ماذا نريد بمدرستنا تربية روحانية أم تربية دينية؟

ماذا نريد بمدرستنا تربية روحانية أم تربية دينية؟
الأربعاء 22 يونيو 2016 - 16:00

بصفتي طبيب نفساني، أعتقد أن هناك العديد من الجوانب يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار:

طبيعة الطفل

طبيعة التربية الدينية

تأثير المدرس

الاتساق بين التربية الروحانية في المدرسة و في المنزل

طبيعة الطفل

غالبا ما يعتبر الطفل صفحة بيضاء، وعليها يقوم الكبار بتسجيل وصفاتهم الشخصية. كما يعتبر الطفل مثل وعاء يقوم البالغ بملئه بما يريده هو.

فالكبار يفكرون نيابة عن الطفل، ويعتقدون أنه يحتاج إلى هذا وذاك، ثم يتصرفون وفقا لذلك.

ومع الأسف، هذه هي أفضل وسيلة للضغط على الطفل، وإعاقة نموه. وهي أيضا أفضل طريقة لجعل الطفل، عندما يكبر، شخصا غير مستقل ويحتاج دائما إلى مساعدة.

فالطفل ليس جهاز كمبيوتر يقوم فيه الكبار بتثبيت البرامج التي تبدو جيدة بالنسبة لهم، كما أن الطفل ليس وعاء فارغ ولا صفحة بيضاء. إن الطفل عبارة عن منجم يحوي قدرات و مواهب بلا حدود. ودور التربية هو مساعدة الطفل على استخراج هذه القدرات وتطويرها. فالطفل يستخدم قدراته بناء على احتياجاته بوتيرة تدريجية وفقا لتطوره ونموه.

هل الكبار يسعون إلى تحقيق ما هو جيد للطفل و مساعدته على أن يكون ما يريد أن يكون؟ أم أنهم يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال اختيار التعليم المناسب لذلك؟

الطفل هو إنسان يحتاج إلينا من أجل مساعدته وليس لكي نجعل منه ما نريده نحن.

طبيعة التربية الدينية

هل يحتاج الطفل إلى تربية روحانية وأخلاقية أو إلى تربية دينية؟

يبدو لي أن الطفل يحتاج أكثر إلى تربية روحانية وأخلاقية سواء في المدرسة أو في المنزل. هذه التربية ليس هدفها هو ملء الطفل ب ” عليك أن تكون طيبا، يجب أن تكون صادقا، لا يجب أن تسرق، يجب أن تكون سخيا ……” هذه الصيغ ليست إلا تزقيما لا يهضمه الطفل ويدفع به في الأخير إلى التقيؤ.

فالتربية الروحانية يجب أن تساعد الطفل على استخراج الفضائل الإلهية الكامنة فيه ومساعدته على أن يكتشف بنفسه أنه من الأفضل له أن يكون طيبا عوض أن يكون شريرا، ومن الأفضل أن يكون صادقا عوض أن يكذب، ومن الأفضل له أن يكون مسالما عوض أن يكون عنيفا… وبعبارة أخرى، يجب على التربية الروحانية أن تقود الطفل إلى تعبئة إمكاناته الخاصة وقدراته الذاتية وإلى التفكير والفهم ومن ثم اتخاذ قراراته بنفسه.

التربية الروحانية يجب أن تقود الطفل إلى أن يدرك أنه شخص كامل، و أنه ينتمي إلى هذا المجتمع وإلى هذه القرية وإلى هذه المدينة وإلى هذه الدولة وإلى هذه الإنسانية وأن لديه حقوق وعليه واجبات. وبالتالي فإن غايتها هو مساعدة الطفل على تنمية وعيه بالانتماء الاجتماعي، وبأنه ليس “صغيرا لا يعرف شيئا وسيفهم كل شيء عندما يكبر”. وبالتالي فإن تربيته على أنه وعاء فارغ ستؤدي به، عندما يكبر، إلى استخلاص أنه تعرض للخيانة من قبل البالغين.

التربية الروحانية ليست دراسة دين معين بتاريخه وطقوسه وعقائده.

التربية الروحانية تهدف إلى تحقيق تحول روحاني لدى الطفل أي إلى تطوير قدراته الروحانية.

التربية الروحانية هي نقطة التقاء جميع الأديان، وهي جوهر الدين الذي لا يتغير مع مرور الوقت “اللطف والكرم والصدق والاحترام والثقة ومساعدة الآخرين..”.

على التربية الروحانية أن تنفصل عن التعليم الديني لتجنب الأحكام المسبقة التي تدرس من قبل هذا الدين أو ذاك.

فالتعليم الديني يعلم الأطفال الطقوس و أهميتها بالنسبة للمنظور الروحي، لكنه يعلم أيضا للأطفال القوانين الاجتماعية التي تتيح للمجتمع أن يعيش في سلام. هذه الطقوس والقوانين تختلف من دين إلى آخر، على عكس التربية الروحانية.

فالأديان يمكن أن يتم تدريسها مع احترام تام لتاريخها وطقوسها وعقائدها، ولكن دون مقارنة ودون أحكام مسبقة وبطريقة محايدة . وهكذا نكون قد وفرنا للطفل المعرفة دون تمرير إيديولوجية معينة.

تأثير المدرس

يجب أن يخضع المدرسون لتكوين خاص قبل البدء في تدريس التربية الروحانية للتلاميذ. ولا يتعلق الأمر هنا بتكوين في المجال التربوي، ولكن بتكوين يتيح للمدرس، أيضا، أن يتحول روحانيا. وهكذا يتخلص المدرس من كل الأحكام المسبقة، ويغير نظرته للطفل، كونه وعاء يحتاج لمن يملأه، ويقتنع بأنه من واجبه مرافقته من أجل أن يعي الطفل بقدراته الروحانية وأن يقوم باستخراجها.

بدون هذا التكوين، فالمدرس، حتى دون قصد، سوف يؤثر على الأطفال بآرائه الشخصية وأحكامه المسبقة، مما يمكن أن يخلق تضاربا في رأس الطفل، وحتى صراعا مع والديه.

علينا ألا ننسى أن الطفل، يعتبر المدرس بمثابة الأب الثاني.

وبالنسبة للأطفال، كل ما يقوله المدرس هو حقيقة. ولكم أن تتخيلوا مدى تأثير ذلك على مستقبل الطفل، وبالتالي على مستقبل المجتمع برمته.

فإذا كان المدرسون غير متسقين في أقوالهم و رؤاهم، سيكون المجتمع مليئا بالصراعات.

الاتساق بين التربية الروحانية في المدرسة و في المنزل

التعليم الديني في المدارس يطرح العديد من المشاكل. فآباء التلاميذ المغاربة لا يعتنقون كلهم نفس الديانة ولا يتفقون جميعهم على أن يتلقى أبناءهم تربية دينية خاصة بدين معين.

فالأقليات الدينية تقبل، في الوقت الراهن، التعليم الديني في المدارس،لأنها لا خيار لها، والتلاميذ مجبرون على التحصيل الدراسي في جميع المواد لكي يتفوقوا وينجحوا.

فالتعليم الديني يفتح الباب أمام تعارض وجهات نظر بعض الآباء والأمهات من جهة والمدرسين من جهة أخرى، مما يفقد المصداقية لدى الأطفال إزاء مدرسيهم، و يشكل خطرا على الثقة التي يجب أن يضعها الأطفال في مدرستهم.

إن التربية الروحانية، بحيادها، سوف تساهم في إنشاء اتساق أكبر بين الآباء والمدرسة، على عكس التعليم الديني.

إذن، أليس ضروريا خلق نوع من التعاون بين المدرسة وأولياء الأمور؟ أليس من المفيد تحسيس الآباء بأهمية هذه التربية الروحانية؟

وكختام، أليست الغاية النهائية من هذه التربية الروحانية هو التحول الروحاني للطفل وتطوير إحساسه بالانتماء الاجتماعي وانفتاحه على جميع المعتقدات وأن يعيش في مجتمع بشري يؤمه السلام والوئام دون أي تعصب ديني أو عرقي؟

‫تعليقات الزوار

8
  • ahmed
    الأربعاء 22 يونيو 2016 - 19:20

    انها روحانية رمضان و عظمته والتي يجهلها الكثير من اعداء الاسلام
    روحانية رمضان و اجواءه الربانية هي التي تفضح بعض اشباه الكتاب والمعلقين فيتعبون انفسهم في البحث عن روحانية منزوعة الدين
    افتقاد العلمانيين والعقلانين والدهريين لهذه الروحانية هو ما يدفعهم لمهاجمة كل ما يمث بصلة للاسلام
    يريدون اسلاما بدون روح اسلاما بدون عبادات بدون تطبيق بدون اخلاق يريدون اسلاما على المقاس
    انكم تمارسون روحانيتكم كما يحلو لكم ومع ذالك لم تتحقق لكم السعادة التي تنشدونها فتسعون جاهدين لاخراجنا من السعادة التي نحن فيها على قلة ايماننا وقلة حيلتنا فلو علمتم ما نحن فيه من سعادة في هذا الشهر الكريم و في غيره لقاتلتمونا فاللهم جنبنا مكركم وموتوا بغيضكم وكل رضان وانتم في اتعس حال

  • الموضوعي
    الأربعاء 22 يونيو 2016 - 22:00

    موضوع يستحق التنويه
    لكن المشكل هو انه احيانا حتىبعض الاباء وبعض الاساتذة وحتى بعض الذين يدعون التدين يحتاجون للتربية الروحية لانهم يعلمون للاطفال الغش

  • Dido
    الأربعاء 22 يونيو 2016 - 23:18

    موضوع جميل وعميق وهو في غاية الأهمية واعتقد ان تربية الأطفال مشروع كبير مشروع مجتمع بجميع مكوناته

  • ahmed
    الأربعاء 22 يونيو 2016 - 23:32

    الى الموضوعي جدا
    تعليقك موضوعي جدا كتعاليقك الموضوعية جدا ودمت موضوعيا لان موضوعيتك موضوعية تعدت كل موضوعية
    تحية موضوعية

  • محمد
    الخميس 23 يونيو 2016 - 00:21

    لا أدري كيف يمكننا أن نشعر بالسعادة على رأي البعض ونحن نرى كل هذا القتل والدمار والتهجير والعنف والتطرف. حاجتنا لإعادة نظرتنا للتربية ومناهجها وطرق تدريسها أصبحت ضرورة ملحة اذا كنّا نامل في السلام والتعايش بين جميع البشر. فعلا نحن في حاجة لتربية روحانية تركز على كل ما هو مشترك ونبيل في الأديان والقيم الانسانية حتى تتربى الأجيال على مفاهيم الوحدة والمحبة والهوية الانسانية. كفانا تعصبا وتمسكا بآرائنا وميولاتنا الشخصية والتي كانت من نتاج التربية الدينية المتعصبة التي تلقيناها منذ الصغر. نحن نجني ما زرعته القومية والوطنية المتطرفة. فلنسمح لاطفالنا بتغيير هذا الوضع المحزن فلنسمح لهم ببناء مجتمع سليم متسق منفتح متسامح فلنسمح لهم بتحقيق الوحدة والاتحاد والعيش بسلام في هذا العالم الإنساني …
    موضوع جميل ورائع وفيه من الحلول ما يستحق التمعن والتفكير. شكرًا للكاتب

  • ب.مصطفى
    الخميس 23 يونيو 2016 - 11:47

    لافرق بين التربية الروحية والدينية مادام انهما يخروجان من مشكاة واحد العيب ليس في مناهج التربية العيب في اقصاء التربية عندما تصير التربية معاملها غير معامل مادة الرياضيات فاننا نحكم عليها بالفشل مسبقا ،حتى التلميذ لايعطيها أهمية أكيد كل العلوم محترمة لكن يجب ان نعدل في مراتبهم اذا كانت الرضيات معامل مثلا 7 فمن حق التربية الاسلامية يكون معاملها 7 حتى نلزم التلميذ والطالب على الاعتناء بها خاصة نحن في وقت نحتاج فيه ان يكون التلميذ يدرك مقاصد التربية الدينية او الروحية كما تفضلت جنابك أظن وبعد الظن إتم حان الان ان نعطي للتربية بمفهومها الروحي والديني والمعرفي مكانة حتى نخلق جيلا معتدا لاتشديد ولاانحراف

  • مواطن من كوكب kepler1647b
    الخميس 23 يونيو 2016 - 12:11

    الى المعلق1 يقول:
    افتقاد العلمانيين والعقلانين والدهريين لهذه الروحانية هو ما يدفعهم لمهاجمة كل ما يمث بصلة للاسلام!هؤلاء عندهم أخلاق وهي أعظم من روحنيات تؤسس لها اسقاطات بشرية عن آلهة وهمية متناقضة متهافتة امام العلم والمنطق ان كنت تتبجح بصيام شهر رمضان فهناك صوم طبي يمكن مراعته لشهور وله فوائد أيضا انغماسك في مناسكك وما أضنك تتدبر في النصوص بل تمر دون مساألة!يقابله انغماسنا في الكتب من أجل الحقيقة.عجبت للكاتب يحوم حول الرحانيات دون التربية الاخلاقية لقطف زهور الاديان فقط،كاد المغرب ان يقوم بثورة عالمية اكثر من ثورة مارتن لوتر الاصلاحية لو أسس لفكر ابن عربي إن أشار حقا الى كون الله يسري في ااكون من ادناه الى اعلاه ان كان يعني وحدة الخالق والمخلوق والله تجلى في كل شيء. تطور من عبيد الله الى ابناء الله والى تجلي لله لو أسست الاديان لهدا ما وجدت حروب دينية وكراهية .التطور أثبته العلم تنتهي الحياة على كوكب ما حول نجم ما لتبدأ على كوكب آخر عبر ملايير السنين مادة وطاقة لهما وعي قد يجازي الفرد الخير الذي يصلي للانسانية ويصوم عن القتل والظلم وااكراهية بجنة فيها ابداع وعلم اللمتناهي.

  • الموضوعي
    الخميس 23 يونيو 2016 - 22:07

    الى الرقم 4
    وانا اقول لك ماذا تريد ان تقول يا احمد
    فالواقع لا يعلى عليه يا احمد

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات