شَكـِّــيةُ السـَّـــعادَةِ : عـَـنْ وَجْهـِـهَا القَبـــيحِ في أجَـــنْداتِ الكَــــذِب

شَكـِّــيةُ السـَّـــعادَةِ : عـَـنْ وَجْهـِـهَا القَبـــيحِ في أجَـــنْداتِ الكَــــذِب
السبت 13 فبراير 2016 - 06:39

لست أدري لم تغمرنا السعادة ونحن مذعورون مما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد. لم تنفع كل وصفات السعادة في التذكير بأهم شروط العيش الكريم. ولم تتوقف نصائح الأطباء النفسانيين في تحبيب منافع الحياة وتأثير ذلك على النوع البشري. حتى المقابر أفتوا بترويضها وتعزيز حضورها الرمزي في المخيلة الاجتماعية لتكون قابلة للانفتاح على العالم الغيبي، بما يكرس الاحتوائية الإيجابية لغريزة الصفاء والاستسلام التام؟.

نحن مستسلمون متطوعون منحازون دوما للمغادرة المحتومة، لأننا نجسد طفرة الامتياز، كوننا نسعد من الفراغ وللفراغ.

عفوا، أقصد أن الاستسلام الاقتناعي هو العلاقة بين الشيء المنذور كطاقة للرضا والواقع المتقبل. وهي النظرية التي ترسخت عند عامة الناس، حتى أضحى الصادح بها فيلسوفا مقيما في الجنبات الذكية لسفورها.

يمكن لهذه الصاخة الاستفهامية أن تجرنا إلى ما تتكبده حقولنا المعرفية من إحاطات واستنتاجات بالأسماء والصفات، التي تتكأ عليها أمارات السعادة وكؤوسها الظاهرة والخفية، بما فيها المشاعر والأحاسيس، الجسد والفيزيقا وأشياء أخرى تعلوها الأرواح ومناطق الظل..

لكننا بإزاء هذه الإشكالية نضع السياق العام للسعادة، كينونة ومكونا إنسانيا تحت طائلة الزور والبهتان والتدليس. حيث تراوح وضع المتاهة إياها في بروباجندا تمجيد الحكم الاستبدادي لدى العرب خاصة، بين الترويج المغامر للإعلانات الطامسة للحقائق العجيبة الغريبة، التي تؤول الأرقام الرسمية المبتورة حول طرق العيش مثلا ومعايير الجودة وأسرار الأسر الداخلية الخاصة بتدبير شؤون الحياة طعاما ولباسا ومصروفات أخرى خاصة بتدريس الأبناء والصحة والمواصلات والسفر.. والتخفي وراء أرقام ومعطيات غير مفهومة، هي في الأصل رسمت ودربت على التمويه والتغطية والاستمناء التشويهي؟

نزيل هذه الأقنعة كلها، ونثير الأسئلة الاستراتيجية في خضم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والعولمية التي شهدتها المنطقة العربية في العشر سنوات الماضية، ونحاول تقييم الوضعيات العامة للمشهد السياسي المرتبك.

ففي الوقت الذي تعالى فيه الصراخ عن نهاية العصر الذهبي لسوق البترول العربية، بعد احتلال أمريكا للعراق وتفتيت دول عربية أخرى كليبيا وسوريا واليمن وتطويق دول المحور الخليجي بعد مصالحة إيران، استفاق سلاطين حقول البترول على مفاجآت قاسية، من قبل خطة الغرب لتدمير مدخرات البترول ومداخيله من العملات الصعبة، وتحييد الدول العربية المنتجة من خريطة التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية والاستثمارات الخارجية.

ظهر الأمر جليا في تفكك بنى الاقتصاديات الشائخة لدول الخليج العربية التي تعتمد في تدبير ميزانياتها الضخمة على عائدات النفط ومنتجاته. تستثمر فقط في الإسمنت المسلح وناطحات السحاب. إنسانها يعيش البؤس البئيس والفقر المفقر المدقع. أغلبها لا يتحصل حتى على الوادي الحار..

ما زاد في الطين بلة نضوب الامكانات المادية لمواجهة اختلالات السياسة البكماء، التي أسهمت في تقويض مزيد امتيازات الإنسان الخليجي، من حيث مدخوله اليومي واستشرافه للمستقبل وغموض الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها أغلب الساكنة، بمن فيهم الأقليات التي تجد نفسها خارج تاريخ العيش والعيش المشترك.

صحيح أن بعض الإمارات الخليجية القزمية لا تعير للوضع العالمي المالي أي اعتبار، وتسبح في نهر الخالدات البذخي وتتحمل نسب العجز المخيفة بالاستقواء بمتبقيات الأرصدة المهربة في الأبناك العالمية . لكنها وحسب تقارير خبراتية دقيقة معرضة في أي لحظة للاندحار والتحطم على صخرات الصحراء الحارقة.

إمارة دبي مثلا مدينة لأبناك عالمية ودول لم يذكر إسمها ببلايير وملايير الدولارات. وهو أمر لا يخفى على القاصي والداني.

من الأحق بالسعادة إذن، في ظل هذه السحب القاتمة على وجوه العربان، الشعب العربي الذي يعيش الإفلاس التام والقهر الصامت؟ أم الآلة التعتيمية البليدة التي تستبيح الخوض في القش والقشيش؟

أعيتني دربة العقل وأنا أقرأ مؤخرا خبر تعيين وزيرة، ولأول مرة في بلاد العقال بحقيبة السعادة الأبدية، وكأن تحصيل السعادة يكمن بالظفر الواعد، بالنسب لسدة الأرض الدافقة أبحرها، أن تشفي غليل التربص بها، كي تكون سعيدا معافا ومصان الكرامة؟.

أو قد وصل شعبهم لدرجات وثيرة من الغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة، كما اللذة والمال والراحة والشهرة والمنصب، لا يغالبهم في ذلك من هم على درجات سامية من العلم والبدل والعطاء والريادة والإبداع؟

ثم أليس اللاحق في سلم السعادة أن تنعقد مفازات الحكم على مساحة معقولة من التنظيم العقلاني والسلم الاجتماعي والرفاهية العدلية ؟

وهو ما لا يلتئم في الوضعيات المومئ إليها سلفا، كونها منحدرة للأسفل من الثيوقراطية الاستبدادية أو الاقطاعية الطبقية أو الليبرالية المتوحشة.

يتبدى الحديث إذن في شرفة مغلولة تطل على السعادة من أعلى فوقيا وكأن الحسم الديمقراطي قد قطع أشواطا عديدة ولم يتبق سوى الغرق في الجنة الدنيوية. أليس الأجدر أن نعيد تقطيع وجودنا الافتراضي على شاكلة بوصلة تصيخ الفهوم الثاوية لتقريب معالم الفرادة والانتماء، وتوحيد الرؤى وتنظيف التاريخ من قاذورات الشر السياسوي البدوي، وتشكيل جبهة عربية حداثية مصححة لأفق التنمية الشاملة وتطوير الإنسان وتحديد الاستراتيجيات؟.

ثم بعد ذلك لا نقبل تجزيء الجغرافيات العربية الطوائفية، في الانتظام الوحدوي لتطلعات الشعب العربي، في استقلاليته وانخراطه الراسخ في هويته وابتكاره لنسقيات النهضة.

نعم للسعادة حينما تستعيد حكمتها وسعادتها وعفتها وعدالتها. فمن لا حكمة له لا عقل له. ومن لا يكون عفيفا لا ينظر بالعين القنوعة الصائبة ومن لا يعدل أكيد لا يقوى على توطين مبادئ الإنصاف الاجتماعي والكرامة والحرية ..باختصارلا يليق بالسعادة.

إن الذين يكبون معايير عيشهم الفارغ على وجهات السعادة يخطؤون بربط الأخيرة على قاعدة الثروة واحتياطات الذهب وعلو الناطحات والمآذن، ما دام الأمر لا يستقيم إلا في مصاحبة الحقيقة، في الطوق إلى تجسير قناعتنا بالأمل، دهشة الحياة، حيث يبرأ القلب من أحزانه وهو يشدو على أنف جبل..

أخيرا لا يمكن أن تسعد بالحياة دون أن تطفو على سطح مليء بالمحبات وبالرضا والفكاك من اليأس، حيث إن بلوغ اليقظة لا يتم بالفكاك من أسْر الجسد..

[email protected]

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش