللاحقة ، إذ أكد وزير العدل والحريات ، أثناء الندوة الصحفية التي عقدها يوم 6 مارس 2015 ، أن زواج القاصرين في المغرب ارتفع من سنة إلى أخرى، حيث “ارتفع من 18 ألفاً و341 زواجاً خلال سنة 2004 إلى 35 ألفاً و152 زواجاً خلال سنة 2013”. أمر يدعو فعلا إلى الاستغراب وفي نفس الوقت التساؤل عن أسباب تفشي ظاهرة زواج القاصرات . وتأتي في مقدمة الأسباب ، الثغرات القانونية التي تتضمنها المدونة والتي يسيء استغلالها ، سواء القضاة أو الآباء والأوصياء على القاصرات . ويتعلق الأمر ، في المقام الأول ، بالمادتين 20 و 21 من

المدونة واللتين تعطيان الصلاحية للقاضي بتزويج القاصرات ؛ بحيث تنص المادة 20 على التالي “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك ، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.”

أما المادة 21 فتنص على أن ” زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي. تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد. إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع .مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.

وهاتين المادتين تسمحان للقضاة بالتحايل على المادة 19 فيجيزون زواج القاصرات بعلل تضرب القانون في عمقه . ومن تلكم العلل التي يضمنونها الأذون الممنوحة نجد : توفر القاصر على القدرة الجسدية لتحمل أعباء وواجبات الزواج ، أن المصلحة الفضلى للفتيات في الزواج والتحصين وحمايتهن، وعدم امتهانهن لأي عمل ، وانقطاع الفتيات عن الدراسة ، وضعف الحالة المادية للوالدين، وعادات أهل المنطقة التي دأبت على تزويج الفتيات في سن مبكرة خوفا عليهن من العنوسة. وهي كلها علل الغاية منها شرعنة خرق القانون ، من جهة ، ومن أخرى ، تكريس كل أشكال الظلم الاجتماعي

والنفسي فضلا عن المخاطر الجسدية التي تترتب عن هذه الزيجات . والثابت أن كثيرا من الزوجات القاصرات إما حرمن من التعليم بفعل الزواج أو تعرضن للتشرد بعد طردهن من بيت الزوجية ، أو عدن إلى أسرهن مثقلات بالأحزان والأبناء ما يثقل كاهل الآباء والأسر .

أمام هذه الوضعية الاجتماعية المعقدة والخطيرة لا سبيل أمام الدولة/الحكومة سوى اعتماد الإجراءات التالية بكل استعجالية :

1 ـ إلغاء المادتين 20 و 21 من مدونة الأسرة حتى تغلق المنافذ التي يسيء القضاة والآباء/الأوصياء على القاصرات استغلالها ؛ والاقتصار بالتعديل لن يوقف المآسي النفسية والاجتماعية والجسدية للقاصرات .

2 ـ تعديل المادة 19 بما يمنع كلية الزواج دون سن 18 سنة .

3 ـ تجريم زواج القاصرات بنص قانوني يعاقب كل من تورط في تزويج قاصر .

4 ـ تخصيص اعتمادات قارة لدعم التمدرس والتكوين المهني لاستيعاب الأطفال في سن التمدرس والمنقطعين عن الدراسة بغرض تأهيلهم مهنيا حتى لا يكونوا عرضة للقهر الاجتماعي والتهميش .

5 ـ تخصيص برامج تحسيسية متواصلة بأهمية توثيق الزواج وبمخاطر زواج القاصرات وتبعاته الاجتماعية.

6 ـ دعم جمعيات المجتمع المدني التي تهتم بتكوين وإدماج الأطفال المنقطعين عن الدراسة حتى لا يكونوا عالة على الأسر .

إنها مسئولية الحكومة لوضع حد لهذه المأساة التي تعاني منها فئة القاصرات ومعهن الأسر والمجتمع .

‫تعليقات الزوار

2
  • نوفل العراقي
    الأحد 11 أكتوبر 2015 - 00:56

    لن تتقدم المجتمعات طالما هناك ثقافة مهيمنة تعتبر مقدسة لا يجوز نقدها او الاقتراب منها علميا و موضوعيا لانها تعتبر نفسها حاملة للحقائق المطلقة الثابتة و الصالحة لاي زمان و مكان و مجتمع- اي ثمة فرامل تعيق التطور و التقدم خطوة الى الامام و لو ضغيرة و لا ادري كم من قرن يلزم من اجل قبول فكرة ضغيرة- نحن امام حضارة نكوصية جمودية ماضوية محنطة و انظمة سيوسيواقتصادية ترفض اي جديد الا اذا تم فرضه فرضا اما بالقوة (المستبد و الديكتاتور و اما الاستعمار الخ) لكن سرعان ما نعود القهقري تمام مثل المراهق الذي يجد صعوبة في التطور السيكولوجي تراه ينكص الى الوراء و الى الطفولة الخ- لهذا يحار المرء امام الناس: ماذا يريدون؟ هل العيش في العصر ام في العصور الخوالي- و ترى البعض يلبس التيشورتات و الكرفاطات و الكوستيمات و النظارات و الساعات و الاحذية اخر صيحة لكنه يدافع عن اشياء غابرة- انها مفارقة مرضية سيكيزوفرينية- فهة لا يقوى على الحسم فيما يريد- انه يريد المسك ببطيختين في يد واحدة و هو المحال بعينه- فلا هو تقدم و لا هو عاد الى الوراء- انه الانحباس الحضاري و الفرملة التاريخية الكبرى-

  • Marocain
    الأحد 11 أكتوبر 2015 - 23:57

    16 سنة مناسبة ، ولا عيب مادامت البنت بالغة ومؤهلة للزواج، ومادام الزواج يتم بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، فهذا أفضل بكثير من أن تتزوج البنت بعد سن 35 بدون خبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي أو حتى إذن الأبوين الذين ربما رحلوا عن هذه الدار…إن الناظر في واقعنا اليوم يجد القاصر تعبث مع مراهقين وربما وجدت من يضحك عليها بكلام معسول وحب واهم. فإذا ضيقنا على الزواج فأكيد ستفتح أبواب غير الزواج خاصة في مجتمعنا الحالي المنفتح على ثقافة الغرب المتقدم. قبل بضععة أشهر قررت الحكومة الاسبانية رفع السن القانونية الأدنى للزواج من 14 الى 16 سنة..هذا التعديل جاء بعد رفع سن الرضا (بممارسة الجنس) من 13 الى 16 سنة بإسبانيا.. فإذا ضيق المغرب على الزواج وضيق على العلاقات خارج الزواج..فماهو الحل في نظركم.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين