الكرامة الإنسانية!

الكرامة الإنسانية!
الثلاثاء 24 ماي 2016 - 13:30

هي أغلَى ما في الحياة..

ومن أجلها، نحنُ أيضا في مُواجهةٍ بين ما لهُ ثمنٌ مادّي، وما هو كرامةٌ إنسانية!

والقاعدةُ هي: كلُّ دولةٍ تقومُ بواجبها، تبدأ هذا الواجبَ من كرامةِ الإنسان..

تَحْمِيها وتجعلُها أساساً لهياكلِها وسياساتِها، وتُثبتُها في دُستُورِها وفي السلوكاتِ اليومية للبلد..

وبدون تحويلِها إلى سُلوك، تبقَى مُجرّدَ شعار..

إنها قيمةٌ غاليةٌ هي عزّةُ النّفس..

قيمةٌ تجعلُ الناسَ مُتساوين أمام الحقوق والواجبات..

وفي دولةِ الحق، لا فرقَ بين الناس من حيثُ الحقوقُ والواجبات..

والقوانينُ والمعاملاتُ في دولة الحقّ، تحمِي كرامةَ الإنسان، أيِّ إنسان..

إنها الكرامةُ فوق أيّ اعتبار!

هي قيمةٌ بلا لون، ولا جنس، ولا انتماء..

قيمةٌ فوقَ كلّ الألوانِ والأشكالِ والأرصدةِ وغيرها…

قيمةٌ هي في حدّ ذاتِها تمَيُّز..

ولا تعلُو فوقَها أيةُ قيمةٍ أخرى..

لا سُلطةَ فوقَ كرامةِ الإنسان.. ولا جاه.. ولا قوّة.. ولا مال.. الكرامةُ الإنسانيةُ فوقَ كلّ شيء!

هكذا هو الحالُ في دولةِ الحق والعدل..

لكن واقعَنا جاهلٌ بكلّ هذا.. ومُتجاهلٌ لهذا الكنزِ الذي هو كرامةُ الإنسان..

واقعُنا لا يحترمُها، ولا يلتزمُ بها، في السياسات الحكومية: الصحة، التعليم، الشّغل، الخدمات العامّة، السلوكات الإدارية، وغيرِ هذه من المجالاتِ التي من المفروض أن تُطبِّقَ قانونَ «كرامة الإنسان» على الجميع، بدُون استثناء، وأن تَفتحَ أبوابَها على كل الناس، بدّون أيِّ انتقاء..

الكرامةُ ليست فقط أكبرَ من القوانين..

الكرامةُ هي تصنعُ القوانين.. وهي تفرضُ تطبيقَ هذه القوانين..

بدون كرامةٍ إنسانية، يُشاعُ خرقُ القوانين، ما دام الناسُ لا يرون في القوانين تطبيقًا وتنفيذًا وهيْبة..

وكرامةُ الإنسان، هي فوقَ الأديان نفسِها..

الأديانُ جاءت لخدمةِ الإنسان، وحمايةِ كرامةِ الإنسان.. أيِّ إنسان..

لكن أحزابَنا في مُجملها، تبنِي سياساتِها على التفرقةِ بين الناس، رغم أن خطاباتِها تدعُو إلى التساوي في الحقوق والواجبات..

وهذه الانتقائيةُ تُصنّفُ «المناضلين» إلى فئتيْن أساسيتيْن: فئةٌ تتْعَبُ وتَزرع، وأخرى تحصد.. ولا تُتقنُ إلا الحصاد!

فئةٌ تَبذُل عرَقَ الجبين، وأخرى تحصدُ عرقَ جبينِ «المناضلين والمستخدَمين، والفلاحين، والموظفين، وغيرِهم…

وتستغلُّ المستضعفين والجاهلين: في الانتخابات..

عقليةٌ انتهازيةٌ هي نفسُها حوّلتْ مناطقَ من العالم إلى صراعاتٍ وحروب، نتيجةَ التّفاوُتاتِ الطّبقيةِ الاجتماعية، فاندَلعَت نزاعات، والعالمُ يشتَعلُ هنا وهناك، بسببِ سُوءِ التّدبير، والقفزِ السياسي على كرامةِ الإنسان..

ومن ثمةَ سقُوطُ ضحايا، وفُقدانُ الأملِ في إشاعة بيئةٍ ديمقراطيةٍ مُؤهّلةٍ لمكافحة الفقرِ والجهل والتّمييزِ والعُنصُريةِ ورفضِ الآخر..

وهذه البيئةُ نفسُها تسبّبتْ ببُلدانٍ كثيرةٍ في «اهتزازات»، وفي التطرُّفِ والعُنف، والكراهية، والتراشُق…

– وفي نارٍ هي فوقَ وتحتَ الرماد..

وتبتعدُ أحزابُنا، ومعها حُكومتُنا، أكثرَ فأكثر عن حمايةِ الكرامة الإنسانية، وتجدُ لذلك مُبرّراتٍ منها اتّهامُ الآخرِ بالمسؤولية..

وما زالت تلعبُ أوراقَ تحميلِ المواطنين مسؤوليةَ فشَلِها هي، وسوءِ تدبيرها هي، وتجهرُ بأنّ الناسَ مسؤولون عن كلّ ما يحدُث في البلاد..

في منطقها، المقولةُ الفرنسية: «الآخرون هم الجحيم»..

حكومتُنا تعتبرُ أنها ليست هي نفسُها الجحيم: الجحيمُ هو المواطن!

ولا تُثيرُ نُخَبُنا السياسيةُ مسؤولياتِها في مُعالجة مُتطلباتِ الحياةِ الاجتماعية، والحُقوقِ الاجتماعية، وواجباتِها في حمايةِ البلد من التفاوُتاتِ الطّبقيةِ الرّهيبة، ومن اهتزازاتٍ اجتماعيةٍ أخرى…

ولا تتوقّعُ ما قد يحملُه المستقبلُ نتيجة سوءِ تصرّفِها، وسوءِ تسييرِها للشأنِ العام..

ليست عندها استراتيجية التوقُّع..

لا تعرفُ استقراءَ الغد.. هي فقط تُتقنُ ابتزازَ اليوم..

إنها خارجَ الزمانِ والمكان، غارقةٌ في مَصالحِ أفرادِها وزُبنائها والأقربين..

ولا تتعترفُ بمسؤوليتِها عن احترامِ الكرامةِ الإنسانية..

وعن مسؤوليتِها في فشلِ سياسةِ الحماية.. حمايةِ المجتمعِ من تهديداتٍ تطالُ الكرامةَ الإنسانيةَ الوطنية، كما هي متعارَفٌ عليها دوليا..

حكومتُنا ليست لديها سياسةُ «الأمن الاجتماعي»!

وما أحوجَنا إلى مساحةٍ إنسانيةٍ في التعامُل مع بعضِنا، ومع الآخر..

وعن هذه اللامبالاة، وهذا الاستغلالِ الظالم لخيرات البلد، على حساب القُوتِ اليومي للمواطنين، نتَجَ مُصطلحٌ هو: «ثورةُ المحاسبة».

دخلنا في مرحلةٍ هي نفسُها ثورةُ الكرامةِ الإنسانية..

ثورةٌ ضدّ «الإهانة» التي يُعانيها كثيرٌ من الناس، بسبب سُوءِ تدبيرِ الشأنِ المحلي والعمومي، والتعامُلِ مع المواطنين على أساسِ قبُول الفسادِ الإداري والأخلاقي، واعتباره سلُوكًا طبيعيا..

ـ وعلى أساسِ طبقيةٍ ما هي إلا كارثةٌ إنسانية..

العقليةُ الطبقيّةُ سائدةٌ في بلدِنا لدرجةٍ لا تُطاق..

منهم من يعتبرُها عاديةً جدا، ويُردّدُ أنها سلوكٌ يتعايشُ معهُ الناسُ يوميًّا، في كلّ أنحاءِ العالم، وأنه «إذا عمّتْ، هانَتْ»!

تبريراتٌ هي أخبثُ من الزّلّة!

ومنهم من يتملّصُ من مسؤولياتِه الوطنية، وينسبُ إلى الدّين ما يقومُ به هو من ظُلمٍ في الحقوقِ الاجتماعية..

ينسبُ الفشلَ وسُوءَ النيّة وسوءَ التدبيرِ إلى الدّين، وكأنّ الدّين هو الآمرُ بالظُّلمِ الحكومي..

وما زالت حكومتُنا تُفرّقُ بين المواطنين: هذا ابنُ فُلان، له كلُّ الحقوق، وأحيانًا أكثرُ ممّا يستحقّ..

وذاك ابنُ فقير، لا يُعامَلُ بالتّساوي، مهما اكتسبَ من كفاءات..

القانونُ كلام، وتطبيقُه أمرٌ آخر..

وما زال دُستورُنا بدُون كثيرٍ من القوانين التنظيمية.. فماذا تفعلُ الحكومة؟ وماذا يفعلُ البرلمان؟ وكيف يُنفَّذُ الدستورُ بدون قوانين تنظيمية؟

ومن له المصلحة في إبقاءِ الدستورِ بدونِ قوانينَ تنظيمية؟

ــ وما السّبيلُ لإصلاحِ ما أفسدتهُ نُخَبٌ سياسيةٌ في بلدنا؟

نُخبٌ تبيعُ وتشتري حتى في ما لا يُباعُ ولا يُشترَى..

نُخبٌ ترى في الكرامةِ نفسِها مُجرّدَ سلعةٍ ككُلِّ السّلَع، هي أيضًا لها سِعْر.. قيمتُها تتحدّدُ في ثمنٍ مادّي، لا أكثرَ ولا أقلّ..

كلُّ القيم في سلوكاتها، لها ثمنٌ مادّي..

هكذا هي تتصوّر، وتُنفّذُ هذا التصوُّر.. وكأنّ الناس لا يعقلُون.. ولا يفهمون.. ولا يستوعبُون.. ولا يشعرون..

هكذا تتعاملُ مع الناس.. من أنت؟ ابنُ مَن أنت؟ ماذا تملك؟…

اعتباراتٌ تخرقُ كلَّ حقوقِ الإنسان، وتدُوسُ الكرامةَ الإنسانية..

وفي أسواقِ «النّخاسةِ» السياسية وُسطاءُ يشترون «مُناضِلين»..

وآخرون يشترون الكرامةَ نفسَها!

هي ذي «النّخاسة» العوْلمية تُحرّضُ على انتهاكِ كرامةِ الإنسانِ من أجل مكسبٍ مادّي سريع..

هذا ريعٌ في صُلبِ النّخاسة..

ونحنُ مُنخرطُون في هذا التوجُّه العولمي اللاّإنساني..

ونُخَبُنا السياسيةُ تتجاهلُ أنّ عوْلَمةَ التكنولوجيا والتجارة العالمية يجبُ أن تقُومَ على أساسِ نظامٍ عالمي يَضعُ القيمَ الإنسانية في المقامِ الأول..

الإنسانُ أوّلاً..

الإنسانُ قبلَ التعامُلِ الاقتصادي..

التجارةُ تأتي بعد الإنسان، لا قبلَ الإنسان..

الإنسانُ في المقام الأول..

وفي غياب الإنسان، تتعمّقُ فجوةٌ بين الأمم..

ــ هي «فجوةُ القيم الإنسانية»..

نحنُ أحوجُ ما نكُونُ إلى منظُومةٍ من الأخلاق، تحميها قوانينُ لا يجُوزُ أن تبقَى حبرًا على ورق..

وهكذا يتيسّرُ لعالمنا المشترك أن يَبني استقرارًا إيجابيًّا، على أساسِ إنسانٍ جديدٍ مُؤهّلٍ لبناءِ علاقاتٍ إنسانيةٍ تحمي الحياةَ على الأرض.. وتحمي العقلَ والقلبَ والروّح والعلاقات…

وتحمي أيةَ قُدرةٍ على المبادرة: الإنتاج والابتكار والاختراع…

ــ المطلوب: حضارةُ الإنسان.. والإنسانية.. قبلَ حضارةِ التكنولوجيا!

الحضارةُ الإنسانية يمكنُ أن تكُون محورَ الحضارةِ التكنولوجية.. فأينَ هي منظُوماتٌ تُؤسسُ لحضارةِ الإنسان؟

ـ أما آنَ الأوانُ ليقظةِ الضمير؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • محمد 44
    الثلاثاء 24 ماي 2016 - 22:54

    تتواجد الكرامة الانسانية حيث تتواجد الديمقراطية الحقيقية وللاسف تتعارض هذه المعادلة في الانظمة الملكية العربية التي تستعبد الناس من دون حق

صوت وصورة
ملفات هسبريس | حظر تيك توك
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 11:22

ملفات هسبريس | حظر تيك توك

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا