المتحكمون الجدد

المتحكمون الجدد
الثلاثاء 26 أبريل 2016 - 23:02

كثيرا ما يثير فضولنا مناقشة أو تحليل بعض القرارات التي تتخذها أجهزة الدولة في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام و البحث عن أسباب نزولها واستقراء نتائجها وأبعادها و تأثيرها على السياسات العمومية ، و ما موقع الحكومة المعينة وفقا للدستور إزاء قرارات اتخذت خارج إطارها.

و قد اعتقدنا أن دستور 2011 كان سيشكل قطيعة مع ممارسات قديمة لا تتماشى مع دولة تشق طريقها نحو بناء نظام ديمقراطي و إعطاء قيمة للمؤسسات الدستورية و للهيئات السياسية و للمجتمع المدني في المساهمة في صناعة القرارات وفقا ما ينص عليه الدستور من صلاحيات و فصل للسلط . وكنا ننتظر أن تكون للحكومة الحالية الجرأة في تنزيل مقتضيات الدستور أثناء ممارستها منذ تعيينها ، حتى تكون لنا ، نحن المحللون أو الفاعلون ، رؤية حقيقة و ملموسة حول مكامن الخلل في نظامنا السياسي و من هم فعلا “التماسيح والعفاريت ” ، حسب ما تعبير رئيس الحكومة ،الذين يعرقلون مسيرة الانتقال الديمقراطي ببلادنا و يصادرون إرادة الشعب المغربي ، هذا مع العلم أن الخطب الملكية للملك محمد السادس كان دائما تشكل تحفيزا قويا للمؤسسات وللفاعلين من أجل التشبع أكثر بالجرأة والشجاعة لاتخاذ مبادرات في مجال الإصلاح والتغيير و مكافحة الفساد و لو كان الفاسدون في مراكز سامية في هرم الدولة ، انطلاقا من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و مساواة جميع المغاربة أمام القانون.

وهذا النقاش قد يعود بنا إلى الموضوع الجوهري المتعلق بالمتحكمين الجدد ، وهم النافذون في مجال السلطة و المال والاقتصاد ، يوجهون كبار المسؤولين في الحكومة و رجال السلطة و القضاة وأحيانا يضغطون عليهم ، إما بنفوذ السلطة أو بنفوذ المال ، بالترغيب والإغراء أو بالترهيب ، حتى بعض الأحزاب السياسية والنقابات ووسائل الإعلام لم تفلت من تأثيرهم ، حيث توجه من قبلهم في كثير المحطات وتنفذ تعليماتهم ، كما أن المتحكمين الجدد يمولون الحملات الانتخابية لبعض القادة السياسيين ويضغطون من أجل فوزهم بأساليب قذرة ، بما فيه شراء الأصوات، والتغطية الدعائية، والإعلامية ، الغير المتحكم فيها من قبل أجهزة الرقابة الإعلامية ، هذا مع العلم أن الفائزين في هذه الانتخابات المدعومة ماليا سيعملون على حماية مصالح هؤلاء النافذين، ويعتبر ذلك بالطبع أحد مظاهر الفساد السياسي .

و للعلم فإن المتحكمين الجدد ، أو المفترسين Les prédateurs، يملكون أكبر الشركات بالمغرب ويستثمرون في القطاعات الاستراتيجية والحيوية ويحوزون على أهم الصفقات العمومية ، و منهم من يستثمر في العقار و استحوذ على آلاف الهكتارات من الأراضي السلالية وأراضي الجموع ، بطرق ملتوية و بثمن زهيد غير عادل ، بإيعاز من السلطات ، وشردوا العائلات من أراضيهم ظلما لإنجاز مشاريع كبرى تعود عليهم بالنفع ، دون مراعاة شرط المنفعة العامة .

والمصيبة أن هؤلاء المفترسين يشكلون خطرا على الدولة والمجتمع وعلى الاقتصاد الوطني لأن منهم من يعمل في إطار اقتصاد الريع و شبكات الرشوة و يهرب أمواله إلى الخارج بطرق ملتوية و يتهرب من أداء الضرائب بوسائل احتيالية و تدليسية .

المتحكمون الجدد أو النافذون من أصحاب السلطة السياسية و المالية هم الآن من يعرقلون الانتقال الديمقراطي بالمغرب ، يعتبرون أنفسهم أقوياء فوق القانون ، وأنهم محميون ، ومن اعترض طريقهم يدوسونه دون رحمة ، يحتقرون المدافعين عن حقوق الإنسان ، و أن أي تقدم في هذا المجال قد يزعجهم ، لأن ذلك قد يمنح مزيدا من الحقوق والحريات لأفراد المجتمع ، خصوصا أولائك الأفراد المنتمين للطبقات الكادحة و الفقيرة ، والمأجورين في مقاولاتهم المفترسة الذين مافتئوا يطالبون بتحسين أجورهم الهزيلة .

وفي اعتقادي أن هؤلاء المتحكمين الجدد النافذين في المجتمع و الباحثين عن السلطة المالية عبر مقاولاتهم المفترسة والمخيفة ، يشكلون عاجزا أمام بناء دولة الحق والقانون و تطور مسيرة حقوق الإنسان ببلادنا ، على خلاف التوجه العام للدولة الذي يسير نحو إصلاح العدالة و توسيع فضاء الحقوق والحريات و تخليق الحياة العامة .

أخشى أن يستمر نفوذ المتحكمين الجدد و سيطرتهم على المشهد السياسي والسوق المالية و الثروة أمام ضعف الحكومة في مجابهتهم والحد من هيمنتهم ، لأن ذلك يعد مؤشرا لاضطرابات اجتماعية مقبلة ، نتحمل جميعا المسؤولية المعنوية ، بصفتنا فاعلين سياسيين أو مدنيين ، في تجنيب البلاد من أي هزة محتملة و ذلك بالكفاح المستميت ضد التحكم والمتحكمين .

وعندما نصنع ديمقراطيتنا وعدالتنا بأنفسنا ، سوف لن تفكر دولة طامعة أو حاقدة في التدخل في شؤوننا وتهديد استقرارنا و أمننا .

‫تعليقات الزوار

3
  • الرياحي
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 05:03

    حسب مصادر "كولونيالية" فالملكية الخاصة للارض لم تكن تتعدى 20% وما تبقى كان ملك جماعي للقبيلة او لتجمع قبلي
    جاء الاستعمار ، اشترى بعض الاراضي من القياد الكبار ومن الخواص وسلب اغلبها من القبائل.بعد الاستقلال قالت الدولة للفلاح المغربي "بوك هو العود" لا ملكية ولا هم يحزنون الارض ملك للدولة.جاء المسؤول الكبير
    وقال للفلاح هذه ارضي .
    احتجت القبيلة
    قال المسؤول للقياد والدرك …اضربوا الفلاح وعلموه اطب الحوار
    انتفخت القضية
    قال المخزن الملك ملك الدولة ونعرضها للكراء
    قالت القبائل نحن نكتري الارض
    قال المخزن اوهو اوهو
    كراها بثمن رمزي وتعاقد يدوم 99 سنة يعني ببلاش للاعوان والمرتزقة واكلي السحت
    ختام القصة ان المغاربة جردوا من ممتلاكاتهم وغصبت ارضهم
    هكذا اصبح جارنا وزير اتا به نسيم الريع .وكما تقول الاغنية "ما هو جاري ما قريب لدواري غير الريع لي جابوا …" عفوا "المغرب لنا…"
    ليس المغاربة وحدهم المتضررين بل فرنسيين ايضا اشتروا الارض من مالكيها الشرعيين وجائت المغربة لكي تسلب ارضهم تحت الضغط بثمن بخيس.في نظرك من هو المستفيد ؟
    تصبحون على الوطن

  • عبدو
    الأربعاء 27 أبريل 2016 - 12:41

    المتحكمون الجدد هم من سرقوا ونهبوا الشعب المغربي مند استقلاله الى الآن،وركموا خبرة كبيرة في أساليب النهب والخداع من أجل السطو على خيرات البلاد ،مستغلين الثغرات القانونية التي هم وضعوها لتمرير ها والاستفادة منها ، ولاكن نطرح السؤال منهم هؤلاء التماسيح والعفاريت ؟ يجب أن تكون الجرأة لدا السياسيون بتسميتهم .. إنهم أصحاب الجاه وحاشية الحكم وأبناء الاقطاعيون والخونة ايام الاستعمار ، والذين صنعهم أفقير والبصري و… .يستفدون من كل الامتيازات والاقتصاد الريع، أصبحوا الآن يشكلون لوبي ضاغط على الحكم و على الحكومات، يتحكمون في الأحزاب السياسية والنقابات ، بتقسيمها وتشتيتها وانشاءها، يمولون الحملات الانتخابية ويصنعون برلمانيون يطبقون ما يملون عليهم، يعينون الاطر العليا للادارات والمكاتب والشركات الاقتصادية الكبرى،حتى أن رئيس الحكومة يعرفهم ولايقدر على تسميتهم ، لأن ما يفعلونه قانوني معزز بقوانين هو بنفسه صادق عليها.

  • روما
    الخميس 28 أبريل 2016 - 17:36

    مقال في غاية الاهمية ،وهدا مايجب الانتباه اليه لان هؤلاء هم جزء مهم من الدولة العميقة ولايمكن للمغرب ان يحلم بالنهوض لانهم يعيشون على الفساد مند ايام الصدر الاعظم باحماد في عهد مولى عبدالعزيزمرورا بافقير الى حزب البام،انهم يحاربون الوطن بكل مقدساته وبشكل لايمكن الانتباه اليه لأن الاعلام في خدمة هؤلاء المتحكمين والحل الوحيد لفظحهم لايكون الا بوسيلة شرعية تمنح للحكومة المنتخبة سلطات واسعة أو يتم جرهم للحكومة ومواجهة التحديات الصعبة امام الشعب لانتظار سقوطهم لانهم لن يستطيعوا الصمود

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات