ذاكرة الأندلس والشّتات المُوريسكي

ذاكرة الأندلس والشّتات المُوريسكي
الخميس 5 ماي 2016 - 08:14

نظمّت “مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين” يوميْ الجمعة والسبت 22 و23 أبريل 2016 بالرباط تحت عنوان (القضيّة الموريسكية فى ضوء التشريع الإسباني ومنظومة حقوق الإنسان) ،بمشاركة نخبة من الباحثين، والخبراء المتخصّصين من المغرب، ومصر، وإسبانيا ،والبرتغال.

القضيّة الموريسكيّة فى ضوء التشريع الإسباني

كان البرلمان الإسباني قد صادق بتاريخ 11 يونيو 2011 على مشروع القانون المعدّل للفصلين 21 و23 من مدوّنة القانون المدني الإسباني (الحالة المدنية الإسبانية) ، بهدف ردّ الإعتبار لذاكرة اليهود الإسبان (السيفاراديم) الذين طردوا من إسبانيا ضمن عملية الطرد الجماعية النهائية التي كان قد تعرّض لها الموريسكيون (من مسلمين، ويهود، وبعض النصارى) عندما خشي الحكّام الكاثوليك الإسبان على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ،وبحجة واهية وهي الخطر الذي كانوا يشكّلونه على العرش الإسباني فى ذلك الإبان ،حيث قرّر الملك فيليبّي الثاني بعد أن أصدر ظهيراً أومرسوماً بين1609-1614 بطرد آخرالموريسكيين من إسبانيا، الذين يطلق عليهم بعض الباحثين والمؤرّخين مصطلح : “المُنصّرين ” أو ” المُهجّرين” قسراً وقهراً وعنوة.

القانون الإسباني الآنف الذكر لم يعر أيّ إهتمام أو إعتبار لذاكرة الموريسكيين المسلمين الأندلسيين الذين شملهم هذا الطرد كذلك،فى نفس الظروف والملابسات التاريخية ،وبنفس القوانين الإسبانية عند بداية القرن السابع عشر.

وأشير فى هذا القبيل أنه على إثر المصادقة على هذا القانون كانت وسائل الإعلام الدولية والإسبانية والمغربية قد تعرّضت لهذا الموضوع المجحف، وإستنكر غير قليل من المثقفين، والمفكرين، والفاعلين، الجمعويين ، وكذا بعض الجمعيات والمؤسّسات التي تُعنى بتاريخ إسبانيا وبالأندلس على وجه الخصوص، وفي طليعتها ” مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين” التي يوجد مقرّها بالرباط والتي يرأسها الباحث الدكتور محمد نجيب لوباريس ( الذي تنحدر جذورُه من أصول موريسكية أندلسيّة ) الذين إستقرّوا فى مدينة الرباط، فقد بادرت هذه المؤسّسة للبحث عن أنجع الوسائل للدفاع عن حقوق هؤلاء الموريسكيين المسلمين المطرودين الذين تجاهلهم القانون الإسباني الجديد. وعقدت هذه المؤسّسة العزم على البحث عن العناصر القانونية التي ينبغي أن تعتدّ بها لردّ الإعتبار حيال السلطات الإسبانية لذاكرة هؤلاء الموريسكيين،وإنصافهم أسوة بذاكرة السيفاراديم أمام المشرّع الإسباني ذلك أن كلاً من االموريسكين المسلمين ،والسيفارديم اليهود كانوا – خلال عملية الطرد- رعايا الدولة الإسبانية فى ذلك الإبّان.

ويشير المشرفون على “مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين” أنه بهدف تسليط الأضواء الكاشفة على هذا الموضوع من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية إرتأت تنظيم هذه الندوة العلمية الحقوقية تحت الشّعار المشار إليه أعلاه، للإنكباب على دراسة مختلف الجوانب التاريخية والقانونية، ورصد كل العناصر التي لها صلة بهذا الموضوع أيّ فيما أصبح يُعرف ب ” القضيّة الموريسكية” وذلك على ضوء التعديل القانوني الإسباني الأخيرعبر مقتضيات الدستور الإسباني، ومنظومة حقوق الإنسان الدولية ،وتحفيز الجهات الإسبانية المعنية، والرّأي العام فى كلّ من المغرب وإسبانيا وعلى الصعيد الدّولي حيال الحقوق التاريخية لهؤلاء الموريسكيين أسوة بما حدث مع اليهود السيفاراديم. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً اليهود (السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين).يُضاف إلى ذلك أنّ القانون الإسباني الجديد المتعلّق بالحالة المدنية قد خوّل لما ينيف على 4500 من اليهود السيفاراديم الحصول على الجنسية الإسبانية حتى الآن فى ظروف جدّ ميسّرة .

و معروف أنّ الأحزاب السياسية الإسبانية فى المعارضة لم تصوّت لصالح هذا القانون ، بل إنها عارضته وتوخّت إصلاحه، أو إضافة العناصر التي تخوّل للموريسكيين المسلمين التمتّع بنفس المزايا والصلاحيات التي منحت لليهود إلاّ أنّ الحزب الشعبي الإسباني الحاكم أمكنه أن يمرّر هذا القانون بحكم الأغلبية السّاحقة التي كان يتمتّع بها أو يتوفّر عليها إبانئذٍ فى البرلمان الإسباني.

مواضيع الندوة

من البحوث والمحاضرات التي تمّ معالجتها خلال هذه الندوة من إسبانيا : ” نحو مطبقة قانونية لأعقاب الموريسكيين- الأندلسيين فى القانون المدني الإسباني” للدكتور أنطونيو مانويل رودريغيس راموس(جامعة قرطبة) ،و”الذاكرة التاريخية وطرد الموريسكيين حيال القانون الإسباني والوضع الحالي لمسلمي إسبانيا ” للدكتورة أمبارو سانشيس روسيل،(من مدينة بلنسية) و” المسيحيون الجدد للمنطقة الشرقية لمملكة غرناطة القديمة فى القرن السادس عشر” للدكتورة ماريا دولثي أركاس كامبوي ،و”الموريسكيون فى مفترق الطرق السياسية والعلمية فى أوربا الحديثة وإشكالية إستمراية الحياة لدى أقليّة” للدكتورة مارافيّاس أغيلار،(كلتاهما من جامعة لاغونا تينيريفي الخالدات) ( و”إستراتيجية لإعادة الإعتبار التاريخي لأعقاب الموريسكيين المطرودين من إسبانيا فى القرن السابع عشر” للدكتورة باربارا رويث بيخارانو.(من جامعة أليكانتي). ومن البرتغال : ” الموروس والموريسكييون فى البرتغال (فى القرنين السابع عشر والثامن عشر)، لللدكتور أنطونيو خوسّيه دا سيلبا (من جامعة لشبةتة الجديدة ) . ومن مصر : ” صورة الأندلسي فى الأدب الإسباني الحديث” للدكتور جمال عبد الرحمن. ( جامعة الأزهلر الشريف). ومن المغرب : “الموريسكيون ومحاكم التفتيش: تأصيل فقهي” للدكتور محمد رزوق، (كلية الآداب الدار البيضاء) و”الأندلس : مساواة فى المعرفة وإشراك فى التدبير” للدكتور أحمد شحلان،(جامعة محمد الخامس الرباط). و”الروابط الموسيقية كشاهد على مدى التأثير الموريسكي فى المجتمع الإسباني ” للأستاذ عبد العزيز بنعبد الجليل،( باحث فى علم الموسيقى مكناس) و” إشكاية الإعتراف بحقوق أحفاد السيفاراديم المطرودين من الأندلس ،والذين أسلموا بعد الطرد” للدكتور حمزة الكتابي،(باحث جامعي الرباط) و” قراءة فى كتاب رودريغو دي ثاياس” (الموريسكيون وعنصرية الدولة ،الظهوروالإضطهاد،والترحيل-1499-1612 ) للدكتورة كوثر العمري(عن معهد الدراسات الإسبانية- البرتغالية) جامعة محمد الخامس الرباط.و”الفونتي : أسرة موريسكية فى الرّيف ، الماضي – والحاضر” للأستاذ عمرددوح الفونتي.وأخيراً ” الإشعاع الحضاري الأندلسي: عقد من جمان يزيّن جيدَ الزّمان” للدكتور محمّد محمّد الخطّابي(سفير سابق،وباحث ،وكاتب،ومترجم غرناطة – الحسيمة).

إبعاد قسري وإقصاء تعسّفي

هذه الندوة الدولية أزاحت الستار، وأماطت اللثام عن غير قليل من مظاهر التظلم ،والإجحاف، والتطاول، الذي طال الموريسكيين فى الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد ، وإبعاد وإقصاء وتهجير قسري، وتعسفي من مَواطنهم وأراضيهم ودورهم ، وكلّ ما تلا ذلك من تظلم وحيف وتمييز حاق، ولحق بهؤلاء المُهجّرين الذين كان لهم إسهام وافر ومميّز فى نشر المعارف، والثقافة، والعلوم،فى البلدان التي نزلوا فيها، أو نزحوا إليها، بما حملوه معهم من تراث زاخر، وثقافة مميّزة، وموروثات معمارية فريدة ، وتأثيرات لغوية، وأدبية، وموسيقية، وفى مجال الفلاحة، والبستنة، وفنون الطبخ،واللباس وسواها من العادات الأندلسية المرهفة فى مختلف مرافق الحياة العامة، والذين إستقرّوا فى سائر المدن،والحواضر، والقرى والمداشر فى المغرب، وفى الجزائر، وتونس، وليبيا، وفى أماكن أخرى فى المشرق العربي التي كانت واقعة تحت النفوذ العثماني. وأصبحت هذه المناطق والجهات مرتعاً، وموطناً،ومنزلاً، ومعقلاً، ومهبطاً، ومقرّاً، ومستقرّاً لأحفاد أحفاد هؤلاء الموريسكيين الذين أقصُوا عن ديارهم فى الأندلس فى ظروف تاريخية صعبة، وملابسات عويصة لا تخفى على أحد، وما زالت العديد من المباني والقصور والدور ذات الطابع الأندلسي الأصيل تقف شامخة شاهدة على عطاءاتهم الثرة فى إضفاء طابعهم عليها،وهم ما إنفكّوا بالنسبة للمغرب يعيشون بين ظهرانينا فى العديد من المدن العريقة الكبرى وأرباضها، ونواحيها، وفى سواحل الرّيف المتراميّة الأطراف حيث توجد بها مجموعات سكنية إثنية متعدّدة تنحدر من الأندلس منها فرقة مشهورة تُسمّى : “إندروسن” أيّ فرقة “الأندلسيين” الذين هاجروا من الأندلس كذلك، واستقروا في منطقة بني ورياغل، بمنطقة بالقرب من مدينة أجدير( الحسيمة) .

عقدٌ من جُمان يُرصّع جيدَ الزّمان

تدعونا محاضرة الباحث محمّد محمّد الخطّابي(كاتب هذه السّطور) التي تحت عنوان: ” الإشعاع الأندلسي : عقدٌ من جُمان يُرصّع جيدَ الزّمان” للقيام برحلة عبر ربوع،ومدن، وحواضر تلك الأصقاع الغالية علينا جميعا ،النائية عنّا فى الزمان والمكان ،والقريبة منّا فى الذاكرة والعقل والوجدان ، وهي أرض الاندلس الفيحاء، رحلة تسلّط الأضواء على بعض المظاهر الحضارية العربية والأمازيغية التي تألقت وازدهرت، وأشعّت على العالم المعروف في ذلك الإبّان، وأنارت دياجي الظلام في أوربّا التي كانت لمّا تزلْ دهرئذٍ غارقة في سبات التأخّر وسديم الظلام ، بما قدّمته هذه الحضارة من عطاءات خصبة ثرّةّ، و إبداعات مشرقة وضّاءة في مختلف حقول العلم والعرفان، ومناحي ومرافق الحياة بشكل عام. التراث الأندلسي بنصوصه، ووثائقه، وأمّهات كتبه ومخطوطاته، وأشعاره، وآدابه، وفنونه وعلومه إلى جانب معالم الأندلس التاريخية، ومآثرها العمرانية، وقلاعها الحصينة، ودُورها،وقصورها،وجوامعها، وصوامعها، وبساتينها، وحدائقها الغنّاء ، فضلاً عن التأثيرات اللغوية والثقافية، والعادات والتقاليد العربية الحميدة التي تأصّلت في الشعب الإسباني في مختلف مناحي الحياة،والتي نقلها الموريسكيون معهم فى رحلتهم القسرية بعد إبعادهم المُجحف غير المًنصف عن دورهم، وإنتشارهم،وإستقرارهم فى مختلف المدن والأصقاع، كلّ ذلك ما زال شاهداً إلى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري الأندلسي في شبه الجزيرة الإيبيرية على إمتداد الوجود الإسلامي بها. ثمانية عقود من جمان، تزيّن جيدَ الزمان وترصّع طوق التاريخ الاسباني بالوجود العربي في الأندلس،تجسّد لنا فى بهاء ورونق وإبهار ماضي هؤلاء الموريسكيين الذين ولدوا، ونشأوا، وترعررعوا، وأبدعوا فى هذه الجزيرة المحروسة، ويبيّن المحاضر كيف أنّ الإشعاع الذي خلّفه هؤلاء وأجدادهم أصبح اليوم الشغل الشاغل لغير قليل من الاسبان، وأمسى حديثَ الناس في كل منتدى و منبر ومحفل ودار ومدرج. وطفق الاهتمام بالإرث الحضاري العربي والإسلامي يتزايد ويتكاثر و ينمو في كل مكان من هذه الجزيرة المحروسة . لقد شكّلت إسبانيا في الفترة الممتدة بين القرن الثامن والقرن الثالث عشر الميلادي جسراً حضارياً إنتقل من خلاله هذا الثراء الهائل من المعارف و العلوم التي برع المسلمون في التبحّر فيها الى شعوب أروبية أخرى ذات “ثقافة لاتينية مغلقة” كما يصفها مننديث بيدال. يقوم المحاضر بجولة فى أهمّ الحواضر التي عرفت تألّقاً وإزدهاراً فى الأندلس أيام وجود المسلمين بها، مستشهداً بأقوال بعض المثقفين الإسبان، ومن أمريكا اللاتينية الكبار أمثال أمريكو كاسترو،وبيلاسكو إيبانييس، وغارسيا لوركا ،ولوبث بارالت، وخوان غويتيسولو، وأنطونيوغالا، ومانويل دي لا بارّا، وكارلوس فوينتطيس، وأدالبرتو ريوس، وإكرام أنطاكي وسواهم، عن الأوج البعيد الذي أدركته الحضارة الإسلامية فى الأندلس، وعن قيمة وأهمية ما ورثه الإسبان عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية” ،وهم يجمعون فى هذا الصدد أنه يستحيل فهم الثقافة الاسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق دون إستيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة الإسلامية، واللغة العربية.

الثقافة الثالثة

ويبيّن المحاضر كيف أن لقاء العالمين الإسباني والسكان الأصليين فى القارة البكر ينبغي أن يضاف إليه عنصر ثالث هام وهو الحضارة الإسلامية،أيّ أنّ هذا اللقاء بعد ما أطلق عليه ” الإكتشاف” لم يكن بين ثقافتين إثنتين وحسب وهي الإسبانية والهندية الأصلية للهنود، بل ينبغي أن يضاف لها عنصر آخر أسمته الباحثة المكسيكية الرّاحلة إكرام أنطاكي (من أصل سوري) بالثقافة الثالثة، إذ بعد تاريخ 12 إكتوبر 1492 لم تكن الرقعة الجغرافية الإسبانية خالية من العرب والبربر المسلمين، فمنهم من هاجر وفرّ بجلده ،وهناك من آثر البقاء متظاهراً بإعتناق الكاثوليكية ،والذين نجوا وبقوا سمّوا بالموريسكيين ،فقد كان منهم أمهر الصنّاع والمهندسين والعلماء والمعلمين وخبراء الرّي والفلاحة ، بل لقد ظلت مسألة تسيير العديد من المرافق الحيوية فى البلاد ليس فى الأندلس وحسب (جنوب إسبانيا) بل وفى مناطق أخرى من شبه الجزيرة الإيبيرية خاصة فى شمالها الشرقي بيد المسلمين. فكيف والحالة هذه ألاّ يحمل الإسبان الذين هاجروا إلى العالم الجديد معهم هذا”التأثير”..؟ بل إنّ هناك من المسلمين المغلوبين على أمرهم من الموريسكيين مَنْ هاجر مع أفواج المهاجرين الإسبان ، وإلاّ من أين جاءت هذه الدُّور،والقصور ذات الباحات والنافورات العربية التي بنيت فى العديد من مدن أمريكا اللاتينية ..؟ ومن أين هذه الأقبية والأقواس والعقود والشبابيك العربية؟ بل والأبعد من ذلك حتى الكنائس التي كانوا يبنونهاغداة وصولهم كان يظهر فيها الأثر العربي والإسلامي بوضوح ،وإستعمل بعضهم الخطّ العربي المحتوي على أشعار وحكم وآيات قرآنية إعتقاداً منهم أنه كان من علامات الزينة فى البيوتات الكبرى فى إسبانيا.

أدب المنفى داخل الوطن

ويسلط المحاضر الأضواء على الأدب السرّى أو ما كان يُطلق عليه ب “أدب المنفى داخل الوطن” الذي كان عند هؤلاء الموريسكيين وهو أدب مؤثّر وبليغ يُسمّى باللغة الإسبانية الخاميادة أوالخاميادو أو الخامية بمعنى (العجمية)، وقد أطلق عليه هذا النعت لأنه أدب مكتوب إنطلاقا من اللغة الإسبانية ولكنه يستعمل حروفاً عربية ،وكان الإسبان من ناحيتهم يطلقون هذا اللفظ على اللغة القشتالية المحرّفة بمزجها بكلمات عربية، وكان يتكلّم بها عرب إسبانيا فى آخر عهدهم بالأندلس ،ولمّا خشي الحكّام الكاثوليك على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ قرّر الملك فيليبّي الثاني بعد أن أصدر ظهيراً أو مرسوماً بين1609-1614 بطرد آخر المسلمين من إسبانيا . ويشير الباحث “لوبث بارالت”:” أنّ هذا القرار الدرامي المجحف الذي إتّخذه فليبي الثاني كان سبباً فى إثارة جدل هائج ما زال يُسمع صداه حتّى اليوم.” وإذا كان هذا يحدث فى القرن السابع عشر (1614) أي 122 سنة من وصول الإسبان إلى”العالم الجديد” (1492)فإنّ ذلك يدلّ الدلالة القاطعة على أنّ إسبانيا عندما “إكتُشِفت ” أمريكا كانت لمّا تزل واقعة تحت التأثيرالعربي الإسلامي الموريسكي، وأنّ العادات والتقاليد وفنون المعمار وأسماء الحرف والمهن والصناعات والإبتكارات والآلات البحر ية، والعسكرية والفلاحية وعشرات الآلاف من المسمّيات كانت عربية أو على الأقل من جذر أو أصل أو أثل عربي،وهي التي استعملت فى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية وظلّت مستعملة بها ولا تزال إلى يومنا هذا.ويستشهد المحاضر فى هذا القبيل بأقوال العديد من المثقفين الإسبان وغير الإسبان الذين يؤكّدون هذه الحقيقة التاريخية التي لا مراء فيها.كما يثبت عدداً هائلاً من الكلمات الإسبانية من أصل عربي وأمازيغي التي إستقدمها الموريسكيون معهم وإستعملوها ، وجاءت هذه الحقيقة على لسان أحد جهابذة الإستشراق الإسباني وهو ” أمريكو كاسترو”. و يتساءل المحاضر فى ختام عرضه: بعد كلّ هذا، أيحقّ لنا أن نسمّي الأندلس “بالفردوس المفقود”..؟! ويسارع بالإجابة فى نصّ شاعريّ حالم : لقد سمّوه فعلاً فردوساً، ولكنّه ليس مفقوداً كما وُهِمُوا،إنّه هنا حاضر الكيان،قائم الذات،إنّه هنا بسيره وأسواره،وبقاياه وآثاره،وعمرانه، ونفائسه وذخائره، بعاداته وطبائعه، فى عوائده وأهوائه،إنّه هنا فى البريق المشعّ، فى المدائن،والضّيع، والوديان، فى اللغة والشّعر، والعلم والأدب، فى لهجة القرويّ النائي، والفلاّح المغمور، فى الكرم العربي،والإباء الأمازيغي، والحزازات القديمة،التي ما فتئت تفعل فى ذويها فعلَ العُجب.

البيان الختاميّ (تصريح قصبة الأندلس)

هذا وتجدر الإشارة أنه قد صدر عن هذه الندوة – بعد إنتهاء أشغالها- بيان ختامي باللغتين العربية والإسبانية يتضمّن جملة توصيات منها: -تأسيس مجمع للتوثيق و الدراسات حول ذاكرة الأندلس،والشتات الموريسكي، للإبراز المعنوي للتراث الثقافي، وللبصمة الموريسكية الأندلسية فى الهوية الإسبانية- البرتغالية وفى بلدان البحر الأبيض المتوسّط . –المساواة بين الموريسكيين والسيفاراديم فى القانون المدني الإسباني إحتراماً لمقتضيات الدستور الإسباني 1978.-الدّفع لمزيد من الحوار الحضاري لتجنّب الإقصاء، والإقصاء المضاد الذي يعارض المبادئ الديمقراطية ،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. –تكثيف الجهود لتنظيم ندوات للتعريف بالقضية الموريسكية ثقافياً ،وإجتماعياً ،وحقوقيّاً على الصعيدين المحلّي والدولي. –دعوة السلطات الإسبانية للإعتراف بالحقوق الموريسكية وإحداث مرصد لذاكرة الاندلسيين فى الأوساط التعليمية والثقافية الإسبانية –تكليف مؤسّسة ذاكرة الأنلسيين بالنهوض بترشيح ” عقب الموريسكيين الأنلسيين” لجائزة أميرة أستورياس للإتفاق والإنسجام والوفاق. – وأخيراً قيام إسبانيا بواجب الذاكرة نحو الموريسكيين، وسنّ قانون لهذه الذاكرة من أجل تفعيل كلّ هذه التوصيات، وإقتراح يوم 9 أبريل من كلّ سنة يوماً وطنياً لذاكرة الموريسكيّين.

*كاتب، وباحث فى الشؤون العربية، والإسبانية، وأمريكا اللاّتينية ،عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- (كولومبيا).

‫تعليقات الزوار

15
  • توبقال
    الخميس 5 ماي 2016 - 15:40

    إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية :دسترة الأمازيغية خطيئة مهينة!!!

    السيد بوكوس المحترم:
    أنا باحث فنان وعلمي ورياضياتي صحراوي انتمي للمملكة المغربية ومتضامنا مع الشعب الصحراوي بحكم أنهم جزء مني، لا اقبل بميوعة المؤسسات والعبث بالثقافات المحلية كما كان الحسن الثاني (رحمه الله) حريصا على هذه.
    فلا داعي لهذه الكينونة المستنسخة…فالتاريخ منذ يوغرطا بل وقبله لم يتحدث ولو مرة عن الأمازيغ ولا تامزغا… ولكنه تحدث عن البربرية La Berbérie ومجالها صغير جدا لا يتجاوز جنوب فاس …

    بوجمع خرج

  • مغربي اصيل
    الخميس 5 ماي 2016 - 18:25

    1 تو بقال

    ما دخل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ودسترة الامازيغية في الموضوع ؟
    المقال يتحدث عن القضية الموريسكية وطردهم من اسبانيا .
    يظهر ان دسترة الامازيغية افقدتك توازنك وسببت لك الارق ، انصحك بزيارة
    طبيب نفساني .

  • néodartalien
    الخميس 5 ماي 2016 - 20:15

    العرب استعمروا الاندلس وبالنظر للامور بالواقعية اللازمة فان العرب هم من يتعين ان يعتذروا عما فعلوه باستعمارهم واستيلائهم على بلد بعيد عنهم حيث استولوا على اخصب الاراضي وانتزعوها من اصحابها الاصليين –

  • mnm
    الخميس 5 ماي 2016 - 21:17

    المغاربة اللذين يظنون انفسهم عرب عليهم انشاء جمعيات تحمل على عاتقها مطالبة مسؤولي منطقة الحجاز بنصيبهم من عائدات البترول اسوة بدولة اسبانيا فى إنصاف السيفاراديم علما ان البترول كان موجودا قبل هجرة اجدادهم المفترضين الى المغرب بدل التفكير فى طلب الاعتذار من بلد قاموا بالاستلاء على خيراته لمدة 8 قرون متخلين عن مهمتهم الرئيسة الا وهي نشر الاسلام ثم العودة الى من حيث اتوا
    ثنميرث

  • amahrouch
    الخميس 5 ماي 2016 - 21:25

    Voilà,ce dont avait peur l Espagne est arrivé au Maroc.Les morisques chassés d Espagne se sont emparés du pouvoir en affaiblissant les Sultans et ont commencer dès le départ de la France occupante à le dénaturer et vouloir en faire une Arabie-bis en l arabisant.Si l Espagne a exclu les morisques arabes et favorisé les juifs c est qu elle voit en les premiers un danger d autant que certains esprits malades continuent à croire que l Andalousie est la leur !Toutes les divisions que connait actuellement l Afrique du Nord sont dùes à cette minorité qui a falsifié l histoire,semé le doute pour s enraciner dans la région.Sous toutes les dynasties qui se sont succédées au Maroc,berbères et arabes,nous et nos frères Bnou Hilal et nos neveux idrissides,avions vécu dans l entente et la cohésion jusqu à l arrivée de ces égoistes gens.Ils sont meme en train de détruire le Venezuela où ils ont une influence en le dressant contre l Amérique

  • mnm
    الخميس 5 ماي 2016 - 21:57

    المغاربة اللذين يظنون انفسهم عرب عليهم انشاء جمعيات تحمل على عاتقها مطالبة مسؤولي منطقة الحجاز بنصيبهم من عائدات البترول اسوة بدولة اسبانيا فى إنصاف السيفاراديم علما ان البترول كان موجودا قبل هجرة اجدادهم المفترضين الى المغرب بدل التفكير فى طلب الاعتذار من بلد قاموا بالاستلاء على خيراته لمدة 8 قرون تاركين مهمتهم الرئيسة الا وهي نشر الاسلام ثم العودة الى من حيث اتوا
    ثنميرث

  • محمد بداوي من وجدة الفيحاء
    الخميس 5 ماي 2016 - 21:58

    الشكر موصول للدكتور محمد محمد الخطابي على تغطيته الوافية لندوة القضية الموريسكية في ضوء التشريع الاسباني ومنظومة حقوق الانسان.
    فقد سلط الاضواء على هذا الموضوع من الناحية التاريخية والقانونية.
    وقد أعجبتني الاشارة الى فرقة اندروس — بني ورياغل قرب أجدير (الحسيمة).وهكذا من المستحيل فعلا فهم الثقافة الاسبانية دون استيعاب التراث الاسلامي . وختم المقال الرفيع المستوى ب تصريح قصبة الاندلس.
    نجدد الامتنان للدكتور محمد الخطابي مرة أخرى، ونلتمس منه المزيد من المقالات عن شبه الجزيرة الايبيرية.
    شكرا جزيلا .
    HASTA LUEGO .

  • الاستاذة فاطمة الزهرة بوجغال/1
    الجمعة 6 ماي 2016 - 10:52

    أندلس أرض أجدادي بأمجاو استقروا

    أندلس أرض أجدادي
    تاريخ برق بعمل جدي
    وصلنا متواتر عن أبي أو جدي
    الحمد لله ما تمسح بعمل كيدي

    أندلس أرض أجدادي
    اللي شدوا فدينهم،تهجروا
    و اللي بقا تما،تنصروا
    بمحاكم التفتيش تبهدلوا

    أندلس أرض أجدادي
    اللي قطعو البحر
    و على شطو حطو
    بجماعة أمجاو استقروا

    أندلس أرض أجدادي
    ايت بن سونة
    مدشر من ايت عبد الله
    ببني سعيد بريف المغرب

    أندلس أرض أجدادي
    بجماعة أمجاو استقروا
    امتهنوا الصيد في البداية
    و انتظروا العودة
    ظنوها عاصفة و زايلة
    حتى صبحات اقامتهم دايمة
    او اندلسهم جوهرة ضايعة

    جماعة أمجاو حضن ام اجدادي
    مولات الحصن المنيع
    المفقود و المبحوث عليه
    عند أهل التخصص، علماء، امالين الآثار

    جماعة أمجاو:إمارة من إمارات بني وطاس
    تاريخ حط على تاريخ
    ذكرتها كتب التاريخ
    او مانساها حسن الوزان و لا الناصري خالد

    جماعة أمجاو،ديما في التاريخ الحاضرة
    جماعة أمجاو،سند لقعية(لسيدي محمد امزيان)
    جماعة أمجاو،حصن لبني ورياعل(لسيدي محمد عبد الكريم الخطابي)
    جماعة أمجاو،صبحت منسيه

    الأندلسيو هل سلا او الرباط
    او زيدهوم حتى هل فاس
    ما لهم دراية بها
    و لا بتاريخها

    ذ. فاطمة الزهرة بوجغال

  • Marocain
    الجمعة 6 ماي 2016 - 11:46

    Il veulent créer une séparation, Mauresque, berbère Arabe, A vrai dire in n'y a pas d'espagne, se sont les castillais qui ont chassé les Marocain de leurs territoires occupés d'Anadalous, et ils ont envahi les Catalans. Il n'y a pas de Maure, se sont des Marocains et l'Anadlous aparteint a tous les Marocains, Incha allah la liberté au Catalan, puis à l'Andalous incha allah

  • الاستاذة فاطمة الزهرة بوجغال/2
    الجمعة 6 ماي 2016 - 12:20

    تتمة

    أندلس أرض أجدادي بأمجاو استقروا

    جماعة أمجاو: إمارة من إمارات بني وطاس
    تاريخ حط على تاريخ
    ذكرتها كتب التاريخ (الاولى)
    او مانساها حسن الوزان و لا الناصري خالد

    جماعة أمجاو، ديما في التاريخ الحاضرة
    جماعة أمجاو، سند لقعية (لسيدي محمد امزيان)
    جماعة أمجاو، حصن لبني ورياعل (لسيدي محمد عبد الكريم الخطابي)
    جماعة أمجاو، صبحت منسيه

    الأندلسيو هل سلا او الرباط
    او زيدهوم حتى هل فاس
    ما لهم دراية بها
    و لا بتاريخها

    جلالة الملك تفقدها
    بإحياء مينائها
    الثاني على بحرها
    له النصر و التمكين
    و العزة و السداد

    الاستاذة فاطمة الزهرة بوجغال

  • مغربي عربي
    الجمعة 6 ماي 2016 - 15:23

    6 – mnm

    لسنا بحاجة لجمعيات , الجمعيات هي من قدر الاقليات التي لا تعرف اصلها
    بارض افريقيا السمراء ، احترموا نص المقال" ولا مول الفز كيقفز"

  • Amedda
    الجمعة 6 ماي 2016 - 21:32

    Merci Mr khattabi .vous êtes tjrs Clair et pragmatique .Pour ce qui est de la reconquista c'est une réaction à l'occupation arabo amazigh sous tout a fait legetime

  • Mous de France
    الأحد 8 ماي 2016 - 01:45

    Je demande aux Berbères de cesser de charger les Andalous du Maroc de tous les maux dont ils souffrent depuis la nuit des temps, c'est grâce à eux qu'ils ont eu accès aux progrès techniques apportés par les Arabes en Espagne. Détester les riches est une preuve d'envie et de jalousie. Ensuite, les Juifs chassés d'Espagne possèdent une force qui est l'Organisation mondiale des Juifs, celle-ci repère l'anomalie dramatique relative aux Juifs à travers le Monde, épluche l'histoire pour justifier son action et appuyer sa requête, étudie la loi internationale favorable à son sujet et prépare des dossiers ficelés avant de passer à la demande de ce qu'elle veut obtenir. Les Arabes désorganisés comme les feuilles en automnes ne savent que se lamenter sur les horreurs qu'ils ont subi. Il fallait que les Juifs leur montrent le chemin emprunté pour qu'enfin il essayent de le prendre. Mais quel est leur poids ? plume, à moins qu'ils aient le soutien des Juifs.

  • amahrouch
    الأحد 8 ماي 2016 - 11:06

    Mous de France,Si on laisse ma langue passer,je ne dirai pas un un mot de plus

  • abdo
    الأحد 8 ماي 2016 - 14:11

    لا يا استاذ فيليبي الثالث هو الذي قام بطرد المورسكيين وليس فيليبي التاني , واتمنى ان يكون خطأ مطبعيا

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | تحرير طنجة
الأحد 14 أبريل 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | تحرير طنجة

صوت وصورة
الأمطار تفرح الفلاحين
الأحد 14 أبريل 2024 - 18:16 4

الأمطار تفرح الفلاحين

صوت وصورة
أممية أحزاب الوسط في مراكش
الأحد 14 أبريل 2024 - 14:04 1

أممية أحزاب الوسط في مراكش

صوت وصورة
نقاش إلغاء عيد الأضحى
الأحد 14 أبريل 2024 - 11:28 48

نقاش إلغاء عيد الأضحى

صوت وصورة
فوز الجيش الملكي على الوداد
السبت 13 أبريل 2024 - 22:57 1

فوز الجيش الملكي على الوداد

صوت وصورة
تدخل للإنقاذ من مكان مرتفع
السبت 13 أبريل 2024 - 16:27 3

تدخل للإنقاذ من مكان مرتفع