أولويات مغاربية

أولويات مغاربية
الجمعة 20 ماي 2016 - 08:04

حلت في السابع عشر من شهر فبراير الماضي الذكرى السابعة والعشرون لإعلان قيام الاتحاد المغاربي، وقد تغيرت أمور كثيرة وحدثت تحولات عميقة منذ ذلك التاريخ، ومنها رحيل ثلاثة قادة مؤسسين؛ الملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، ومعمر القذافي، الذي قضى قتيلاً في غضون الثورة الليبية، وأطيح بمعاوية ولد الطايع ذات انقلاب، وزين العابدين بن علي، الذي فرّ إلى العربية السعودية في خضم الثورة التونسية التي خلعته.

ما بقي من الاتحاد المغاربي هو تلك الصورة الجماعية للقادة المؤسسين في إحدى شرفات قصر بلدية مدينة مراكش، والتي جسّدت مشهداً من التلاحم والتعاضد والصفاء والحماس، ليصبح مشروع إنشاء تجمع إقليمي في شمال أفريقيا مجرد نوستالجيا، أو مجرد ذكرى سنوية يتبادل فيها القادة رسائل روتينية مليئة بالمجاملات، من قبيل تأكيد القادة على تجديد الحرص والعزم الرّاسخ على العمل فيما بينهم، في سبيل الحفاظ على مكتسبات هذا الإنجاز التاريخي والسعي الجادّ من أجل تطوير مؤسّساته وهياكله، وإعادة النّظر بعمق في منظومته التشريعية، ومنهجية عمله ضمن إستراتيجية مغاربية، منسجمة ومندمجة، من شأنها أن تجسّم هذا المشروع الحضاري الذي يمثّل الإطار الأنسب لتمتين علاقات التعاون بين الأقطار الخمسة، وبلوغ أعلى المستويات من الأمن والاستقرار في هذا الفضاء الجهوي.

ويعي القادة تمام الوعي أن تحقيق وحدة المغرب العربي بات أكثر من ضرورة، في وقت يشهد العالم تنامي تجمّعاتٍ إقليمية ودولية، وتتعرّض المنطقة لتحدّيات ورهانات كبيرة على جميع المستويات والأصعدة، مما يدعو قادة الدول المغاربية بإلحاح إلى العمل على مغالبتها، في إطار تكتّل متماسك وموحّد.

ورغم مرور كل هذه الأعوام، وانهيار جدار برلين، واندثار أنظمة، وتفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً، واختفاء المعسكر الاشتراكي وظهور منظومات أيديولوجية جديدة، وقيم اقتصادية بديلة، بما في ذلك ظهور تجمعات اقتصادية في آسيا وفي الأمريكتين، فإن مكونات الاتحاد المغاربي لم تساير الركب، ولم تتفاعل مع إيقاع التحولات الجذرية التي مسّت جزءاً كبيراً من دول العالم. وتبعاً لذلك، ظلت الاتفاقيات المبرمة حبراً على ورق، وانتعشت الخلافات بشكل غير مسبوق، وخصوصاً بين المغرب والجزائر، بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء، ومساندة جبهة بوليساريو بشكل مستفز وممنهج، مما عرقل أي مبادرة أو محاولة للخروج من حالة الجمود، وأصاب بالشلل فكرة قيام الاتحاد أصلا.

وما لا يمكن فهمه واستيعابه أنه فيما التحديات التي أفرزتها العولمة الاقتصادية، وتلك التي يحبل بها الواقع، واحتدام التنافس بين التجمعات الإقليمية الكبرى، دفاعاً عن مصالح الشعوب التي تعيش في فضاءاتها، إلا أن المؤشرات الاقتصادية والتجارية تبين الحجم الهزيل للمبادلات بين دول الاتحاد المغاربي، لأسباب سياسيةٍ وغياب قرار صريحٍ وإرادةٍ واضحةٍ لمواجهة مجمل هذه التحديات والعقبات.

الفكرة التي حرّكت إنشاء الاتحاد المغاربي تجد جذورها، بالأساس، في حرية تنقل الأشخاص والممتلكات والبضائع ورؤوس الأموال، وتبني سياسةٍ مشتركة في عدد من المجالات، في مقدمتها المجال الاقتصادي، من منطلق أن الطموحات الجيو-سياسية والجيو-استراتيجية تتعزّز على قاعدة تموقع اقتصادي قوي وجذاب، حسب المنطق الرأسمالي المعمول به حالياً، علما بأن الرهان الإقليمي أو الجهوي بات يشكل آليةً لا مناص منها للمراقبة والتحكم في التداعيات السياسية والاجتماعية والثقافية الناجمة عن عملية تحرير الاقتصادات الوطنية.

ولأن المنطق السائد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية لا يؤمن بالكيانات الهشة والضعيفة، فقد وعت أغلبية الدول، وخصوصاً تلك التي تصنّف في خانة الدول الصاعدة على المستوى الديمقراطي والاقتصادي، الأهمية التي ينطوي عليها الانتظام في تجمعاتٍ إقليميةٍ، ليكون لها وزن على الصعيد الدولي، ولتتوفر على هامشٍ مريحٍ في التفاوض دفاعا عن مصالحها. من هنا، تبدو حيوية أي تجمع إقليمي منسجم ومتماسك، بل يغدو مسألةً ضروريةً بالنسبة إلى الدول النامية، لكي ترافق بكيفية متدرجة مسلسل الانفتاح الاقتصادي، عبر الرفع من وتيرة الإنتاج والتنافسية، لترقى به إلى المستوى الإقليمي..

يشبه الاتحاد المغاربي، إلى حد بعيد، مؤسسة جامعة الدول العربية التي تعيش حالة من العطالة والانفصام والاغتراب، فعلى الرغم من ادعائها أنها تمثل الشعوب العربية، وتدافع عن مصالحها، وتحرص على أمن دولها، فإنها ظلت سجينة أوهام وأحلامٍ لم تتجاوز عتبة بياناتٍ محرّرة بلغة فضفاضة، يحضر فيها كل شيء، سوى المبادرات والمشاريع الملموسة الكفيلة بتغيير الواقع، وفرض وقائع جديدة على الأرض.

وفي الوقت الذي تشهد التجمعات الإقليمية الآسيوية والأوروبية والأميركية توسعاً وتطوراً، وهو العامل الذي يؤمن لها أسواقاً ضخمة ومنسوباً اقتصادياً مهماً، ومكتسبات على المستويين الاقتصادي والجيو- والسياسي، فإن الاتحاد المغاربي، كفضاء جغرافي وبشري وثقافي، يتوفر على كل مقومات التكامل والاندماج، يدرك خطورة التحدّيات التي تواجهها الدول المنضوية تحت لوائه، غير أن هناك حواجز نفسية وسياسية حالت دون تمكّنه من تحقيق الأهداف الديمقراطية واقتصاد السوق والتعددية الثقافية والمواطنة والاستقرار والأمن بكل أبعاده. فهذه القضايا، على الرغم من أهميتها، لم يتم التعامل معها كأولويات، ولم تؤخذ في حسبان أنظمة الحكم، علماً أن هناك علاقة جدلية بين البعدين، الاقتصادي والسياسي، فهما يتقاطعان ويتكاملان بغية إنجاح أي مشروع للشراكة الإقليمية المتوازنة.

لكن، ثمة مفارقة مؤلمة، تكمن في استفحال الأزمات السياسية والصراعات الثنائية، وتتعمق معهما الهوة، ويتكرّس التشرذم، وتتسع مساحة اليأس وخيبة الأمل لدى شعوب المنطقة، خصوصاً إذا أدركنا أن هناك مسافة بين دولٍ قطعت شوطاً مهماً على طريق الانتقال الديمقراطي، وعدداً من الانتقالات الأخرى في قطاعات إستراتيجية من خلال إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وصناعية وإنجازات حقوقية وثقافية وتشريعية، إضافة إلى عاملي الأمن والاستقرار، كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي أصبح قبلةً لتدفق الاستثمارات الأجنبية، وموضع ثقة لدى شركاء كثيرين، بفضل المنهجية اتبعها، والمقاربة التي اعتمدها في احتواء غضب الشارع، والتفاعل التدريجي والإيجابي مع مطالب الإصلاحات الدستورية والسياسية، وأيضاً بفضل الإستراتجية الأمنية التي تبناها لمواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية.

وهناك دول تتلمس الطريق لتنفيذ عدد من الإصلاحات، وإحداث جملةٍ من القطائع مع ممارسات وخياراتٍ وسياساتٍ وصلت إلى الإفلاس، بسبب أنظمةٍ شموليةٍ، كما هو الشأن بالنسبة لتونس، التي يمكن أن تشكل واحةً للانتقال الديمقراطي السليم، إذا تمكن الفرقاء السياسيون من التغلب على صراعاتهم وخلافاتهم ومصالحهم، خاصة أن شبح الإرهاب بات هو الخطر الأكبر الذي يهدد ما تحقق من إنجازات في تونس، ما يدعو كافة مكونات المشهد السياسي التونسي إلى التلاحم والتعاضد والتكامل والوفاق لمواجهة عوامل إجهاض عملية التحول والبناء الديمقراطي .

وهناك أنظمة مازالت تتوجس من تقديم أي تنازلاتٍ على الصعيدين السياسي والدستوري، كما هو حاصل حالياً في الجزائر، التي تعيش حالة من الغموض والارتباك السياسي في ظل عدم اتضاح المآل الذي سيؤول إليه الحكم بسبب الوضعية الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وما تثيره من تساؤلات وعلامات استفهام في الداخل الجزائري بشكل خاص، علاوة على طبيعة الأولويات والاختيارات التي من المفترض أن يتبناها مركز صناعة القرار للتعاطي مع الشؤون الداخلية والخارجية.

أما الوضع في ليبيا، وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي تحقق في أعقاب الاتفاق السياسي الذي وقع، أخيراً، في منتجع الصخيرات جنوب الرباط، وانتهى إلى تشكيل حكومة ائتلافٍ لتدبير شؤون بلد تفككت مؤسساته، وانهار اقتصاده، واستعرت الحرب الأهلية بين مكونات الجماعة الوطنية، وجعلت منه التنظيمات الإرهابية ساحة للحرب، ومصدر تهديدات جدية لعدد من الدول، بما فيها الدول الأوروبية التي تقع على ضفة المتوسط… أقول رغم هذه الخطوة، فإن تزايد أخطار الإرهاب وعدم توفر عناصر وشروط الاستقرار وتضارب مصالح عدد من الفاعلين الدوليين يطرح صعوبات حقيقية على الأرض.

أما موريتانيا التي تعرف حالة من التحول الديمقراطي البطيء، فإنها تعاني من مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعية، علاوة على خطر الحركات الإرهابية التي تنشط في عدد من دول جنوب الصحراء؛ وهذا ما يجعل من التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول الاتحاد المغاربي أولوية حيوية واختيارا إستراتجيا يعلو فوق التوترات والحساسيات والحسابات الضيقة، التي غالبا ما تعرقل جهود التنسيق وتبادل المعلومات والتصدي الاستباقي لأي مخطط يسعى إلى الترويع والفتنة وتدمير الاقتصاد وترهيب العباد وتعبيد الطريق أمام التطرف والاستبداد بكل أنواعه، ليصبح مشروع بناء المجتمع الديمقراطي والحداثي وزرع قيم المواطنة والتسامح والانفتاح في البلدان المغاربية رهانا مستحيلا وهدفا صعب المنال.

‫تعليقات الزوار

5
  • pas de rêve
    الجمعة 20 ماي 2016 - 10:15

    un rêve pareil à celui de la libération de la palestine par la destruction d'israel,
    l'algérie des harkis au pouvoir veut détruire le maroc pour lui permettre de dominer le maghreb,
    le pouvoir des harkis veut détruire le maroc devenu son unique ennemi,ne pas le comprendre c'est être un naif au moment où ces harkis imposent des privations au peuple algérien pour dépenser des centaines de milliards de dollars pour détruire le maroc,
    ce rêve d'union du maghreb doit quitter nos têtes une fois pour toute pour nous préparer au complot que préparent les harkis qui n'ont pas hésité un seul instant à tuer des centaines de milliers d'algériens pour conserver le pouvoir qui allait leur échapper lors des élections victorieuses des islamistes,
    alors occupons nous de nos problèmes des jeunes pour que la solidarité renforce notre capacité à défendre notre pays

  • ali
    الجمعة 20 ماي 2016 - 11:50

    pour l'objectivité il faut citer le cas du Maroc mais c'est toujours la faute aux autres.
    je suis algerien et il n y'a aucune demande citoyenne relative à l'UMA chauqu'un pour soit est dieu pour tous

  • محمد44
    الجمعة 20 ماي 2016 - 14:49

    ا ن اتحاد المغرب العربي ستستفيد منه المغرب اكثر من الجزائر والشعوب الاخرى وماالحاح المغاربة لخير دليل على ذلك نحن نتفهم ان المملكة لها مشاكل كثيرة تود ان تحلها على حساب الجزائر من بطالة متفشية وسوق جزائرية واعدة تستقطب كل ما ياتي من المغرب وما السنوات التي كانت فيها الحدود مفتوحة بغير بعيدة

  • KITAB
    الجمعة 20 ماي 2016 - 14:51

    آسي عبد الصمد ، جابلي الله بيللي التحاد المغرب العربي ولا بحال شي منحوتة بيناتنا ، دابا منين جا الإرهاب قضى على كلشي معامن غانديرو الوحدة مع الجزائر ؟ أكبر عدو ولا ليبيا ليعايشا فالويل الكحل ؟ ولا تونس ليما زالا كادوي جروحها ؟ معامن ؟ ماكايان معامن ، تحياتي

  • karim
    الإثنين 23 ماي 2016 - 04:08

    بريطانيا وضعت حجرة ومرض " الصهاينة" في قلب العرب في الخليج كي يتم تفتيبت الامة هناك وتحمي برطانيا مصالحها وفرنسا وضعت مرض وجحرة " الحركى" في شمال افريقيا كي تحمي مصالحها وتفتيت الامة من محيطها
    ويخرج عليك شيات للحركى ويقول لك المغرب سبب عدم الاتحاد المغاربي.
    المغرب لا يضع عراقيل للاتحاد ولا يمول الانفصلات القبايل الازواد غرداية
    و لاكن يعلم جيدا كيف يساير الامور المغرب لا يحتاج فتح حدود والمغرب له اقتصاد ويتقدم بدو بترول ولا غاز رغم كيد المرتدين والمنافقين ووضع العصا في عجلة المغرب ولاكن المغرب كتب عليه ان ينجح وسوف ينجح رغم انوف المرتدين والمنافقين سوف ينجح المغرب ويبقى الاب الروحي وحماية دين الله في شمال افريقيا وغربها برحمته وقوته.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب