"دير مزية" مسرحية تكسر جدار العزوف السياسي

"دير مزية" مسرحية تكسر جدار العزوف السياسي
السبت 25 يونيو 2016 - 15:53

“الهُروب ماشي حل، ومُول الدار ما يرحل..”، هكذا يُدندن السي عبد الصبور (فتاح النكادي)، مُخاطبا علال (سعيد آيت باجا) الذي كسر الجدار الرابع في الفصل الأخير من العرض المسرحي “دير مزية”، طَلبا لدعم الجمهور من أجل إخراجه من وضعيته النفسية المضطربة بسبب تمزقه بين التصويت لوالدته القابلة الصفية (فضيلة بن موسى) أو للحاج المكي والد خطيبته (فريد الركراكي).

ورغم نزول الشاب علال من الركح إلى القاعة لإشراك الجمهور في أحْداث المسرحية، إلا أنه ظل نزولا سريعا غير تَفاعلي بالطريقة البريختية، التي يتحول فيها الجمهور إلى شريك وعضو فعال في صناعة الفرجة المسرحية، لم يتم رغم أن سَعيد آيت باجا مُمثل مسرحي دارس ومُمارس للمسرح بكل مدارسه، ربما يعود ذلك إلى طريقة كتابة وإخراج النص المسرحي.

هذه مجرد مُلاحظة عابرة، لا تمنع من الاعتراف بالمَجهود الجماعي المَبذول من قبل كافة أفراد فرقة جمعية “إيسيل للمسرح والتنشيط الثقافي”، التي قدمت مساء يوم الخميس 23 يونيو 2016 بالمسرح الوطني محمد الخامس، أول عرض لعملها المسرحي الجديد “دير مزية” وهذا ما ظهر سواء على مستوى الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، ماعدا بعض الحوارات التي تجري بين شخصيات المسرحية وهي بحاجة إلى المزيد من الاشتغال والبحث بما يخدم مواقفهم الدرامية والكوميدية، وما يَتناسب مع الموضوع الذي تعالجه المسرحية، سيما إذا كان يتعلق بمُناخ العملية الانتخابية، وما ينتج عنها من عزوف سياسي وموت للسياسة.

مَع الاحترام والتقدير لمؤلف النص المسرحي الأستاذ عَبد الكبير الشداتي، المشهود له بتوقيع مجموعة من الأعمال المَسْرحية المُستوحاة من المُجتمع المَغربي، إلا أن هذا لا يمنع من تسجيل هذه الملاحظة السريعة بخصوص ما ظهر أحيانا من “برودة” في جزء من الحوار المسرحي الذي كان بإمكانه أن يكون أكثر حرارة وحَمَاسا.

-1-

تدور فُصول المسرحية، التي أخرجها هشام الجباري، في فَضاء وحيد وبسيط (سينوغرفيا من إنجاز رَشيد الخطابي) يتشكل من ثلاثة منازل، يقطن في أوسطها الحاج المكي، الكائن الانتخابي الذي اعتاد على “التخلويض”، والفوز بطرق ملتوية. يحتل منزله مساحة كبيرة نن الركح ويتوفر على شرفة تطل منها ابنته رقية عَلى الأمل الذي يمثله علال ليخرجها من بيئة والدها الفاسدة.

يلعب معها علال في إحدى مشاهد المسرحية دور قيس وليلى، بعدما يخرج من منزل والدته المُتواضع، فيصل تحت شرفة مَنزل علال المكي، ويبدأ في مناداة رقية بعبارات الغزل من قبيل “رقـــــرقـــــــــرقـــــــــــرق”، لتشرع في رشقه بمخدات صغيرة، في إشارة واحضة منها إلى رغبتها في الاقتران به في أقرب وقت.

أما المنزل الثالث فيقطن فيه السي عبد الصبور الكفيف رفقة شقيقته التي تصنع له الحلوى ليبيعها في الشارع، ولأن أغلب زبنائه من الذين يشترون بـــ”الكريدي”، تحول إلى مُراقب جيد للأحْداث التي تقع أمامه، أكثر من باقي المبصرين، يُعلق على بعضها مرة، ويكتفي مرة أخرى بالعزف عَلى مفاتيح البيانو عَلى إيقاع ما يَجْري إلى أن تصل مرحلة تدخله المباشر لترجيح كفة المرشحة صَفية على غريمها الحاج المكي.

في مشهد جميل، تنتقل فيه القابلة صفية، من سيدة قصدت منزل الحاج المكي لطَلب يد ابنته رقية لولدها علال، إلى مُرشحة مُنافسة له في الانتخابات، وتبدي شجاعة نادرة في مواجهته مهما كلفها ذلك، ومنها خذلان ابنها الذي “أكل” الحاج المكي دماغه وأقنعه بالاصطفاف إلى جانبه، لــــ”يمنحه”، ابنته مقابل دعمه من جهة، ومهاجمة والدته من جهة أخرى، وهُنا يجسد كل من علال الشاب العاطل اللامبالي، والحاج المكي الشخصية البراغماتية، إذ يُضحي كل منهما بأقرب المقربين إليه من أجل أطماع شخصية محدودة.

يعيش كلاهما في حالة تخدير معنوي الحاج المكي يلهث نحو الفوز بمقعد برلماني، بينما لم يكتف علال بما يعيشه من حالة تخدير تامة نتيجة عشقه لصفية، بل استقطبه بسرعة مُساعد الحاج المكي، إلى نادي مدمني المخدرات. وماذا ننتظر من شاب عاطل عاشق بجنون، يتعاطى المخدرات سوى عقوق الوالدين والوطن ؟

-2-

تستحوذ على الركح طيلة الفصول الأخيرة للمسرحية، شَخصيتان متناقضتان، تَدور بينهما حربا انتخابية طاحنة، تمثل الشخصية الأولى صفية الأرْملة التي تشتغل بمهنة القبالة، تترشح للانتخابات لأول مرة، ورغم أنها لا تملك أموالا كثيرة، إلا أنها تملك ثقة المواطنين الذين دفعوها إلى منافسة الحاج المكي، الذي تتغلب عليه بمصداقيتها وببرنامج انتخابي، والأهم هو إعلانها الدفاع عن مصلحة البلاد، وليس مصلحتها الشخصية، تخاطب ابنها علال الذي اصطف إلى جانب خصمها السياسي طمعا في ابنته “أنا اخترت البلاد”، فيرد عليها في مشهد كوميدي: “حتى بغيت نتزوج، عاد بانت ليكم لبلاد”.

الشخصية الثانية، يمثلها الحاج المكي، الكائن الانتخابي الذي يتقدم للانتخابات بدون برنامج انتخابي، ومَازال يعتقد أن الوضع مازال كما كَان عليه في السنوات الماضية، 1997، 2002، 2007، كما يظهر في بداية العرض المسرحي حيث تتم الإشارة إلى هذه السنوات، وما رافقها من حملات انتخابية، كانت تحمل دوما الحاج المكي إلى البرلمان، عن طريق تنظيم الولائم والحفلات وشراء الذمم، إلى جانب تنظيمه في باقي أيام السنة حفلات “ختان” الأطفال الذكور.

تمثل هاتين الشخصيتان اتجاهين مختلفين، إذ تمثل القابلة صفية، اتجاه الإصلاح والسعي نحو خدمة الوطن، بينما يمثل الحاج المكي اتجاه الفساد والسعي نحو خدمة مَصالحه الخاصة، ولعل تجسيد الاتجاه الأول من قبل امرأة، وإسناد دور الاتجاه الثاني لرجل، يتضمن إشارة بضرورة فتح المجال أمام النساء للمشاركة في الحياة السياسية، لأنهن قادرات على التغيير و”توليد” أفكار جديدة.

-3-

سي عبد الصبور (فتاح نكادي)، شخصية أخرى، وإن ظهرت ثانوية، إلا أنها تمثل شريحة من المواطنات والمُواطنين، ليس فقط الذين يعيشون في وضعية إعاقة بصرية، بل تمثل جميع الذين تظهر لهم الحياة ظلام دامس بسبب الفساد المستشري في مفاصلها.

وهكذا، وبعدما ظل يقاطع سي عبد الصبور الانتخابات، بسبب تزوير تصويته ذات انتخابات، قرر أن يقطع مع ظاهرة “العزوف” والانخراط في الحياة السياسية، ويظهر ذلك ربما خلال توقفه عن “عزف” البيانو ومغادرته للكرسي، وإقناعه رقية ابنة الحاج المكي بالالتحاق بالمرشحة القابلة صفية، لتكون مديرة حملتها الانتخابية في مواجهة والدها الحاج المكي.

وحتى لا يعتقد الناس بأن أمثال سي عبد الصبور، في حاجة إلى من يرشده إلى الطريق، ينتفض في وجه أحدهم، قائلا في نهاية المسرحية : “أنا اللي غادي نورييك الطريق”، مخاطبا الجمهور : “إذا بغيتو التغيير نوضوا تصوتوا”، ورغم انتقاد هذا الأسلوب المباشر في الأعمال الفنية إلا أن طبيعة المسرحية تتطلب توجيه مثل هذه الرسائل التقريرية، التي كانت ستصل إلى الجمهور دون اللجوء إلى ذلك الأسلوب، سيما أنه من المفروض أن يعقبها فتح نقاش كما صرح بذلك مدير الفرقة سعيد آيت باجا.

مساعد الحاج المكي، شخصية مخادعة تَتعاطى المخدرات، الذراع اليمنى للحاج المكي ومدير حملته الانتخابية، بقامته القصيرة وجلبابه المخطط بقب يضع فيه بطيخة، وطاقيته المتسخة، يُوحي لرئيسه بخطط جهنمية للقضاء على خصومه السياسيين، وعل رأسهم المرشحة صفية، ينظم له اللقاءات او “الزرود”، ويحيي له الحفلات الراقصة مع فئات المجتمع، من الشباب الذين بلغوا سن التصويت إلى كسالة الحمامات الشعبية، مرورا بالمتسولين، ولكل فئة مدخل معين للتواصل.

-4-

رقية، شخصية وإن ظهرت في بداية المسرحية مَسلوبة الإرادة، كل همها الزواج من علال بحثا عن الخلاص الفردي، ورغم أن من تحبه عاطل عن العمل ولا يحمل أي دبلوم يؤهله لذلك، ورغم تحذيرات والدته إلا أنها تصر على الاقتران به، وبإمكانها الوقوف بجانبه إلى أن يصبح “سيد الرجال”. إن رقية شخصية “هبيلة” كما يصفها علال، غير أنها ستصحو من غفلتها وستسمع لنصيحة سي عبد الصبور الكفيف ، الذي سيقنعها بالانتقال إلى صف “المعقول”، وهي مُحاولة أخرى من المسرحية لتركيز هذا “المَعقول” في كفة نساء المسرحية عل الأقل، وفي ذلك تشجيع للمرأة على المشاركة في الحياة السياسية، في المقابل يتباطأ رجال المسرحية في الالتحاق بجبهة الإصلاح، وعلى رأسهم علال الذي يظل تائها شريدا طريدا من بيت والدته بسبب إعلانه مواجهتها واستعداده للعمل إلى جانب خصمها السياسي، وإعلانه فضحها والبحث في أرشيفها الشخصي عن أي شيء لتلفيق تهمة باطلة إليها تسيء إلى سمعتها لتتراجع عن منافسة الحاج المكي.

تصل الوقاحة بهذا الابن العاق، إلى تهديها بالبحث عن علاقة والدته المشبوهة بالبغل الذي ركل والده فأرداه قتيلا، وهي التهمة التي استفزت صفية لتطلق صرخة في إبنها، وهي تهدده باللعنة والعقوق، وهي الصيحة التي لم تكن في واد بل تمكنت من إيقاظه من غفلته قبل فوات الأوان، ليصطف في الانتخابات إلى جانب “المعقول” في مواجهة الحاج المكي.

-5-

المسرحية، وإن أعلن أصحابها أنها تشكل إسهاما من قبل الفن المَسرحي إلى جانب باقي الفاعلين في دعوة المواطنين والمواطنات إلى المُشاركة في الحياة السياسية، تظل عملا مسرحيا له فراداته الفنية، بالنظر إلى الريبرتوار الفني الغني للممثلين المشاركين، أو من خلال ما وفره المسرح الوطني محمد الخامس من تجهيزات سيما على مستوى الكشافات الضوئية، حيث تم تجسيد مشهد فني بإتقان، ويتعلق بحوار يدور بين علال في مرحلة ضلاله وتعاطيه للمخدرات، ومساعد الحاج المكي، الذي جاءه مثل أي شيطان رجيم في صورة رقية، إلى جانب مشاهد أخرى تمت فيها الاستعانة بالإنارة، وفي ذلك إيحاءات بالانتقال من ظلمات الفساد إلى نور الإصلاح.

-6-

من فرادات الفنية لهذا العمل، اختيار أسماء الشخصيات بعناية، فالابنة رقية راقية في علاقاتها إذ رغم اختلافها مع والدها تظل وفية له. وسي عبد الصبور الكفيف، صابر على وضعه ينتظر الفَرج، والحاج المكي، في إشارة إلى اكتساب مثل هذا الكائن الانتخابي لصفة الحاج الذي زار مكة (المكي)، واستغلاله لها من أجل الوصول إلى أهدافه الشخصية. أما علال فيمكن تأويل إسمه بفئة من أبناء الشعب، الذين “يعللون” سبب عزوفهم عن المشاركة السياسية بعوامل كثيرة من بينها وجود سماسرة الانتخابات، والبطالة، والمخدرات وغيرها من الآفات.

أما صفية القابلة، فتحيل على الصفاء والمصداقية، والأهم من ذلك مهنتها في القبالة التي تُوحي بإشرافها على ولادة مَرحلة جَديدة، ويستنتج ذلك من يقوم بمحاولة ربط بداية المَسْرحية بنهايتها، إذ يتم رفع الستار على إيقاع زقزقة عصافير وبكاء جنين عقب الولادة، ويام إسدال الستار على ولادة جديدة لــ”علا”ل عندما يَصحو ضميره ويختار الطريق الصحيح إلى جانب والدته.

-7-

ينتهي العرض المسرحي الذي استقطب عددا كبيرا من الجمهور، من بينهم حضور رئيس الحكومة، ووزير الاتصال والثقافة، (ينتهي) بإبداع لوحة فنية، يختم بها الممثلون أول عرض لهم للمسرحية الجديدة “دير مزية” بمدينة الرباط، من خلال حمل كل واحد منهم ورقة مكتوب عليها اسمه، ليضعها داخل صندوق زجاجي تم وضعه وسط الركح، في رسالة منهم لتشجيع إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع، وهذا من بعض مهام الأعمال الفنية “اللي تدير مزية”.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين