"القيام بالصيام" أو "ممارسة الجوع"؟

"القيام بالصيام" أو "ممارسة الجوع"؟
الأحد 26 يونيو 2016 - 09:48

مؤخرا طلبت مني إحدى الإذاعات أن أشارك بصفتي محلل نفساني في برنامج يتعلق بانعكاسات الصيام على سلوك الصائمين. فوجدت ذهني تغزوه أمواج من الأسئلة و أصبح غارقاً يكاد الإختناق من كثرتها. ولكن و قبل كل شيء كمواطن ينتمي إلى مجتمعنا المغربي الذي تتعايش فيه ديانات عديدة، سأبدي برأيي على شكل تساؤلات لأنني أشتغل بهذه الطريقة في عملي للتوصل إلى توضيح ما هو معقد و مبهم في الأذهان. سنتحدث عن الصيام بصفة عامة و الذي يعتبر فريضة في جل الأديان رغم ظهورها في حقب مختلفة من الزمان. فالصيام له أسرار و حكم عديدة و أبعاد لا تحصى، فهو قبل كل شيء يعتبر روحانياً. فهيا بنا أن نقوم بهذه المغامرة العقلانية و لنتشاور و لنتعلم جميعاً.

هل نكتفي بالإمتناع عن الشراب والأكل و السجائر والمخدرات و الجنس، ماعدا استنشاق الهواء الملوث، لنزعم أننا “صائمين” و نطبق حكم الصيام؟

فهل تلويث غازاتنا السامة لبيئتنا، أقوالنا، وقتنا في الأنترنيت، شاشاتنا، سلوكنا، لا يتسربون داخل أجسامنا و عروق دمنا و أنوفنا وحناجرنا و آذاننا و عيوننا؟ فهل تسرب هذه المواد السامة تتركنا دائماً “صائمين”؟

وما حال كل ما يدخل ذاتنا و أدهاننا و نفوسنا وأرواحنا كقساوة كلامنا ونظراتنا الجارحة وعدم الغض من أبصارنا و سلوكنا المنحط اتجاه أخواتنا المواطنات وعنف الأزواج و سوء التعامل مع أطفالنا و عائلاتنا وجيراننا؟

و ما حال كل ما نسمح له أن يتسرب بداخل ذاتنا كرؤية كل هؤلاء المهاجرين في شوارع مدننا وكل ما نراه ونسمعه ونقرؤه عبر الإعلام من مآسي وحروب وظلم وفقر ومجاعة وإرهاب وتمزق تعاني منه عائلتنا الإنسانية؟

أمام هذا السيناريو هل بإمكان ضميري، إذا كان لي ضمير، أن يزعم أنه “صائم”؟

لصالح الإنسانية هل من الأفضل أن يصوم جسمي أو ضميري؟

هل أكتفي بعدم الأكل و الشراب وأزعم أنني “صائم”؟

ما الفرق إذاً بين “ممارسة الجوع” و “الصيام”؟

“الصيام” هو “عمل وفعل” بمعنى آخر “القيام ب…” بعكس “الامتناع عن الأكل” لأنه لا يتطلب منا أي حركة أو عمل وما كل في الأمر هو أن لا نقوم بأي عملية للأكل.

فماذا نمارس إذاً و نقوم به و نفعل أو نصنع ب “الصيام”؟

سوف نقول بأننا نطبق حكم الله؟ بالتأكيد هو صحيح و لكن هل هدف “الصيام” هو الإمساك عن الشراب و الأكل فقط؟

ألا تظنون أيضاً أن “الصيام” يعلمنا الإمساك عن عدة أشياءٍ و عادات أخرى؟

ألا تحسبوا كذلك أن “الصيام” يحول ويطور ضمائرنا ويرقي أرواحنا و أفكارنا و سلوكنا وينمي قيمنا الإنسانية و يزرع إعادة النظر في حياتنا اليومية؟

أليس “الصيام” هو فرصة للتغيير الذاتي و الاجتماعي و لتطوير الحس بالانتماء للمجتمع و خدمته بكل حب و انقطاع؟

أليس “الصيام” هو الفرصة للتعلم ب”القيام للعمل” طول السنة؟

إن “ممارسة الجوع” فقط لا يمكنها أن تغير شيئاً لا في ذاتنا ولا في مجتمعنا بل تعدم الحركة و تتركنا في انتظار ساعة الإفطار فقط. لربما بإمكاننا تعلم “الصبر” في “ممارسة الجوع”؟

ألا تظنون أن “الصيام” هو في الأصل التمرن على “الانقطاع”؟

الانقطاع عن الأكل و عن كل ما هو “زائد” (المخدرات، الجنس، اللهفة المادية…)، الانقطاع عن عدم التسامح والتعايش، عن التعصب الديني و العرقي و القبلي، عن كل ما يلوث الضمير و القيم الانسانية، “الانقطاع” عن كراهية الإنسان لأخيه الإنسان، عن عدم احترام الآخر، عن العدوانية، عن الظلم، عن عدم النظافة، عن الفساد، عن الرشوة، عن الأنانية و حب النفس، عن المنافسة، عن الجشع، عن الكسل، عن الأحكام المسبقة، عن التعصب و التطرف؟

لما نسعى لكسب “الانقطاع”؟ ألا تظنون أن هناك مجهود شاق لابد لنا من بدله؟ وفي ممارسة هذا المجهود ألا تظنون أننا نمارس فعلاً “الصيام”؟

ألا ترون أن الإنسان الذي يمارس “الانقطاع” طيلة السنة و طيلة حياته هو بالفعل “الصائم الحقيقي”؟

لما نحاول “الانقطاع” من حالة أو هيأة ما، لابد لنا أن نرتبط من جديد إلى حالة أخرى. الإنسان هو كائن في عملية “انقطاع-ارتباط- انقطاع-ارتباط….” على شكل حلقة تتكرر بشكل مستمر منذ نشأته. كان في أول أمره مرتبط برحم أمه ثم انقطع عنه ثم ارتبط من جديد بثديها ثم انقطع عنه و هكذا يستمر في حياته من بعد بنفس العملية “انقطاع-ارتباط- انقطاع-ارتباط….”

كما “الانقطاع” يتطلب مجهوداً، ألا تظنون أن “الارتباط” يتطلب كذلك بدوره مجهوداً آخر؟

في هذه التغيرات من حالة الى أخرى أليس بإمكاننا أن نستخلص بأن “الصيام” يحولنا إلى ما هو أحسن وأفضل وأرقى و يعرج بنا إلى عالم الفضائل الروحانية؟ أليس بإمكاننا أن نعتبر “الصيام” معراج الرقي الروحاني و الاجتماعي؟

ألا تظنون أن “الصيام” بإمكانه أن يحولنا إلى “بشر جديد” قادرين على مراجعة أنفسنا لكي نطور قدراتنا الروحانية و الإنسانية حتى نبني مجتمعا أفضل، مجتمعا مسامحاً، مجتمعاً سلمياً و منسجماً و متناغماً؟

إذا صمنا بدون أن نسائل أنفسنا ونراجع نوايانا وبدون معرفة كيفية استعمال “آلة الصوم” فلربما “ممارسة الجوع” تكون أفضل لكن بدون أن نعلن و نفضح “الصائمين”.

‫تعليقات الزوار

4
  • أبو هاجوج الجاهلي
    الأحد 26 يونيو 2016 - 11:49

    شكرا يا استاذ مقال مهم وجميل وفيه عبر لمن يعتبر ولكن لا حياة لمن تنادي. منغمسون في لاهوتهم التقليدي ونسوا ان التربية والحوار والنظافة واحترام الاخر من ابجديات الانسانية.

  • احمد
    الأحد 26 يونيو 2016 - 11:51

    لو كلفت نفسك يا دكتور عناء البحث في سنة طبيبنا وحبيبنا لوجدت ما يشفي غليلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب. فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم…. الحديث"رواه البخاري و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه

  • SIBAOUEH
    الأحد 26 يونيو 2016 - 20:06

    كفى نفاقا وبهتانا
    ليس هناك من ديانات متعددة بالمغرب
    القليل القليل من الكنائس كلها مهجورة
    وعدد اليهود بالمغرب لا يتعدى 10000 شخص على أكبر تقدير
    وبالتالي فالدين الوحيد بالمغرب هو الإسلام والترويج للديانات الأخرى يدخل في مخططات الدول التي تمولكم لزرع الفتنة والتفرقة بين أفراد الشعب المغربي
    والغريب أن ماسيمى بالرجيم عندكم لا يدكل في ممارسة الجوع بل ببرنامج قد يحمي صحة صاحبه والأغرب من كل هذا فالرجيم ينصح به الأطباء وحتى الساعة لا يدخل في ممارسة الجوع اللهم الصيام لأن الله أوصى به العباد
    هاهنا كل المشكلة
    أصبحتم تشمئزون من ذكر مصطلح الإسلام
    والحقيقة فإنك بعيد كل البعد عن التحليل النفساني بقدر مأنت مريض ليس فقط نفسيا بل عقائديا أيضا

  • rachidoc1
    الإثنين 27 يونيو 2016 - 13:59

    "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب. فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم"
    .
    ما رأي القائل في أن المسلمين هم من كانوا يبادرون لمقاتلة غيرهم في رمضان؟
    .
    علاش كنديرو عين ميكة على المتناقضات التي تفوح من المأثورات ؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة