الحذر من انهيار منظومة الدفاع الشعبي والمدني..

الحذر من انهيار منظومة الدفاع الشعبي والمدني..
الأربعاء 10 فبراير 2016 - 19:25

ثمة قاعدة في السياسة يصعب الانفلات من قانونها، فالعملية السياسية التي تضعف فيها المعارضة أو تفقد مصداقيتها أو تنقص شرعيتها، يكون مآلها استبداد الأغلبية، أو انهيار منظومة الدفاع الشعبي والمدني.

في حالة المغرب، لا يمكن الحديث عن استبداد الأغلبية، لأن النظام السياسي والدستوري للمغرب يمتلك ما يكفي من الضمانات لمنع ذلك، إذ بين الفينة والأخرى، تتحول بعض المؤسسات الدستورية إلى معارضة تضبط الإيقاع، وتعيد التوازن إلى العملية السياسية، وفي بعض الأحيان، يتجاوز الأمر سقف إعادة التوازن إلى أشياء أخرى، بل ودون الحديث عن المؤسسات الدستورية، ففي التشكيلة الحزبية المشكلة للأغلبية ضمانات إضافية، وقد رأينا في المحطة الانتخابية الأخيرة كيف تصرفت بعض أحزاب الأغلبية خارج منطق التوافق الحكومي.

في المغرب، ليس الخوف من سيناريو استبداد الأغلبية، ولكن الخوف هو أن يحصل انهيار كامل لمنظومة الدفاع الشعبي والمدني(…)

في المغرب اليوم أربع معارضات: معارضة حزبية، ومعارضة نقابية تمثلها مركزيات نقابية تحاول أن تخلق من بعض المطالب الاجتماعية حراكا شعبيا، ومعارضة مدنية، تمثلها من جهة المكونات الحقوقية، ومن جهة ثانية بعض التنسيقيات المدنية التي تتمحور حول مطالب فئوية، ثم معارضة جذرية تناهض في الأصل النظام السياسي، لكنها تصرف النضال السياسي من خلال استثمار المسألة الاجتماعية.

المشكلة في هذه المعارضات أنه باستثناء النضال الفئوي الظرفي المحدود، لا أحد منها حاول أن يطرح سؤال النقد الذاتي، وكيف انتهى أمرها إلى العزلة والانفصال عن القاعدة الشعبية. أما المعارضة الحزبية، فقد فقدت بوصلتها بسبب تناقض سلوكها السياسي، فهي تريد عقلنة المشهد السياسي، لكنها ترفض أن يرفع سقف العتبة، وهي تريد لوائح انتخابية جديدة، لكنها ترفض اعتماد البطاقة الوطنية كقاعدة للتسجيل الأوتوماتيكي، وهي تدافع عن الحقوق السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج، لكنها تعمل على تعطيل القانون التنظيمي في السر، وهي تنحاز إلى الطبقات الفقيرة في خطابها السياسي، لكنها ترفض دعمها المباشر، بدعوى أن ذلك يشكل رشوة انتخابية لحزب بنكيران.

أما المعارضة النقابية، فهي وإن كانت في الظاهر تعارض سياسات بنكيران، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تريد أكثر من «رشوة» تقدمها لها الحكومة، فتظهر النقابات، أو بالأحرى قياداتها، أنها قايضت بذكاء إصلاحات الحكومة، بمكاسب عظيمة حققتها للطبقة الشغيلة، وضمنت بها أيضا البقاء حينا من الدهر في المواقع القيادية.

أما المعارضة الحقوقية، فقد خفت صوتها بسبب سياسة رئيس الحكومة التي أجلت البعد القيمي والهوياتي، أو فوتته لجهات أو مؤسسات أخرى، فصارت أشبه ما تكون بالمعارضة النمطية الموسمية التي تتحرك مع حملات إلغاء عقوبة الإعدام، أو تتحرك للمطالبة بإلغاء بعض مواد القانون الجنائي كلما وقعت حادثة سلط عليها الإعلام بعض الضوء.

أما المعارضة الجذرية، فبعد فشلها في تحويل الحراك إلى خميرة ثورية تحقق تطلعاتها في «القومة» أو «الثورة»، استفاقت على شيء اسمه «المسألة الاجتماعية»، محاولة من خلالها أن تركب الموجة وتضفي على هذا النضال بعدا سياسيا.

وحده النضال الفئوي بقيت جذوته مشتعلة قليلا، وذلك لكونه يتمحور على مطالب فئة معينة يرتبط مستقبلها به، وتجد في الإعلام والشارع والقوى المدنية الحضن الدافئ الذي يسندها لحين.

محصلة هذا الفرز أن المعارضات جميعها صارت بسقف واطئ يأذن بانهيار منظومة الدفاع الشعبي والمدني، فالمعارضة الحزبية، بسبب التحولات العميقة التي مست بنياتها، وبسبب ظاهرة الأحزاب التي تخلق بملعقة من ذهب في فمها، صارت عاجزة عن تعبئة المجتمع، حتى وهي تستند إلى مطالبه الحيوية. والمعارضة النقابية منذ أن كرست منطق الأجر مقابل العمل، فقدت قدرتها التعبوية، وظهرت الأوزان الحقيقية لتشكيلاتها. أما المعارضة الحقوقية، فقد كانت تجد عنفوانها في النضال القيمي، فسحب منها رئيس الحكومة هذا السلاح، في حين تولت الدولة مهمة التصدي المباشر للمعارضة الجذرية التي تتستر وراء المسألة الاجتماعية.

المعضلة اليوم أن قوة رئيس الحكومة، ومنسوب المعنى والأخلاق الذي أضفاهما على الفعل السياسي، قد يرفعان بشكل نسبي مستوى الاهتمام بالسياسة، لكنه في ظل موت المعارضات الحالية، وعدم تشكل معارضة واقعية متجذرة من الشعب، تمتلك قدرا عاليا من الأخلاق، سينتهي في الأفق البعيد إلى انهيار ما تبقى من منظومة الدفاع الشعبي والمدني، ويومها، لو قدر لحزب رئيس الحكومة الرجوع إلى المعارضة في دورات مقبلة، سيجد صعوبة كبيرة في بناء هذه المنظومة الداعمة لمواقعه الجديدة.

‫تعليقات الزوار

6
  • محمد الغريي
    الأربعاء 10 فبراير 2016 - 23:50

    كتاب متميز له نظرة بعيدة
    لم يمنعه التزامه الحزبي من ممارسة النقد بشكل مستقل
    برافو التليدي

  • محمد
    الخميس 11 فبراير 2016 - 15:16

    لاشيء جميل في المغرب حسب صاحب المقال سوى بنكيران وحزبه واتباعه،سبحان الله ،إن لم تستحي فقل ماشئت .

  • Freethinker
    الخميس 11 فبراير 2016 - 15:58

    "قوة رئيس الحكومة، ومنسوب المعنى والأخلاق الذي أضفاهما على الفعل السياسي" حقا؟ رئيس الحكومة متخلق وباقي الفاعلين السياسيين عديمو الأخلاق! ونعم الموضوعية والتجرد

  • فاعل جمعوي
    الخميس 11 فبراير 2016 - 16:52

    في خضم كل هذه التحركات والعراك أين هو المواطن سواء المتنور اوالعادي ،فالأول عزف عن المشاركة سواء في الأحزاب كمناضل او في الذهاب الى صناديق الاقتراع ،نظرا لكثير من الصراعات والشخصنة التي تميز مايسمع بالسياسيين تجاوزا ،
    اما الثاني وهوالمواطن العادي فهو ياءس وتعبيره(ماكينا تحاجا كائن ع الشفارة ) ومع ذلك يشارك في العملية الانتخابية ويساق اليها كرها او طمعا ؟
    الحل كيف نرد الثقة للناس في السياسة ؟

  • أحفاد محرروا المغرب
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 00:57

    الحمد لله أن في هذه البلاد مؤسسسات للتوازن بنيت بدماء الشهداء والوطنيين والغيورين على مغربهم العظيم وليس الذين يقيمون فيه وهم الى أفق الماضي متبرمون وعلى غير قضايا الوطن منهمكون.

  • أحفاد محرروا المغرب
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 01:27

    كأن حزب العدالة والتنمية بدأ من الصفر وأن المغرب كان قرية صغيرة لا مؤسسات فيها ولا دستور. عفوا ففي الوقت الذي رفعت فيه شعارات في دول عربية أخرى ماتزال تسيرها قوانين أساسية ولا تتوفر على دساتير ،رفع شباب 20 فبراير شعار اسقاط الاستبداد والفساد.وبفضل تاريخ المغاربة النضالي الطويل ضد الاستعمار وبعده من أجل بناء الوطن القوي،كان أتباع بنكيران لا يزالون يناقشون مدى جواز النضال من عدمه. والآن يتشدقون بأنهم وحدهم في الساحة. للبلاد بناة وحماة

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال