"إسلاميون لايت"

"إسلاميون لايت"
الإثنين 23 ماي 2016 - 05:11

عرفت المجتمعات العربية انحدارا “حضيضيا” في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية.. ولئن كانت بعض تجليات هذا الانحطاط أكثر ما تظهر في المؤسسات، فإن مظاهر التدني الخلقي والضعف والانبهار والهوس بالتقليد يظهر بيسر في الأفراد حيث أصبحت مظاهر من تراهم في خريبكة أو بجاية لا تختلف عن أولئك في ميامي أو بون أو جوهانسبورغ..

وكردة فعل، ظهرت حركات إسلامية إصلاحية تروم التغيير والإصلاح السياسي من جهة، كما تسعى إلى تربية الأفراد والحفاظ على هويتهم الحضارية من جهة أخرى..

غير أن كثيرا من تلك القوى “الراديكالية” التي كانت تنحى منحى أصوليا في السياسة والفكر والثقافة والفن والسلوك والتربية، يبدو أنها لم يتبق لها من ذلك “الزين” إلا “حروفو”، ومن ذلك “الجهد” إلا “الفانت”، على حد تعبير الملاكمين..

ذلك أن مظاهر وسلوكيات نسبة معتبرة من منتسبي بعض تلك الحركات وهياكلها أصبحت لا تمت لـ”الأصل التنظيمي” بأية صلة، سواء على مستوى هدف النشأة الأول أو الثاني..

بالنسبة للهدف الأول، يبدو أنه حتى التنظيمات الإسلامية “الكبيرة” أصبحت تهتم بشأنها “الشخصي” المباشر أكثر بكثير جدا مما تهتم بشأن المسلمين عامة سواء قطريا أو على مستوى الأمة، ولا تحاول بتاتا توظيف “الفرص التاريخية” المتاحة من أجل الدفع والدفاع بالهم الأكبر: “تحقيق التغيير المنشود من أجل تعميم العدالة والحقوق والكرامة، ونصرة المسلمين ونصرهم”.. بل غالبا ما تحكم تصرفاتهم حسابات الربح والخسارة الضيقة(للتنظيم)، حتى إن المرء ليجد نفسه مضطرا أن يعيد تعريفه لبعض المفاهيم الشرعية القاعدية بفعل التشكيك الناتج!!!..

تغيير البوصلة والاهتمام طال أيضا الوظيفة التي يحرص بعض المنتسبين أن يحصروها في الذكر والتزكية والخلاص الفردي، ولا ينتبه هؤلاء أنه لو كان الأمر كذلك، لكان الالتجاء إلى “الزوايا” وتجمعات “رجال التبليغ” أولى، ولن يعارض “الذاكرين” نظام داخلي ولا منتظم دولي، وما أسهله!! إنما المسألة مسألة فهم ومعيش وجهاد.. أما مسألة “الخلاص الفردي”، ففيه تضييق لفهم الرسالة يكاد يلامس الأنانية والانزواء وترك مصلحة العباد.. بل إنه يشكك في وازع العمل وباعثه، وكأن ذاك الجهاد لا يحسب للفرد وخلاصه!!!..

إن التقوقع قد طال فكر وتصور الكثير من المنتسبين الذين يحصرون “العمل” في جلسات “جامدة” “مسقوفة” ولا يجاوزونها, ولا يقرون حتى من يجاوزها.. ومع أنه ليس بالضرورة وجود تعارض بين الالتزام التنظيمي والإشعاع الخارجي،، إلا أن السؤال يبقى مشروعا: أين يتجلى -أو على الأقل أين يكثر – الإنجاز والمردودية و”الرسالية”؟ هل في الاقتصار على مجالسة بضع أنفار محددي الهوية والتوجه مبدئيا، أم في نشر فكر وخير، وفضح ومعارضة شر استطار في الآفاق؟؟!!!….

أما بالنسبة للهدف الثاني المتعلق بالمظهر والتربية و”الفردانية”، فإن ذكورهم(لن أتحدث هنا عن لباس الإناث ولا عن تصرفاتهن ولا عن أدوارهن(…)) صاروا يرتدون سراويل يوحنا “الجين” “المقطعة” و Taille basseوDélavé…

لحاهم إما تحت الحمراء أو فوق البنفسجية، سواء فيما تعلق بالحجم أو الشكل!!..

حلاقة رؤوسهم تجاوزت القزع للقرع!!..

ينشرون صورا لهم وسط تلميذاتهم البالغات المتبرجات، والسافرات، والمتحجبات، والبين بين(“”حجاب” روتانا”)..

ينشرون صور نسائهم وبناتهم بذات الصفات المذكورة!!!..

ينشرون صورهم في مواقف لا يجدر بالرزين نشرها(مطاعم فاخرة، فنادق مصنفة، منتجعات سياحية نخبوية وكأن ذلك متاح للجميع، وكأنه لا حاجة للناس، وكأنه لا تحرج في التبجح والتفاخر!!!)..

ينشرون صورا في الشواطئ بألبسة لا تستر العورة المحددة شرعا!!..

على مستوى آخر، يلاحظ أن تلك التنظيمات “التربوية” أضحت تقبل حتى بمن يصرح أنه يصلي 5×1 بين صفوف جلساتها.. وعقد تلك الجلسات أمسى هو الاستثناء، ولا يحضرها من كان له موعد مع أصحابه في مقهى لمشاهدة مباراة في كرة القدم، ومن حضر فقد أنجز، وعليه ليس عليه الالتزام بالوقت أو بغيره.. أما مدة الجلسة فهي “برقية”!!.. ومسمى “دروسـ”هم فيها لا يتعدى مقدار ومثال حصة نقل وتلاوة لفقرة أو حديث!!..

وفي مجال آخر، فإن التنظيمات المذكورة أصبحت لا تجد حرجا في أن توالي الأعداء المتسببين البعُد في كل المآسي بتنصيبهم وحمياتهم للدمى المتحركة المحلية، فيقدمون لهم “واجب” العزاء في كل مصابهم، ويسيّرون من أجل ذلك المسيرات، ويوقفون الوقفات، ويحرقون الشمعات، ويصدرون التصريحات والبيانات، ويضعون الأعلام على “البروفايلات”!!..

هؤلاء هم من كانت تنظيماتهم -يوم كانت تعقد الجلسات في “الفيافي” والغابات المحيطة بالمدن نتيجة التضيق الأمني- كانت تلك التنظيمات تتهم الغير -عن حق- باللهث وراء الغرب من أجل إصابة حظوة أو منزلة أو قبول، ويذكّرون هذا الغير أن الكفر ملة واحدة، وأن الباري جل وعلا قد أخبر بيقين عدم رضاهم عنا حتى نتبع ملتهم، أي أن معادلة إما الكفر أو سخطهم قائمة إلى يوم الدين!!..

في جانب ممتد ذي علاقة، يلاحَظ أن “تطور” مسار وممارسات وأفكار وتصورات القوى المعنية قد طال أيضا الموضوع القار الثابت الشائك القديم الجديد المتجدد: “مسألة المرأة” وما طرأ فيه من تغيير وتغير في المواقف بخصوص مسائله الثابتة!!..

ولن أتحدث هنا عن الضوابط الفقهية الناظمة لحدود حرية حركيتها، لأني مجرد مثير لتساؤلات أولا، ولأن المجال ليس المجال ثانيا، ولأني لست فقيها -وإن كانت جل أحكام الموضوع مما يعلم من الدين بالضرورة- ثالثا، ولأنه سبق لي أن نشرت مقالا مطولا في أربعة أجزاء يتناول هذا الموضوع رابعا، ولأني أعمل على مشروع حول الموضوع خامسا..

كل ما أود الإشارة إليه هو هذا السباق المحموم المستفز للتعبير عن “الانفتاح” وتقديم أوراق الاعتماد والتطمينات والضمانات في موضوع، على خلاف باقي العالم، تحكمنا في تناوله أحكام فقهية معينة،، تقديم ذلك لقوم ليسوا مسؤولين عنا ولا أوصياء علينا، ولا يعنينا تقييمهم… وبالمقابل لا نتدخل نحن في مواقفهم ولا سلوكياتهم، وإن كانت بالنسبة لنا باطلة هوجاء، ونحن مفوضون وملزمون بالعمل على تقويمها!!!..

فلماذا يحرص كل منا على كسب السبق عبر المزايدات في التصريحات، والتبجح حول من منا كان السبّاق إلى “ترئيس” امرأة لهيأة أو جلسة أو مؤتمر؟ بل نعبر عن امتعاضنا من وصف أحدهم لنا بأنها هذه المرة الأولى التي حصل فيها “الترئيس”، ويزداد حنقنا وتثور ثائرتنا لنذكّر العالم أن الأمر ليس كذلك، ونبذل المجهود المضني للتذكير بعديد المرات السابقة التي حصل فيها “الإنجاز” وتعامى عنها الجاحدون!!!..

أم أن الأمر صك الغفران الذي وجب الظفر به وشهادة البراءة والقبول التي توجّب الحصول عليها؟؟!!!..

وإن الممارسة لتزداد صفاقة حينما تصدر عمن يظل يتحدث عن استقلاليته وامتلاكه أمره، ولا يفتأ يردد أن أفعاله لم، لا ولن تكون ردات فعل، وإنما هي أفعال ثابتة راسخة أصيلة مؤصلة، لا تؤثر فيها معطيات التاريخ ولا عوامل الجغرافيا، وكأن الناس يعيشون بروج عاجية عالية معزولين عن العالم، وليتهم كانوا!!!..

إن هؤلاء الذين يجرون خلف المشروعية والاعتراف حُق أن يسموا “إسلاميون لايت”، أو “النسخة المقلدة”!!!..

طبعا هذه الانطباعات تقوى وتضعف حول تنظيم معين بقدر كمّ وجود “الأعضاء” المشار إليهم و”المواقف” المذكورة في التنظيم المعني..

إن ما ذُكر سواء على مستوى الفردي أو المؤسساتي أو “المواقفي” لا يدع بتاتا أي فارق للتمايز بين “الإسلامي” وغير من “المسلم التقليدي”، والحالة هذه فإن مشروعية قيام تلك التنظيمات بدأت تتآكل!!!..

إن “نخبوية” هيئة كيفما كان شأنها لا يعصمها من الوقوع في الخطأ، ولا يعفي الناس ولا يمنعهم من نقدها، وبالتالي فتمحيص تصرفاتها يبقى مشروعا، فكل كلام أو تصرف من عامة البشر قابل للنقد..

‫تعليقات الزوار

5
  • بلحسن محمد
    الإثنين 23 ماي 2016 - 11:28

    فعلا, كثير من تلك الحركات الاسلامية "الراديكالية" التي كانت تنحى منحى أصوليا في السياسة والفكر والثقافة والفن والسلوك والتربية، لم يتبق لها من ذلك "الزين" إلا "حروفو"، ومن ذلك "الجهد" إلا "الفانت"، على حد تعبير الملاكمين و يكفي إسناد مهمة تشخيص جودة المنجزات بقطاع من القطاعت الإنتاجية (التجهيز مثلا) للمختصين و لهيئات المجتمع المدني و لصحافة التدقيق و التحقيق خلال الفترة التي جاءت بعد المصادقة على ما يسمى "الربيع العربي" و بعد مصادقة الشعب و البرلمان على الدستور الجديد و بعد انتخابات تشريعية وصفت بالشفافة … لا شك أنهم سيحتاجون لحق الولوج إلى المعلومة

  • walid
    الإثنين 23 ماي 2016 - 17:01

    Depuis des années que je suis entrain de chercher que veut dire exactement Al islam assahib

  • youness
    الثلاثاء 24 ماي 2016 - 11:40

    تحية طيبة لكاتب هذه السطور.
    سبحان الله، سنة الله لا مبدل لها، قليل من التنظيمات الإسلامية من بقيت قدمها راسخة على المبادئ، أما الزبد فقد انجر وراء شعارات العصر، فأصبحت لا تفرق بين إسلامي أو علماني…

  • khalid
    الثلاثاء 24 ماي 2016 - 16:44

    يجلس.. على أريكته الوثيرة في بيته الذي اشتراه بقرض ربوي، يشاهد على التلفاز مجموعة من أعضاء جماعة ..تطاردهم كل ألوان الطيف المخزني بهروات غليظة.. يرتشف جرعة من قهوة الأرابيكا.. استنكر المشهد محتجا: لحاهم ليست طويلة..بالقدر الذي يراه أبو حنيفة
    تخيلت المشهد السوريالي واستغفرت الله ثلاثا لي ولكل القاعدين والمخلفين مثلي.

  • عبد اللطيف
    الثلاثاء 24 ماي 2016 - 17:37

    {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم 59.
    {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ…}الأعراف 169

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة