بين المرجعيات والسلوكات: النفاق الاجتماعي في مغرب اليوم

بين المرجعيات والسلوكات: النفاق الاجتماعي في مغرب اليوم
الجمعة 12 فبراير 2016 - 09:27

وقعت أحداث كثيرة في الآونة الأخيرة طرحت معها بحدة إشكالية المرجعية المجتمعية التي يقع الاحتكام إليها في حالة الاستقطاب الحاد والتنازع بين التمثلات والقيم الاجتماعية المتضاربة في معظم الأحيان. ولعل من الصدفة أن تجتمع عدة وقائع متقاربة زمنية وتطرح هذه الإشكالية بحدة. تبين ذلك بعد تضارب المواقف من فيلم نبيل عيوش بين اعتبره شتيمة وسبة في حق المجتمع، ومن رأى فيه تعبيرا عن حرية التعبير في مجتمع محافظ مرتهن بالقيود والتواضعات الجبرية.

لم يتوقف اللغط حتى جاء الدور على المغنية الأمريكية جينيفر لوبز لتصب بحركاتها وشكلها وعريها الزيت على النار ليصيب لهبها الكثير من الأطراف بدءا من القائمين على القناة الناقلة للحفل إلى وزير الإعلام إلى رئيس الحكومة، بل وحتى من تجرأ وذهب للتسلية والمتعة بحضور الحفل المعلوم، ولم تكد تبرد النار التي أشعلتها المغنية الأمريكية في قلوب الكثيرين حتى استمرأت فتاتان فرنسياتان على تصوير لقطات إباحية في باحة صومعة حسان.

ونظرا لطبيعة مجتمعنا، وبحكم سيطرة الغلو على الأفاق، وترسخ واستشراء الثقافة المحافظة في معظم الأوساط المجتمعية، فلم يكن غريبا أن يحدث ما حدث من غليان وبالشكل والحدة والانتشار والشيوع، وقد غذته وسائل الاتصال الحديثة، وما يمكن أن ينجم عن ذلك كله من سيادة الإشاعات والتفسيرات والتأويلات البعيدة والقريبة. ولعل ذلك ينهض كطابع بنيوي في مجتمعنا المغربي. وفي هذا الإطار تصدت الفئة التي تعتقد أن لها الولاية على الجميع، أي ذلك النفر من حراس العادات والتقاليد وسدنة معبد الرجعية والتخلف.

الغريب في البنية الذهنية لهذه الفئة التي تتصرف بمنطق الأغلبية والأقلية، أنها بسلوكاتها التسلطية والجبرية، إنما ترى في المغربي مجرد نسخة للآخرين ، نسخة تفتقد للذات والأنا، بل هي ذائبة في كل مرجعي لا سبيل لانتقاده أو حتى التشكيك فيه لأن ذلك موجب للكثير من المهالك وأوجاع الرأس. وهذا ليس شيئا أقل من استعباد الإنسان وإرغامه للإذعان لنواميس معينة موضوعة وغير متواضع حولها.

ولعل هذه الفئة المتسلطة تتمادى في غيها بحكم منطق الأغلبية وبحكم الاستناد إلى العامل العقدي الذي طالما شكل أداة للإجهاز على الفكر الحر ومصادرة حرية الرأي والتعبير, وبالمقابل يوجد ما يمكن أن يصطلح عليهم “تسعة رهطين”، أي الفئة القليلة التي تتجرأ على الجهر بما لا يقوى الآخرون على التعبير عنه خشية المحاسبة الاجتماعية في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد وتضيق به مساحة الحرية والتعبير والرأي، مجتمع هو أصلا غير راغب في تغيير بنياته الذهنية ويستلذ حالة الجمود والمحافظة.

بناء عليه، فإن الغلبة دوما تكون لصالح التواضعات الاجتماعية الجبرية والقهرية على حساب االثقافة الناشئة التي تمتح من معين التواضعات الاجتماعية المدنية.

بهذه الكلمات المستعجلة، حاولنا أن نصف الواقع الذي يحبل به مجتمعنا المغربي، معرضين عن الخوض في الموقف من الأحداث التي مازالت حية بيننا، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول بأن الاستقواء بالتقاليد والعادات والتواضعات المجتمعية التي أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها قوة قهرية، كما أن الرد على المخالفين في الرأي بقاموس يستمد مفرداته من تحت الحزام سبا وقذفا وخوضا في الأعراض هو في الحقيقة سلوك يجافي منظومة القيم التي يتحجج بها ويستقوي بها الطرف الذي يرى بأن له الأغلبية في المجتمع لدرجة تستحيل معها المواقف مما جرى ويجري إلى مجرد نوع من النفاق الاجتماعي والدخول في نوع من الحالة المرضية التي يطبعها التناقض، وإلا ما معنى مشاهدة الفيلم المعلوم من طرف-أكاد أقول-الجميع؟ وإذا كان المجتمع محافظا في أغلبيته لماذا يصطف عشرات الآلاف لمشاهدة الحفلات التي توصف عادة ب”الماجنة” من طرف سدنة المحافظة والجمود؟ لماذا لم يمنع هؤلاء أولادهم وبناتهم من الذهاب إلى منصات موازين….لماذا بعضنا يقتل الميت ويسير في جنازته.

*كاتب وأستاذ باحث

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • totale ignorance
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 16:00

    C'est vrai notre société est totalement hypocrite. Ça vient de notre éducation à la maison et à l'école. Nous avions une interprétation erronée de l'islam. Par exemple l'amour et les relations sexuelles en islam. C'était un tabou que tu parles de ça avec tes parents et à l'école. Alors que l'islam parle comme du dois aborder ces sujets avec ta femme et en famille. C'est pour ça quand les musulmans voient une belle femme marcher dans la rue c'est comme ils ont vu une créature qui vient d'une planète. Les arabes qui ont attaqué les filles en Allemagne et en Égypte dans les universités prouvent que les Arabes doivent apprendre comment traiter les filles avec respect et ne les considèrent pas comme des objets sexuelles. Car ils ont été éduqué dans un environnement d'ignorance et de rejet envers la femme.

  • Ayour
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 17:23

    مجتمعنا المغربي مجتمع منافق مع الاسف الشديد

  • رشيد
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 19:09

    شكرا استاد مقال في الصميم مجتمع غارق في التناقضات والنفاق

  • الحسن لشهاب
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 19:45

    فعلا افضل طريقة للعلاج هي تجسيد المرض اولا،ولعل الكاتب المحترم جسد ما فيه الكفاية للمرض الاجتماعي المغربي ،الدي لا محال ستكون له سلبيات في سلوكاتنا و معاملاتنا مع انفسنا و مع ابنائنا و مع الاخرين ، بل كدلك في علاقتنا مع الروح الوطنية و القومية و الاممية،حيث اصبح الحاكم المستبد و اقتصادي الريع و العسكري الخائن و السياسي و الاداري الفاسد ،كلهم مستعدون للتنازل عن مبادئهم مقابل الحفاظ على مصالحهم ،و مما لا شك فيه ان هده الطبقة المترفعة و المتحكمة في مصادر القرارات ،ستحاول بكل ما لديها من قوة و سيطرة على المنظومة التعليمية و الثقافية و القضائية وكل اليات السوق ،على نشر على اوسع نطاق هده العدوة الى باقي الطبقات الاجتماعية ،الا من رحم ربي ،و لم يبقى للمغاربة الا الانغلاق على انفسهم و العزوف السياسي قدر الممكن و اخد الحيطة و الحدر من الافلام و الاعلام المغربي الدي لا محال سيبحث بدوره على مواقف انتهازية و تجسسية من اجل التسلق و الثروة و مصاهرة العائلات العريقة،حتى وان كانت داث اصول صهيونية قحة .

  • عبدو
    الجمعة 12 فبراير 2016 - 23:19

    مجتمعنا ليس له أهداف اجتماعية لتخليق الحياة االاجتماعية ،وترسيخ قيم التسامح واحترام الرأي الآخر، فتفكير المجتمعي لدينا يطغى عليه كراهية كل من يخالفنا ، و و البغض والحسد لكل من هو أحسن ، مما يجعل أكثر المغاربة لهم وجوه وليس وجهين أو وجه واحد، وهذا يقوي السلوك المرضي لذى الفرد : الأنانية ، الرشوة ، التزوير ، استعباد القوي و قهر الضعيف ، تغيير الر أي والاصطفاف بجانب القوي ولو يكون على خطيئة …

  • فاعل جمعوي
    السبت 13 فبراير 2016 - 07:35

    ان السبب فيما وصلنا اليه هو المناهج التعليمية التي كنّا نغيرها كل بضع سنوات دون دراسة فسار كل جيل يقصي الجيل الاخر ،ثم هناك وسأظل العلام التي تدخلت على الخط ،فما يراه مباح في العالم كيف تمنعه منه، والبلد موقع على اتفاقيات دولية ،

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء