هل اعتذر الأمريكيون للمغرب؟

هل اعتذر الأمريكيون للمغرب؟
الإثنين 30 ماي 2016 - 23:32

السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال هو: هل اعتذر الأمريكيون بالفعل عن مضامين التقرير حول حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2015 في شهر أبريل من السنة الجارية؟ سأحاول أن أقنع القارئ آلكريم بأن الأمريكيين لم يعتذروا عن مضامين هذا التقرير بل أكدوا تشبثهم بها على الطريقة الأمريكية، وبأن الإختلاف بين الساسة الأمريكيين حول هذا التقرير هو اختلاف حول تصورهم للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها علاقة أمريكا مع العالم، وليس اختلافا حول مضامين التقرير الحقوقي.

اعتراض مغربي

بعد صدور تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2015 في شهر أبريل الماضي، ردت وزارة الداخلية المغربية (وليس وزارة الخارجية!) بلاغا تضمن اتهامات مغربية للشريك الأمريكي بـ”افتقار تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان للدقة وطابعه المنحاز ومصادره المعادية سياسيًا”، مع الإشارة إلى ميل التقرير إلى “اجترار مزاعم متقادمة” تسعى لـ”استهداف المغرب بشكل مجاني”، مشككا في مصداقية التقرير الذي “ارتكز على تقارير سلم من طرف أشخاص دون مصداقية أو مغاربة مناوئين للنظام”.

“اعتذار” أمريكي

من الأخطاء التي تضمنها التقرير والتي كشفت عنها إدارة الأمن الوطني إيراد اسم السيد الحموشي في قضية الصحافي حميد مهداوي، علما بأن عبد اللطيف الحموشي لم يكن قد عين بعد مديرا للإدارة العامة للامن الوطني عندما أثيرت قضية هذا الصحافي. ردت السفارة الأمريكية بتوضيح أكدت فيه أن الأمر يتعلق بخطإ (error) تسرب بشكل غير مقصود إلى التقرير، وعبرت عن اعتذارها عن هذا ال error بالشكل التالي: ” ”we would like to offer our apologies for this error which was not intentional“

ما هو الإعتذار عند الأمريكيين؟

لفهم ما اعتُقِد أنه “اعتذار” أمريكي، ينبغي أن نفهم ماذا يعني “الإعتذار” عند الأمريكيين.

يعبر الأمريكيون (والأنڭلوساكسونيون عموما) عن الإعتذار بفعل apologize ومشتقاته، وبعبارة sorry المشتقة من الإسم sorrow الذي يعني “الحزن الشديد”. والإعتذار عندهم فعل كلامي يدل على إحساس صاحبه بالحزن على فعل صدر عنه ماضيا يُقِرُّ بالمسؤولية الكاملة عنه. لذلك فعندما طُلب من تشرشل أن يعتذر عن اتهامه لأحد البرلمانيين ب”الغباء” تردد في ذلك لأنه يؤمن فعلا بغباء هذا البرلماني، ولما اشتد عليه ضغط المعارضة اضطر إلى اللجوء إلى تصريح ملتبس فقال ما معناه: “قلت بأني اتهمتك بالغباء. هذا صحيح وأنا آسف على ذلك” (You say Icalled you an idiot. It is true and I am sorry). ووجه الإلتباس في كلام تشرشل أن اسم الإشارة “هذا” إما أنه يشير إلى “كون تشرشل قد قال بأن البرلماني غبي” وإما أنه يشير إلى “كون البرلماني غبي بالفعل”. فإذا أخذته بالمعنى الأول، سيكون تصريح تشرشل اعتذارا، أما إذا أخذته بالمعنى الثاني، فتصريحه ليس اعتذارا بل هو تأسُّف على حقيقية كون البرلماني غبيا. (لمعرفة كيف تختلف معاني “الإعتذار” من ثقافة لأخرى المرجو الإطلاع على دراسة عنوانها Requests and Apologies: A Cross-cultural study of a speech act realiztion patterns نشرت في مجلة Applied Linguistics الجزء 5 العدد 3.)

من العناصر المُشَكِّلَةِ لمفهوم “الإعتذار” عند الأمريكيين أيضا تأكيدهم على تحديد المعتذِر لما يعتذر عنه. فإذا اعتذرت لصديق لك عن أمر ما بقولك: I am sorry سيبادر الى مواجهتك بالسؤال: “ما الذي تعتذر عنه بالضبط؟” (what are you apologizing for exactly). حتى إذا ما أوضحت ما تعتذر عنه، سيفهم مخاطبك بشكل واضح ما تتحمل ماسؤوليته وما ترفض تحمل مسؤوليته.

هل اعتذر الأمريكيون إذن؟

يتضح من ظاهر نص التوضيح الأمريكي أن السفارة الأمريكية قد اعتذرت بالفعل. فهم استعملوا الفعل apologize، ولم يستعملوا التعبير we are sorry الملتبس بين معنى “الإعتذار”، الذي يستلزم المسؤولية، ومعنى التأسف الذي لا يستلزم المسؤولية.

إلا أن هذا الإعتذار سرعان ما يفقد مضمونه بصفته “اعتذارا” عندما نتلفت لاعتبارين اثنين:

أولهماـ أن النص يعتذر عن أمر واحد وواحد فقط، وهو إدراج اسم عبداللطيف الحموشي في سياق لم يكن قد عين فيه بعد مديرا لإدارة الأمن الوطني، مما يعني، في سياق فهم الأمريكيين للإعتذار، أنهم يؤكدون كل ما ورد في التقرير من انتقادات لوضعية حقوق الإنسان في المغرب.

ثانيهماـ أن الأمريكيين لا يعتذرون عن “خطأ”، وهو ما يسمونه ب “mistake” أو wrongdoing بل يعتذرون عما سموه “error” الذي معناه “خطأ غير متعمد”. فلا يتعلق الأمر باعتذار عن مضامين التقرير بل عن خطإ تقني هامشي لم يكن مقصودا.

أمريكيون معترضون على التقرير؟

أليس هناك من الأمريكيين أنفسهم من اعترض على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية؟ نعم، هناك من اعترض عليه. ولكن ما الذي اعترضوا عليه تحديدا؟

أبلغ تعبير عن الرأي الأمريكي “المعترض” على التقرير الأمريكي هو المقال الذي نشره الكاتب والأستاذ الجامعي اليهودي دوڤ زاخيم في مجلة “فورين پوليسي” (20 ماي 2016) الشهيرة والذي عنوانه: How the State Department Human Rights Report Treats Freinds and Adversaries

ينتقد السيد زاخيم في هذا المقال السياسية الأمريكية في عهد أوباما والتي عرفت نمطا واضحا من الأداء على مستوى علاقات أمريكا مع العالم. فإدارة أوباما، بالنسبة لزاخيم توتر علاقاتها مع الأصدقاء التقليديين لأمريكا، كالمغرب، وتتشدد في علاقاتها مع خصومها التقليديين كإيران وسوريا رغم ملفاتهم الغارقة في المخالفات الحقوقية.

لاحظ زاخيم أيضا أن الصيغة التي استعملتها وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها حول حقوق الإنسان بالمغرب تتميز بشدة اللهجة، واعتماد مصادر غير أمريكية، والتفصيل الشديد الذي لم تظهره في انتقادها لحقوق الإنسان في دول مغرقة في خرق حقوق الإنسان كإيران وسوريا.

هناك ملاحظتان يمكن تسجيلهما بالنسبة لنقد زاخيم:

أولهماـ أنه يكشف بشكل واضح عن قصده من النقد في نهاية مقاله: فغرضه الأساسي ليس هو أن ينتقد تقرير وزارة الخارجية بل أن ينتقد السياسة الخارجية لأوباما التي اعتبرها متشدّدة مع “الأصدقاء” ومتسامحة مع “الخصوم”.

ثانيهماـ أنه لا ينتقد مضامين التقرير ولا يشكك فيها،ّ بل ينتقد عدم تعامل إدارة أوباما بالحزم الكامل مع “الخصوم”.

يعطي زاخيم مثالين ل”الخصوم”: سوريا وإيران. لكنه لا يتحدث كثيرا عن “الأصدقاء”. إلا أن كل من يعرف التاريخ السياسي لزاخيم يعرف جيدا من هم “الأصدقاء” الذين يتحدث عنهم: إنهم بكل بساطة إسرائيل. فزاخيم نفسه رابي يهودي ذو جنسية مزدوجة إسرائيلية أمريكية، قالت عنه الصحافية الأمريكية جيري مازا بأنه “بفضله حصلت إسرائيل على الجزء الأكبر من أسلحتها” وقالت عنه مجلة Judicial Inc بأن “إسرائيل تركب أكبر أسطول طيران بفضله”.

زاخيم ينتمي إلى عائلة صهيونية متشددة، درس بمدرسة لندن للدراسات اليهودية، وكان يرحل في شبابه لإسرائيل من أجل حضور المخيمات الصهيونية للتدرب حيث يَتَكَوَّن الشباب اليهود ليصبحوا قادة للمستقبل.

زاخيم، إذن، لا ينتقد تقرير وزارة خارجية الولايات المتحدة عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، بل ينتقد تهاون إدارة أوباما مع الخصوم التقليديين (سوريا وإيران) وتشددها مع الأصدقاء التقليديين (المغرب). وعندما نقرأ مقال زاخيم على ضوء المهمة التي نذر نفسه لها، سنكتشف أن هذا المقال ليس سوى تعبير عن استياء اللوبي اليهودي من سياسات أوباما المتعلقة بإسرائيل التي لا ترضي هذا اللوبي.

خلاصة

الأمريكيون لم يعتذروا عن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن وضعية حقوق الإنسان بمغرب 2015. ونحن لا نحتاج لاعتذارهم أصلا. نحتاج فقط للإستمرار في تحسين وضعية حقوق الإنسان بالمغرب التي بدأت بالفعل تعرف بعض التراجعات، لا ينكر ذلك إلا جاحد.

‫تعليقات الزوار

13
  • what a juxtaposition
    الإثنين 30 ماي 2016 - 23:58

    america
    gonna appologize
    to
    morrocco
    for its injustise
    NOW
    Am i dreaming or what
    what are you saying sir
    it provokes an anecdote
    of a lion
    whose appology
    is being awaited by
    a goat
    a weak sick slim goat
    and who knows
    the appology
    may come
    but in another form and shape
    GODFORBID
    yours sincerely
    sam ben noah

  • اي ياياي دخلات الماريكان
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 00:08

    سواء اعتذروا اولم يعتذروا فالمواطن المغربي قد اطلع جيدا على رسالة

    ودرس من خلاصة هذه الازمة وخلاصة الدرس تقول

    احظي راسك لا يفوزوا بك القومان ياوطن

    شكرا لك على درسك في الاعتذار

    وتحياتي

  • Mostafa Ezzahi
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 01:49

    this is an amazing articl. smart remarks are mentioned in your text, that left me wondering how special writer
    you are.
    we need more people like you.
    Warm regards.

  • le village
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 01:58

    سوريا وإيران لم تتهاون معهم بل اجبروها على الركوع لأنهم الوحيدين بين الدول الإسلامية والعربية الذين قالوا لأمريكا لا وما تبقى كان يقول سمعا وطاعا ومنهم المغرب لكن المضحك في هذه النازلة وهو أن أمريكا كانت تعذب معتقلين الإرهاب في المغرب و في نفس الوقت تتهمه بعدم احترام حقوق الإنسان ثملماذا لم يهدد المغرب بكشف تعاونه السري في ااستنطاق المعتقلين العرب لأنه لا يزال عضو في نادي سمعا وطاعا

  • abdellah
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 11:57

    هل اعتذر الامريكان باللغة الانجليزية واذا حدث فهل فهمناه لان انجليزية العم سام تختلف عن شقيقتها بنت عاصمة الضباب ومن الاصوب ان يعتذروا باللغة العربية او الدارجة المغربية حتى تصل الرسالة ونعلم هل اعتذروا ام لا غير انه لنزع اللبس فان الامازيغية التي يعرفها الحلوي بغناها الذي لا يوجد له نظير في اية لغة الا لغة الاله يقوش قد تكون هي الكفيلة بالا عتذار دون اعتذار فيكفي ان يقول ديبلوماسي كلمة امازيغية بلكنة انجليزية لنعلم كل شيء فهذه اللغة العجيبة مثل مصباح سحري تحكه فيفي بالغرض

  • الافريقي
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 12:44

    وهل سبق وان اعتذروا للهنود الحمر ؟ ومن بعدهم للمكسيكيين ومن بعدهم لليبانيين والفيتنامين والصوماليين والعراقيين ؟ انهم يقررون ثم يقررون الى ان يأتي يوم التنفيذ فيجهزون بألاتهم الاعلامية والاقتصادية ثم العسكرية . هكذا تقافتهم !

  • الموضوغي
    الثلاثاء 31 ماي 2016 - 15:43

    الى الرقم 5
    لماذا جعلت اللغة الامازيغية لغة عجيبة ،وما دمت البادئ انا اقول لك لغتك ايضا عجيبة

  • mnm
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 00:02

    5 abdellah
    اقحمت الامازيغية فى الموضوع كمسقط الطائرة
    الامازيغية تعانى من التهميش ولم تنل حقوقها وامريكا تعتبرالمغرب من البلدان العربية كما يقدمه لها مسؤولينا وهكذا فهي ان قبلت بتقديم الاعتذار بالتاكيد ستقدمه لنا باللغة العربية الفصحى على شكل " واللات والعزى لاننا نادمون عن موقفنا تجاهكم و ويح بان كيمون على فعلته "
    وبعد ذلك سترتاح من هم الامازيغية ومن شبحها

    عواشركوم مبروكة

  • abdminibadi llah
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 00:29

    بسم الله والله اكبر والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله;من هو المغرب حتى يقدم له الاعتذارات حتى من اصغر دولة ذات سيادة,المغرب من المستعمرات الغربية عليه بالخظوع لكل اشارة من اسياده وتنفيذ كل ما يملا علية من امر واعجبه ام اغضبه…هذا هو وضع العبيد

  • نبيل
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 08:45

    والله لهو العجب. تشتري السلاح المستعمل من عصر حرب الخليج الاولى بهبة خليجية مقابل خدمات عن الطلب، ثم تنتظر من العام سام الاعتذار للمغرب ؟؟؟؟؟؟

  • Tanmert
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 09:40

    Tres bon article, monsieur
    Vous etes vraiment un grand professeur
    Un des rare ecrivains intelligents sur Hespress et au Maroc
    Continuez a nous eclairer sur Hespress
    Tanmert

  • awsim
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 17:30

    -مشكورا .. اعتبرعبارتك التالية لب ما ينبغي الانتباه اليه..
    -"خلاصة
    الأمريكيون لم يعتذروا عن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن وضعية حقوق الإنسان بمغرب 2015. ونحن لا نحتاج لاعتذارهم أصلا. نحتاج فقط للإستمرار في تحسين وضعية حقوق الإنسان بالمغرب التي بدأت بالفعل تعرف بعض التراجعات، لا ينكر ذلك إلا جاحد."

  • جواد تيداس
    الخميس 2 يونيو 2016 - 02:05

    حتي يعتذر النظام السياسي المغربي لشعبه عن انتهاكاته وخروقاته وتجاوزاته وحجره وممارساته اللديمقراطية حينئذ سوف يكون المغرب الرسمي والمغرب الشعبي مغرب واحد له مصداقية وشرعية ديمقراطية داخليا وخارجياوبعد ذالك لم تعد تربكنا وتخيفنا لا التقارير الامريكية ولا الدولية فيما يتعلق وضعنا الحقوقي في بلدنا .لكن كما يقال،لفيه الفز تايقفز.لكانت دولتنا ديمقراطية فعلا لما كانت كل هذه الرجة والضوضاء

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 21

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات