كنت حريصا منذ مدة طويلة، عن عدم الخوض في ذكريات تجربة صحفية ومهنية “بما لها وما عليها”، قادتني إليها الأقدار الالهية، في بدايات مشواري مع صاحبة الجلالة، وبشيء من الطموح الذاتي وحب لهذه المهنة، وكان لي الشرف كما للعديد من الصحافيين والصحفيات، اللذين اشتغلوا من داخل إعلام حزب العدالة والتنمية، وتحديدا بجريدة “العدالة والتنمية” سنة 2007، قبل أن تتحول إسما لجريدة “المصباح” مع قدوم الزميل المقتدر أنس مزور، قبل أن نغادرها إلى تجارب مهنية أخرى. وقبلها بسنوات قليلة داخل جريدة “التجديد ” لسان حال حركة التوحيد والإصلاح، كمراسل صحفي من الدارالبيضاء منذ سنة 1999.
تجربة صحفية، لا يمكن لي إلا أن أحتفظ لها بذكريات جميلة، ونكن لها كل الاعتزاز والتقدير من باب “لا يمكننا أن ننكر الفضل لأهله”، وفاء لمدرسة صحفية ومهنية محترمة، وإن اختلفت الرؤى والتصورات حول ما ينبغي أن يكون عليه أداء هذا الإعلام، وكيف ينبغي له أن يسير؟، إلا أن من حسناته على كل حال أنه يحث فيك الطموح بامتياز.
نحتفظ لهذه التجربة، بذكريات، منذ أن التقيت رئيس الحكومة الحالي، الأستاذ عبد الاله ابن كيران عندما كان مدير نشر التجديد ساعتها، في لحظة صفاء، ربما كما عهدته دائما، إنسانا قد يبدو لك عنيفا وسليط اللسان عند أول وهلة وصعب المراس، ويصدمك بكلامه الحاد، وهو يعاتبك على مقال صحفي لم يعجبه في جريدة “الخبر” مثلا، ولكن سرعان ما تتبدد لك هذه الصورة وتظهر لك شخصيته عن قرب، وتكتشف شخصا سريرته بريئة، أكثر من غيره، يكن لك الاحترام بطريقته الخاصة، ففي لحظة من اللحظات لم تعكر صفوها ما سببته لي مهنة المتاعب فيما بعد، من خلافات مع بعض من رموز هذا الحزب، سيعرض علي ابن كيران بكل عفويته أن التحق بالمعهد العالي للصحافة بالبيضاء، في سنة 2006، وهو ماكان، وما سيحرص الرجل على تتبع أدق تفاصيله.
ما يميز تجربتي المهنية المتواضعة ليس ما قام به سي بنكيران فحسب، وأنا أبدأ مشواري الأول مع صاحبة الجلالة، داخل هذه المؤسسات الصحفية، التي مررت منها، بل إن أعظم ما تختزنه ذاكرتي ووجداني هو لقائي بطينة من البشر لم يعد لها مثيل في زماننا الحالي، إنه لقائي بأخي وزميلي الراحل “سي العلوي” رحمة الله عليه الذي وافته المنية نهاية الأسبوع الماضي، وخفطه الموت على حين غرة منا، فعلى كل حال لا راد لقضاء الله وقدره، كنت أحب أن أناديه دائما بسي العلوي، فالرجل كان لا يحب تسييده على كل حال، في آخر دردشة هاتفية جمعتني به قبل أسابيع من وفاته الأليمة، وأنا اتصل بالأخ العزيز سي حسن هيثمي المستشار الإعلامي لوزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، قال لي زميلي حسن : “بلاتي ندوز ليك سي العلوي تهضر معاه”، فالراحل سي العلوي كان زميلا له بديوان وزارة السيد عبد العزيز عماري، سي العلوي وهو يتحدث إليك كان يبادر دائما بالسؤال عن أحوالك المهنية والأسرية وبكل حرارة وتلقائية، تلمس فيه رجلا لا يضع الحواجز والعوائق النفسية بينك وبينه كما يفعل البعض، يغمرك بسعادة بالغة وهو يثني على مسارك المهني، وطموحك، كان يخاطبني دائما عندما أحكي له شيئا من المتاعب الصحفية التي كانت لي مع بعض الجهات، كان يقول لي لا عليك من هذه المتبطاث، ما دمت متشبثا بمبادئك وأخلاقيات مهنتك، دون أن يستغل الفرصة لكي يمرر إليك عتابا بسيطا، عتاب الحبيب والصديق، ومهنية صرفة ومجردة ، فتقدر أخلاقه العالية.
سي العلوي، غادرنا وفجعنا في قلوبنا واستطاع أن ينزل الدموع من أعيننا حزنا عليه، فهو صحافي مغربي عاش في الظل ومات متواريا، رجل يمتلك المهنية العالية، لم يدرسها ويتشبع بها في مدرجات الجامعة فحسب، وإنما يشير لك بها سي العلوي من خلال سلوكه بشكل عام، وأقواله وأفعاله تدلك على ذلك، حين أشرف على سكرتارية جريدة العدالة والتنمية بعد أن غادرها الزميل الرائع سي محمد العيادي رئيس التحرير آنذاك، إلى جريدة العرب القطرية، ساعتها جاء سي العلوي وتحمل المسؤولية الفعلية لرئاسة التحرير، وإن كان يحرص دائما عن الابتعاد عن الألقاب والصفات، ولا يسعى إليها، قاد التجربة وبكل حماس في بدايتها قبل أن يسدل الستار عليها، كان يحرص على مناداتي ب “البطل”، كلما حل في الصباح بمقر الجريدة، كان يتغيى الرفع من معنويات طاقم صحفي شاب في بدايته الأولى، ويجيد التعامل بروح الفريق، حتى يخلق الانسجام فيما بينه فلا تراه الإ مبتسما في وجهك، وإن اختلف معك مهنيا.
كان يحرص في لحظات كلها سعادة أن يلتقط لنا صورا وفيديوهات تخلد لجانب من حياتنا المهنية التي كانت كلها عطاء وحماس وحين كان التعب يبلغ فينا مبلغه ونضطر لكي ننام فوق كراسي مكاتبنا أو تحتها، يبادر إلى التقاط هذه اللحظات ليفاجأك بها، كانت لحظات كلها منافسة رائعة بين مجموعة من الزملاء الذين نجحوا بفضل توجيهات سي العلوي أن يشقوا مسارهم المهني بكل نجاح.
سي العلوي رجل له عزة نفس، أظن أنه كان يكتم كل ما يؤلمه في نفسه ولا يبوح لأي أحد، اختلف مع مجموعة من الأشخاص، ولم تمنعه أخلاقه العالية أن يفرض عليهم احترامه، ينطبق على سي العلوي كما انطبق على العديد من الصحفيين اللذين مروا من هذه المؤسسات الصحفية السالفة الذكر، المثل القائل ” مطرب الحي لا يطرب”، ولذلك كان سعيدا جدا أن يراك وقدنجحت في مسارك المهني، في تجربة مهنية خارج إعلام الحزب أو الحركة، لكن سي العلوي رحمه الله رحمة واسعة، كان يطربنا فعلا و إن لم يطرب آخرين، يطربنا بمهنيته العالية وقدراته الفكرية ودماثة خلقه، فعاش عزيزا ومات كريما، وإن كنت أعتقد أنه لم تنصفه التجربة الإعلامية داخل حزب العدالة والتنمية، التي كان سي العلوي من أبرز وجوهها، ومن كرسوا حياتهم من أجلها، مؤمن بأن لها من القدرات على الاستمرار والحياة ما ليس لغيرها من الصحافة الحزبية التي تأكل ذاتها، لأنها ببساطة تجربة إعلامية استطاعت أن تفرز لنا مهنيين، ورجالا فضلاء وظرفاء من أمثال سي العلوي الذي قضى إلى دار البقاء، وترك فينا حزن فاجعة الفراق، فرحمك الله سي العوي رحمة واسعة، وإنا على فراقك لمحزونون..
*صحافي سابق بجريدة العدالة والتنمية
طبت حيا وميتا اسي العلوي وتحية للأخ الفاضل عادل على التفاتاته النبيلة وانا لله وانا اليه راجعون
الله يرحمو و يوسع عليه امين يارب العالمين.
Quand on veut rendre hommage à quelqu'un la moindre des choses est de l'identifier correctement avec son nom et prénom.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
رضى بقضاء الله وقدره نحتسب عند الله أخانا محمد العلوي اسماعيلي
وبي ارحمنا أحياء وامواتا وانا لله وانا اليه راجعون
والشكر الموصول للاخ عادل على هذا الوفاء الاخوي المعهود فيه زاده الله بسطة في الجسم والعلم