عدالتهم .. وعدالتنا !

عدالتهم .. وعدالتنا !
الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 16:10

تعرف فرنسا هذه الأيام جدلا كبيرا على خلفية إقدام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على منح عفو رئاسي في حق سيدة قتلت زوجها رميا بالرصاص بعدما عانت من التعنيف والتعذيب طوال خمسة عقود، وأقدمت جاكلين صوفاج 65 سنة، على فعلتها بعدما علمت أن زوجها اعتدى جنسيا واغتصب ابنتيهما عدة مرات.

القضاء الفرنسي، وبعد مرافعات مطولة، حكم على السيدة صوفاج بعشر سنوات سجنا نافذا، على جريمتها وهو ما أثار ثائرة المدافعين عن حقوق المرأة والمناهضين للتعنيف وخرجت مظاهرات مطالبة باستصدار عفو رئاسي في حقها لأنها كانت في حالة دفاع عن النفس.

وبعد استشارة وزيرة العدل وخبراء وفقهاء في القانون وبعد استقبال ابنتي هذه السيدة الجانية في قصر الإليزيه أصدر الرئيس الفرنسي عفوا مشروطا على السيدة جاكلين صوفاج بموجب المادة 17 من الدستور، التي تخول له بإصدار عفو فردي وليس جماعي، في هذا النوع من الحالات الاستثنائية .

هذا العفو المشروط لم يرق لهيئة القضاء التي استنكرته واعتبرته تعديا صارخا وطعنا في حكم قضائي نهائي تم البت فيه من طرف محكمتين مستقلتين.

أسرد هذه القصة لأن في مجتمعاتنا العربية لا يزال العفو الرئاسي أو الملكي يمنح بشكل جماعي وليس بدراسة كل حالة على حدة أو بشكل استثنائي من أجل تصحيح خطإ قضائي. أما في الدول الديموقراطية فيتم الاستعانة بهذا النوع من العفو لأسباب سياسية أو حقوقية في أغلب الاحيان وليس من أجل تكريس حكم وقرارات الرئيس أو الملك التي تلغي قرارات وأحكام القضاة مهما علا شأنهم ومهما كانوا قضاة عادلين في أحكامهم .

فمثلا في المغرب لا يزال العفو الملكي يمنح لآلاف المدانين في جرائم الحق العام والخاص في المناسبات الدينية والوطنية، وبعضهم من جنسيات أجنبية. هذا النوع من العفو الذي يطال جناة تمت إدانتهم في جرائم خطيرة كجرائم الاغتصاب.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، فضيحة العفو عن المواطن الاسباني دانييل كالفان الذي اغتصب أحد عشر طفلا قاصرا مغربيا بعدما حكم عليه القضاء المغربي بالسجن 30 سنة، وهو ما أثار استهجان عدد من المواطنين مما اضطر القصر لإلغاء العفو عن دانييل كالفان بل نفى علمه بملف الجاني. وبالتالي كيف يعقل أن يتم العفو عن ألاف المدانين دون العلم بسوابقهم العدلية وما ارتكبوه من جرائم ؟

ألا يعتبر هذا طعنا في جهاز القضاء واستقلاليته؟ أليس هدرا للمال العام عندما يتم الإفراج عن مجرم لأن هذا يعني أن كل عمل التحري والاستقصاء الذي قامت به الشرطة لإلقاء القبض عليه من أجل تقديمه للعدالة يعتبر لاغيا ولا قيمة له، وكل المرافعات والبحث والاجتهاد والعمل المضني الذي يقوم به القضاة يذهب هباء منثورا.

إصدار العفو في حق مغتصب أو مجرم أو سارق يعتبرا تعديا على الحق العام والخاص. أين هي العدالة بالنسبة للأشخاص المتضررين على يد هؤلاء؟ أليس تشجيعا على تكرار هؤلاء لأعمالهم الدنيئة ؟ فكم من مجرم استفاد من العفو مرة ومرتين وثلاث مرات؟.

كيف سيكون موقف القاضي عندما يحكم على شخص ثبتت إدانته ويتم الافراج عنه مرة ومرتين وثلاث مرات من دون وجه حق !! أليس استخفافا وطعنا في حكمه ؟

أين هي الشفافية عند العفو على مئات الآلاف المدانين؟ الكل يعرف أن هذا النوع من العفو تشوبه المحسوبية والزبونية والفساد والرشوة من طرف أولئك الذين يتولون تنفيذه؟ هذا النوع من العفو يكرس الفساد ويشجع على الاعتداء على اقتراف أفظع الجرائم ويصبح الجرم يرتكب مرتين، بحيث إذا استفاد الجاني من عفو لا يستحقه بل لأنه دفع رشوة فهذه جريمة أخرى تضاف إلى جريمته الأولى.

متى سمعنا جهاز القضاء في المغرب يطالب بإلغاء العفو الملكي الجماعي واستثناؤه في حالات خاصة كما هو الحال في الدول الديموقراطية؟

أليس العفو الجماعي تعد على عمل جهاز القضاء وتشجيع على الفساد؟ أين المجتمع المدني المغربي من هذا النوع من العفو على مجرمين خصوصا أولئك الذين ارتكبوا جرائم اغتصاب وقتل وتعدي جسدي ترتب على اثرها عاهات جسدية الخ… وهنا يحضرني مثال إحدى الجمعيات التي تنشط ضد الاستغلال الجنسي للأطفال في المغرب وعندما سألت الصحفية المسؤولة عن هذه الجمعية عن رأيها في العفو الملكي رفضت التعليق …. أيبقى هذا النوع من العفو مقدسا الى هذه الدرجة؟

الأمر الآخر الذي يثير الاستغراب هو نشاط الجمعيات المدنية والحقوقية الحكومية وغير الحكومية التي تنظم مؤتمرات وندوات دولية من أجل المطالبة بإلغاء حكم الإعدام كما لو أن هذه العقوبة تطبق بشكل واسع في المغرب، والحقيقة أنها لم تطبق إلا في حالات نادرة جدا وفي حق مجرمين كبار آخرها كان قبل عشرين سنة على الأقل. أليس من الجدير استنكار “عمليات الإعدام” التي يتعرض لها جهاز القضاء عندما يتم العفو على مئات المجرمين ؟ ( كلمة “جريمة” يجب ألا يتم اختزالها في القتل طبعا).

تكريس العدالة والحفاظ على حقوق الناس يقتضي أيضا رفض هذا النوع من العفو الجماعي كل سنة لآلاف المدانين وعلى سبيل المثال بمناسبة عيد المسيرة الخضراء سنة 2015، شمل العفو الملكي 4215 سجينا بينهم مدانون في قضايا إرهاب.

العفو الملكي يصدر كل سنة في ثمان مناسبات وطنية ودينية ويشمل ألاف الأشخاص، وهذا يعني أن الملك لا يمكنه أن يعرف تفاصيل وملف كل شخص ممن يشملهم العفو، مما يقتضي تشكيل لجنة مستقلة خاصة تدرس الملفات بكل شفافية ونزاهة.

لقد آن الأوان لتقليص العدد الهائل للذين يستفيدون من هذا العفو رغم ارتكاب بعضهم لأبشع الجرائم لأنه يتعارض مع مفهوم العدالة والديمقراطية واستقلالية جهاز القضاء.

‫تعليقات الزوار

9
  • الزغبي
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 16:36

    ليس عندنا مجتمع مدني..الجمعيات التي سمحت الدولة بإنشائها جلها عرقية متأمزغة تدافع عن القبيلة والعرق الامازيري

  • karim rbali
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 17:30

    اعلم يا صديقي ان العفو في المغرب يكون لسببين اثنين اما لان احد المسجونين له علاقة باصحاب القرار فيتم عنه العفو بقوة المعرفة او ان المظلوم انسان عادي في المجتمع والقبض على الظالم سيزيد عبئا ثقيلا على الدولة من خلال التغذية و الايواء ووو لذا يتم تسريحه على عينيك يا بن عدي . اما من ارتكب جرما سياسيا فلا يعرف استعطافه الطريق الى عفو ملكي .

  • سيمو
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 17:30

    ادا كنت تقصد العفو الملكي في المغرب فلم يسبق للملك ان عفا عن قاتل لكي تقارنه بما فعله هولان و قبله شيراك الدي عفا عن المغربي عمر الرداد،و لدلك فما وقع في فرنسا خطير و لا يمكن مقارنته بالعفو الدي يكون هنا عن اشخاص ارتكبوا ما دون القتل،المسالة المهمة هي ان فرانسوا هولاند لما كان في المعارضة كان ضد العفو الرئاسي و لدلك ياتي عفوه متناقضا مع مبادئ كان يدعيها،و الامر الاهم هو ان العفو الرئاسي ليس نزوة و انما موجود في القانون الفرنسي و لا حق للقضاء في ألغائه، اقرئوا الصحف الفرنسية لتفهموا ان ما تتخيلونه عن العدالة هناك ليس سوى خرافات

  • mistral
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 22:12

    ان جرائم فرنسا انظف و اكثر انسانية و اخلاقية من عدالة المخزن عندنا….

  • كلكم راع وكلكم مسؤول
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 23:05

    ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب قانون الإعدام يجب أن يطبق على المجرم القاتل حتى الولايات المتحدة الأمريكية تطبقه وان يشنق في ساحة المدينة ليكون عبرة وان تقطع يد السارق إلا في حالة سرقة شيئا ما يأكله ليسد الجوع

  • بركاني
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 23:07

    لو كانت عدالة في فرنسا لما ظلمت هده السيدة اصلا و تحكم بالسجن و هي ضحية وانت جئت بالمثال الخطا و استدللت على العدل بالظلم الدي تعرضت له هده المراة

  • مواطن مغربي
    الأربعاء 10 فبراير 2016 - 10:38

    كل حالات العفو في المغرب تهون أمام ما فعله رءيس العدالة والتنمية وليس رءيس الحكومة الذي عفا دون محاكمة عن المجرمين الحقيقيين الذين نهبوا خيرات البلاد وكانوا المسؤولين مسؤولية مباشرة عن انحراف أفراد من الشعب المغربي و سقوطهم في براثن الجريمة.
    عبارة " عفا الله عما سلف " ستبقى جريمة في صحيفة سوابق رءيس الحكومة و سيعاقبه الشعب المغربي بإسقاطه في الانتخابات المقبلة وسيسأل غدا أمام الله عن ذلك.

  • مفكر
    الأربعاء 10 فبراير 2016 - 11:46

    مقال رائع, كثر الله أمثالك. لا مجال للمقارنة بين الدول الدمقراطية و عكسها.
    المجتمع المدني بالمغرب لا قوة و لا حول له. البعض يصيح و يقلب الدنيا بمجرد السماع عن لباس مغنية أو قبلة مراهق, و لا يتحرك له ساكن و لا يوبخه ضميره عند مشاهدة أطفال متسكعون بالأزقة بلا حماية و لا حنان أو نساء يسخرن كالبغال بحدود مليلية لنقل الأطنان من المواد المهربة مقابل فلاليس بدون ضمان.
    مجتمع تربكه قبلة أو تنورة فتاة و قلبه مبنج امام مظاهر العنف الأسري و الكلخ الفكري و فساد الحكومات و البطالة و الأوساخ و هلم جرا

  • محمد أيوب
    الأربعاء 10 فبراير 2016 - 18:57

    هنا الاختلاف:
    "أما في الدول الديموقراطية…"..هنا يكمن الاختلاف بيننا وبينهم..وهنا مربط الفرس.."الديموقراطية"..هذه الكلمة هي الفيصل بيننا وبينهم..مثلا:هل يمكن لملك اسبانيا أو ملكة بريطانيا أو غيرهما أن يصرحوا بأنهم سيصوتون بنعم على مشروع ما معروض على الاستفتاء الشعبي؟طبعا لا يمكن أن يحدث ذلك،وان حدث فان الصحافة لن تسكت أبدا..ستتكلم وستكتب وسائل الاعلام وستحتج من غير خوف من الاعتقال وتلفيق التهم ب:"القانون"كما يحدث عندنا..آخر ذلك اعتقال فاضح:"الزفت المغشوش"..هناك توجد ديموقراطية حقيقة فعلا وقولا..هنا مجرد ديكور ينتعش بواسكته بائعو الكلام الفارغ وناشرو الوهم بين المغفلين..فحكومة بنكيران كسابقاتها وكتلك التي ستأتي بعدها:لا قرار لها مطلقا..فوزراؤها مجموعة من الموظفين الكبار يتقاضون رواتب سمينة ويتمتعون بامتيازات أسمن ينمون بها ثرواتهم ويؤمنون مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم وأفراد أسرهم ليس الا..أما الشعب المغفل فله معسول الكلام مثل دولة الحق والقانون والمساواة بين المواطنين وتطبيق مبدأ المسؤولية مقابل المحاسبة ومحاربة الفساد والغش والرشوة وغير ذلك مما نسمعه من وسائل اعلامنا الرسمية..

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 1

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"