بنك الوطن: بنك من لا بنك له

بنك الوطن: بنك من لا بنك له
الجمعة 29 يوليوز 2016 - 18:53

معاوية فوق الشجرة:

هناك دلائل كثيرة، من تاريخنا، تؤكد أن تدبير الدولة لا يستقيم ،مخزنيا استبداديا ،إلا إذا كان،في أغلبه، ريعيا.

وكلما جرى الريعُ عيون عسل ،وسواقيها؛كلما ألهب سياط الاستبداد الفئات الشعبية الفقيرة ،مالا وحيلة.

الاستبداد يبني الأسوار والقلاع، لينغلق مع مناصريه،يقاسمهم الثروة على هواه،ولو فسد الهواء؛ والعدل يفتح الأبواب ليغمر الهواءُ الطلق – وليس الثروة فقط- كل الوطن و المواطنين.

الحاكم المستبد يعرف أين يضع السيف ،وأين يضع الندى ؛ولا يطمئن قلبه إلا إذا حاز من ثروات الوطن ما يشتري به النصرة والسند. من هنا إعمال السياط في ظهور المطالبين بالعدل في توزيع الثروة العامة.

هذا الوضع لازم الدولة المغربية التقليدية ،عبر تاريخها كله؛مستلهمة الاستبداد الإسلامي الشرقي الذي أرسى أسسه مؤسس الدولة الأموية ،معاوية بن أبي سفيان ؛إن سكتنا عن الصحابي الجليل،المقتول، عثمان بن عفان.

بل اقتحم على الدولة المغربية المستقلة بعض مراحل تأسيسها،وخالطها بدرجة ما إلى أيامنا هذه ؛رغم كون هذه الدولة نحت، منذ البداية ، نحو الحداثة التدبيرية ؛ التي لا يمكن أن تعني أقل من سمو الدستور والقوانين ،وتكافؤ الفرص ،والتوزيع العادل للثروة الوطنية.

كل مفردات وتفاصيل الريع المخزني التقليدي والحديث، ترتد إلى الدولة المستبدة؛كما تعاقبت في هذه الخريطة،وكما تعذر عليها أن تتأسس – دولة حق وقانون – دون القطع مع ارث الماضي.

وقد لا نختلف كثيرا حينما نقول بأن أكبر حافز ظل فاعلا،ومنذ القديم، في نفوس المغاربة ،مرسخا لمواطنتهم هو محورية الملكية/المخزن ،بكل بريقها وقوة جذبها.

من هنا تجَذُّرُ التربية على توسل القرب من المخزن ،بشتى الأساليب؛ حتى غدا الرقي الاجتماعي ،المعنوي والمادي ؛بدل انبنائه على الكفاءة و الإخلاص في العمل ؛غير متصور الحصول خارج دائرة المخزن ؛وداخل دائرة الدولة لا غير.

لم نصل بعد إلى الاقتناع ،الذي يَجُبُّ ما قبله ؛ بكون محورية الدولة المغربية الحديثة،بدستورها و قوانينها ،يجب أن تحل محل محورية الملكية /المخزن. ولم نستوعب بعد ماذا يعني إعلان الملكية مُواطِنة ،وإعلان الملك مواطِنا ،كسائر المواطنين ،وان كان ملكهم.

وهُدام الدولة ،من هم؟؟

أعتقد أن أغلب الريع الذي يسيل مَددا بين أنامل ” خدام الدولة”،كما جرت تسميتهم مؤخرا ،لم تكن الحاجة المادية هي الأصل فيه؛ بل الحاجة إلى اطمئنان القلوب “الزاهية” بأن المخزن راض عنها.

حينما تجد أسماء نافذة مالا وجاها ومكانة ضمن تجزئة “خدام الدولة” ،يتبادر إلى ذهنك أن هناك فئة يحتمل أن تكون من “هدام الدولة”.

تبحث لك عن موقع ،أنت الذي يأبى عليك بنكيران معاشا مستحقا إلا نكَدا ،أنت الذي تكدح في أوراش البناء إلى أن يتعب المساء،أنت الذي تستسمك لنا في مخاطر البحار ،أنت الذي تذُب عنا في رمضاء الصحراء،أنت الذي تستف الطباشير فيخرج من جوفك حروفا تهجوك،أنت الذي نجدك في دكانك ذراعا لنا حين العَوز النصف شهري،أنت الذي لا تعرف بنك المغرب لأن بنكك هو بنك الوطن..وأنت وأنت .

تبحث لك عن موقع ،ليس ضمن أرقام التجزئة،فهذا مما تُغْلقُ دونه حتى أبوابُ الأحلام ،بل ضمن دائرتي الخُدام والهدام . تتساءل عن الأصل في هذه الثنائية السياسية الجديدة؛وعن أسباب نزولها في هذا الوقت بالذات.

تتذكر حديثا ملتهبا ،سابقا،عن “لاكريمات” ،المقالع،ومأذونيات الصيد في أعالي البحار ..تتذكر وتتذكر ؛ولا تملك إلا أن تقول هذه الوثبة نحو طريق زعير من ذاك النفير والشخير .

وحينما تكد لتفهم يطالعك بريق المخزن ،كما استوى منذ قرون ،واعتبار طلب القرب منه،ولو احتراقا وفناء كالفراش،بمثابة الركن السادس في ديننا.

سيظل هذا العائق البنيوي ملازما لمقدمات الدولة المغربية الحديثة،كما نعيشها ؛مالم نقطع معه تربويا وسياسيا.

لا يبدو أننا عقدنا العزم على إعلاء مواطنتنا،والتباهي بخدمتها صادقين ؛حينما يتباهى غيرنا بكونه من خدام المخزن .

إذا كانت أرصدة هؤلاء في بنك المغرب ،فأرصدتنا ،كما كانت دائما، في بنك الوطن.

كم حماني وساندني ،شخصيا، هذا الرصيد اللامادي ،حينما داهمني من كل جهة سِباب وتهديد الأجهزة الجزائرية ،التي طالما أصبت منها المقاتل ،إذ أنكرتْ على الوطن بعضَ خرائطه ؛وقد أدركت منها ، ومن تاريخها الحديث المصنوع،كعب أشيل.

غدا اذا داهمنا الأعداء ،واسودت سماؤنا ،وهاج وماج برنا – كما حصل عبر التاريخ -فلن تجد الدولة بين يديها غير أرصدة الوطن ،المسجلة في اسم خدام الوطن.

يكفي أن تدلي برسم الولادة ،مغربيا،كامل الحروف الأمازيغية والعربية،ليفتح لك بنك الوطن رصيدا ينمو باضطراد،لن تجوع معه ولن تعرى،ولن يفضحك أحد في الفيسبوك ؛رصيد التضحية،القناعة، العفاف ،الإخلاص، المحبة،السعادة،الطمأنينة وراحة البال.

حينما يُدلي خدام الدولة برسومهم العقارية وأرصدتهم في بنك المغرب ؛الق عليها ،أنت،رسم انتمائك لبنك الوطن؛ ستراهُ حية تسعى .

هُش عليهم بنخوة الانتماء للوطن ،حينما يهشون ،فقط، بنشوة أراضي زعير ..

Sidizekri.blogvie.com

‫تعليقات الزوار

4
  • المسألة ذات شجون
    السبت 30 يوليوز 2016 - 02:25

    المال عماد السلطة منذ عهود النمرود وقارون ومن تبعهم ، حيث يكون أرباب المال والأعمال في خدمة الحكام مقابل امتيازات.
    وفي الديموقراطيات الحديثة ، يكون الحكام في خدمة أرباب المال و الأعمال ، إذ نلاحظ أن المنافسة بينهم على الإمتيازات تدفع كل طائفة منهم إلى تمويل الحملة الإنتخابية لمرشحها ، لإنجاحه قصد الإستزادة في منافعها.
    حتى الأنبياء لا تقوم دعوتهم إلا بالمال ، فمن أغنياء الصحابة عثمان بن عفان الذي جهزمن ماله الخاص جيش العسرة ، ومن أغنيائهم أيضا ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوام ، عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص.
    أما عن امتيازات خدام الدولة ، فقاعدة "عطاء المال مقابل الولاء " أقرها القرآن في قوله تعالى :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم …"
    و"المؤلفة قلوبهم"هم: الأعيان الذين كان النبي (ص) يترضاهم ضمانا لولائهم.
    ولقد كان للنبي (ص) في خمس الغنائم سهم له وسهم لذوي قرباه وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل. وقال مالك : الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام.
    وبالقياس يكون للدولة حق التصرف في خمس الأملاك والأموال العامة.

  • بنحمو
    السبت 30 يوليوز 2016 - 16:35

    حسب بعض العقول الجامدة ممكن أن نسوي بين معلم يدرس لأربعين ثلميد و أستاد جامعي يحاضر ل600 طالب !
    ممكن أن نسوي بين عامل صباغ و مهندس في مختبر معمل الصباغة لأن كل منهما يتناول الصباغة !!
    و أن نسوي بين حافظ للقرأن الكريم و بين من يحاظر في ما بين سطوره

    البعض يريد أن يسوي بين جنيرال يسهر على خطة مكافحة الإرهال و بين الجندي الذي يطبق الخطة

    الله يسمح لمن أنشد "هم مين و إحنا مين " ، حتى صدق الشباب أن الكل يجب أن يتساوى
    التساوي يجب أن يكون في العدل و الحقوق
    أما المستحقات فلها تراتبية الإستحقاق …

  • chouf
    السبت 30 يوليوز 2016 - 20:16

    ك ل يلغى بلغاه الخمس للدولة عين لعقل الله اكثر من امثالك.

  • أبو مها
    الأحد 31 يوليوز 2016 - 09:50

    السلام عليكم
    كلام في الصميم …بارك الله فيك وفي أمثالك..وهم كثر و الحمد لله رغم أنف هدام الدولة .
    أريد فقط أن أردد معك لو سمحت بعض العبارات التي استوقفتني في مقالك الرائع:
    -حينما تجد أسماء نافذة مالا وجاها ومكانة ضمن تجزئة "خدام الدولة" ،يتبادر إلى ذهنك أن هناك فئة يحتمل أن تكون من "هدام الدولة".
    -هُش عليهم بنخوة الانتماء للوطن ،حينما يهشون ،فقط، بنشوة أراضي زعير ..
    تحياتي

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس