لا داعي للقلق، مصر وتونس ورقتان رابحتان للمستقبل

لا داعي للقلق، مصر وتونس ورقتان رابحتان للمستقبل
الجمعة 22 يوليوز 2016 - 18:59

السياسة الدولية والعلاقات الدولية يمكن تشبيهها بمباريات كرة القدم، بحيث تخبأ الأوراق الرابحة في دفة اللاعبين الاحتياطيين، الذين من شأنهم أن يغيروا مجريات اللعب كلما اشتد وطيس النزال بين الفرق المتبارية، و كلما دعت الضرورة لإدخال عنصر أو عناصر جديدة في الوقت المناسب و بالطريقة المطلوبة، لقلب موازين التباري و إبعاد المخاطر عن الشباك، أو تسجيل الأهداف المتوخاة بشكل مفاجئ و مباغت، و وفق شروط الأطراف.

فالمدرب الحكيم هو الذي لا يضع بيضه كله في سلة واحدة بل يضع أوراقه الرابحة في دفة الإحتياط ليس إحتقارا لها بل للتعرف على اللعب أولا و على خطط الخصوم ثم بعد ذلك يقرر إخراجها للحيز الظاهر وإن اقتضى الأمر التفاوض معها على بنود مصلحية مستقبلية جديدة حسب عطائها في الميدان.

و بذلك و بعيدا عن التحليلات السطحية، التي آخذت مصر و تونس على عدم توقيعهما على عريضة مطالبة الإتحاد الإفريقي من أجل سحب صفة العضوية التامة من تنظيم البوليساريو من المنظمة الإفريقية، على غرار عدد كبير من الدول الإفريقية الصديقة للمغرب و المساندة لمغربية الصحراء الشيء الذي قد ترفضه مصر من حيث الشكل بحيث تفضل أن تكون جبهة لوحدها من دون إدراج إسمها في عريضة رفقة دول قد تعتبرهم أقل شأنا منها.

لا يمكن وفق المعطيات الجيوسياسية الحالية، وبالنظر إلى موقع المغرب حاليا على خريطة المنطقة الشرق أوسطية و الإفريقية، إلى جانب الترتيبات الأخيرة التي قامت بها المملكة في علاقاتها مع عدد من الدول الكبرى خصوصا روسيا والصين، لا يمكن إلا أن يكون موقف تونس و مصر موقفا منسقا مع توجهات المغرب، و موقفا ذكيا ذو بعد تكتيكي يتوخى الإلتحاق بالموقف الإفريقي الداعم للمغرب في المحطات المقبلة من نزالات الديبلوماسية المغربية في اللقاءات القادمة للمنظمة الإفريقية، من منظور إستراتيجي يهدف إلى إضعاف صف خصوم الوحدة الترابية للمغرب من داخل العمل المؤسساتي للمنظمة بشكل تدريجي مستنزف لقوى الخصوم.

الحكمة في إدارة النزاعات الكبرى تقتضي عدم إلقاء كل العصي دفعة واحدة، بل التريث و إلقاؤها واحدة تلو الأخرى في إطار ما يقتضيه ذلك من أخذ الحيطة و الحذر اللازمين لتأمين الأصداق، و عدم الكشف عنهم حزمة واحدة و عدم الزج بهم جميعهم في معركة جزئية، بل يتعين إنتظار ردود فعل الخصم لتلقف ما سيلقيه من حبال و عصي و كشف نواياه أمام قوة الطرف المغربي فلكل خصم نظيره الذي يمكن أن تفرضه الطبيعة و موازين القوى ندا له، وبالتالي التوازي والملائمة في إخراج الأسلحة حسب حجم الند.

إن إغراق المشهد دفعة واحدة بكل أوراق اللعب لن يفيد المغرب في شيء بل سيكون له أثر سلبي من خلال الضغط الشديد على الحلفاء الأقوياء. لذلك يترك عدد من اللاعبين الذين قد يبدون للغير محايدين أو حتى مساندين للخصم، يتركون لمحطات أخرى قد تكون صعبة لبلادنا و قد يلعب فيها هؤلاء المحايدين دور المنقد أو الوسيط أو المرجح عندما يقتضي الأمر ذلك.

فمصر و تونس ليس لديهما في الوقت الراهن اي مبرر لإثارة المغرب ضدهم، و هو في أوج إشعاعه و استقراره، بل كل المؤشرات تدل على أنهما كليهما يحتاجان لإخماد أي شرارة حريق مهما صغرت، تفاديا لأي موقف مغربي معادي لهما. و الدليل هو الهدوء الإعلامي المصري تجاه المملكة و الذي تجاوز مرحلة عدم إنتقادها إلى مرحلة الإشادة و الإنبهار و المدح للنموذج المغربي و لمؤسساته، و الجميع يعلم أن إعلام مصر الرسمي و جزء كبير من الإعلام المستقل هو إمتداد لمواقف الدولة الرسمية و للمؤسسة العسكرية هناك.

تونس التي تعيش المخاض العسير و هي تعلم و تعي تمدد المغرب في المنطقة، مرورا بجارتها الشرقية ليبيا إلى دول الخليج المدعمة للرئيس التونسي الحالي، و التي أيضا يعي أبناؤها قدرة المغرب على فك أي حصار عنه و عن مواقفه، و يعون أيضا قدرته على إرباك المنطقة أو خلخلة التوازن السياسي فيها، لا يمكنها أن تنحى في إتجاه معاكسة تطلعات المغرب في قضية الصحراء، التي تعلم هي أيضا أنها عائقا أمام بناء إتحاد مغاربي قوي و مستقر يعود عليها بالنفع.

خلاصة القول لا داعي للتهجم على الدولتين الشقيقتين إعلاميا و يجب التريث الهادئ و الحكيم و ترك الأمور لمآلاتها و تطوراتها المستقبلية، التي يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمفجآت بعد عودة المغرب بقوة للحضن الإفريقي، الشيء الذي من شأنه أن يجعل مصر و تونس في الصف المغربي حتما، لحسابات عميقة في التاريخ و الجغرافيا و كذلك حسابات المصالح الآنية سياسية و إقتصادية.

*باحث في العلوم السياسية

‫تعليقات الزوار

9
  • المحتار
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 19:54

    يحضر في ذهني مفعول ذلك العجين اللذي إذا ما حط الفأر رجله عليه يلتصق به. وإذا ما قاوم من الافلات فإنه يتخبط فيه، فيلتف العجين حوله إلا أن يشل حركاته تماما ويمضي باقي الوقت يتمنى الفأر الموت فلن يجده إلا بموت بطيئ. هذا ما يحدث لحكام الجزائر اليوم عندما أراد المغرب العودة للمنظمة الإفريقية. فل نتفرج في المصيدة اللتي وقع فيها حكام الجزائر. "جاهم السعر"

  • مغربية
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 20:07

    كلام معقول و متزن و هذا هو المأمول في هاتين الدولتين و لا داعي للتسرع في المواقف الهجومية المجانية.و هذا هو أيضا المأمول في ديبلوماسية صاحب الجلالة.

  • KITAB
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 21:38

    أولا لا أعتقد من الدقة في تحليل وضع سياسي ما أن نشبهه بمباراة في كرة القدم، فالعلوم السياسية إزاء ظاهرة سياسية ما كوضعية المغرب إزاء اتحاد المؤتمر الإفريقي تستدعي في التحليل عناصر جد مشعبة معظمها لا نتوفر عليه، فضلا عن وجود قوى ضاغطة كالمصالح الاقتصادية وتبني مواقف الدول المناصرة لأطروحة المغرب وفوق كل هذا توجد قوى متحكمة في المشهد الافريقي برمته….

  • المحتار
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 21:49

    تصحيح تعبيري للردالعفوي اللذي كتبته في التعليق الأول :
    يحضرني مفعول ذلك العجين العجيب اللذي إذا ما حط الفأر رجله عليه، يلتصق العجين حول جسمه. وإذا ما قاوم من أجل الإفلات منه، يندهش الفأر مما حل به، فيتفانى في التخبط فيه من أجل الإفلات، فيلتف العجين حوله إلى أن يشل حركاته تماما. فيمضي الفأر في مواجهة ما حل به، فلن يجد حلا سوى تمنى الموت مما أصابه، ولن يجد إلا موتا بطيئا ينتظره. هذا ما يحدث لحكام الجزائر اليوم عندما أراد المغرب العودة للمنظمة الإفريقية. فل يتفرج العالم في المصيدة اللتي وقع فيها حكام الجزائر من حيث لا يدرون. ولييتفانوا في سعرهم من أجل إقناع أشقاء المغرب الافارقة من أجل أن لا يكبلهم العجين العجيب اللذي تورطوا فيه. أصحاب المنازل يؤرقهم الفئران لمدة طويلة، ولكن الفأر يصطاده العجين العجيب في النهاية.

  • ابراهيم
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 22:01

    أريد أن انبه صاحب التعليق رقم أنه في الحقيقة التشبيه هكذا هو من صميم العموم السياسية و خصوصا علم الاجتماع السياسي الذي يصف الظواهر و تقريب صورتها للعموم و ان المقال حسب اعتقادي هو ليس تحليلا و إنما تعليقا موفقا على التكتيك الخفي في الوضع.

  • فهد
    الجمعة 22 يوليوز 2016 - 23:00

    بريطانيا في طريقها للإنفصال النهائي عن الإتحاد الأروبي والمغرب على العكس من ذلك يرغب في الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، مفارقة عجيبة.

  • استاذ من الصحراء المغربية
    السبت 23 يوليوز 2016 - 00:28

    تونس متخوفة من مصدري الارهاب والامر مفهوم ونتفهمه وحتى ليبيا الجديدة فتونس خبرت جيارنها الغربيين وتعرف كل ما قام به النظام الذي ابتليت به المنطقة من زرع للفتن وتصدير ازماته اليها كما يفعل ضد المغرب ولازال
    مصر اكيد متريثة ولاتريد ان تفقد سواء المغرب او جارة السوء لاداعي ليتم احراجها اكثر اما ليبيا فنفس وضعية تونس فهي تكتوي من ارهاب انتجته المرادية في سراديبها

  • اكروم
    السبت 23 يوليوز 2016 - 02:20

    مقال جيد وجميل يستحق الإشادة والتنويه وما أعجبني به تمثيل تأخير تونس ومصر بالاعبين الذين يقلبون المباراة في الدقائق الأخيرة خلافا لبعض التعاليق التي لم تستسغ ذلك أعجبني المقال كثيرا تحية لك فعلا كنت خائفا بعض الشيء الان أويلت حيرتي وشكرا

  • حميد الزاهر
    السبت 23 يوليوز 2016 - 18:19

    اعتقد ان الحيثيات التي سيقت واهية و فارغة القصد منهاىالكتابة من أجل ملئ الخانة و التهليل و التطبيل دون الاستناد الى معطيات جيوستراتيجية محددة.
    فهومقال يفتقد لمعطيات تاريخية و احداث و مراجع ذات مصداقية، لأان الباحث في العلوم السياسية لا يتحدث غالبا عن العلاقات الدولية و خصة ملف علاقة المغرب و افريقيا المثقل بالتفاصيل و الملفوف بالغموض و الدسائس. ومهما يكن، كان من الاجدر بالكاتب الا يصيع وقت القؤاء بما لا يفيد من كلام العامة لأن ما قيل يروج على السنة الناس في المقلهي و صالونات الحلاقة. و نتمنى الرقي بعقل القارئ و فكره لمقالات وازنة و مشبعة بالمراجع المفيدة و القمينة بجعله يستفيد لا يكرر ما يعرف. و اتمنى صحافة محايدة تقبل النقاش لا التحيز و شكرا.

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء