كيف حال "الذي بيننا"؟

كيف حال "الذي بيننا"؟
الجمعة 6 ماي 2016 - 20:42

سؤال لا يجرؤ كثير من الأزواج، وكثير من العشاق والمتحابين، وكثير من الأصدقاء وزملاء العمل، وكثير من أعضاء هيئات، وغيرهم، على طرحه. هذا السؤال هو: كيف حال “الذي بيننا”؟

وبذل مواجه حقيقة حاله وواقعه بفحصه والكشف عنه، يفضل الكثيرون تحمل أعباء وجوده كما هو و تفادي مواجهته أو إرجاء طرحه إلى ما لانهاية.

هل الذي بيننا في صحة جيدة، وفي حيوية كبيرة، ينبغي حمايته ووقايته؟ أم الذي بيننا نائم ينبغي إيقاظه وتنشيطه؟ أم الذي بيننا مريض ينبغي التعجيل بمعالجته وتمريضه؟ أم الذي بيننا في موت سريري ينبغي اتخاذ قرار قتله الرحيم، ومواراة جثته؟

لماذا يفضل الناس عدم طرح سؤال “كيف حال الذي بيننا” حتى وهم يرون أنه على ما يرام؟ هل يعاني هشاشة غير منظورة ويخشون التسبب في انهياره وتفككه؟ هل يخشون اكتشاف علة ما ألمت به دون علمهم؟ هل يحمونه بذلك السلوك؟ ومما يحموه؟ هل ما بينهم بهذا القدر من الضعف الذي سيجعله يفسد بمجرد الكشف عنه؟ أم هل يخشون تهمة الشك في “ما بيننا”؟

لماذا يفضل الناس ترك ما بينهم نائما؟ هل سيزعجهم إيقاظه؟ هل يخشون أن يكشف عن حقيقته لهم؟ هل سيطالب بحقوق يعلمون أنهم مفرطون فيها ويفضلون مواجهتها بالتجاهل والتأجيل والتسويف؟ إلى متى سيتركونه نائما وهو لا محالة مستيقظ في يوم من الأيام؟ ولماذا التأجيل والتسويف إذن؟

لماذا يفضل الناس ترك ما بينهم مريض؟ هل في لاشعورهم ينتظرون موته ورحيله؟ هل يكرهون عودة العافية إليه؟ ما الذي يخيفهم في عودة العافية إليه؟ هل انتهت مدة صلاحية وجوده بينهم؟ هل لهم بدائل لم يعلنوا عنها لبعضهم البعض؟ إلى متى سيتحملون مرضه إذا هم لا يرغبون في تطبيبه ومعالجته؟ وماذا لو استمرت حالته مدة أطول مما يتوقعون؟ وإذا هم يكرهون عودة عافيته، فلماذا لا يساعدونه على الرحيل بسلام؟ وإذا كان شفاءه ميؤوس منه فلماذا لا يحقنونه بحقنة الموت الرحيم فيذهب كل إلى سبيله براحة تهيئه لإنشاء “ما بين” مع غيره؟

لماذا يفضل الناس الحفاظ على ما بينهم في موت سريري، ويستمرون في طقوس شكليات زيارته والتظاهر بالحرص على استمراره بينهم؟ لماذا يحرص الناس على ترك ما بينهم جثة تتنفس الاصطناعي؟ هل يخشون على جثته وقد فرطوا من قبل في روحها وصحتها وعافيتها؟ هل يخشون من فراغ لا تزال تملأه شكليات وجود جثته؟ لماذا لا يبادر أحد بنزع حبال إمداد “ما بينهم” بحياة اصطناعية، وينهي كل شيء؟ هل يخش كل طرف تحمل مسؤولية إنهاء ما بينهم؟ هل استحال الأمر إلى مجرد تحمل مسؤولية الإنهاء وليس نهاية ما بينهم في حد ذاته؟ هل يلعب استمرار ما بينهم ميتا سريريا دور القناع لحقيقة لا يتحملون انكشافها؟ إلى متى سيستمر المسرح في إسدال ستائره والمسرحية جارية والجمهور في انتظار يصفق ويصيح؟ هل المشكل في الستائر أم في الجمهور؟

الجميع يعلم أن الكشف الطبي بين الفينة والأخرى على الأجسام السليمة منهج فعال يدخل أيضا ضمن مفهوم الوقاية، مثل التغذية الصحية والرياضة والتنفس السليم والنظافة،… فقد تخفى علة عن الأعين، وقد لا تصل بعد مستوى الإعلان عن نفسها بألم وحمى، بل قد تكون من الأمراض التي تفتك في صمت رهيب، ويكون الكشف الطبي العام وسيلة التدخل الاستباقي، قبل الدخول في مرحلة المرض التي قد تكون قد فات عنها الأوان.

الجميع يعلم أيضا أن النوم فوق اللازم مؤشر غير صحي، وأن الكائنات تعبر عن حالتها الصحية وهي مستيقظة أكثر مما تعبر عن ذلك وهي نائمة. وأن تحمل “ما بيننا” وهو يقظ هو السبيل الوحيد لقياس مدى أهليتنا للتكفل به ورعايته. وقد يساعد ذلك في الوقوف على الاختلالات ووضع خطط معالجتها بذل تركها للتفاقم الذي قد يفضي بـ”ما بيننا” إلى المرض.

من البديهيات القول بضرورة التعجيل بتطبيب المريض. وترك المريض لمرضه، خاصة إذا ضعف جهاز مناعته، هو في الواقع تركه لاحتمال الموت أيضا. وكم من مريض يئس الناس من شفائه تمكن من استعادة عافيته حين توفرت أسباب ذلك. لا شيء ينبغي أن نبرر به اليأس.

نعم قد يكون الاحتفاظ بجثمان شخص في حالة موت سريري له ما يبرره لـ”بعض الوقت”، لكن لا يمكن بالمطلق اعتباره وضعا يستمر لأكثر من “بعض الوقت” ذلك. لذلك فقرار إخراجه من الموت السريري وحمله إلى مثواه الأخير، مع كل ما قد يصاحب ذلك من ألم، هو القرار المحتوم.

لكن لماذا يقرر الناس العيش في آلم وعذاب بالحفاظ على “ما بينهم” في حالة نوم أو مرض أو موت سريري؟ مهما تشعبت التفسيرات وتشابكت، فهناك تفسيرات هي مشترك ثقافي يستسلم له الناس بشكل غريب. من بين تلك التفسيرات، تجنب تحمل أعباء الصدق وآلام الصراحة، فمثلا قد يميل طرف عاطفيا إلى طرف ثالث فيفضل الاستمرار في لعبة التظاهر بالحب مع الطرف الثاني بذل مصارحته. ومن بينها أيضا، وجود مصلحة، مادية أو معنوية، تتحقق باستمرار ولو شكلي لـ”ما بيننا” ما دام ذلك الاستمرار يضمن تلك المصلحة. ومن بين تلك التفسيرات أيضا، ثقافة الرهاب من مفاجآت رفع الغطاء عن الحقائق، وفي حالة وجه “ما بيننا”، الرهاب من اكتشاف هل هو نائم؟ أم مريض؟ أم ميت؟

ورغم كل ما سبق فمواجهة حقيقة “ما بيننا” لا تتطلب فقط قدرا من الجرأة، بل تتطلب أيضا وبشكل ضروري زادا كبيرا من الصراحة والصدق والمهارة تجنب انفجار “ما بيننا” بشكل قد يقتلنا. والخبرة والمهارة قد يجدهما من لا يمتلكهما عند غيره، ولهذا الغرض أيضا نجد الأطباء والخبراء والمختصين ودوي التجربة و الحكمة. فلا شيء إذن يبرر ترك “ما بيننا” للدهر.

‫تعليقات الزوار

1
  • الحبيب
    الأحد 8 ماي 2016 - 02:52

    شعرة معاوية هي المنطق السائد بين اغلبينا

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة