الأصـولية والوصـولية

الأصـولية والوصـولية
الجمعة 29 يوليوز 2016 - 17:00

في الدين كما في السياسة، يلتقي الأصولي والوصولي في مطمح حيازة السلطة السياسية خدمة لاستراتيجيات الهيمنة والتحكم، وذلك رغم اختلاف الأدوات والألاعيب، ومهما تعددت وتنوعت مصادر التبرير وأدوات الشرعنة. فلا ضير في الحياد عن المبادئ والقيم ما دامت الغاية تبرر الوسيلة.

فالأصولي السياسي لا يستنفع من أصوليته إرضاء لنزوة عابرة أو مزاجية في التفكير، وإنما خدمة لهدف مركزي في المشروع الاستئصالي الذي يتبنـاه. ولأنه هدف قد لا يتحقق بالطرق العقلانية والقانونية و الأخلاقية، فإن صاحبه قد لا يجد أمامه من حيل التمكين سوى أن يكون كائناً وصولياً، يتملق إلى الأسياد ، يختزل الجهد، يحرق المراحل، يختصر المسافات، يوظف المقدسات، يشعل الفتن و النعرات، ويدوس على الأخلاق والأخلاقيات…

الأصولي وصوليٌ بطبيعته، أما الوصولي فليس أصوليا بالضرورة، هذا لأن هاجسه ليس المشروع بل إدراك أهداف سياسية آنيـة ولو تطلب الأمر الارتماء في أحضان نقيضه الأصولي. لذلك فهو يبني خطابه السياسي على الشعار وليس على المشروع. وما كل صاحب شعار صاحب مشروع.

قد يجتمع الأصولي والوصولي في شخص واحد أو هيئة واحدة، وقد يتحالفان أو يلتقيان موضوعيا و سياسيا، لأن المنطق النفعي لا يسمح بتوسيع أفق النظر إلى أولويات الوطن . فالوطن، وإن كان حاضرا بشكل متواتر في الخطاب السياسي للوصولي، إلا أن حضوره يكون، في الغالب، إيديولوجياً تبريرياً وليس مبدئياً. حدث ذلك في مجتمعات كثيرة، وانساقت شعوبها وراء شعارات التغيير و دعاوي الإصلاح، حتى جنت على نفسها ومصالحها و أوطانها بعد أن تبدد أمامها وهمُ الإصلاح، وحلم التغيير، وصدمها خراب السياسة و التدبير.

قد يتحالف الأصولي المتأسلم مع الشيوعي المستسلم، تحالف الجار بالمجرور، والتابع بالمتبوع. الأول حامل لمشروع، والثاني محمولاً على نفس المشروع. يتباهى الأصولي باحتواء الوصولي وتسخيره لمشروعه، بينما يتوهم الوصولي، باسم مصلحةٍ وطنيةٍ، أنه يشكل عقدة في منشار الأصولي، يفرمل مشروعه الرجعي ويمنعه من التغوّل، فإذا به يجد نفسه متواطئا في تعطيل الدستور و مفرملاً للمشروع الديمقراطي برمته ، وتلك مصيبة عظيــمة.

الأصولية تستهدف الهيمنة على المجتمع، والوصولية تستعجل السلطة السياسية لإدامة الهيمنة تلك. وكلاهما يشتركان، عن وعي أو بدونه، في استراتيجية تدميرية تجهز على ما في الدين من قدسيـة، وما في السياسة من مبدئية. ولا يهم إن كانت النتيجة في النهاية هي إدخال المجتمع بيت الطاعة، ووضع الوطن على خط النـــــار.

الخطاب الأصولي/ الوصولي هو نفسه خطاب السياسي /الداعية، الذي فرض على السياسة أن تعيش مراوحة انتحارية بين مفهومين نقيضين : الأول، نبويّ يتصور السياسة رسالة دينية/خلاصية، والثاني يمارسها كوسيلة لتحصيل المغانم ( ). وفي الحالين معاً لا يتردد أصحاب المفهومين في ادعاء حق امتلاك و توزيع شرعيات الوجود، الدينية أو التاريخية أو الإيديولوجية، بل و الانتفاع الريعي من هذه الشرعيات.

الحقل السياسي المغربي حابل بهكذا سوريالية في التحالفات و التواطئات والخطابات، حتى استعصى الوضوح والمقروئية على الجميع، وتحولت معه بعض الأحزاب إلى فرقٍ كلاميةٍ تثير الشكوك في جديتها، و السخرية من خطابها، و لا تقيم وزناً لدقة المرحلة ومخاطر الالتفاف على المشروع الوطني الديمقراطي.

‫تعليقات الزوار

3
  • متفرج
    الجمعة 29 يوليوز 2016 - 21:53

    اصبت والله استاذ،وطريقة عالمة ذكية ،انطلقت من ارضية وواقع معلوم الى نسج نظرية محبوكة عن المفاهيم والثقافة السياسية

  • Mohamed Bellahsen
    الجمعة 29 يوليوز 2016 - 23:03

    Application numérique
    ——————————
    الوصولي/الأصولي المتأسلم ساعد الشيوعي المستسلم بميزانية ضخمة ناهزت 18 مليار سنتيم لتهيئة مدينة خميس الزمامرة مكنت البامي من الظفر بجميع المقاعد في الإنتخابات الجماعية.
    هل هدا صحيح يا لقمان الحكيم ؟

  • Ya2iss
    السبت 30 يوليوز 2016 - 22:59

    Ni Les Parvenant (opportunistes ) ,ni les extrémistes fanatiques ne peuvent répondre a ce point de vue . il les blesse Là ou ça fait mal. a savoir Leurs identités et leur dignité malheureuse. Bref les cadavres n'utilisent jamais L'ESPRIT. ( en majuscule je vous prie).

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج